مُصَالَحَة “حماس” و”فتح” بدايةٌ لمسارٍ طويل

بقلم كابي طبراني

بعد سنوات من الخلاف والتنافر والتناحر، قد يكون هناك بعضٌ من بصيص الأمل للفلسطينيين العاديين. فقد أُعلِن في القاهرة يوم الأربعاء الفائت (11 تشرين الأول/ أكتوبر) بأنه تمّ التوصل إلى إتفاق مصالحة مبدئي بين منظمة “فتح” وحركة “حماس”، التي لا تزال على القائمة السوداء للإرهاب الدولي. ويُعتَبَر هذا الإتفاق إنطلاقة غير عادية ومُرحَّبة في هذا الوقت الحرج للقضية الفلسطينية حيث كانت المجموعتين على خلاف منذ إندلاع الإشتباكات بينهما في العام 2007.
وأفاد بيانٌ أصدرته حركة “حماس”، وإطلعت “أسواق العرب” على نسخة منه، بأن “الحركتين إتفقتا على تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها والقيام بمسؤوليتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة… بحدٍ أقصى الأول من كانون الأول (ديسمبر) 2017”.
وأعلن عزام الأحمد، رئيس وفد “فتح”، بأن المفاوضات شملت إدارة الوزارات في قطاع غزة التي ظلت حركة “حماس” تديرها منذ العام 2007 حتى وافقت على تسليمها في إطار إتفاقٍ تم التوصل إليه في الشهر الفائت. كما سيتم بحث مصير نحو 50 ألف موظف حكومي عيّنتهم “حماس” خلال فترة الشقاق.
وأضاف أن الأمن كان محور المحادثات، بما في ذلك نشر 3 آلاف من ضباط الأمن التابعين ل”فتح” والذين من المقرر أن ينضموا إلى قوات الشرطة في غزة في غضون عام.
وقال الأحمد إن المعبر الحدودي الوحيد في غزة مع مصر، والذي كان المنفذ الوحيد لنحو مليوني شخص إلى العالم، سوف يديره الحرس الرئاسي للرئيس محمود عباس، تحت إشراف من الاتحاد الأوروبي، بدلاً من عناصر “حماس” الذين يُشرفون على إدارة المعبر حالياً.
الى هنا الأمور جيدة.
الواقع أن موافقة “حماس” على التنازل عن إدارة قطاع غزة للحكومة المدعومة من “فتح” تُعتَبر تراجعاً كبيراً في موقف الحركة والذي يعود جزئياً إلى مخاوفها من إحتمال التعرّض لعزلة مالية وسياسية أكثر بعد دخول داعمها الرئيسي، قطر، في أزمة ديبلوماسية مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر. إضافة إلى ذلك، هناك الأوضاع المُزرية التي يعيشها أهل القطاع الذين أُصيبوا بالإحباط على مدى عشر سنين في ظل إدارة “حماس”، حيث باتوا يفتقدون إلى الضروريات الأساسية، مثل الطاقة والحصول على المياه النظيفة. إن هذه الحالة المروعة لم تخدم سوى المصالح الإستراتيجية لإسرائيل، في حين يبدو أن إحتمال التوصل إلى سلام عادل ونزيه أوسع نطاقاً بعيد المنال.
ولكننا كنا هنا من قبل. بعد كل شيء، إن إتفاق “فتح” و”حماس” الأخير لتشكيل حكومة المصالحة الوطنية في العام 2014 لم يُغيّر شيئاً، حيث واصلت حكومة “حماس” ممارسة سلطتها في غزة.
وسوف تظهر تفاصيل ملموسة ومُفصَّلة أكثر عن الصفقة التي تم التوصل إليها في المحادثات في القاهرة خلال الأيام المقبلة، على الرغم من أننا نعرف بالفعل أنها ستُغطّي مجموعة واسعة من القضايا الإدارية، التي لا يمكنها أن تصمد إلّا إذا وافقت “حماس” على نزع سلاحها وصهر عناصرها في قوات داعمة للسلطة الفلسطينية، وهو ما رفضت القيام به، على الرغم من موافقة أعضائها على القيام بأدوار داخل السلطة الفلسطينية.
من ناحية أخرى، كانت مصر على حق في سحب العصا من أيدي قطر وتركيا، ليس أقلها بأنها تشترك في حدود مع غزة. وقد رأى العديد من المعلقين أن الدور النشط الذي تقوم به القاهرة في عملية التوسط للتوصل إلى إتفاق هو الذي شكّل المصدر الرئيسي للزخم، إذ لا يريد أيٌّ من الفصائل أن يُنظَر إليه على أنه لا يفسح المجال أمام المفاوضات.
ومع ذلك، حتى لو سارت الأمور على ما يرام على الأرض، وبدأ مسؤولو “حماس” العمل تحت جناح صفقة الوحدة، فإن الجهات المانحة للمساعدات الخارجية وإسرائيل ستدقق من دون شك في كل شاردة وواردة بالنسبة إلى كيفية دمج أعضاء “حماس” في الوزارات الفلسطينية والأدوار التي سيلعبونها. وقد أشار المعلقون بالفعل إلى نزاع قانوني مع تلك الدول والمنظمات التي تعتبر “حماس” منظمة إرهابية.
بإختصار، في حين أن الاتفاق الأخير قد يكون إختراقاً، فإن الكثير قد لا يسير كما يجب وفي المسار الصحيح نظراً إلى الطبيعة المتعددة الأبعاد والمعقدة لما يتعيّن حلّه ومواجهته. والوقت وحده هو الذي سيُحدّد ما إذا كانت البراغماتية أو السياسة ستسود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى