تقاسم الثروة: إيران وقطر وحقل غاز القبة الشمالية

حقل القبة الشمالية أو فارس الجنوبي، الذي تتقاسمه إيران وقطر، هو أكبر حقل للغاز في العالم. ويُدرِك البلدان جيداً قيمة الثروة التي يسيطران عليها، ولكنهما يختلفان في نهجهما بالنسبة إلى تحويلها إلى نقد. وسوف تتأثر مواصلة العمل في تطوير هذا الحقل من جرّاء إطالة فترة إنخفاض أسعار الغاز، التي من المتوقع أن تستمر في المستقبل القريب، والتي تنوعت تأثيراتها في الدولتين. وقد تُدفَع إيران إلى تطوير صناعات ذات قيمة مُضافة قائمة على الغاز الطبيعي، وإستكشاف خيارات لمد أنابيب غاز إلى بلدان مجاورة. ومن جهتها سوف تجد قطر إستثماراتها الكبيرة في الغاز الطبيعي المُسال أقل ربحية بكثير مما كان عليه الأمر في الماضي، ومثل ايران، قد تضطر إلى التحوّل إلى مد أنابيب غاز إلى جيرانها والمزيد من منتجات ذات قيمة مُضافة تعتمد على الغاز الطبيعي. ومع ذلك، فإنه من مصلحة العالم ضمان الاستقرار في حقل الغاز الحيوي هذا، وبالتالي تشجيع إيران وقطر على الحفاظ على علاقات دافئة وإدارة مزدوجة مسؤولة.

حقل القبة الشمالية/فارس الجنوبي: الثروة المقسمة
حقل القبة الشمالية/فارس الجنوبي: الثروة المقسمة

لندن – هاني مكارم

من المعروف أن إيران لديها أكبر إحتياطات من الغاز الطبيعي في العالم. وتأتي نسبة 50 في المئة من هذه الإحتياطات من أكبر حقل للغاز في العالم – حصتها في حقل القبة الشمالية / أو فارس الجنوبي. وما تبقى من هذا الحقل الشهير تملكه قطر. ويشكّل الحقل المذكور الجزء الوحيد حقاً من الإحتياطات البحرية الرئيسية الذي تحدده الحدود البحرية بين البلدين. وتدرك إيران وقطر جيداً قيمة الثروة التي تسيطران عليها وتقتربان من كيفية تنقيدها أو تحويلها إلى مال ونقد وفق طريقين مختلفين تماماً. كلا البلدين لديه إحتياطات لأجيال عديدة مقبلة. من ناحية، تستخرج قطر غازها الطبيعي من إحتياطاتها أسرع بكثير من إيران، من خلال مشاريع مشتركة كبيرة مع شركات الطاقة الغربية، في حين أن الجمهورية الإسلامية، غير القادرة بعد على عقد صفقات مع شركات طاقة عالمية كبرى، تسعى إلى تطوير حصتها في الحقل بواسطة شركاتها الوطنية. لكن من المرجح أن تتغير سياسة إيران مع رفع العقوبات الدولية كجزء من خطة العمل الشاملة المشتركة مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية في تموز (يوليو) 2015. ومع ذلك ، ينبغي على طهران أن تعمل بجد للغاية للوصول إلى مستوى التنمية الذي يشهده في الوقت الحاضر الجانب القطري من الحقل.
حقل القبة الشمالية / فارس الجنوبي ليس مجرد مسألة ثنائية بين قطر وإيران. فإن الغاز الطبيعي يُشار إليه بإنتظام كوقود وسيط رئيسي لإزالة الكربون في نهاية المطاف من العالم. وغالباً ما يُناقش الخبراء بأنه الوقود الذي سيحل مكان الفحم والنفط الخام فيما العالم يتحرك بإتجاه مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والكتلة الحيوية، وتقنيات أخرى في المستقبل. ولما كان الحقل الايراني – القطري المشترك هائلاً جداً، فإنه من المهم جداً بالنسبة إلى العالم أن لا تعوّق أو تُعيق تدفقه قضايا سياسية غير مستقرة أو إستغلالاً خبيثاً. وفي الوقت عينه، فإن التطورات في إيران وقطر يعيقها إلى حد ما إنخفاض أسعار الغاز والحكمة المشكوك فيها وراء تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز طبيعي مسال مع وجود وفرة فعلية في الأسواق حيث من المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً مع تكثيف إنتاج الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المُسال في أوستراليا والولايات المتحدة.

حقل القبة الشمالية / فارس الجنوبي

يغطي الحقل بالكامل مساحة تبلغ 9,700 كيلومتر مربع والتي يقع منها 3,700 كيلومتر مربع في المياه الايرانية. ووفقاً لمصادر إيرانية، يحتوي الحقل على ما يقدر ب51 تريليون متر مكعب (حوالي 1800 تريليون قدم مكعبة) و50 مليار برميل من المكثّفات. وحسب المواقع الإيرانية نفسها، فإن فارس الجنوبي يحتوي وحده على 14 تريليون متر مكعب و 18 مليار برميل من المكثّفات، والتي تمثل حوالي نصف إجمالي إحتياطات الغاز في إيران. ومع ذلك، ينبغي للمرء أن يكون واضحاً بأن هذه الأرقام ليست دقيقة. إن مراجعة شركة “بي بي” (BP) الإحصائية، وهي واحدة من أكثر المصادر مصداقية بالنسبة إلى المعلومات عن حقول النفط والغاز، تقدّر إحتياطي قطر ب24 تريليون متر مكعب وإجمالي إيران ب35 تريليون متر مكعب.

قطر

إذا أرادت إيران توسيع إستثماراتها في حقل فارس الجنوبي، ينبغي أن تأخذ علماً بالتجربة القطرية والتحديات التي واجهتها في تطوير الغاز الطبيعي المُسال قبل إختيار متابعة طريق مماثل. تستخرج الدوحة اليوم كميةً واسعةً من الغاز الطبيعي من حقل القبة الشمالية. ويتم إنتاج الغاز الطبيعي من منصات بحرية، قبل أن يُنقَل عبر العديد من خطوط الأنابيب إلى رأس لفان ومسيعيد، حيث يتم توزيعه على قطارات الغاز الطبيعي المسال، ومصنع تحويل الغاز إلى سوائل، والمصانع الكيميائية والأسمدة وكذلك محطات توليد الطاقة وتحلية المياه.
بطبيعة الحال، لا يُمكن لقطر إستخدام أكثر من جزء صغير من إنتاجها من الغاز الطبيعي للإستخدام المحلي الخاص، لذا قررت منذ أكثر من ثلاثة عقود تنقيد أصولها من الغاز الطبيعي (تحويلها إلى عائد نقدي) من طريق التصدير إلى العالم. في ذلك الوقت، كانت الدول المجاورة لدولة قطر تملك الكثير من الغاز الطبيعي، لذلك فإن تطوير البنية التحتية لخط أنابيب لشحن الغاز الطبيعي إلى المملكة العربية السعودية، البحرين، الكويت، أو الامارات لم يكن خياراً سليماً. وبالتالي، فإن الطريقة الوحيدة لتنقيد الغاز الطبيعي كان إنشاء مصانع تسييل للغاز الطبيعي. وتُسمّى أيضاً “قطارات”، وتصدير الغاز الطبيعي المُسال من طريق التجارة البحرية إلى أقاصي الأرض. وكانت أسواق التصدير الرئيسية في اليابان وكوريا والصين، وإلى درجة أقل أوروبا، ولا سيما إسبانيا وبريطانيا.

الغاز الطبيعي المُسال مُكلف وصعب الإنتاج

يتطلب الغاز الطبيعي المُسال إستثمارات كبيرة والوصول إلى التكنولوجيا المتقدّمة المتاحة فقط لدى عدد محدود من الشركات الغربية، لا سيما الأميركية. وقد وفرت الشركات الأجنبية -إيكسون موبيل، وشل، وتوتال — التصميم والهندسة، والبناء، ومساهمات كبيرة في الأسهم، ووقعت عقوداً لإدارة وتشغيل المحطات. ومع ذلك، رتّبت قطر الجزء المتعلّق بالتمويل.
إن الغاز الطبيعي المُسال مكلف وصعب الإنتاج. قبل الشحن، يجب أن يكون الغاز الطبيعي نظيفاً، مُبرَّداً، وأخيراً، مضغوطاً لتقليل حجمه 600 مرة.
لدى قطر حالياً طاقة مُعلَنة تبلغ 77 مليون طن من الغاز الطبيعي المُسال سنوياً، وهو الأكبر في العالم، وتنتج، أو تقترب من، قدرتها أو طاقتها. والنتيجة الحتمية الكبيرة من إنتاج الغاز الطبيعي المُسال هي المكثفات التي تُستخرج وتؤخذ من الغاز الطبيعي قبل تسييله. وتنتج قطر اليوم حوالي 800,000 برميل يومياً من المكثفات، والتي يمكن أن تُباع كما هي أو تحويلها إلى منتجات مكررة مختلفة. وتشكل المكثفات مصدراً رئيسياً آخر للدخل في الإمارة.
يتم تخزين الغاز الطبيعي المُسال الناتج مؤقتاً في كل من مسيعيد وراس لفان قبل أن يُشحَن إلى الخارج على متن ناقلات حديثة ومتقدمة تكنولوجياً مخصصة لذلك مع قدرات تتراوح بين 150,000 إلى 250,000 متر مكعب، وهو ما يعادل 600,000 إلى مليون برميل من النفط. وقد إستثمرت قطر بشكل كبير في أسطول مكوَّن من 67 ناقلة للغاز الطبيعي وللغاز الطبيعي المُسال الذي يشكّل حوالي 15 في المئة من طاقة العالم. وهذا هو أكبر أسطول في العالم؛ تملكه وتديره شركة ناقلات، وهي شركة مملوكة لإمارة قطر. وتُدار مرافق إنتاج الغاز الطبيعي بواسطة شركتين قطريتين مملوكتين للدولة – قطر للغاز وراس غاز – مع مساعدة واسعة النطاق من شريكي المشروع المشترك الرئيسي، إكسون موبيل وشل.
من أجل تمويل 14 قطاراً (مصنعاً) للغاز الطبيعي المُسال، التي تقع في رأس لفان ومسيعيد، وكذلك ناقلاتها، إقترضت قطر ما يصل إلى 100 مليار دولار من خلال قروض مصرفية كبيرة مشتركة. ويستند تسديد القروض على سعر الفائدة بين البنوك في لندن بالإضافة إلى هامش لفترة عادية من 15 عاماً. وإذا كانت أسعار الفائدة مُنخفضة أم لا، فإن جزءاً ثابتاً من رأسمال القرض ينبغي تسديده بإنتظام. ولأن سعر الغاز الطبيعي المُسال يرتبط بأسعار النفط الخام، فإن التدفقات النقدية من المبيعات لا تتطابق بالضرورة مع مجموع المال اللازم لسداد القروض. وكانت هذه قضية مهمة في أواخر تسعينات القرن الفائت، في بدايات تطوير قطر للغاز الطبيعي المسال، عندما كان العديد من المصرفيين قلقين إزاء قدرة قطر على تأمين المدفوعات. وقج بدّد إرتفاع أسعار النفط والغاز لفترة طويلة 2000-2015 تلك المخاوف، حيث إستطاعت قطر تسديد العديد من القروض والإستفادة بشكل كبير من إيرادات الغاز الطبيعي المُسال.

أسعار منخفضة ومنتجو غاز جدد

الإنخفاض الكبير في أسعار النفط، مع ذلك، أغرق الأسعار. على سبيل المثال، تراجعت الأسعار التي يشتري بها اليابان الغاز الطبيعي المُسال القطري من 16,5 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية إلى متوسط 6.7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2016. وهذه الأسعار المنخفضة خفّضت الدخل النقدي من العائد الصافي لقطر إلى ما بين 2 دولارين و 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وبسعر شراء 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وعلى إفتراض أن قطر تصدّر 100 في المئة من طاقتها أي 77 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في السنة، فهذا من شأنه إعطاء قطر عائد نقدي فعلي من حوالي 12 مليار دولار. وهذا هو أقل بكثير من نفقات الموازنة البالغة 56 مليار دولار التي أعلنتها الدوحة في العام 2016. لحسن الحظ، تنتج قطر أيضاً حوالي 800,000 برميل يومياً من المكثفات و 800,000 برميل يومياً من النفط الخام، والتي توفر للدولة، بأسعار اليوم، 25 مليار دولار إضافية سنوياً.
حتى الآن، لم يكن هناك سعر مرجعي عالمي واحد للغاز الطبيعي. إن السعر في اليابان لا علاقة له بالسعر في الولايات المتحدة أو في أوروبا. ومع ذلك، فإن التطور الكبير للغاز الطبيعي المُسال في جميع أنحاء العالم اليوم والزيادة الكبيرة في الإنتاج الجديد من أوستراليا والولايات المتحدة هما بداية لدفع فعلي نحو سعر عالمي. وقد بدأ المنتجون الأميركيون تصدير الغاز الطبيعي المُسال إلى أوروبا، ومن المرجح أن يبدأوا التصدير إلى الشرق الأقصى عبر قناة بنما المُوسّعة حديثاً. ويستند سعر المُنتجين الأميركيين للغاز الطبيعي المُسال على سعر الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بالإضافة إلى تكاليف التسييل وتكلفة النقل. وبالتالي، فإن السعر المرجعي للغاز الطبيعي المُسال سيتأثر على نحو متزايد بأسعار الغاز الطبيعي في أميركا. والمورّدون الجدد، بالتالي، يضغطون على سعر الغاز الطبيعي المُسال لكي يظل منخفضاً، مما يعني أن قطر من المرجح أن يظل يعوقها أو يعيقها العائد الصافي المنخفض من الغاز الطبيعي المُسال لفترة طويلة إلى حد ما.
ليس هناك شك في أن قطر تستخرج الغاز بسرعة. إن كمية الغاز التي أخذتها قطر من حقلها، فقط لمشاريع صناعية، قد تصل إلى نحو 600 مليون متر مكعب يومياً أو 236 مليار متر مكعب سنوياً، والذي من شأنه أن يعطي تقديرات لبقاء إحتياطاتها الدائمة من الغاز الطبيعي حوالي 52 سنة على إفتراض إسترداد 50 في المئة. والواقع أن هذه شكلت قضية بالغة الأهمية لقادة قطر لبعض الوقت. في العام 2004، أصدرت الدوحة قراراً بوقف جميع المشاريع الجديدة، وضمان أن كمية الغاز الطبيعي التي تُستخرَج سنوياً لن تزيد في المستقبل القريب.

إيران

تُفيد التقارير بأن إجمالي الإنتاج الإيراني من الغاز الطبيعي يصل إلى حوالي 192.5 مليار متر مكعب في السنة، مع إحتياطات تُقدَّر ب34 تريليون متر مكعب. وتخطّط إيران بشكل طموح لزيادة الإنتاج إلى 265 مليار متر مكعب هذا العام، حيث أن 50٪ منها سوف تأتي من حقل فارس الجنوبي وحده. ولدى الجمهورية الاسلامية العديد من الحقول الأخرى البرية والبحرية، ولكن إجمالي الطاقة الإنتاجية الإيرانية الفعلية في الوقت الحالي لا يزال غير واضح. في حقل فارس الجنوبي، كانت إيران تعمل مع شركاء أجانب حتى تم فرض العقوبات، وبالتالي يتوفر المزيد من المعلومات عن هذا الحقل. وقد تم تقسيم تطوير الحقل إلى 24 مرحلة. اليوم، بدأت 15 مرحلة من المراحل أو على وشك. ووفقاً لتصنيف نشرة الشرق الاوسط الإقتصادية فإن 13 من المراحل ال15 الأولى تنتج 14.6 مليار متر مكعب، كما من المقرر أن تبدأ مرحلتا 17 و 18 خلال النصف الثاني من العام الحالي. ومن غير الواضح تماماً كيف ينقل الإيرانيون الغاز من الحقل البحري الى البر الرئيسي، على الرغم من أنه من المعروف أن هناك خط أنابيب تشغيلياً واحداً على الأقل بين الحقل وعسلوية على الجانب الإيراني من الخليج.
وتصدّر إيران 7.6 مليارات متر مكعب في السنة من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب إلى تركيا. ويمكن زيادة هذه الكمية إذا تمّ حل النزاع الحالي حول التسعير. وبدأت إيران أيضاً إنشاء خط لتصدير الغاز الطبيعي عبر تركيا إلى أوروبا، والذي سيكون مكسباً لجميع الأطراف المعنية، وسيكون له تأثير كبير في وصول الإيرانيين إلى الطلب الدولي على الغاز الطبيعي.
وأشار بعض المراقبين إلى أن واحداً من الأهداف الرئيسية في إيران هو تطوير صناعة تسييل الغاز الطبيعي من أجل تنقيد (تحويلها إلى نقد) إحتياطاتها من الغاز الطبيعي، إلى حدٍّ ما مثل قطر. ومع ذلك، قد يكون من الصعب بالنسبة إلى الإيرانيين تطوير صناعة خضراء لتسييل الغاز الطبيعي، على الرغم من وجود إحتياطات ضخمة لديها من الغاز الطبيعي. القطارات (المصانع) تتطلب تكنولوجيا متقدمة نوعاً ما ودراية من شركات أميركية، والتي قد لا تكون متاحة بسهولة حتى يتم رفع جميع العقوبات من واشنطن.

نزوح الغاز الطبيعي من فارس الجنوبي إلى القبة الشمالية

إن القضية التي يبدو أنها تطفو إلى السطح من حين إلى آخر هي الخوف الذي أعربت عنه إيران من إقدام قطر على إستغلال واسع في جانبها من الحقل الذي يمكن أن يؤثر بطريقة أو بأخرى في الجانب الإيراني. بالتأكيد، تستخرج قطر مرتين على الأقل من الغاز من الحقل المشترك أكثر مما تفعل إيران. ومع ذلك، فإن جيولوجيا نزوح أو هجرة الغاز الطبيعي تحت الارض غير واضحة وهي بأي حال من الأحوال لم تُحدّد على أسس علمية. ويبدو من المرجح أن النزوح قد يجري على مدى عقود عدة أو حتى قرون، ومن غير المحتمل خلال سنوات قليلة. ومع ذلك، فإن فكرة نزوح الغاز عندما تُذكَر يمكن أن تثير مخاوف في دول مجلس التعاون الخليجي. إن إتهام صدام حسين للكويت بسرقة النفط العراقي من حقل الرميلة، بئر نفطي كان مقسوماً على الحدود بين البلدين، لا تزال ذكراه واضحة في أذهان الكثيرين في منطقة الخليج. لقد إستخدم صدام حسين هذا الإدّعاء واحداً من مبررات عدة لغزو الكويت. مع هذا في الإعتبار، فإن فكرة زيادة التوترات السياسية بسبب تصورات نزوح الغاز تشعر به تماماً المنطقة. في أي حال، فإن الحل الوحيد لمشكلة نزوح الغاز يكمن في أن تبدأ إيران إستخراج الغاز الطبيعي بسرعة كالقطريين، وبالتالي، حتى خارج إستخدام كلا الجانبين للحدود البحرية.

إختلافات في السياسة

من الواضح أن قطر وإيران تعتمدان على حد سواء بشكل كبير على موارد الغاز الطبيعي. كلاهما بحاجة إلى الوصول إلى الأسواق إما من طريق خط أنابيب، ومن خلال إنتاج الغاز الطبيعي المُسال، أو من طريق تحويل ميثانها الخاص إلى عناصر سهلة للنقل مثل الأمونيا واليوريا. ويتمتع البلدان بفوائض كبيرة من المكثفات التي يتم إنتاجها عبر إستخراج الغاز الطبيعي. المكثفات، كما هو الحال في قطر، يمكن بيعها مباشرة أو تحويلها إلى منتجات مختلفة تستخدم لتأجيج النقل أو في الصناعة الكيميائية.
مع ذلك، فإن حجم كل بلد قد أثر في كيفية نظر كل منهما إلى التنمية الطويلة الأجل. إن قطر، التي يبلغ عدد سكانها المحليين نحو 278,000، لم يكن لديها ما يكفي من الموظفين المحليين لتطوير مواردها الوفيرة. ولذلك، فقد كان إعتمادها على المشاريع المشتركة الأجنبية أو على إتفاقات تقاسم الانتاج مع شركات غربية لتطوير القبة الشمالية. وتحتفظ قطر بعلاقات وثيقة مع الشركات الغربية الكبرى، لا سيما إكسون موبيل، وشل، وتوتال، لهذا السبب.
كانت إيران، من جانبها، قادرة على إتخاذ نهج أكثر قومية لأن في إمكانها أن تعتمد على سكانها الكثر (79 مليوناً) والمتعلّمين جيداً. وعلى الرغم من حروبها المنهكة مع العراق، وأنظمة العقوبات الجذرية في السنوات ال20 الماضية، والهجرة الكبيرة للأدمغة التي عانت منها إيران على مدى السنوات ال 40 الماضية، فإنها تمكنت من الحفاظ على إستمرار إنتاج الغاز الطبيعي. ومع ذلك، فإن قدرتها على صيانة هذه الحقول قد تعرقلت إلى حد كبير بسبب النقص الكبير في رأس المال ومحدودية فرص الحصول على التكنولوجيا. اليوم، تسعى إيران إلى إعادة الشركات الأجنبية، ليس من خلال إتفاقات تقاسم الإنتاج، ولكن من خلال إتفاقات خدمات تقنية، تشبه إلى حد ما تلك المستخدمة من قبل العراق على مدى السنوات الخمس الماضية، والتي تسمح للبلد المضيف الإحتفاظ بملكية الإحتياطات وفي نهاية المطاف كسب المزيد من المال لهذا البلد مما هو ممكن في معظم إتفاقات تقاسم الإنتاج.

الإستثمار الأجنبي في حقل الغاز الإيراني

معظم شركات الطاقة الغربية، وكذلك الشركات الصينية واليابانية والكورية، حريصة على توقيع إتفاقات مع إيران. ومع ذلك، فإن الشروط المحددة للإتفاقات التقنية ليست معروفة بعد، وليس هناك أية شركة بدأت بالفعل العمل على الأرض. وثمة عقبة رئيسية أمام إيران وهي وفرة الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال في العالم، والتي من المتوقع أن تستمر في المستقبل القريب. لقد أبقى الفائض الأسعار منخفضة وقلّل الحوافز لشركات الطاقة للتفاوض. من ناحية أخرى، من المتوقع أن يستمر الطلب على الغاز الطبيعي المُسال في النمو بنسبة 5.5 في المئة سنوياً، والتي، في الوقت المناسب، سوف تمتص الطاقة الانتاجية الجديدة التي يجري بناؤها في الولايات المتحدة وأوستراليا وغيرهما. إن شركات الطاقة الكبيرة تستثمر في أفق عشر سنين إلى الأمام وتعرف أن إتفاقاً جيداً اليوم يمكن أن يؤتي ثماره بشكل رائع بحلول العام 2030 أو قبل ذلك.
ومع ذلك، فإن الصفقات مع إيران تبدو بطيئة لتؤتي ثمارها. وثمة مشكلة رئيسية بالنسبة إلى الشركات الراغبة في تطوير حقول الغاز الطبيعي الإيراني وهي الإعتماد على التكنولوجيا الأميركية. لا تزال الشركات الأميركية ممنوعة من التعامل مع أي شركة ذات صلة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بفيلق الحرس الثوري الإسلامي، الذي تشير التقارير إلى أنه يسيطر على 20 في المئة من القيمة السوقية لسوق الأسهم و36 في المئة من الإقتصاد الإيراني السري. وإستطراداً، فإن الشركات الكبيرة غير الأميركية التي لها صلات وفروع في الولايات المتحدة، تُبدي قلقاً من تداعيات محتملة في أميركا أيضاً. لذلك، فإن الشركات تسير بحذر شديد حتى يمكنها التأكد من أنها يمكنها مواصلة العمل في إيران من دون عواقب.
الشكوك التي قد تكون لدى الشركات الأجنبية من تورط الحرس الثوري على الجانب الإيراني، وإنخفاض سعر الغاز الطبيعي في السوق العالمية قد تُشكّلان نعمة مُقنَّعة لإيران. وكما نوقش سابقاً، فإن العائد الصافي الفعلي للغاز الطبيعي اليوم منخفض جداً. ومن غير المرجح، بإستثناء خيار خط أنابيب عُمان المذكور أعلاه، أن تستثمر الشركات الأجنبية في الغاز الطبيعي الإيراني مع فكرة تحويله إلى غاز طبيعي مُسال في المستقبل القريب. وهذا الأمر سيُجبر الإيرانيين على تركيز أقل على الغاز الطبيعي المُسال، وبدلاً من ذلك سوف تدفع طهران إلى تطوير خاص لإنتاجها ولصناعاتها القائمة على طاقة الغاز الطبيعي المُكثّفة.
الوجبة الجاهزة الرئيسية هي أن الغاز الطبيعي المُسال في الوقت الحاضر قد لا يكون إستثماراً مُجدياً، وإيران، في الواقع، يمكنها الإستفادة من إنخفاض الإهتمام. والحقيقة أن إيران قد لا تكون قادرة على بناء المصانع والمحطات للغاز الطبيعي المُسال التي ترغب فيها ولكن يمكنها بدلاً من ذلك توجيه إنتاج الغاز الطبيعي لديها نحو الإستخدام المحلي لتوليد الكهرباء، والكيماويات، والأمونيا، واليوريا، وغيرها من المنتجات ذات القيمة المضافة، التي من شأنها أن تخدم الاقتصاد أفضل من تصدير خام الغاز الطبيعي المسال. وقد يعطي هذا أيضاً إيران الحوافز التي تشتد الحاجة إليها لتطوير خط الانابيب الى الهند وباكستان وزيادة مبيعات خط الأنابيب عبر تركيا إلى أوروبا. وهناك أيضاً فرصة مذهلة لبناء خطوط أنابيب مع دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة التي تحتاج إلى الغاز الطبيعي.

عملاء مُحتملون للغاز الإيراني في مجلس التعاون الخليجي

قد تجتاز إيران مشاكل إنتاج الغاز الطبيعي المُسال وجذب الإستثمارات الغربية والتكنولوجيا الأميركية اللازمة من خلال تطوير مبيعات الغاز عبر أنابيب إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المثير للإهتمام الإشارة إلى أنه إذا تحسّنت علاقات إيران مع السعودية، فسيكون من السهل مد أنابيب من حقل فارس الجنوبي الإيراني إلى المملكة، والتي سوف يبلغ طولها أقل من 200 كيلومتر، وسوف تمثل إستثماراً منخفضاً نسبياً في مياه ضحلة إلى حد ما. ومن شأن هذا الترتيب أن يكون في الواقع مفيداً لكل من إيران والمملكة العربية السعودية، وخصوصاً الأخيرة التي تحتاج إلى غاز طبيعي جديد منخفض التكلفة.
في الوقت الحاضر، مع ذلك، فإن الأكثر إحتمالاً للإفادة من الغاز الإيراني في الدول الخليجية عبر الأنابيب هي عُمان، التي لديها طاقة فائضة من الغاز الطبيعي المُسال في قطاراتها الثلاثة الحالية. في حين أن الأمر ليس بالضرورة سهلاً، فإن بناء خط أنابيب بين إيران وسلطنة عُمان يمكن القيام به، وإن كان سيكون مكلفاً. وبالتالي، واحدة من أولويات الحكومة الإيرانية هي بناء علاقات جيدة مع عُمان. وكل الدلائل تشير إلى أن السلطنة تتقبل ومهيّأة تماماً لهذا الاحتمال.
خط أنابيب آخر يمكن أن يكون مع الإمارات في إمارة رأس الخيمة. في الواقع هناك خط أنابيب موجود بالفعل من أحد الحقول الإيرانية، على مقربة من الحدود البحرية مع رأس الخيمة، ويمكن ربطه بسهولة إلى الإمارة الخليجية. ومع ذلك، لا يزال هذا المشروع رهينة التوترات السياسية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران.
إن إستخدام خطوط الأنابيب سوف يخلق إلتزامات متبادلة لضمان علاقات جيدة بين إيران وجيرانها، وخصوصاً دول مجلس التعاون، وسوف يحفز القادة الإيرانيين في نهاية المطاف على تحديد أولويات تحسين العلاقات مع الدول الخليجية العربية.

الآثار المترتبة على علاقات قطر وإيران

إن تقاسم أكبر حقل للغاز في العالم يمكن أن يكون تحدياً لإيران وقطر- ويصبح مصدراً للمنافسة والتوتر — أو فرصة للتعاون.

الفرص مقابل التوترات

ستتأثر كل من قطر وإيران من جرّاء إنخفاض أسعار الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال في المستقبل القريب. وسيكون هذا صعباً للغاية بالنسبة إلى دولة قطر، التي، كأكبر مورد للغاز الطبيعي المسال، ستكون مُجبَرة على إنتاج أكبر لتغطية التكاليف الثابتة، حتى لو كانت العائدات الصافية منخفضة. من ناحية أخرى، بسبب إضطرار إيران إلى تأخير تطوير إنتاج الغاز الطبيعي المسال لديها، فقد يكون الأمر نعمة غير متوقعة لأنه قد يدفع بإيران إلى تطوير الصناعات القائمة على الغاز الطبيعي بدلاً من أن تنفق الكثير من المليارات من الدولارات على بناء قطارات ومحطات الغاز الطبيعي المُسال. هذا أيضاً لديه فائدة إضافية تتمثل في خلق قيمة مضافة داخل البلاد وزيادة فرص العمل للعمالة المحلية.
وقد إهتمت قطر أيضاً في مواصلة تطوير إنتاجها من غاز الميثان، مثل تحويله إلى سوائل وكيماويات، وأمونيا، ويوريا، والتي تأخذ من الإحتياطات أقل بكثير مما يفعل الغاز الطبيعي المُسال. هذه المشاريع الجديدة، وخصوصاً في إنتاج القيمة المضافة، يمكن أن يكون لها معنى إقتصادي كبير، ولكن ينبغي أن يتم تطويرها من طريق إستبدال إنتاج الغاز الطبيعي المُسال القائم. وهذا الأمر قد يكون سياسة ذكية لدولة قطر، ولكن واحدة من الصعب تنفيذها. وقد إستثمرت القيادة القطرية قدراً كبيراً من سمعتها في كونها أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم. في الواقع إن الشركاء الأجانب المستثمرين في المصانع والمحطات، وكذلك مدراء البنوك الذين يعتمدون على التدفق النقدي لقطارات الغاز الطبيعي المُسال لتسديد القروض، لا بدّ أن يكونوا راضين.
قد تحتاج قطر أيضاً إلى إعادة تركيزها من الغاز الطبيعي المُسال إلى تصدير الغاز عبر الأنابيب إلى دول المنطقة التي تحتاج إليه الآن، مثل المملكة العربية السعودية والكويت، أو الإمارات، إذا كان يمكنها التفاوض على أسعار فوق العائد الصافي الحالي البالغ 2 إلى 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وهذا يعني تغييرات كبيرة في الطريقة التي تعمل بها قطر مع المملكة العربية السعودية، التي إعترضت في الماضي على إقامة خط أنابيب إلى الكويت وجعلت الحياة صعبة بالنسبة إلى خط أنابيب دولفين إلى الإمارات.
في ضوء إنخفاض أسعار الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، فمن الممكن أن تكون كلٌّ من قطر وإيران تريد التركيز أقل على تطوير وصيانة وبيع السلع الأساسية، سواء في شكل غاز طبيعي عبر خط أنابيب أو غاز طبيعي مُسال بواسطة الناقلات. على نحو متزايد، يتحوّل الإهتمام والتركيز إلى تحويل ما لديهما من الميثان، والإيثان، والمكثفات إلى منتجات محلية، ذات قيمة مضافة مثل الكيماويات المتقدمة، والأسمدة، أو غيرهما من المنتجات الكثيفة الإستخدام للطاقة، مثل الفولاذ أو الألومنيوم.
من الناحية المثالية، بإستطاعة قطر التحوّل بعيداً نوعاً ما من الغاز الطبيعي المُسال ويمكنها بيع الغاز الطبيعي إلى المملكة العربية السعودية، التي تقوم حالياً بتطوير كبير، ولكنه مكلف، لمصادر الغاز الطبيعي محلياً. ويمكن للمرء أن يتصور أنه في مناخ سياسي أفضل، ومع بعض تحرير القدرات في قطارات الغاز الطبيعي المسال، يمكن قطر أن تساعد إيران على تحويل الغاز الطبيعي في فارس الجنوبي إلى غاز طبيعي مُسال وتصديره إلى جميع أنحاء العالم، وبالتالي تحرير بعض الغاز الطبيعي من القبة الشمالية لبيعه إلى المملكة العربية السعودية والكويت والامارات، وسلطنة عمان، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لقطر أن تطور على نطاق واسع إستخدام القيمة المضافة للميثان والإيثان.
وللأسف، فإن السيناريوهات المذكورة أعلاه، مهما بدت بديهية، فمن غير المرجح أن يتم تنفيذها في ظل المناخ الحالي والتوتر الذي يخيم على علاقات إيران ودول مجلس التعاون. في الواقع، إن الخوف الوحيد هو أن يقوم الحرس الثوري الإيراني في بناء دفاعات في فارس الجنوبي لحماية تطوره. والشيء نفسه، بالطبع، ينطبق على قطر في ما يتعلق بالقبة الشمالية. قطر دولة صغيرة جداً للدفاع، وبالتالي ستصبح أكثر إعتماداً على حماية السعودية والولايات المتحدة.
بطبيعة الحال، فإن المنافسة بين قطر وإيران في حقل القبة الشمالية / فارس الجنوبي أمر متوقع وبالتأكيد يمكن أن تتصاعد. ومع ذلك، يجب أن يدرك كلا البلدين على أن الحشد العسكري في المنطقة، والنهج الذي يركز على الأمن المتشدد قد يؤدي إلى صراع، وهو ليس في مصلحة أيٍّ من الطرفين.
لحسن الحظ، مع الإنخفاض الكبير لأسعار الغاز الطبيعي، يمكن للمرء أن يأمل بأن تصل إيران وقطر إلى تفاهم أساسي مفاده أن التعاون سوف يؤدي إلى المزيد من الفوائد، في حين أن التوتر يمكن أن يؤدي بسهولة إلى خسائر إقتصادية كبيرة لكلا الدولتين.
وبطبيعة الحال، إن تقاسم الحقل أيضاً يضع قطر في مأزق مع الحملة الحالية المُعادية لإيران التي تقودها المملكة العربية السعودية. لقد سعت القيادة القطرية الجديدة بعناية إلى تحسين علاقاتها مع المملكة، ولم تعد تتبع سياسة خارجية مستقلة تتعارض مع أهداف ومصالح السعودية. كما تتشارك قطر في حدود برية مع المملكة العربية السعودية، وكذلك في جذور دينية مشتركة، ولكنها تشترك بثروتها مع إيران. وبالتالي، يجب أن تجد طريقاً وسطاً بين طهران والرياض للحفاظ على ميزتها الطبيعية الأساسية.

زر الذهاب إلى الأعلى