إرفعوا الوصاية عن المرأة في السعودية لكي ينجح التحوّل الإقتصادي

بقلم هالة الدوسري *

كاريكاتور عن المرأة السعودية وولي أمرها
كاريكاتور عن المرأة السعودية وولي أمرها

إتّصلت بي أَمَل قبل عامين. كانت في الثلاثين من عمرها، وأستاذة جامعية مبتدئة، وبحاجة إلى مساعدة. على مدى أربع سنوات كان والدها يضربها ويعنّفها، ويحبسها في غرفتها، ويهدّدها بمنعها من العمل لأنها تريد الزواج من أستاذ جامعي غير سعودي. الآن تودّ إستكشاف إمكانية الهروب من البلاد التي وُلِدت فيها، المملكة العربية السعودية.
بالنسبة إلى المرأة السعودية، فإن الإختيار الشخصي يُعتَبر ترفاً. قراراتها ينبغي أن تتطابق وتتوافق مع ولي أمرها الذكر. فقط النساء مع أوصياء متفهّمين ومُريحين ومُتساهلين يمكنهن أن يتحكّمن بحياتهن. البقية يجب أن تعيش مع أيّ قيود يُمليها عليها أولياء أمورها.
إستشارت أَمَل محامياً، لكنه تركها أكثر يأساً. إن المحاكم توافق على أقل من خمسة في المئة من جميع القضايا المرفوعة لإزالة الوصاية. وحتى عندما ينجح طعنٌ قضائي، فإن الأمر متروك لولي أمر المرأة الجديد، وغالباً ما يكون أقرب الذكور إليها من بين ذوي القربى، للموافقة على إختياراتها — في هذه الحالة، الزواج من رجل غير مواطن.
كان الخيار الآخر الوحيد أمام أمل هو مغادرة البلاد، والزواج في الخارج. لكنها لا تزال بحاجة إلى جواز سفر وتصريح للسفر من ولي أمرها. وهكذا فقد علقت أَمَل وأُقفِلت كل الطرق في وجهها.
الواقع أن قصتها هي مماثلة لقصص آلاف النساء في المملكة العربية السعودية. إن نظام الوصاية السعودي يهدّد سلامة مواطنيها الإناث من جهة وخطط الدولة للتحوّل الإقتصادي من حهة أخرى، لأنه يعطّل و”يسجن” إمكانات نصف سكان البلاد.
لحسن الحظ، كان وليُّ أمري داعماً ومنحني الحرية – التي حرمني منها بلدي- لمتابعة خياراتي. أكملت الدكتوراه، ودراسة العنف ضد المرأة. في سياق دراستي، وجدت أن ما يقرب من واحدة من كل إمرأتين من النساء السعوديات تتعرض للعنف و25% للإعتداء الجنسي قبل أن يصلن إلى سن الخامسة عشرة. والنساء هنّ أيضاً فقيرات، مع 70 في المئة منهن يعتمدن مالياً على أولياء أمورهن، من دون الوصول إلى مواردهن المالية.
في العام 2010، أطلقت موقعاً إلكترونياً (بلوق) بالعربية لنشر التوعية حول المشاكل في السعودية. بدأت النساء الهاربات من التعسف الإتصال بي، حيث طلبن إحالتهن إلى آخرين في المملكة الذين قد يساعدونهن، أو إلى نساء في الخارج، ورسائل تدعم طلبات لجوئهن.
هؤلاء النساء كنّ على إستعداد للمخاطرة بمنح دراسية في الخارج، ومُحاكَمة مُحتملة أمام النيابة العامة السعودية، أو إحتمال العيش في عالم النسيان لسنوات بينما تتم معالجة طلبات لجوئهن لتحرير أنفسهن من أولياء الأمور المتعسّفين.
ومع هذا لم تكن حكومتهن مستعدة لإلغاء الشيء الذي جعلهن عرضة للخطر. إن الدولة تُجيز سلطة ولي الأمر، والسلطات الدينية تبررها، والأسر تتبناها وتتقبلها.
إن الوصاية التي تُمارَس في المملكة العربية السعودية غير مطلوبة من الشريعة الإسلامية. ووفقاً لبعض أوائل الفقهاء، إن المطلوب هو إذن ولي الأمر للمرأة لكي تتزوج. على مر القرون، توسّعت تلك السلطة لتتغلغل أساساً في كل جوانب حياة المرأة، بما في ذلك الوصاية على الأطفال، وحرية التنقل، وإختيار مكان الإقامة، والقدرة على الخروج من المنزل للعمل أو التعليم.
وقد حدثت مأسسة نظام الوصاية في السعودية تدريجاً منذ العام 1932 لخدمة النظام السياسي القائم – الهرمية، البنية القبلية للأسرة والمجتمع، مع الملك على رأسه. وقد أصدرت المؤسسات الدينية التابعة للدولة فتاوى لتعزيز نظام الوصاية. الرجال كانوا أرباب الأسر والنساء تحت رعايتهم، زوجات وبنات مطيعات.
تاريخياً، كان هذا المفهوم متجذّراً في ثلاثة مفاهيم رئيسية بين الجنسين التي أثّرت في الفقه الإسلامي: الإعتقاد بالتفوق الفيسيولوجي والعاطفي للرجال؛ والحاجة إلى تدعيم بنية الأسرة الأبوية؛ وفكرة أرسطو حول العدالة بأن يُعامَل الرجال والنساء بشكل مختلف إستناداً إلى “جوهرهم”. وبمرور الوقت، سُمِح للرجال، بإسم الدين، بالسيطرة على النساء، حتى من طريق العنف، للحفاظ على النظام الإجتماعي.
ونتيجة لإضفاء الطابع الرسمي التدريجي على قواعد الوصاية، فإننا نرى اليوم أن النساء اللواتي يمكنهن الحصول على إذن ولي الأمر فقط يمكنهن طلب التعليم، والمنح الدراسية، والزواج، والعمل، أو السفر إلى الخارج. ويتطلب من مديري المدارس الحصول على إذن من أولياء الأمور للسماح لرجال الإسعاف أو الإطفاء للدخول إلى حرم المدرسة في حالات الطوارئ، كما يسري الأمر عينه على المستشفيات لأي إجراء مرضي، وعلى القضاة للنظر في قضايا مُقدَّمة من نساء حتى عندما يكون الأوصياء هم المتهمين، وعلى موظفي السجون لإطلاق سراح سجينات.
من ناحية أخرى، إن الناشطات اللواتي قُدن سيارات إحتجاجاً لرفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات فقد أجبرتهن الشرطة على التوقيع على تعهدات لطاعة أولياء أمورهن وملكهن – “حامي حمى” الأمة.
بالنسبة إلى النساء، هذا النظام هو تهديد لحياتهن. لا يزال ضباط الشرطة والعاملون الإجتماعيون يعيدون ضحايا العنف المنزلي إلى أولياء أمورهن، حيث يطلبون من الأوصياء مجرد التوقيع على “تعهدات” بعدم إيذاء المرأة. ويستطيع الوصي رفع قضية إلكترونية ضد إمرأة لتركها منزله بغض النظر عن سنها. كما لا يمكن لأي إمرأة السفر خارج المملكة من دون إذنٍ من ولي أمرها.
وقد أثّر نظام الوصاية أيضاً سلباً على الإقتصاد السعودي. في العام 2011، أفادت وزارة العدل بأنه في الغالبية العظمى من الحالات التي طلبت النساء فيها الطلاق، كان أزواجهن يجبرونهن على ترك وظائفهن أو السيطرة على رواتبهن. غير قادرات على العثور على موارد لأنفسهن من دون إذن من ولي الأمر، فإن هؤلاء النساء يتحوّلن إلى الدولة لدعم قانوني أو مالي، مما يُجهد أكثر نظام الرعاية الإجتماعية العام. وتفيد الدراسات بأن متوسط دخل الأسرة البالغ 3,800 دولار من المتوقع أن ينخفض بنسبة 20 في المئة ما لم تشارك النساء بنشاط في سوق العمل. (من المتوقع زيادة قدرها 60 في المئة).
لم يكن من الصعب على البلاد تحمّل هذه التكاليف عندما كانت عائدات النفط وفيرة والعمالة الأجنبية رخيصة. في السنوات القليلة الماضية، مع ذلك، شجّعت أسعار النفط المتذبذبة التي لا يمكن الإعتماد عليها، والعولمة، والمصالح المتعددة الجنسيات التجارية للشركات، وإلتزامات الحكومة بموجب معاهدات حقوق العمال وحقوق الإنسان الدولية، على التغيير، وإن كان ذلك على نطاق ضيّق مؤلم.
على سبيل المثال، غيّرت الحكومة قانون العمل لإزالة شرط حصول المرأة على إذن من ولي أمرها لكي تتوظّف. على الرغم من ذلك، فإن الرياض لم تُطبّق التغيير بعد، ومعظم أرباب العمل لا يوظّفون إمرأة من دون موافقة ولي أمرها.
إن “البرنامج الوطني للتحوّل 2020″، الذي أطلقه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وسط ضجة كبيرة في نيسان (إبريل) 2016، قد أكّد على أن مشاركة المرأة الإقتصادية ضرورية لتنويع إيرادات الدولة بعيداً من النفط وزيادة متوسط دخل الأسرة. ولكن الأمير وضع اللوم على المرأة السعودية، وليس على سياسات الدولة، لمعدلات العمالة المنخفضة بشكل كبير للمرأة – نحو 20 في المئة. (في الولايات والمتحدة المملكة المتحدة، يبلغ معدل المشاركة الإقتصادية للمرأة حوالي 56 في المئة). وتوقّع البرنامج الوطني للتحوّل مجرد زيادة ثمانية في المئة في معدلات التوظيف للإناث بحلول العام 2020. وهذا الرقم المنخفض ليس مستغرباً بالنظر إلى أن السبب الرئيسي لإنخفاض مشاركة المرأة – الوصاية – لم يتم التطرق إليه.
ما يعنيه هذا هو أن النساء اللواتي لا يقيّدهن حظر قيادة السيارات بشكل جدي أو عدم وجود مرافق مناسبة لرعاية الأطفال، واللواتي يوافق أولياء الأمور على عملهن، هن فقط سيكنّ قادرات على دخول سوق العمل. وهذا يعني، أن النساء اللواتي يتمتعن بالموارد ودعم الأوصياء فقط سوف يستفدن.
تدعو النساء السعوديات منذ سنوات من أجل وضع حدٍّ لنظام الوصاية. فقد قدّمن إلتماسات، وأجرينَ دراسة دينية على هذا المفهوم، وعملنَ بنشاط لنشر أفكارهن عبر الإنترنت. وتسعى هؤلاء النساء مثل أمل، المُحبَطات عند كل منعطف، بشكل متزايد ليس فقط لتحرير أنفسهن من أولياء الأمور المُتعسّفين والسيّئين ولكن لتأكيد إستقلالهن. إن قصص النساء اللواتي فرّين من البلاد تكتسب مزيداً من الضوء والوضوح في وسائل الإعلام. ومع ذلك، ليس كل النساء قادرات على الهرب أو النجاح في القيام بذلك. حالياً، أنا على إتصال مع ثماني نساء سعوديات في بلدان عدة مختلفة يسعين إلى اللجوء هرباً من سيطرة أولياء أمورهن. لهذا فقد حان الأوان – لأسباب كثيرة – لإنهاء نظام الوصاية وللإعتراف بالنساء السعوديات كمواطنات على قدم المساواة.

• هالة الدوسري باحثة زائرة عن الجنسين، وصحة المرأة، والسياسة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن. وهي ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة وحمايتها من العنف في المملكة العربية السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى