لحظة الحقيقة للمملكة العربية السعودية في اليمن

بعد فشل جلسات الحوار في الكويت وتأجيلها وإستعار الحرب مجدداً فإن أمام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ثلاثة خيارات في اليمن، وليس بينها أي واحد جيد.

محادثات الحوار في الكويت: تعثرت فأُجّلت
محادثات الحوار في الكويت: تعثرت فأُجّلت

الرياض – راغب الشيباني

تواجه المملكة العربية السعودية نقاط قرار حاسمة في حربها في اليمن. إن العملية السياسية لحل الأزمة التي تجري بين أطراف النزاع هناك قد تعثّرت. لذا ينبغي على الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أن يقرر ما إذا كان يود تصعيد الحرب ضد تحالف المتمرّدين أو إجراء تسوية لتقسيم فعلي للبلاد. وقد يختار التردد.
إن محادثات السلام التي تُشرف عليها الأمم المتحدة في الكويت، قد عُلّقت على الأقل حتى الشهر المقبل إن لم يكن لفترة أطول. في حين أن المنظمة الدولية كانت حريصة على ترك الباب مفتوحاً لإستئناف المحادثات، فإن هناك إحتمالاً ضعيفاً في إحراز تقدّم في العملية السياسية نظراً إلى شروط العملية التي وضعها قرار مجلس الأمن رقم 2216، والتي تدعو إلى إستعادة حكومة عبد ربه منصور هادي السلطة في صنعاء، وهو طلب يرفضه تحالف المتمردين الزيديين الحوثيين الشيعة وأتباع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
شكّل الحوثيون وصالح مجلساً في الشهر الفائت لحكم وإدارة العاصمة ومعظم شمال اليمن. وهذا القرار يُقسّم البلاد فعلياً بين منطقة الشمال والشرق التي يهيمن عليها الشيعة ومنطقة الجنوب والغرب التي يهيمن عليها السنة. إنه تقسيم فوضوي مع العديد من بؤر التوتر، مثل مدينة تعز، حيث لم يتوقف القتال أبداً على الرغم من إنخفاض العنف هذا الربيع الذي أدى إلى الحوار في الكويت. لقد طلب تحالف المتمردين من الأمم المتحدة تشكيل حكومة إنتقالية لتحل محل حكومة هادي، لكن هادي رفض التنحي.
لقد دعم السعوديون هادي على مضض ولم يكونوا مستعدّين لإستخدام نفوذهم مع نظامه لإجباره على التنحي. بطبيعة الحال، لديهم نفوذ هائل، إذ أنهم وحلفاءهم يوفرون لهادي الأموال والأسلحة التي تحافظ على حكومته الضعيفة في السلطة في عدن. لقد دعم السعوديون هادي ليحل محل صالح بعد “الربيع العربي”؛ فهو وكيلهم وتحت حمايتهم والتخلي عنه سوف يكون أمراً مُحرِجاً.
أعلن التحالف الذي تقوده السعودية الآن أنه سوف “يُحيي” عمليته العسكرية المسماة “إعادة الأمل” للتعامل مع الإنتهاكات المستمرة للهدنة الضعيفة التي صاحبت محادثات الأمم المتحدة. والغارات الجوية السعودية ضد المتمردين تكثّفت بالفعل.
لكن من غير الواضح ما إذا كانت الرياض تريد تنفيذ محاولة لإسترجاع صنعاء ومدن شمالية أخرى من المتمردين. كتب أحد المعلقين السعوديين أخيراً أن مثل هذا الهجوم من شأنه أن يحوّل العاصمة اليمنية إلى “مقبرة” ويُشعل وقود الكراهية اليمنية ضد المملكة لأجيال طويلة مقبلة. إن قوات التحالف تقترب من مشارف العاصمة ولكن المعركة من منزل الى منزل ستكون دموية وباهظة الثمن في حين أن الحوثيين سيبقون مسيطرين على معقلهم التقليدي في شمال اليمن على الحدود السعودية، حيث يستمرون في إشعال التوتر في المنطقة الحدودية، مما يسبب في وضع البلدات الحدودية السعودية في خطر داهم. ويمكن للحوثيين تصعيد النزاع على الحدود إذا صعّد السعوديون وحلفاؤهم الهجمات ضد صنعاء.
إن الحرب مكلفة جداً بالنسبة إلى المملكة. في العام الفائت، كانت لدى المملكة ثالث أكبر موازنة دفاع في العالم. فقط الولايات المتحدة والصين قد أنفقتا أكثر على جيوشهما. ولا تذهب كل نفقات الرياض على مغامرة اليمن، بالطبع، ولكن قدراً كبيراً منها يُنفق عليها. لقد باعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للمملكة العربية السعودية كميات كبيرة من الذخائر والإمدادات الأخرى للحفاظ على إستمرارية المجهود الحربي. وتخطط السعودية لإنتاج نصف أسلحتها محلياً تحت الخطة الرئيسية السعودية “رؤية 2030” وهو أمرغير واقعي تماماً. إن بلداً من 20 مليون شخص لا يستطيع تحمل موازنات دفاع مرتفعة مثل هذه إلى أجل غير مسمى، خصوصاً مع تراجع أسعار النفط مرة أخرى.
في أوائل آب (أغسطس) الجاري، دعا المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية والإفتاء في المملكة، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشركات والبنوك والشركات للتبرع بالمال للمساعدة على دعم عائلات الجنود الذين قُتلوا في الحرب، كما دعا الجامعات في البلاد إلى تقديم التعليم المجاني للأطفال الذين لقي آباؤهم مصرعهم. وناشد أيضاً جمع التبرعات لمساعدة البلدات الحدودية التي تتعرض للهجوم. إن هذا النداء يؤكد على تكاليف الحرب والتحدي الذي تواجهه الحكومة لدفع ثمن مرتفع جداً في “مستنقع” مفتوح من دون نهاية قريبة.
من ناحية أخرى يقترح بعض المُعلّقين في المملكة خياراً إحتياطياً للحرب، ويكمن في أن تقبل الرياض بتقسيم البلاد، حيث يُترَك الحكم بشكل دائم في الشمال للحوثيين في حين تقوم دولة جنوبية موالية للسعودية ذات شرعية دولية. وتصبح هذه الدولة في جنوب اليمن عضواً في مجلس التعاون الخليجي. وفي هذه الحالة ستكون لدى السعودية سيطرة فعلية على المضيق الحاسم باب المندب في مثل هذا السيناريو. وسيكون مساراً للمدى الطويل لإحتواء التحدّي الحوثي.
الملك كان أخيراً في إجازة طويلة في طنجة، المغرب. وفي آخر لحظة قرر عدم حضور القمة العربية في موريتانيا في الشهر الماضي، قيل لأسباب صحية. في غياب سلمان، فإن ولي العهد الأمير محمد بن نايف يدير شؤون المملكة اليومية.
الواقع أن الخيار الأسهل بالنسبة إلى المملكة هو في تدبر أمرها وعدم إتخاذ أي قرار. ان النظام السعودي سوف يرفض أي حكومة إنتقالية ويؤكد على أن الحرب قد منعت الإيرانيين من الإستيلاء على اليمن. إن اللعب بورقة إيران يحافظ على التأييد الشعبي للحرب، ويحشد معظم دول مجلس التعاون الخليجي وراءها. لقد بالغت الرياض إلى حد كبير بالنسبة إلى دور الإيرانيين في اليمن، ولكن ليس هذا هو السؤال المهم للملك. يمكنه إستخدام التهديد الإيراني إلى أجل غير مسمى، مُدركاً وعارفاً بأن طهران سوف تنخرط في ما يكفي من الأعمال السلبية لتبرير مخاوف السعودية ودول الخليج.
مهندس الحرب السعودية هو الإبن المفضل بالنسبة إلى الملك، ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان. لقد خفّض الإبن من إبراز صورته ومكانته في المجهود الحربي منذ أن تعثرت الحرب قبل عام. في الأشهر الأولى في ما كان يسمى عملية “عاصفة الحزم”، كان الأمير محمد دائماً في الأخبار يقود الحملة. ولكن ما إذا كان ولي ولي العهد الشاب قد غيّر أفكاره حول الحرب أو الخطة لحل الأزمة فهو أمر غير معروف.
كانت واشنطن في الغالب مراقبة للأزمة اليمنية، ولم يجعلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري من أولويات ديبلوماسيته. وراء الكواليس، حاول ديبلوماسيون أميركيون مساعدة عملية الأمم المتحدة، ولكن من دون نجاح. إن اليمن هي ببساطة ليست أولوية. وفي الوقت عينه، فإن نصف الشعب اليمني يعاني من سوء التغذية. وعشرات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر. إن أغنى دولة في العالم العربي تقصف أفقر بلد عربي والعالم منشغل بأمور أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى