التَكرارُ لا يُعَلِّم

راشد فايد*

حين عَبَرَ جيش النظام السوري الحدود الشرقية إلى لبنان في العام 1976، كانت تقديرات حافظ الأسد أنه، وأخيراً، حقق العودة إلى زمن ما قبل استقلال البلدين (لبنان نال استقلاله قبل سوريا وليس العكس، بفارق 3 سنوات، تقريباً، وهو ما حاول النظام ترويجه ليقول أن لبنان استقل مع سوريا ثم سلخ عنها)، وأننا “شعبٌ واحدٌ في بلدين”، وفيما تحطّم حلم الوحدة العربية في كل المنطقة، ظل تحت الإنعاش الأسدي في لبنان وعلى حسابه، وبقوّةٍ فرضَ وقائع جديدة، لا تُمليها الديموقراطية، بل الإستبداد والعسف.

كان من حقِّ أيّ يكن أن يعمل لهذه الوحدة المُرتَقَبة التي يُمكنها أن تعكس الطموحات الشعبية، في البلدين، إلى العدالة السياسية والإجتماعية، والحريات الفعلية، وهذه قيمٌ لم تكن في أهدافِ النظام وأهله وأتباعه وأزلامه. فالوحدة المطلوبة، بالنسبة إليهم، بعدما أطلقت واشنطن يده في لبنان، لم تكن أقل من مُصادرةٍ للبلد وأهله.

أطلقت المؤامرة الدولية – الإقليمية – الإسرائيلية – العربية على لبنان وفلسطين تفاؤل الأسد الأب في إنجاز وضع اليد على مدى طموحه، ولم يكن ينقصه سوى إعادة صياغة التركيبة الفلسطينية التي استعصت عليه مع أبو عمّار، وبعده. وحين جاءه الموت، لم يدم، طويلاً، تفاؤل الناس في البلدين برقيٍّ في الحكم لدى ابنه، فتبيَّن أن عيشه في لندن لم يُغيّر في الموروث السياسي لديه، ولم يلبث أن جاء اغتيال الشهيد رفيق الحريري ليضع النظام على شفير نهاية دوره الإقليمي الطارئ ثم جرى ترميمه على الإيقاع الروسي، بعدما تبيّن أن نجاح الثورة السورية بإطاحة النظام لا يؤاتي أهل المنطقة وأنظمتها وقد “يُلهِمُ” آخرين اتَباع نهجها، فتآمر الجميع، أعداء وحلفاء، على مسيرتها وأودوا بها إلى كبوتها.

يُستنتَجُ من التجربة الأسدية في لبنان، أن تقاطعات دولية وإقليمية، إلى جانب اجتهادات ذاتية، قد تُتيح الوهم لدولٍ طامحة بمكانةٍ في الإقليم، بأنها باتت رقماً صعباً يمكنها أن تُملي مصالحها على كبار الدول، كحالِ إيران اليوم، وتركيا وغيرهما، ولا تدخل اسرائيل إلى جانبهما، لأنها محظية لدى القوى العظمى منذ كانت، وحتى الإتحاد السوفياتي، الذي كان حليف مصر الناصرية، لم يسلمها سوى أسلحة دفاعية، لا هجومية، حفظاً لتفوّق تل أبيب.

اليوم تأتي إيران إلى لبنان سابحةً في بواخر نفط غير مُكَرَّر، ومُنتشية، مع حزبها المحلي، بدورٍ “اكتسبته” في البلد الصغير على غفلةٍ من العقوبات عليها، وتحت أنف الأميركيين، وعلى مرأى ممن يُهرّبون الوقود والدواء والغذاء إلى سوريا، وربما يُعاد بيع بعضها إلى اللبنانيين، باسعار مُضاعَفة.

ومن الآن وإلى أن تصل البواخر، سنشهد عضلات معنوية تُرفَعُ في وجهنا استعراضاً ومنّة، فيما تتناسى ايران أنها مُعاقَبة، فيُحدّثنا الناطق باسم وزارة خارجيتها عن قرارها “السيادي” في التعامل مع لبنان، ومساعدة “محور المقاومة” حسبما قال نائب ايراني، بينما بدأت جوقة العازفين تُلوِّح بتمرّد “سيادة الرئيس” على أمر العمليات الأميركي، باستجرار الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، وهو مشروع كان قيد التفاهم بين الدول المشمولة به، منذ سنوات. حتى أن الرئيس سعد الحريري أثاره مع القاهرة، مجدداً، قبيل إعادة تكليفه الأخير.

أوهام ُالعَظَمَة الأسدية تتكرَّر اليوم بلغةٍ فارسية.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى