بايدن يريدُ القضاءَ على “حماس” بدونِ حَربٍ إقليمِيّة. كيفَ يُمكِنهُ تَربيعَ هذه الدائرة؟

مايكل يونغ*

نشر الصحافي الإسرائيلي المُطّلع باراك رافيد مقالًا في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) ذَكَرَ فيه أنَّ وزيرَ الدفاع الأميركي لويد أوستن اتَّصَلَ بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت للتعبير عن قلقه إزاء تصعيد إسرائيل للتوتّرات في لبنان مع “حزب الله”. ويَزعَمُ أن أوستن أخبر غالانت أنه من خلال القيام بذلك، فإنَّ إسرائيل تزيد من احتمالِ نشوبِ حربٍ إقليمية.

ونشرت وكالة “رويترز” قصّةً موازية غريبة في 16 تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث كشفت عمّا دار في اجتماعٍ عُقِدَ في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) بين إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي ل”حماس”، وآية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني. ذكرت الوكالة أنَّ خامنئي قال لهنية: “أنتم لم تُحذّرونا وتُخبرونا عن هجومكم على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر)،  لذا لن نَدخُلَ الحرب نيابةً عنكم”، حتى لو قال الإيرانيون إنهم سيواصلون دعم “حماس” سياسيًا ومعنويًا.

يُمكِنُ للمرءِ أن يتساءل عن دقّة وصحّة كلا الخبرين بالطبع. ومع ذلك، فقد تمَّ الحصولُ على كليهما من مصادر مُطَّلِعة، ويعكسان، في كثير من النواحي، الواقعَ الذي شهدناه في الشهر ونصف الشهر الماضيين: إدارة بايدن سعت إلى تجنّب ردِّ الفعل الإسرائيلي المُبالَغ فيه على هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، من خلال طمأنة إسرائيل ودعمها بشكلٍ مُتكرّر. وإيران و”حزب الله” واصلا الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، لكن من دون تجاوز الخطوط الحمراء في عملياتهما العسكرية ضدهما.

بعد فترةٍ وجيزة من 7 تشرين الأول (أكتوبر)، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان لأحد المُحاورين إن إدارة بايدن وإيران منخرطتان في محادثات عبر القنوات الخلفية. وبحسب ما ورد استخدم الأميركيون هذه المحادثات لتحذير طهران من التصعيد. ولهذا السبب أرسل الرئيس جو بايدن مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لإظهار الدعم لإسرائيل.

رَكَّزَ منتقدو إدارة بايدن على كيفية دعمها للقصف الإسرائيلي الذي لا هوادة فيه على غزة، ما أدّى إلى عرقلة جميع الجهود الرامية إلى فرض وقف إطلاق النار. لكن الحقيقة هي أن الأميركيين اتخذوا نظرةً باردة ومُتشدّدة للأمور، بغض النظر عن عدد الأرواح الفلسطينية التي أُزهِقَت نتيجةً لذلك.

بالنسبة إلى واشنطن، هناك أولويتان اليوم: دعمُ حليفٍ في وقت يشعر فيه ما يُعرَف ب”محور المقاومة” المدعوم من إيران بأنه حقّقَ انتصارًا كبيرًا في 7 تشرين الأول (أكتوبر)؛ واحتضان إسرائيل بشكلٍ كامل بحيث تحتفظ الولايات المتحدة بنفوذٍ كبير على تصرفات إسرائيل، ما يسمح بأن يكون لها رأيٌ حاسمٌ في النتائج، وخصوصًا تجنّب حربٍ إقليمية في الفترة التي تسبق عام الانتخابات الأميركية.

ورُغمَ أنه لا يزال هناك مجالٌ للخطَإِ، وقليلٌ من المراقبين يطمئنون إلى إمكانية تجنّب حرب لبنان، فمن أجل فهم ديناميكيات ما ينتظرنا، ربما يكون من الأفضل أن ننظُرَ إلى هذا من خلالِ منظور ما يقرره الأميركيون والإيرانيون. في النهاية، يبدو أنهما يمثلان النقطة المرجعية النهائية لحلفائهما، ويبدو أنهما يريدان في الوقت الحالي مَنع الأسوَإِ.

في تشرين الثاني (نوفمبر)، أرسل البيت الأبيض عاموس هوشستين، المبعوث الأميركي الخاص، مرتين، أوّلًا إلى بيروت ثم لاحقًا إلى إسرائيل. في ظاهر الأمر، أخبر اللبنانيين والإسرائيليين أنهم بحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار على طول حدودهم. وربما أرسل أيضًا رسالة مباشرة على هذا المنوال إلى “حزب الله”، مصحوبةً بتطميناتٍ مفادها أن الولايات المتحدة لا تنوي ضربَ الحزب.

في خطابه بعد أيام من زيارة هوشستين إلى بيروت، اتخذ السيد حسن نصر الله، الأمين العام ل”حزب الله”، موقفًا مُنضَبِطًا إلى حدٍّ ما بشأن الصراع، وامتنع عن الانخراط في لغةٍ تصعيدية. ووفقًا للصحافي رافيد، رأى الأميركيون في ذلك “كعلامة على أن رسائلهم مسموعة”.

ويبدو أنَّ ما يجري اليوم هو “حوار الردع” بين الولايات المتحدة وإيران، والذي يشمل حليفيهما إسرائيل و”حزب الله”. يريد الجانبان الابتعاد عن حربٍ من شأنها أن تُدمّر المنطقة، ولكنهما يسعيان أيضًا إلى تجنّبِ الخطوات التي تُقوِّضُ تصوّراتهما عن قوتهما وقوة حلفائهما، والتي تُشكّلُ ضرورةً أساسية لردع أعدائهما بشكلٍ موثوق.

لهذا السبب لا تزال هناك أسئلة حول: إذا كانت إسرائيل ستُشكّلُ تهديدًا وجوديًا ل”حماس”، فهل سيتغيّر موقف إيران و”حزب الله”؟ في حين أن هذا مُمكن، يجب على المرء أن يتساءل أيضًا، إذا لم يدخل “حزب الله” الحربَ بشكلٍ كامل بالفعل، فلماذا يفعل ذلك بعد أشهرٍ من الصراع الذي عانت فيه غزة بشكلٍ كبير؟

وهذا يُعيدُنا إلى محادثة خامنئي مع هنية. إذا كان التقرير دقيقًا وصحيحًا، فإنه يشير إلى أنه في حين أنَّ إيران لا تزال مُلتَزِمة بالتحالف مع “حماس”، فإنّها غير مستعدة لدفعِ ثمنٍ باهظٍ لتوقيت “حماس” للهجمات إذا فاجأ ذلك أعضاء آخرين في “محور المقاومة”.

بعبارةٍ أخرى، إنَّ مصالح إيران (وحلفائها) ومصالح “حماس” ليست هي نفسها. وهذا يجعل المرء يتساءل ما إذا كان “حزب الله” سوف يبذل كل ما في وسعه لمنع هزيمة “حماس” في غزة، أو ما إذا كان الحزب يرى في حربٍ مدمرة مع إسرائيل تهديدًا أعظم من أن يخاطر بقوته في لبنان. في الوقت الراهن، لا أحد يستطيع أن يقولَ شيئًا.

هنا يتعيَّن على الأميركيين أن يُقرّروا ما يجب عليهم فعله. لا تريد إدارة بايدن حربًا إقليمية، لكن بايدن قال الأسبوع الماضي أيضًا أنه يجب القضاء على “حماس”. وقد يكون الهدف الأخير غير متوافق مع الأول. إذًا، هل كان الأميركيون منخرطين في سياسة حافة الهاوية فحسب؟

أيًّا كان الجواب، فهو على الأرجح لن يخرجَ إلّا من حوارِ الردع الذي يجري خلف الكواليس بين واشنطن وطهران.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى