إقتصاد الكويت في عين العاصفة!

كان الإقتصاد الكويتي قبل جائحة كورونا يمر بفترة عصيبة، لكن الفيروس القاتل زاد الطين بلّة وفاقم الوضع الإقتصادي المتردي لإمارة آل الصباح في وجه تعنّت مجلس الأمة عن إبداء أي تجاوب مع الحكومة لإنقاذ البلاد من ورطتها.

مجلس الأمة الكويتي: حجر عثرة أمام الإصلاحات؟

علي الشعلان*

بعد مرور عام على بداية جائحة فيروس كورونا العالمية، لا يزال تعافي الكويت -من الناحيتين الصحّية والاقتصادية- في الميزان. بعد انخفاضها في أواخر العام 2020، وصلت معدلات الإصابة ب”كوفيد-19″ إلى مستويات عالية جديدة في آذار (مارس) وبداية الشهر الجاري، ما أثار مخاوف من ارتفاع معدلات الوفيات وخنق الانتعاش في الاقتصاد المحلي.

يبدو أن المخاوف من فترة طويلة من تدنّي عائدات النفط والغاز قد هدأت في الوقت الحالي. بعد انخفاضه إلى أدنى مستوى له منذ 17 عاماً في آذار (مارس) 2020 على خلفية عمليات الإغلاق في جميع أنحاء العالم، والقيود المفروضة على السفر المحلي والدولي، إرتفع سعر النفط إلى ما فوق مستويات ما قبل الأزمة، حيث غذّى تسارع إطلاق اللقاحات الآمال بتحقيق طلب عالمي قوي في 2021-2022.

ومع ذلك، كشفت الأزمة عن هشاشة الاقتصاد الكويتي، الذي تميّز بثاني أسوأ أداء في مجلس التعاون الخليجي بعد سلطنة عُمان في العام 2020. ويقدر صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي قد تقلّص بمقدار 8.1٪ في العام 2020، مع توقّعات انتعاش ضَحِلة للعام المقبل.

لا تزال البلاد تعتمد بشكل كبير على النفط، الذي يُمثّل حوالي 90٪ من الإيرادات الحكومية، وقد فشلت بشكل كبير في خفض إنفاقها على دعم الطاقة والمزايا الاجتماعية والقطاع العام الكبير وغير المُنتج.

قال عبد الوهاب الرشود، الرئيس التنفيذي المُكلّف لبيت التمويل الكويتي، ثاني أكبر بنك في البلاد من حيث الأصول: “لا يمكن النظر إلى آفاق الاقتصاد الكويتي بمعزل عن القضايا الجوهرية الموروثة التي يعاني منها عادةً، مثل الاعتماد الكبير على النفط، والمزايا الاجتماعية السخية والاقتصاد غير المتنوع”.

“لقد أضافت هذه القضايا الضغط على مركز الكويت المالي والنشاط الاقتصادي، وحدّت من قدرة الإمارة على المضي قُدُماً في خطط التنويع والإصلاحات الجريئة”، على حدّ قوله.

على الرغم من أن الزيادة الطفيفة في عائدات النفط قد خفّفت الضغط على المالية العامة للبلاد منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، إلّا أن الحكومة الجديدة في الإمارة – التي أدت اليمين الدستورية في أوائل آذار (مارس) الفائت- أكدت التزامها بخفض الإنفاق وتحفيز القطاع الخاص. ومع ذلك، تشير التجارب السابقة إلى أن مثل هذه الإصلاحات ستكافح في مواجهة معارضة مجلس الأمة (البرلمان)، الذي كان ينظر بالعداء إلى مثل هذه المحاولات منذ سنوات عديدة.

إرتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد

تحرّكت الكويت بسرعة للحدّ من انتشار فيروس كورونا في بداية الوباء. حظّرت الدولة في البداية التجمّعات في المطاعم والمقاهي في 10 آذار (مارس)، قبل إصدار مجموعة أوسع من القيود، بما فيها تعليق التدريس وجهاً لوجه في المدارس والجامعات (الذي لا يزال سارياً حتى وقت كتابة هذا التقرير) والإغلاق الوطني بين نيسان (أبريل) وتموز (يوليو).

في حين أن مثل هذه الإجراءات ساعدت على احتواء انتشار الفيروس لمعظم العام، إلّا أن الإصابات عادت للارتفاع مرة أخرى في أوائل العام 2021، حيث سجلت مستويات عالية جديدة في أوائل آذار (مارس). رداً على ذلك، خفضت الحكومة ساعات عمل المحلات غير الضرورية في أوائل شباط (فبراير)، ومنعت المواطنين غير الكويتيين من دخول البلاد. تبع ذلك حظر تجوّل لمدة شهر بين الساعة 5 مساءً و 5 صباحاً، تم تطبيقه في أوائل آذار (مارس).

يقول جورج ريشاني، الرئيس التنفيذي لمجموعة البنك الأهلي الكويتي: “في حالة ارتفاع معدل الإصابة أكثر … فقد يؤدي ذلك إلى إغلاقٍ كامل ستكون له آثار سلبية على الانتعاش الاقتصادي. ومع ذلك، فإن حملة التلقيح [المحلية]، التي تزداد سرعتها، ستساعد على التخفيف من هذا الخطر إلى حد كبير”.

إنتعاش النمو الاقتصادي

بعد بداية صعبة في 2020، بدأ الاقتصاد المحلي في إظهار علامات انتعاش في النصف الأخير من العام، كما يقول صلاح يوسف الفليج، الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني، أكبر بنك في البلاد.

“واصل الإنفاق الاستهلاكي انتعاشه القوي في العام 2020، على الرغم من الآثار السلبية لإجراءات الإغلاق على الأنشطة الاقتصادية، وذلك بفضل زيادة الإنفاق المحلي بسبب قيود السفر خلال موسم العطلات وتأجيل سداد قروض الأسرة لمدة ستة أشهر”، قال الفليج ل”أسواق العرب”.

قد تكون الزيادة المقدرة في الموازنة بنسبة 20٪ في الإنفاق الرأسمالي للسنة المالية الكويتية 2021/2022، والتي تبدأ في نيسان (أبريل)، حافزاً قوياً للنمو.

يقول: “بلغت قيمة إجمالي المشاريع الممنوحة في العام 2020، وهو العام الذي تضرّرت فيه الإمارة بشدة من جائحة كوفيد -19، 1.2 مليار دينار كويتي (3.96 مليارات دولار) – أقل بكثير من التوقعات الأولية. لذلك، نأمل أن نرى دفعة قوية في العام 2021 وأن نرى ذلك ينعكس على أنشطة القطاع الخاص، والذي سيساهم بدوره في خلق فرص تمويل للبنوك”.

في حين توقّع صندوق النقد الدولي زيادةً بنسبة 0.6 ٪ في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 في تشرين الأول (أكتوبر)، فإن الارتفاع الذي يقوده اللقاح بالنسبة إلى أسعار النفط منذ تشرين الثاني (نوفمبر) أدّى إلى مراجعة تصاعدية في توقعات النمو الاقتصادي.

“من المتوقع أن يضيف الناتج المحلي الإجمالي 1.9٪، مع نمو 1٪ في الناتج المحلي الإجمالي النفطي و3٪ في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، حيث بدأت الصدمة المزدوجة لوباء  كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط في التراجع، بالإضافة إلى رؤية المؤشرات الأولية لزيادة الطلب العالمي على النفط ومراجعة منظمة البلدان المصدرة للنفط لحصص الإنتاج الحالية”، كما قال الرشود.

العجز في الإنفاق

من الأمور التي تُثير القلق في المدى القصير هو تضخّم العجز العام، حيث تكافح الحكومة لكبح جماح الإنفاق العام. حدّدت موازنة الحكومة لعام 2021/2022، التي تم الإعلان عنها في كانون الثاني (يناير)، إنفاق 23 مليار دينار كويتي للعام -بزيادة 6.9٪ عن العام السابق- مع عجز قدره 12.1 مليار دينار كويتي، بافتراض متوسط ​​سعر النفط 45 دولاراً للبرميل لهذا العام. نتيجةً لذلك، من المقرر أن تصل الديون إلى أعلى مستوى لها منذ حرب الخليج الأولى في العام 1991.

قال بنك “سوسيتيه جنرال” في مذكرة في آذار (مارس): “كانت المالية العامة في الكويت جيدة نسبياً حتى العام 2020، حيث بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 19.3٪ في ذلك العام… لكن السياق الدولي الذي أوجدته جائحة كوفيد-19 يضغط على البلاد، ومن المتوقع الآن أن تبلغ نسب [الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي] 36.6٪ في العام 2021 و49.3٪ في العام 2022”.

ومما يثير القلق بشكل خاص هو كيف سيتم تمويل العجز. لقد أقر البرلمان الكويتي قانوناً في العام 2020 ألغى شرط تحويل 10٪ من الإيرادات الحكومية إلى صندوق الأجيال القادمة في البلاد خلال سنوات العجز، مما خفّف الضغط على المالية العامة للإمارة.

ومع ذلك، فإن صندوق الاحتياطي العام للدولة، أداة الإنفاق المُفضّلة لدى الحكومة عندما تنقص الإيرادات، قد استُنفِدَ بسرعة، وذلك بفضل ست سنوات متتالية من عجز الموازنة وانهيار أسعار النفط في العام 2020.

والأمر الذي زاد الوضع تعقيداً هو رفض مجلس الأمة تجديد قانون الديون الكويتي، الذي انتهى في العام 2017، ما جعل البلاد غير قادرة على جمع الأموال من الأسواق المحلية والدولية منذ إصدار سندات دولية لأول مرة في ذلك العام.

خفّضت وكالة التصنيف “فيتش” توقعاتها للكويت إلى سلبية في شباط (فبراير)، بعد تحرّك مماثل من قبل وكالة “موديز” في أيلول (سبتمبر) 2020 ، مُشيرةً إلى مشاكل السيولة بسبب “الجمود السياسي والمؤسسي” في البلاد.

وقالت فيتش في تعليقها: “بدون تمرير قانون يسمح بإصدار سنداتٍ جديدة، قد تنفد السيولة لدى صندوق الأجيال القادمة في الأشهر المقبلة إذا لم يُتّخذ المزيد من الإجراءات لتجديدها”.

“إن استنفاد سيولة صندوق الاحتياطي العام سيحدّ بشكل حاد من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالإنفاق، ويُمكن أن يؤدي إلى اضطراب اقتصادي كبير”.

تتطلب موازنة الكويت لعام 2021/2022 أن تصل أسعار النفط إلى 90 دولاراً للبرميل لتحقيق التعادل المالي. إن الإرتفاع الأخير في الأسعار -وصلت العقود الآجلة لخام برنت إلى 70 دولاراً للبرميل في أوائل آذار (مارس)- جنباً إلى جنب مع توقّعات أكثر وردية للنمو الاقتصادي قد يؤدي إلى تقلّص العجز بشكل كبير خلال العام.

قال جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “كابيتال إيكونوميكس” (Capital Economics)، في مذكرة في شباط (فبراير) إن “ارتفاع أسعار النفط، فضلاً عن تعليق التحويل التلقائي للإيرادات إلى صندوق الأجيال القادمة خلال سنوات من العجز، سيساعد على تقليص فجوة التمويل. ونتيجة لذلك، نعتقد أن الحكومة ستطلب على الأرجح قرضاً من صندوق الأجيال القادمة للمساعدة على تلبية احتياجاتها التمويلية، وفي الوقت عينه، بذل جهد أكبر لإقرار قانون الديون لتجنب تكرار هذه المشاكل في المستقبل”.

الإصلاحات على جدول الأعمال

إن إقرار قانون ديون جديد هو مجرد واحد من سلسلةٍ من الإصلاحات المطلوبة لإعادة تشكيل الاقتصاد الكويتي، وسط اعترافٍ متزايد بأن عائدات النفط المرتفعة من غير المرجّح أن تكون مُستدامة في المدى الطويل.

وقال علي السالم، وهو مستثمر ومعلق كويتي، في ورقة بحثية حديثة: “في ظل ضعف الدخل، مع تزايد النفقات، فإن أرقام الموازنة ببساطة لا تتوازن. من المقرر أن تصبح أوجه النقص أكبر وأكثر تواتراً، ومعها أيضاً اليقين من الاضطراب”.

ومما يثير القلق بشكل خاص هو ارتفاع فاتورة الأجور العامة، كجزء من التزام الدولة بتوفير الوظائف والرفاهية للمواطنين الكويتيين، الذين يمثلون حوالي ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 4 ملايين نسمة.

إرتفعت أجور القطاع العام إلى 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2010-2018 مقارنة بـ11٪ خلال الفترة 2000-2009، وفقاً لصندوق النقد الدولي، حيث يعمل 80٪ من المواطنين في الدولة. أدّت شعبية الوظائف الحكومية ذات الأجور المرتفعة إلى إعاقة مبادرات تنويع الاقتصاد وتشجيع المواطنين على الانضمام إلى القطاع الخاص.

في حين نما عدد المواطنين الذين يشغلون وظائف حكومية بنسبة 4.5٪ سنوياً بين 2014 و2019، تقلّص عدد الكويتيين العاملين في القطاع الخاص بنسبة 0.3٪ سنوياً خلال الفترة عينها، وفقاً للسالم.

مشاكل برلمانية

إلتزمت الحكومة الكويتية الجديدة من جديد ببرنامج إصلاحات لحماية اقتصاد البلاد في المستقبل.

“يجب علينا معالجة ندرة الموارد المالية ونضوب السيولة في صندوق الأجيال القادمة في أقرب وقت ممكن، ويجب أن تكون مصحوبة بإصلاحات اقتصادية ومالية جذرية تساهم في خفض النفقات وزيادة الإيرادات غير النفطية”، قال خليفة مساعد حمادة، وزير المالية الكويتي الجديد، في بيان أوردته وكالة الأنباء “كونا” في 10 آذار (مارس).

“إن إصدار السندات وغيرها من الحلول ليست حلولاً إصلاحية، بل هي إجراءات مؤقتة يجب اتخاذها للوفاء بالالتزامات الفورية المتمثلة في الرواتب والإعانات، والتي تشكل أكثر من 71٪ من إجمالي إنفاق الدولة”.

ومع ذلك، فإن احتمالات مثل هذه الحزمة الطموحة من الإصلاحات لا تزال ضئيلة، في مواجهة المعارضة المستمرة من جانب البرلمان المُكوَّن من 50 عضواً والذي وقف حائلاً في طريق الإصلاحات الأساسية لعقود.

جلبت انتخابات كانون الأول (ديسمبر) الفائت 32 عضواً جديداً في البرلمان، بمن فيهم مرشحون أصغر سناً الذين طالبوا بالإصلاح الاقتصادي واتخاذ إجراءات للحدّ من الفساد وارتفاع مستويات الديون. كانت الانتخابات هي الأولى التي أجريت في عهد الأمير الجديد للبلاد، الشيخ نواف الأحمد الصباح، الذي تولّى منصبه في أيلول (سبتمبر) بعد وفاة أخيه غير الشقيق الذي كان يحظى باحترام كبير، الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذي حكم البلاد لمدة 14 عاماً.

ومع ذلك، سرعان ما انهارت العلاقات بين الحكومة الجديدة -المُعيَّنة من قبل الأمير- ومجلس الأمة، ما أدّى إلى استقالة الحكومة في كانون الثاني (يناير).

وفي حين تم تعيين حكومة جديدة في أوائل آذار (مارس)، فإن العداء التاريخي بين مجلس الأمة والحكومة يشير إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها قد تستغرق وقتاً طويلاً للوصول إليها.

يقول ستيفِن هيربوغ، الأستاذ المشارك في السياسة المقارنة في كلية لندن للاقتصاد: “لقد أثبت مجلس الأمة أنه لاعب فعّال للغاية بالنسبة إلى حق النقض (الفيتو)، ولا يأخذ أي ملكية لقرارات السياسة وليس لديه حافز حقيقي لجعل الأمور تحدث”.

  • علي الشعلان هو مراسل “أسواق العرب” في الكويت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى