“النفط الأصفر” يغيّر مستقبل الطاقة في السعودية

صار قطاع الطاقة الشمسية جزءاً من خطط التنويع الإقتصادي في المملكة العربية السعودية من خلال برنامج “رؤية 2030” كما يوضّح باسم رحال في تحليله التالي للسياسات والمؤسسات التي تحكم تَوسّع وتحوّل البلاد الى “النفط الأصفر”. ويبدو أن إرتفاع الإستهلاك المحلي للنفط، ودخول المواطنين الشباب إلى سوق العمل، وإنخفاض تكاليف إنتاج الألواح الشمسية كلها أسباب أدّت إلى إطلاق صناعة الطاقة الشمسية في المملكة. وقد أعاق نمو هذا القطاع سابقاً الغموض المؤسسي والتشرذم، ولكن إعادة هيكلة الحكومة في أيار (مايو) 2016 قد مهّد الطريق في نهاية المطاف إلى إنطلاقة مشجعة من خلال توحيد المهام الإدارية اللازمة تحت قبة وزارة واحدة مُنشَأة حديثاً.

مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة: دور جديد في العهد الجديد
مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة: دور جديد في العهد الجديد

الرياض – باسم رحال

الإعلان عن خطة الدولة السعودية الإقتصادية الجديدة “رؤية 2030″، في أواخر نيسان (إبريل) الفائت تبعته إعادة هيكلة حكومية رئيسية بعد 12 يوماً كان أحد عناوينها الرئيسية إنشاء وزارة قوية متعددة المهام تُدعى وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، بقيادة خالد الفالح وزير الصحة والرئيس التنفيذي السابق ل”أرامكو” السعودية. وقد حلّت هذه الوزارة الجديدة محل وزارة البترول والثروة المعدنية، مستوعبةً في الوقت عينه الوظائف الإدارية للسياسة الصناعية لوزارة التجارة والصناعة السابقة (التي أعيدت تسميتها وزارة التجارة والإستثمار في إعادة الهيكلة) وسياسة الكهرباء لوزارة المياه والكهرباء السابقة (المنحلّة في إعادة الهيكلة). وإعتبر المراقبون هذه العملية بأنها أكبر إعادة هيكلة حكومية في المجال الإقتصادي منذ العام 1975. في ذلك العام، بعد خلافة الملك خالد (1975 – 1982) للملك فيصل (1964-1975)، تم إنشاء وزارة الصناعة والكهرباء التي إستوعبت في ذلك الحين الوظائف الإدارية للسياسة الصناعية التي كانت من إختصاص وزارة النفط والثروة المعدنية، إضافة إلى وظائف سياسة الكهرباء التي كانت من إختصاص وزارة التجارة. بعد أربعة عقود أدرجت إعادة الهيكلة الأخيرة السياسة الصناعية في الوزارة الجديدة لإدارة قطاع النفط، وسياسة الكهرباء للمرة الأولى. وهذا يعني أن نية النظام الجديد، الذي يقوده الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي ولي العهد الأمير محمد، تهدف إلى ممارسة الرقابة على العملاق المقبل: الصناعة غير النفطية في البلاد، والتي يدعوها السعوديون “النفط الأصفر” أو الطاقة الشمسية.

“النفط الأصفر” للتنويع الإقتصادي

شقّت الطاقة المتجددة، وبسرعة، طريقها في سوق الطاقة العالمية في السنوات القليلة الماضية. في العام الفائت، بلغت الإستثمارات الدولية في مجال الطاقة المتجددة أكثر من ضعف المبلغ الذي أُنفق على محطات جديدة تعمل بالفحم والغاز. ويوظّف القطاع اليوم 8.1 ملايين عامل على مستوى العالم، و 2.8 مليون منهم منخرطون في إنتاج وحدات الطاقة الشمسية. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تمثّل الطاقة الشمسية أكثر من 5 في المئة من قدرة توليد الطاقة العالمية بحلول العام 2020.
وتحدّد “رؤية 2030” السعودية الطاقة المتجددة بإعتبارها واحدة من ركائز التنويع الإقتصادي بعيداً من النفط. وقد وضعت “هدفاً أولياً” يتمثّل بإنتاج 9.5 غيغاواط من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. وسوف تتم متابعة هذه المشاريع في إطار “مبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة”، التي من المتوقع أن تُعلَن تفاصيلها قريباً. وكان برنامج التحوّل الوطني 2020، الذي أُعلن عنه في أوائل حزيران (يونيو) الفائت بعد رؤية 2030، وضع هدفاً يتمثّل بإنتاج 3.45 غيغاواط، أو 4 في المئة من إجمالي إستهلاك الطاقة، بحلول العام 2020. ويهدف البرنامج أيضاً إلى توظيف 7,774 عاملاً في قطاعات الطاقة المتجددة والنووية مجتمعة بحلول العام 2020.
من المعروف أن الطاقة المتجدّدة تتكوّن من مصادر مختلفة من الطاقة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج والطاقة الحرارية الأرضية. ومن بين هذه المصادر، تُعتبَر الطاقة الشمسية مصدراً غير هيدروكربوني واعداً بشكل خاص في المملكة العربية السعودية، إذ أن شبه الجزيرة العربية هي أحد الأماكن الأكثر تعرضاً لأشعة الشمس الغنية في العالم. وعلى الرغم من الفترة الطويلة للغاية (أكثر من 3000 ساعة سنوياً) التي تتعرض لها المنطقة لأشعة الشمس، فإن الطاقة الشمسية، مع ذلك، لم يتم تسخيرها كمصدر رئيسي للطاقة في المملكة العربية السعودية أو في غيرها من بلدان مجلس التعاون الخليجي. لقد كانت قدرة الطاقة الشمسية المثبتة في البلاد 23 ميغاواط فقط في نهاية العام 2015، في حين كانت في الإمارات، التي لديها أكبر قدرة من الطاقة الشمسية المثبتة بين البلدان الخليجية، 128 ميغاواط في الفترة عينها. هذه الأرقام تبدو صغيرة ولافتة للإنتباه نظراً إلى الكمية التي تتلقّاها المنطقة من أشعة الشمس. تبلغ قدرة الطاقة الشمسية المثبتة في ألمانيا، وهي بلد لا يتلقى سوى نصف ساعات الشمس التي يتلقّاها الخليج العربي (أعلى قليلاً من 1500 ساعة سنوياً)، 40 جيغاواط – أكثر 300 مرة من قدرة الطاقة الشمسية الإماراتية و1,700 مرة أكثر من قدرة الطاقة الشمسية السعودية.
مع ذلك، بسبب إنخفاض تكلفة وحدات الطاقة الشمسية، فإن بلدان مجلس التعاون الخليجي تمر حالياً ب”ثورة هادئة” في مجال الطاقة الشمسية. إن أكبر مشروع للطاقة الشمسية قيد التنفيذ في المنطقة حالياً هو المرحلة الثالثة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي الذي تبلغ قدرته 800 ميغاواط. وتهدف هيئة كهرباء ومياه دبي، التي تشرف على تطوير المجمع، إلى تثبيت قدرة 5 غيغاواط بحلول العام 2030. ويتطلع المستثمرون بالتزامن إلى المملكة العربية السعودية، التي من المتوقع أن تكون “جوهرة التاج” في سوق الطاقة الشمسية الخليجية عندما تنطلق الصناعة. وكانت الحكومة السعودية تدرس إستخدام الطاقة الشمسية في المملكة منذ إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في العام 2010 بموجب مرسوم ملكي من الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز (2005-2015).
كان الدافع الأولي وراء إهتمام الحكومة السعودية لإستخدام الطاقة الشمسية هو عزمها على الحفاظ على قدرتها على تصدير النفط في ظل إرتفاع الإستهلاك المحلي من النفط في قطاع الطاقة. وتوقّعت إحدى الدراسات بأن تصبح المملكة العربية السعودية مستوردة صافية للنفط في أواخر الثلاثينات، إذا إستمر إستهلاك النفط المحلي في الإرتفاع على وتيرته الحالية. وكانت مدينة عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة أعلنت في وقت سابق عن خطتها لإنتاج 41 غيغاواط، ما يقرب من ثلث حاجة البلاد المتوقعة من الطاقة، من الطاقة الشمسية بحلول العام 2032، بالإضافة إلى 17 غيغاواط من الطاقة النووية و 9 غيغاواط من طاقة الرياح. (ومع ذلك، فقد أُجّل الهدف السنوي إلى 2040 في كانون الثاني (يناير) 2015، والآن يبدو أن الخطة قد تم التخلي عنها).
بالإضافة إلى هذه السياسة من مزيج الطاقة، فإن “رؤية 2030” تركّز أيضاً على الجانب الصناعي للطاقة المتجدّدة. وهي تؤكد على أنه: “سندعم القطاعات الواعدة ونسعى لإنجاحها لتكون دعامة جديدة لإقتصادنا. ففي قطاع التصنيع، سنعمل على توطين قطاعات الطاقة المتجددة والمعدات الصناعية”.
وتتابع: “نستهدف توطين نسبة كبيرة من سلسلة قيمة الطاقة المتجددة في إقتصادنا، وتشمل تلك السلسلة خطوات البحث والتطوير والتصنيع وغيرها”.
الواقع أن هذه البيانات تعكس وعي الحكومة بأن السرعة في تنفيذ عملية التنويع الإقتصادي هي مسألة ملحّة. في حين أن إنخفاض أسعار النفط قد زاد بالتأكيد هذا الوعي، فإن جوهر المشكلة يكمن في التحوّل الديموغرافي داخل المملكة. إن غالبية المواطنين السعوديين، الذين يبلغ عددهم حوالي 21.1 مليون نسمة، هي من الشباب الذين وُلِدوا بعد الفترة الأولى من الطفرة النفطية. وبينما كان القطاع العام، الذي يوظّف حالياً أكثر من 3.4 ملايين مواطن (من أصل 5.2 ملايين مواطن يعملون)، قادراً على إمتصاص الغالبية العظمى من العمالة السعودية خلال فترات ندرة العمل الماضية فإن القطاع منتفخٌ اليوم ولديه قدرة إضافية قليلة على التوظيف. ونتيجة لذلك، فإن عدد المواطنين الشباب العاطلين من العمل قد تزايد، حيث يُقدَّر معدل بطالة الشباب في البلاد بأكثر من 40 في المئة. حالياً، لا يزال ما يقرب من ثلث مواطني البلاد – نحو 7 ملايين – في المدارس أو رياض الأطفال، لكنهم سيدخلون سوق العمل خلال السنوات ال15 المقبلة، حيث سيحتاجون إلى عمل لإعالة أنفسهم وأسرهم.
تشكّل هذه المجموعة السكانية قنبلة موقوتة وتضع ضغطاً على الحكومة لتعزيز صناعات جديدة، خصوصاً تلك التي تتمتع بالعمالة الكثيفة التي يمكن أن تخلق أعداداً من فرص العمل أكبر من صناعة النفط والغاز المُوجَّهة آلياً. هذه المهمة تضغط أيضاً فيما صناعة البتروكيماويات في البلاد، القطاع الصناعي الرائد غير النفطي في الإقتصاد السعودي خلال العقود الثلاثة الماضية، تفقد مزاياها في الإقتصاد العالمي اليوم، والذي يعزى إلى عوامل متعددة، مثل عدم كفاية المواد الخام من الغاز المحلي، وتقلص تكلفة الصناعة التنافسية بسبب إنخفاض أسعار النفط العالمية، وإرتفاع أسعار الوقود المحلية (نتيجة لرفع الدعم عن الوقود)، وزيادة الإعتماد على الذات في واحدة من الأسواق الرئيسية: الصين.

تفكيك وإعادة بناء الإطار المؤسسي

في حين أنها تعوّل على الطاقة الشمسية كمصدر جديد للطاقة والتوظيف، فإن القيادة الجديدة في المملكة، في أعقاب الخلافة في كانون الثاني (يناير) 2015 في البلاد، قد وجدت الإطار المؤسسي القائم في البلاد لصناعة الطاقة الشمسية مليئاً بالإشكاليات. أولاً، كانت مبادرة تطوير هذه الصناعة تُتّخذ من طريق المؤسسة التي كانت إرثاً للملك السابق: مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة؛ بعد أسبوع فقط على الخلافة، حلّ الملك سلمان المجلس الأعلى لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، جنباً إلى جنب مع غيرها من المؤسسات التي كانت تحت القيادة المباشرة للملك السابق، مثل المجلس الإقتصادي الأعلى، الذي تم إستبداله بمجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان.
في ظل القيادة الجديدة، بدأ لاعبون جدد الترويج لصناعة الطاقة الشمسية السعودية. في تموز (يوليو) 2015، تم الإعلان عن أن أول محطة للطاقة الشمسية في البلاد ستُقام في منطقة الأفلاج، بالقرب من العاصمة الرياض. هذا المخطط لمحطة للطاقة الشمسية بقدرة 5 ميغاواط سيتم إنشاؤها من خلال التعاون بين ثلاث مؤسسات: الشركة السعودية للتنمية والإستثمار التقني (تقنية)، الشركة السعودية للكهرباء، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وشركة “تقنية” التي ستكون مسؤولة عن بناء وتشغيل المشروع، هي مملوكة بالكامل من صندوق الإستثمارات العامة، وهو صندوق ثروة سيادي أنشئ أصلاً في العام 1971، ويمثّل حالياً الذراع الإستثمارية للنظام الجديد. وفي ضوء خطة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فسيتم تطويره إلى صندوق ضخم يحتوي على 2 تريليوني دولار من خلال خصخصة قسم من شركة أرامكو السعودية. وعلى هذا الأساس بدأ صندوق الإستثمارات العامة و”تقنية” وبسرعة شقّ طريقهما إلى القطاعات الصناعية الناشئة في البلاد، مثل السيارات (على سبيل المثال مشروع مشترك بين صندوق الإستثمارات العامة وشركة كورية لإنشاء مصنع لتجميع السيارات في مدينة سدير للصناعة والأعمال)، ومعدات دفاعية (على سبيل المثال ستقوم “تقنية” بتصنيع طائرات هليكوبتر متعددة الأغراض وطائرات شحن محلياً)، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية. وقد دخلت شركة “تقنية” صناعة الطاقة الشمسية في العام 2014 من خلال إستحواذها على 50 في المئة من شركة “صن أند لايف”، وهي مطوّر يشارك في مشروع الطاقة الشمسية ل”أرامكو” السعودية والذي ستكون قدرته 10.5 ميغاواط.
وشركة الكهرباء السعودية، التي ستعدّ الأرض للمشروع وشراء الكهرباء المولَّدة من المحطة، هي مؤسسة إحتكار للمرافق العامة، تملك فيها الدولة 74٪. وكانت الشركة تبحث عن فرص في صناعة الطاقة الشمسية منذ إطلاقها لمحطة تجريبية للطاقة الشمسية على نطاق صغير بقدرة 500 كيلوواط في جزيرة فرسان في البحر الأحمر في العام 2011. وفي أعقاب الإعلان عن مشروع الأفلاج، كشفت الشركة أيضاً عن إنشاء محطتين للطاقة الشمسية في ضباء (شمال غرب البلاد) ووعد الشمال (في شمال البلاد) في أواخر العام 2015.
مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، التي ستوفر وحدات الطاقة الشمسية الضوئية في المشروع، هي مؤسسة حكومية أنشئت أصلاً في العام 1971 لتطوير العلوم والتكنولوجيا في المملكة. وكانت إنتشرت معلومات تفيد بأنها كانت تكافح من أجل جذب علماء وباحثين ذوات مستوى عال وجيد في العقد الفائت، قبل تحوّل الإهتمام الدولي بعيداً إلى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، إحدى الجامعات ذات التوجه البحثي التي أسسها الملك السابق في العام 2008. وفي ظل القيادة الجديدة، فإن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية قد أعطيت دوراً قيادياً في التعاون مع المؤسسات ذات الصلة بالصناعة في البلاد ودعم عملية التنويع الصناعي في المملكة من خلال أنشطتها في مجال البحث والتطوير. منذ العام 2010، كانت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تشغّل مشروعاً صغيراً لخطوط تجميع وحدات الطاقة الشمسية الضوئية.
ثانياً، كانت مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة بطيئة في إحراز تقدم في صناعة الطاقة الشمسية في البلاد في الماضي لأن ولايتها كانت غير واضحة، والوظائف الإدارية المتعلّقة بالصناعة منتشرة وموزّعة عبر وزارات متعددة من دون تحقيق تنسيق فعّال. وبحكم طبيعتها، فإن صناعة الطاقة الشمسية تمتد على مدى ثلاث مجالات إدارية: الطاقة، والصناعة، والكهرباء. في مجال الطاقة، تشير تقارير إعلامية إلى أن العلاقة بين مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة مع وزارة البترول والثروة المعدنية السابقة قد نمت لتصبح واحدة قادرة على المنافسة. وقد ذُكر أن وزير النفط السابق علي النعيمي قد إختلف مع مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة على الطريقة التي يجري فيها التخطيط للمشاريع. على سبيل المثال، زعم بعض التقارير أن وزارة البترول والثروة المعدنية كانت تفضل ان تكون القيادة في الصناعة للشركات المملوكة للدولة بدلاً من التنازل عنها لشركات خاصة، كما كان الأمر مُتصوَّراً في الأصل لدى مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة.
بدورها كانت “أرامكو” السعودية، شركة النفط المملوكة للدولة التي تستعد لخصخصة جزئية الآن، هي الأخرى بدأت مبادرة للطاقة الشمسية خاصة بها. من أصل 23 ميغاواط مجموع القدرة المركبة للطاقة الشمسية الموجودة في المملكة، فإن أكبر مشروع للطاقة الشمسية هو مشروع “أرامكو” الذي تبلغ قدرته 10.5 ميغاواط في مجمع برج “المدرا” في الظهران. وقد نفذت “أرامكو” هذا المشروع في كانون الأول (ديسمبر) 2012 بالتعاون مع الشركة اليابانية “سولار فرونتيار”، وهي شركة تابعة لمجموعة التكرير والمصافي “شوا شل”، والتي تملك فيها “أرامكو” 15 في المئة. وكانت شركة “أرامكو” السعودية و”شوا شل” أيضاً في محادثات بشأن إمكانية إنتاج وحدات من الطاقة الشمسية في المملكة.
كانت صناعة الطاقة الشمسية، جنباً إلى جنب مع قطاعات الصناعات التحويلية الناشئة الأخرى، مثل البلاستيك ومكوّنات وتجميع السيارات، واحداً من القطاعات الصناعية الرئيسية المستهدفة من قبل يرنامج الدولة الوطني لتنمية التجمعات الصناعية الذي أنشئ خلال عهد الملك السابق. بالتعاون مع الهيئة العامة السعودية للإستثمار، تم العمل على دعوة الإستثمار الأجنبي المباشر، سواء من الغرب وآسيا، لإنشاء قاعدة لانتاج الصناعات المُستهدَفة. سوف تكون هناك حاجة إلى المستثمرين الأجانب في صناعة الطاقة الشمسية السعودية للمساعدة في توطين هذه الصناعة من خلال مساهمتهم في أنشطة البحث والتطوير في المملكة، فضلاً عن إمتثالهم لمتطلبات المحتوى المحلي وحصص توطين العمالة. إن البرنامج الوطني لتنمية التجمعات الصناعية كانت تشارك في إدارته سابقاً وزارة التجارة والصناعة ووزارة البترول والثروة المعدنية. بعد إعادة الهيكلة، بدأت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية تتولى إدارة البرنامج الوطني لتنمية التجمعات الصناعية، مع ترؤس وزيرها أيضاً مجلس إدارة المؤسسة التي تشرف على المناطق الصناعية في المملكة، مثل الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وهيئة المدن الصناعية.
وأخيراً، في مجال الكهرباء، كانت شركة الكهرباء السعودية تعمل سابقاً تحت إشراف وزارة المياه والكهرباء السابقة. إن قطاع الكهرباء هو جزء لا يتجزأ من صناعة الطاقة الشمسية لأنه كي تحقق محطات الطاقة الشمسية حجم الإكتفاء الذاتي يجب أن تكون متصلة بخطوط الشبكة من أجل بيع الكهرباء المولَّدة في السوق. بالإضافة إلى ذلك، إن تسعير الكهرباء يُعتبَر من الأمور المهمة إلى حد كبير في ما يتعلق بالجدوى التجارية للمشاريع. وبسبب هذه العوامل، فإن شركة الكهرباء السعودية من المرجح أن تصبح لاعباً رئيسياً في صناعة الطاقة الشمسية السعودية أيضاً. في حزيران (يونيو) 2016، في أعقاب إعادة الهيكلة الحكومية، أعلنت الشركة أنها تسعى لتلقي العروض من المطوّرين الدوليين لمحطتين أخريين للطاقة الشمسية بقدرة 50 ميغاواط في الجوف ورفحا (شمال البلاد).
التطلع قدماً
في حين أن الغموض الإداري والتشرذم، حتى الآن، قد عثّرا الإطلاق الكامل لصناعة الطاقة الشمسية السعودية، فإن إعادة الهيكلة الحكومية في أيار (مايو) الفائت وضع الوظائف الإدارية الثلاث المتصلة بالصناعة — الطاقة، والصناعة، والكهرباء – من إختصاص وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية التي تم إنشاؤها حديثاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن وزيرها يرأس الآن مجلس إدارة كل من مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. لقد مهدت عملية إعادة الهيكلة الطريق أمام سيطرة الحكومة على تطوير الطاقة الشمسية والصناعة، والتي من المرجح أن تتم ممارستها من خلال وحدة “وزارة النفط الأصفر” وصندوق الإستثمارات العامة.
ومع ذلك، كيف يتم وضع الإطار التنظيمي للصناعة وتطويره من هنا ما زال أمراً مجهولاً، خصوصاً في ما يتعلق بتصميم الشراكة بين القطاعين العام والخاص المخطط لها. في حين أن “رؤية 2030” توفّر التحوّل لشركة “أرامكو” السعودية إلى قوة صناعية متعددة القطاعات، فإن شركات الطاقة الشمسية الخاصة المبتدئة، مع تزايد التوقعات حول السوق، قد بدأت بالفعل في الظهور في جميع أنحاء المملكة.
وقد أعرب بعض رجال الأعمال المحليين في قطاع الطاقة الشمسية بالفعل عن قلقهم من إمكانية أن تنتهي صناعة الطاقة الشمسية السعودية كمثيلاتها لكي تصبح حقلاً آخر تهيمن عليه قلة محمية من اللاعبين المحتكرين، وطالبوا الدولة بلعب دور مؤسسي شفاف لضمان الكفاءة في هذه الصناعة.
وهناك قلق آخر يتمثل بوتيرة توطين هذه الصناعة. في حين أن متطلبات المحتوى المحلي تحمي الإنتاج المحلي من وحدات الطاقة الشمسية الوليدة من الواردات الرخيصة، لا سيما من الصين، فإن بعض المحللين يعتقد بأنها قد تشكل عائقاً أمام تطور الصناعة وفعاليتها من حيث التكلفة. لقد أجّلت “مصدر” الإماراتية خطتها لإنتاج وحدات الطاقة الشمسية بعد رؤية تراكم الطاقة الإنتاجية المفرطة من وحدات الطاقة الضوئية العالمية وزيادة المعروض في السوق التي قد تسببت بها.
وبالمثل، فإن برنامج توطين العمالة السعودي القائم على الحصة (الكوتا) قد فرض سقفاً زجاجياً على الإنتاج، نظراً إلى عدم وجود تجمع كاف من العمال التقنيين المحليين المهرة المؤهلين، والذي نتج من فجوة واسعة، طويلة الأمد من دون حل، للمهارات بين التعليم والصناعة. إن أقل من 10 في المئة من الوظائف التقنية في القطاع الخاص في البلاد حتى الآن هي من نصيب المواطنين إذ أن العمال السعوديين يفضلون الوظائف الإدارية – وإرتداء العباءة البيضاء التقليدية- وغير مهيَّئين أو مُحَضَّرين وعلى إستعداد للمهن التقنية.
من أجل التغلب على هذه المشكلة، فقد وضع برنامج التحوّل الوطني هدفاً طموحاً يتمثل في زيادة عدد الطلاب في التدريب التقني والمهني من 104,432 الحالي إلى 950,000 بحلول العام 2020. ونظراً إلى عدم شعبية التدريب التقني والمهني بين الشباب السعودي، فإن كيفية تنفيذ الحكومة السعودية لمثل هذا التغيير – وإذا كانت القفزة في الكمية ستتطابق مع الجودة في الأداء – ما زالت مجهولة. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يتم تسليط الضوء على جدول أعمال حاسم في السنوات المقبلة بالنسبة إلى تطوير آليات التواصل الفعال بين الصناعات الناشئة ومؤسسات تنمية رأس المال البشري من أجل تضييق الفجوة في المهارات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى