الإستفتاء الكردي كان عملاً إستفزازياً، لكن إطلاق حربٍ لإلغائه سيكون عملاً أسوأ
بقلم كابي طبراني
العقبة الرئيسية أمام السعي الكردي إلى الحكم الذاتي كان دائماً الواقع المتفرّق والموزَّع للطامحين إلى السيادة. إن إنشاء “كردستان الكبرى” مرهونٌ بتنازلاتٍ من دول أربع يتركّز فيها الأكراد: تركيا وسوريا وإيران والعراق. والتوصّل إلى توافق في الآراء في بلد واحد فقط وفي أفضل الظروف يُعتبَر أمراً صعباً بدرجة كافية، فكيف سيكون الحال للتوصل إلى حلٍّ توفيقي لإقامة دولة كردية يتطلب من أربع دول منفصلة أن تُقدّم تضحيات إقليمية في منطقة مُتقَلّبة مثل الشرق الأوسط الحالي؟
لم يُظهر مسعود بارزاني فضيلة أو حكمة في إندفاعه إلى إجراء إستفتاء من أجل إستقلال إقليم كردستان، وهو المنطقة الوحيدة المحكومة ذاتياً في العراق. لقد أجرى رئيس الإقليم الإستفتاء في تحدٍّ للرأي الإقليمي والدولي وداس، في هذه العملية، على المنطق السليم. إن إقليم كردستان – العراق هو المكان الوحيد في العالم حيث إستطاع الكرد بناء نموذج أو شبه – دولة. وقد وجد التوق الكردي إلى الحكم الذاتي درجة كبيرة من التعبير هناك. إن بقاء هذا الحكم الذاتي في عراق ما بعد البعث يعتمد إلى حد كبير على الإحترام المُتبادَل. وقد إتّهم نائب الرئيس العراقي إياد علاوي في مقابلة، مع صحيفة “ذي ناشيونال” الإماراتية، رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي الموالي لايران بتنفير وإثارة غضب الأكراد بنهجه “الحزبي والطائفي” في الحكم.
مع ذلك، فإن الإستفتاء، كما يُدرك ويعرف بارزاني بالتأكيد، لن يكون حلاً لمظالم الأكراد. لقد أزهق العراق كميات هائلة من الدم لتحرير ثلث البلاد من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”. إن الفكرة القائلة بأن بغداد سترضخ الآن وتقبل بالتخلي عن مقدار مماثل من الأرض للأكراد، التي تعني بلقنة البلاد التي حافظت الحكومة على سلامة أراضيها بتكلفة هائلة، أمرٌ غير معقول. كما أن هناك حقيقة تفيد بأن 92 في المئة من المشاركين في الإستفتاء الذين صوّتوا للإنفصال لا يؤيدون تلقائياً المزاعم الكردية في المناطق التي توجد فيها أقليات غير كردية كبيرة. إن الدولة العراقية، التي لا تزال تتمتع بالسيادة القانونية في جميع أنحاء البلاد، تُدين بواجب حماية جميع مواطنيها.
لقد أثار بارزاني، بعيداً من تحرير الأكراد، صراعاً جديداً في بلد يحتاج بشكل ماس إلى فترة طويلة من الإستقرار والسلام. وفقط حينما أصبح العراق مُستَعِداً لإستعادة هدوئه وإتزانه، فقد ولّد بارزاني أزمة لا لزوم لها تماماً والتي لن تُساعد قضية الأكراد العراقيين الذين أصبح إستقلالهم الذاتي الآن عرضة لعدم اليقين. كما أنه لم يمنح أي منفعة لأشقائه الأكراد في المنطقة، الذين تتوق حكومات بلدانهم إلى إحتواء طموحاتهم المشابهة، الأمر الذي سيقود إلى إطلاق إجراءات خنق وقمع شديدة ضدهم.
من ناحية أخرى، من المفهوم أن الحكومة العراقية غاضبة. لكن العمل العسكري سيوسّع الإنقسام بين إقليم كردستان وبقية البلاد. إن حرباً أخرى هي آخر ما يستحقه ويتحمّله الشعب العراقي. إن بارزاني قد خيّب أمال شعبه؛ ويجب على الحكومة العراقية ألّا تفعل الأمر عينه. إن الحوار قد لا يحلّ كل الخلافات، ولكنه الفعل المُفيد الوحيد الذي يُمكن من خلاله الوصول إل حلّ وتجنب سفك الدماء.
لذا، إذا كان الإستفتاء عملاً إستفزازياً لا لزوم له، فإن إطلاق حربٍ لإلغائه سيكون عملاً أسوأ.