هل يلجأ “داعش” إلى الأكراد والبلوش ليُشعِل العنف الجهادي السنّي في إيران؟

بعدما إستطاعت الجمهورية الإسلامية تجنب العنف السني التكفيري على مدى سنوات، فقد تمكن تنظيم “داعش” من إطلاق هجومين متزامنيين في “غزوة” طهران في 7 حزيران (يونيو)، حيث تسبب في وقوع بعض الإصابات. وقد جعل هذا الأمر خبراء السياسة في الشرق الأوسط يتساءلون ما إذا كان هناك من مستقبل للعنف الجهادي السني في إيران مع وجود أقليات مُهمَّشة من الأكراد والبلوش. وهل يستطيع بالتالي “داعش” الإستفادة من الوضع بعدما إختفت خلافته تدريجاً؟

“جيش العدل”: “نطالب بحقوق السنّة والبلوش”

طهران – هشام الجعفري

منذ إعلان تنظيم “الدولة الإسلامية” عن “خلافته” في حزيران (يونيو) 2014، تصاعد معدل العنف الجهادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحتى حزيران (يونيو) الماضي، أثبتت إيران على أنها إستثناءٌ بالنسبة إلى هذا الإتجاه العام، حيث ركّزت جهودها العدوانية على محاربة تنظيم “داعش” خارج حدودها، فيما عملت قوات الأمن الداخلي لديها بإنتظام على مراقبة وإعتقال “التكفيريين”، وهو مصطلح يستخدمه النظام لوصف الأشخاص المشتبه بصلاتهم بالجماعات المسلحة السنّية.
وقد تغيرت هذه الحالة بشكل كبير يوم 7 حزيران (يونيو) الفائت، عندما قُتل 17 شخصاً في هجمات متزامنة قام بها “داعش” على مبنى البرلمان وعلى قبر آية الله الخميني. وجاءت هذه الهجمات كصدمة للعديد من الإيرانيين، الذين لم يتعوّدوا على رؤية مثل هذا العنف في طهران، ولكن من المرجح، كما يتوقع الخبراء، أن يزداد التشدد من قبل المتطرفين السنّة المحليين مع فقدان “داعش” للأراضي في العراق وسوريا.

إمكانية لتجنيد الجهاديين

ترى إيران بأن أفراد الأقليات في المناطق المحيطة بها هم الأكثر عرضة للتطرف والتمرّد والقتال. وفي أعقاب هجمات 7 حزيران (يونيو)، حدّدت وزارة الإستخبارات الإيرانية أحد الجناة المزعومين وسمّته على أنه سيرياس صادقي، وهو كردي إيراني من بلدة “بافيه” الغربية بالقرب من الحدود العراقية. وقالت الوزارة ان ثلاثة من المهاجمين الأربعة الاخرين كانوا من أصل كردي وأنهم قاتلوا في العراق وسوريا قبل عودتهم الى البلاد.
وقامت قوات الأمن لاحقاً بعملية ملاحقة وقمع ضد المتطرفين في المناطق ذات الغالبية الكردية في الشمال الغربي، مما يعكس تزايد التهديد المُتصوَّر من هذه الجماعة. بالإضافة إلى ذلك، قامت قوات الأمن في 19 حزيران (يونيو) بحملة على منطقة “البلوش” في جنوب شرق البلاد حيث قتلت خلالها عدداً من المشتبه بتعاطفهم مع الجهاديين، على الرغم من عدم وجود أدلة تشير إلى أي تورط مباشر لهؤلاء في الهجمات.
وتُوضِّح هذه الحوادث المجالات الرئيسية التي غالباً ما تُتَرجَم وتتحوّل إلى إيديولوجية متطرفة لدعمٍ مُحتمَل للجماعات الجهادية التي تسعى إلى شنّ هجمات ضد الدولة الإيرانية. غير أن الوضع ليس دائماً كتلك الحالة. في مقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية، حيث الأجهزة الأمنية أيضاً نشطة للغاية، فإن أعضاء الأقلية العربية الأحوازية المشاركة في العنف المناهض للدولة هم في الغالب من الشيعة، وعلى هذا النحو، فهم ليسوا مصدراً محتملاً مهمّاً لتجنيد الجهاديين في المستقبل.

التهديد الكردي والإرتباط ب”داعش”

يشكل الأكراد ما يتراوح بين 9 و10 في المئة من السكان الإيرانيين، ومعظمهم من السنّة. وعلى الرغم من الدعم الأولي لثورة 1979، التي كانوا يأملون منها أن تمنحهم المزيد من الحكم الذاتي السياسي، فقد إمتنع الأكراد السنّة عن التصويت على إنشاء الجمهورية الإسلامية، التي أنشأت الأولوية الشيعية. وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى إنتفاضة، تم قمعها بوحشية. ولا يزال إضطهاد الأقلية الكردية قائماً حتى يومنا هذا. في الواقع، لا تزال الجماعات القومية تشن حركات تمرّد رداً على ذلك. ومن الواضح أن هذه التوترات الإثنية توفّر مصدراً مُحتملاً للتجنيد المتشدد الذي يمكن أن تستغله الجماعات الراديكالية.
مع ذلك، في حين أن هذا الأمر قد يشكّل مصدراً للعداء ضد النظام، فإن تصاعد إيديولوجية السلفيين في المنطقة، التي تبرّر العنف ضد الشيعة، لعب دوراً حاسماً في تشكيل الجهاديين الأكراد في إيران. وقد حدث تطور رئيسي في العام 2003، عندما فرّ أعضاء من جماعة “أنصار الإسلام”، وهي جماعة سلفية كردية جهادية تأسست في كردستان العراق، إلى إيران في أثناء الإحتلال الأميركي. وآنئذٍ، سمحت قوات الحرس الثوري الإسلامي لأعضاء هذه الجماعة بإعادة التجمع وتسامحت مع وجودهم حيث كان مقاتلوهم يركّزون على محاربة الولايات المتحدة في العراق.
وعلى الرغم من أن طهران قد حظّرت هذه المجموعة ومنعتها في نهاية المطاف، إلّا أن جماعة “أنصار الإسلام” إستطاعت ضمان إكتساب آرائها المتطرفة زخماً بين بعض الأكراد الإيرانيين. وربما كان تم نشر هذه الأفكار أيضاً من قبل أعضاء من تنظيم “القاعدة”، بمن فيهم أبو مصعب الزرقاوي، الذي أمضى بعض الوقت في إيران في أثناء الإحتلال الأميركي للعراق.
إن هذه القابلية والإستعداد لتقبل نظرية “داعش” المتطرفة قد حفزا جهود الجماعة نفسها لتعزيز دعمها بين الأكراد. في الواقع، أصدر تنظيم “داعش” أخيراً أشرطة فيديو دعائية باللغة الكردية، مُوضِّحاً أن “داعش” يسعى إلى كسب المزيد من الدعم الكردي، (وفقاً ل”الجهادولوجيا” الصادرة في 12 تشرين الثاني ( نوفمبر) 2016). كما لعبت الجغرافيا دوراً مهماً في تطوير الروابط مع ما يسمى بخلافة “الدولة الإسلامية”، حيث تمكن المسلحون من الاستفادة من شبكات تهريب الوقود الموجودة على طول الحدود الإيرانية – العراقية للخروج والعودة من دون إكتشافهم أو القبض عليهم. وأفيد بأن نحو 150 كردياً قد إنضموا إلى “داعش” بحلول أوائل العام 2016، ومن المرجح أن يكون ذلك عبر هذه الطرق. وربما يمثل المقاتلون العائدون الآن المصدر الرئيسي للعنف الجهادي المستقبلي في إيران.

تزايد التطرف في بلوشستان

على غرار الأكراد، فقد عانى “البلوش” الذين يسعون إلى مزيد من الإستقلال السياسي من القمع منذ فترة طويلة، وهو الأمر الذي تفاقم مرة أخرى مع ظهور الجمهورية الإسلامية، التي زادت تهميش هذه المجموعة التي تتكوّن غالبيتها من السنة. بل إن القومية البلوشية تكثفت نتيجة لذلك، ولكنها أخذت بعداً طائفياً كان في السابق ذا أهمية سياسية قليلة — حيث كان القتال ضد حكومة الشاه تقوده مجموعات علمانية.
وقد تجلّى هذا التركيز الطائفي أكثر في إنشاء “جند الله”، وهي جماعة مسلحة أسسها عبد الملك ريجي في العام 2003 للقتال من أجل حقوق أكبر للسنة الإيرانيين و”البلوش”. على الرغم من أن هذه الجماعة إدّعت رفض التطرف الديني، فقد تعلّم ريجي نفسه في جامعة العلوم الإسلامية بنوري تاون في كراتشي، وهي مدرسة لعبت دوراً مهماً في المساعدة على تأسيس العديد من الجماعات المتطرفة الرئيسية، ولا سيما المعادية للشيعة. ومن المؤكد أن خلفية ريجي، فضلاً عن الروابط الأخرى عبر الحدود مع الإسلاميين الراديكاليين في باكستان وأفغانستان المجاورة، قد أثرت بشكل أكبر في “جند الله”. ومن الجدير بالذكر أن المجموعات الرئيسية اللاحقة التي إكتسبت مكانة بارزة منذ وفاة ريجي في العام 2010، وما تلا ذلك من ضعف ل”جند الله”، تضمنت “جيش العدل” و”أنصار الفرقان”، وكلاهما يقدم نفسه علناً كجماعة سلفية جهادية.
ولم تُعطِ أيٌّ من هذه الجماعات الولاء صراحة للمجموعات الجهادية عبر الوطنية، حيث أن شبكاتها الخاصة في جنوب شرق إيران ستواجه صعوبات أكثر من تلك التي واجهها الجهاديون الأكراد لإقامة روابط مباشرة مع القيادة المركزية لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وذلك بسبب المسافة الأطول والبعيدة من العراق وسوريا. مع ذلك، وبالنظر إلى أن هذه الجماعات لديها أجندة طائفية وتحارب الدولة الشيعية، فإن هناك درجة من التآزر بين أيديولوجياتها. لذا فمن الممكن أن تكون هذه الجماعات متعاطفة مع “داعش” وتوفر له المجندين في المستقبل.

مخاطر العنف المستقبلية

في الوقت الذي يُشكِّل الأكراد الآن أهم مصدر لمزيد من العنف الداعم لتنظيم “الدولة الإسلامية”، فقد يرتفع هذا التهديد في جنوب شرق البلاد، خصوصاً إذا ما شاركت قوات الأمن في حملة أوسع ضد “البلوش”. وهذا بدوره قد يدفع الجهاديين “البلوش” إلى زيادة العمليات داخل المناطق الداخلية الإيرانية بدلاً من أن تقتصر هجماتهم على المناطق الحدودية، كما حدث في هجوم نيسان (إبريل) الذي شنه تنظيم “جند الله” حيث قتل فيه 10 عسكريين إيرانيين بالقرب من الحدود مع باكستان.
إن إستراتيجية طهران المتمثّلة بالسماح لبعض المسلحين السنّة بإستخدام إيران كملجأ آمن ومركز لوجستي، على أساس إدراك أن هذه الجماعات السنية ستركّز على أهداف خارج الجمهورية الإسلامية، قد ساعدت على الحد من خطر العنف الجهادي. ولم تكن هذه الجماعات، بما فيها تنظيم “القاعدة”، راغبة في تعريض هذا الترتيب للخطر. ومع ذلك، فإن إرتفاع الإيديولوجية السلفية بين السنّة الإيرانيين، فضلاً عن الإنقسام السني – الشيعي الإقليمي المتنامي، سيوفّر أرضية خصبة للتجنيد الجهادي في المستقبل.
في الواقع، سيبحث “داعش” عن طريقة لمواصلة تمرّده في العراق المجاور رغم سقوط الموصل أخيراً. وقد قامت المجموعة بالفعل بزيادة أنشطتها لكسب المزيد من الدعم في بلوشستان الباكستانية، بما في ذلك تورطها في عملية إختطاف وقتل إثنين من المواطنين الصينيين أخيراً.
إن وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” في بلوشستان سيكفل للجماعة التكفيرية تطوير روابطها مع المتطرفين الأكراد و”البلوش” في إيران في المدى الطويل، مما سيزيد من خطر المزيد من العنف الجهادي، خصوصاً وأن الجمهورية الإسلامية تمثل هدفاً رمزياً مهماً لتنظيم “داعش”، فيما هو يسعى إلى الحفاظ على حيثية وأهمية في الوقت الذي تختفي “خلافته”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى