كيف أفرغ الأميركيون القرار 242 من محتواه وجعلوا القضية الفلسطينية مُستَعصية على الحلّ

عملت الادارات الاميركية المتعاقبة، بعد إدارة أيزنهاور، على تجاوز القرار 242 الأممي المتعلق بحل القضية الفلسطينية عبر توقيع إتفاقات ثنائية مع إسرائيل لإفراغ هذا القرار من محتواه وهدفه، ودونالد ترامب هو رئيس أميركي آخر يقوم بذلك.

وليام روجرز: خطته أفرغت القرار 242 من مضمونه

رام الله – سمير حنضل

عندما دافعت إسرائيل ومؤيدوها عن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كانت حجّتهما الرئيسية هي أن واشنطن لا تعترف إلا بالواقع الذي كان قائماً منذ فترة طويلة – أي أن المؤسسات الحاكمة في إسرائيل تقع في المدينة المقدسة.
مع ذلك، فإن الحجة ليست ذات جدوى ولا معنى لها عندما يتعلق الأمر بالقدس الشرقية، التي إحتُلَّت خلال الحرب العربية – الإسرائيلية في حزيران (يونيو) 1967. وفي محاولة للإعتراف بالقدس موحّدة، تجاهلت الدولة الإسرائيلية نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي يؤكد على “عدم جواز إكتساب الأراضي بالحرب”. وفي فشلها بعدم التمييز بوضوح بين القدس الشرقية والغربية، فقد جعلت إدارة ترامب بإدراك موقفها الخاص إزاء القرار غامضاً، مما زاد في تقويض نصّ هذا القانون الدولي.
على النقيض من ذلك، فقد إتخذت إدارة آيزنهاور مساراً مختلفاً جداً بعد أزمة السويس في العام 1956، عندما إحتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء وغزة. ورغم المعارضة الإسرائيلية القوية في حينه للإنسحاب من الأراضي فان الرئيس دوايت ايزنهاور أجبر الإسرائيليين على سحب قواتهم في آذار (مارس) 1957.
وكما قال أيزنهاور في ذلك الوقت: “هل يجب السماح لأمة تُهاجم وتحتل أراضٍ أجنبية في مواجهة رفض الأمم المتحدة بفرض شروط على إنسحابها؟ إذا إتفقنا على أن الهجوم المسلح يُمكنه أن يحقق بشكل صحيح اهداف المُهاجِم، فإنني أخشى ان نُعيد عقارب ساعة النظام الدولي إلى الوراء”.
هذا الإستنتاج لم يلحظه أو يلاحظه ترامب. اليوم يُمكن للمرء على ما يبدو أن يكتسب أرضاً من خلال الغزو، ثم نعتبر هذا الأمر بعد ذلك شرعياً. ولكن في العديد من النواحي، فإن سلوك الإدارة الأميركية أكثر تعقيداً مما يقترح قرار القدس. إن القول بأن ترامب دمّر عملية السلام سيكون غير دقيق. لقد ماتت عملية السلام منذ سنوات، والقرار 242، الذي تأسست عليه، قد تآكل من قبل الولايات المتحدة على مدى عقود.
منذ مطلع سبعينات القرن الفائت، إتخذت واشنطن مواقف من القرار 242 صُمِّمَت لتأهيل شروطها. في تموز (يوليو) 1970، وعدت إدارة ريتشارد نيكسون، في رسالة وجهتها إلى رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك غولدا مئير، بأن الولايات المتحدة لن تصرّ على قبول إسرائيل بالتعريف العربي للقرار 242. وبالنسبة إلى العرب، وإلى العديد من البلدان الأخرى التي أقرّت ودعمت قرار الأمم المتحدة، ينبغي على إسرائيل أن تنسحب من جميع الأراضي التي إحتلتها في العام 1967. وكان من شأن موقف واشنطن أن أعطى إسرائيل المدى وحرية العمل للإنخراط في إنسحاب أقلّ من ذلك الذي يُطالب به أعداؤها.
في ذلك الوقت كان موقف الولايات المتحدة، الذي تم تحديده في “خطة روجرز”، الذي إقترحه وزير الخارجية آنذاك وليام روجرز، هو أنه نظراً إلى أن حدود 1967 قد عُرِّفت وحُدِّدت بواسطة إتفاقات الهدنة لعام 1949، فإنها لم تكن نهائية. ومع ذلك، في حين إعترفت أميركا بأنه يُمكن إجراء تعديلات على الحدود النهائية بسبب الإحتياجات الأمنية، فقد أكّدت أيضاً على أن الحدود الجديدة يجب ألّا تعكس نتائج غزو. ولم تتعارض رسالة مئير مع خطة روجرز، ولكن من خلال تشكيكها بنطاق الإنسحاب المقصود، فقد أمّنت ضمناً هامش المناورة الإسرائيلي لإعادة رسم الحدود لإستيعاب المناطق المُكتَسَبة بواسطة الحرب.
في شباط (فبراير) 1972، وافقت الولايات المتحدة أيضاً على مذكرة تفاهم مع إسرائيل أكدت فيها أن الأخيرة لا تحتاج إلى الموافقة على الإنسحاب الكامل من الأراضي المحتلة كجزء من أي اتفاق مؤقت. وهذا يعني على نحو فعال أن إسرائيل يُمكن أن تدخل في مفاوضات مع الدول العربية من دون أن تلتزم بالإنسحاب الكامل كنتيجة نهائية. ومرة أخرى، أعطى هذا الأمر للإسرائيليين مجالاً ومساحة كبيرة في أي محادثات مستقبلية مع العرب.
وقد تم تقديم تنازل آخر – وواحد كبير – عندما وافقت واشنطن على عدم القيام بأي عمل لدفع السلام في الشرق الأوسط من دون مناقشة ذلك أولاً مع إسرائيل. وما فعله ذلك هو منح إسرائيل حق النقض الإفتراضي على أي خطوات ديبلوماسية أميركية قد تجدها تل أبيب غير مقبولة.
في حين أن أياً من هذه الإلتزامات لم يُحَيِّد تماماً القرار 242، فإن أخذها مجتمعة قد خففت من دون أدنى شك، في شكل ثنائي أميركي – إسرائيلي، مفعول قرار للأمم المتحدة إتخذه مجلس الأمن بأكثرية ممثليه. وعلى مر السنين، إتسع إستعداد الولايات المتحدة المبدئي للسماح بتعديل محدود للحدود لأغراض أمنية إلى الإستعداد لقبول تغييرات جوهرية أكثر بكثير، وإن كانت هناك تلك التي يمكن أن تكون فيها مقايضات تعويضية للأراضي.
بعبارة أخرى، فإن قرار ترامب بشأن القدس، بغض النظر عن مدى رفضه، لم يأتِ إلّا بعد قرارات أميركية متعددة أعادت تعريف القرار 242. وقد أعطى ذلك على مدى عقود إسرائيل الفرصة لبناء مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية، وتغيير وضع القدس في مخالفة لقرار مجلس الأمن رقم 478 (الصادر في العام 1980)، وضم مرتفعات الجولان وتحويل القرار 242 بشكل فعال إلى نص فارغ بشكل متزايد، ما عدا ما خص شبه جزيرة سيناء.
وهذا الأمر لا يجعل ترامب أقل مسؤولية، لكنه يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تكلمت عن حل الدولتين على مدى أكثر من عقدين ماضيين، كما أرست الأساس لضمان أن تصبح هذه النتيجة مستحيلة. إن ما فعله الرئيس الأميركي أخيراً لم يُساعد إلا على تبديد السراب.
ليس من المستغرب أن يتكلم الفلسطينيون الآن عن حل الدولة الواحدة لإنهاء صراعهم مع إسرائيل. دعوا الأميركيين يحاولون حل هذه المعضلة. بعد كل شيء، لقد جعلوا جميع البدائل الأخرى غير مُحتَمَلة ومستحيلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى