مشاكل قطر متأصّلة في دعمها للإسلاميين

لم يكن تأثير دونالد ترامب قوياً في أي مكان في العالم أكبر مما كان عليه في الشرق الأوسط. في أعقاب إجتماعات قمة الرياض الأخيرة، كانت لقرارات إدارته بإنشاء تحالف دولي قوي لمكافحة الإرهاب والتطرف، ومقاومة الهيمنة الإقليمية الإيرانية، عواقب سياسية وإستراتيجية فعلية خطيرة. ومن أبرز هذه المظاهر تجدّد الحملة الرامية إلى إقناع قطر بالتعاون بشكل نهائي مع حلفائها العرب والأميركيين بدلاً من مواصلة اللعب على حبلين والتعامل الثنائي والديبلوماسي الخطير.

الرئيس دونالد ترامب والملك سلمان بن عبد العزيز: إندفاع جديد في الشرق الأوسط

الدوحة – سمير خير الله

برزت تسوية جيوسياسية جديدة في الشرق الأوسط منذ الإنتفاضات العربية في العام 2011. ولا تزال عملية إعادة التنظيم هذه مُتَجَاهَلة ومُتَغَاضى عنها إلى حد كبير، على الرغم من أن الكثير مما تُعاني منه المنطقة اليوم يمكن تفسيره وتوضيحه بشكل أفضل من خلالها، بدلاً من التنافس التقليدي بين المملكة العربية السعودية وإيران أو التوتر الطائفي بين الشيعة والسنة.
يُمكن تقسيم بلدان المنطقة إلى معسكرين: أحدهما يسعى إلى تحقيق مصالحه الخارجية من خلال دعم الإسلاميين، والآخر الذي تركّز سياسته الخارجية على معارضة صعود الإسلاميين.
البُلدان في كل معسكر لا تتوافق بالضرورة مع بعضها البعض لذا لا تتشكل معاً في جانب واحد. وهذا، من المفهوم، يجعل من الصعب على واضعي السياسات والمراقبين أن ينظروا إلى المنطقة على هذا النحو. غير أن إعادة التنظيم هذه يُمكن أن توفّر الوضوح للولايات المتحدة فيما هي تعيد مقاربة نهجها في المنطقة. إن دعم أو معارضة الإسلاميين يدل ويُبلِّغ عن توجه السياسات الخارجية للسلطات الرئيسية في الشرق الأوسط. وبالنسبة إلى بعض هذه البلدان، فإنها أكبر سائق للسياسة الخارجية.
قبل العام 2011، كانت الولايات المتحدة تشير إلى بلدان مثل الأردن والسعودية والإمارات ومصر كدول معتدلة. كانت لدى هذه الدول نظرة واقعية براغماتية نحو الصراع العربي – الإسرائيلي، على عكس الموقف العقائدي لدول مثل إيران وسوريا. وبعد العام 2011، مع ذلك، أخذت تلك البلدان أدواراً أعمق في الجوار. وأجبرت الأحداث في ليبيا وتونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا تلك البلدان على إتخاذ مواقف محددة لمواجهة الأمواج السياسية والدينية التي إجتاحت المنطقة. إن أي وصف يُطلَق بناءً على سياساتها السابقة لم يعد قادراً على إلتقاط طبيعة دورها بشكل صحيح.
إيران، من المعسكر الآخر، لم تعد قادرة على الحفاظ على موقفها القديم المتمثّل في تقديم برنامج طائفي ضد إسرائيل، والعمل مع الإسلاميين الشيعة والسنة للنهوض بالقضية الفلسطينية. وبدلاً من ذلك، إضطرت إلى إعتماد سياسة ضيّقة جداً تُحدّدها محاولات الحفاظ على توسيع نطاق نفوذها من خلال الميليشيات الشيعية.
كما وضعت قطر وتركيا معظم بيضها في السلة “الإسلاموية”. في سوريا، دعمتا بعض القوى الأكثر تطرفاً في الصراع. كما أخذتا جانب الإسلاميين المتشددين في الصراع الليبي، ودعمتا جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر وأماكن أخرى.
إن المعسكر المؤيد للإسلاميين هو أقل تماسكاً من الجانب المناهض للإسلاميين. ولكن هذا المعسكر يدعم تجسيدات مختلفة ل”الإسلاموية” في الشرق الأوسط، الأمر الذي يجعلها جزءاً من المشكلة عينها. والمواقف المختلفة لكلٍّ من هذه المعسكرات تجاه الإسلاميين تُساعد على توضيح وفهم الصراعات في المنطقة، أكثر من التنافس السعودي – الإيراني. يُمكن تفسير الصراعات في ليبيا وسوريا من خلال منظور دعم أو معارضة الإسلاميين، كما يُمكن أن يُطَبَّق الشيء عينه على صراعات أخرى في المنطقة اليوم.
خذ أيضاً التوتر الحالي بين السعودية والإمارات وقطر. لقد إندلعت الأزمة بعد أن نُسِبت تصريحات الى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي عبر فيها عن تأييده للتحالف مع ايران وإنتقد الجهود التي تقودها الرياض لعزل طهران. ورفضت السلطات القطرية هذه التصريحات سريعاً، حيث إدّعت أن وكالة أنبائها تعرضت للإختراق.
وتُظهر لمحة على وسائل الإعلام الاجتماعية دعم عدد كبير من الإسلاميين، وحتى الجهاديين، لقطر. عضو سابق في المجلس الأعلى ل”جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة” نشر “هاشتاغ” على تويتر للتعبير عن تضامنه مع الدوحة.
من جهتهم إتهم القطريون المملكة العربية السعودية بانها وراء القرصنة، وإدّعوا بأن هناك حملة تشويه مُحضّرة ومُخَطّطة ضد الدوحة. لكن ردود الفعل على هذه التصريحات كانت التأكيد على أحد أسباب التوتر الطويل مع قطر وهو دعمها للإسلاميين.
في نيسان (إبريل) 2014، وافقت السعودية والإمارات والبحرين على حل أزمة ديبلوماسية مع قطر بعد أن وافقت على قائمة من المطالب. وبحسب وثيقة إطلعنا عليها في ذلك الوقت، فقد وافقت الدوحة على كبح وسائل الإعلام “داخل وخارج الإمارة” التي تنتقد وتهاجم جيرانها الخليجيين. كما إتُّهمت قطر بدعم الاسلاميين في الخليج، وحتى تزويدهم بجوازات للسفر الى الدول الغربية. ووافقت الدوحة على وقف هذا الدعم وطرد عدد من المتشددين الآتين من بلدان أخرى من الأراضي القطرية.
وقد إمتثلت الدوحة لبعض هذه المطالب، ولا سيما الطلبين الأخيرين، الأمر الذي تطلّب إتخاذ إجراءات فورية. لكن الوسائل الإعلامية المُموَّلة من قطر واصلت إنتقادها للمملكة العربية السعودية، بما في ذلك كتابة تقارير عن مكائد ومؤامرات داخلية في الرياض.
ويبدو أن ردود الفعل على تصريحات الأمير التي تم إنكارها تعكس إعتقاد السعودية بأن قطر ليست جادة في تغيير سياساتها التخريبية. ويبدو ان الدوحة حاولت إسترضاء الرياض بترحيل الناشط السعودي محمد العتيبي الى المملكة العربية السعودية في 29 أيار (مايو) الفائت.
الواقع أن الأزمة الحالية ليست رد فعل مفرطاً على الملاحظات التي نفتها قطر، كما يبدو أن المراقبين الخارجيين يعتقدون. والسبب الحقيقي هو إصرار دولة قطر على التوافق مع الإسلاميين والمتشددين، بمن فيهم نشطاء الخليج، كجزء من توقعاتها الإقليمية الإستراتيجية، إلى جانب التقارب مع إيران في الوقت الذي تجمع فيه السعودية 55 دولة لعزل الجمهورية الإسلامية. إن وجود علاقات طبيعية مع إيران، في حد ذاته، لن تكون له الاستجابات عينها، وسلطنة عُمان هي مثال على ذلك.
إن التوتر بين قطر وجيرانها يُبرز أن الخطوط الجيوسياسية القديمة لم تعد قادرة على تفسير الشرق الأوسط. إن النزاعات حول دعم الإسلاميين، الشيعة أو السنة، هي طريقة أفضل لشرح المشهد الجيوسياسي في المنطقة، وتصميم السياسات وفقاً لذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى