نتيجة الصراع بين حسن روحاني والحرس الثوري تحدد مستقبل إيران
قد يكون الرئيس الايراني حسن روحاني يتمتع بدعم شعبي، لكن الحرس الثوري الإسلامي لديه بنادق – وصواريخ. لذا فإن من يفوز في نهاية المطاف في هذا الصراع فستكون له القدرة على تشكيل الجمهورية الإسلامية لسنوات مقبلة.
طهران – هشام الجعفري
منذ أن تحدّى الدولة العميقة في إيران في الإنتخابات التي جرت في الشهر الفائت، لم يكن سوى مسألة وقت قبل أن يتم تذكير الرئيس حسن روحاني علناً بحدود طاقته.
وجاءت اللحظة صباح 8 آذار (مارس) الجاري، عندما أطلق الحرس الثوري الإسلامي صواريخ باليستية عدة في مناورات عسكرية، متجاهلاً بشكل متعمد قرارات مجلس الامن الدولي. لقد أكّدت التجارب الصاروخية أمرين: أولاً، إن الرئيس الإيراني، على الرغم من قدرته المؤكدة على التعامل مع السياسة الداخلية لمصلحته وكسب الرأي العام، فإنه لا يمكنه كبح أنشطة أقوى قوة عسكرية في البلاد. وثانياً، هناك أجهزة الدولة الإيرانية الثورية التي سوف تفعل كل ما في وسعها لتخريب تقارب روحاني الوليد مع الغرب.
خلال الإنتخابات التي جرت في 26 شباط (فبراير) الفائت، إختار الإيرانيون رسالة متفائلة من الإحترام المتبادل، والتواصل، والتجارة العالمية التي يقدمها روحاني وحلفاؤه الإصلاحيون. ورفضوا الحديث المتشائم المُكرّر بشكل مفرط عن تسلل أميركي الذي شكل الدعامة الأساسية للمحافظين المتشددين. والأهم من ذلك كله، مع ذلك، فقد أظهرت الإنتخابات أن الحرب السياسية التي تتكشف في إيران تتجاوز البرلمان والمؤسسات السياسية الأخرى المتنازع عليها. يدور الصراع الآن في أعلى سلطة في البلاد.
إن الانتخابات لم تكن كريمة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي كان أصدر تحذيرات حول محاولات أميركية للتأثير في النتيجة. (من بين قادة صلاة الجمعة، وجميعهم يتبعون تعليمات الخطبة التي تأتي من مكتب خامنئي، فقد حثّ أحد آيات الله المُصلّين على إنتخاب أعضاء البرلمان الذين كتبوا على جباههم شعار “الموت لأميركا”). إنها ليست مجرد أن الجمهور لم يقترع لمصلحة إثنين من كبار مستشاري خامنئي لمجلس الخبراء، الهيئة المسؤولة إسمياً على الإشراف على عمل المرشد، فقد صوّت أيضاً لصالح الإصلاحيين، وهم ينتمون إلى حركة سياسية إتهم خامنئي قادتها بمحاولات تحريضية لاسقاط النظام خلال إحتجاجات جرت في الشوارع في العام 2009. بعد سنوات من العزلة، شكلت المجموعة تحالفاً مع ما يسمى المحافظين المعتدلين المتعاطفين مع روحاني، الأمر الذي أدى إلى تعزيز وزن الرئيس.
بعد الإنتخابات، قرر الحرس الثوري الإيراني، الذي يقدم تقاريره فقط إلى خامنئي، الرد. بكتابته “إسرائيل يجب أن تُمحى” على إثنين من الصواريخ التي إستخدمت في اليوم الثاني من المناورات في 9 آذار (مارس)، أراد أن يُظهر أن السياسات الأمنية الإقليمية الإيرانية، التي يسيطر عليها المرشد الأعلى، لن تتغير.
“يقول الحرس الثوري الإيراني في الواقع: يمكنكم أخذ برلمانكم، وهذا كل شيء”، قال ديبلوماسي غربي في طهران معلّقاً على التجارب الصاروخية. بعدما أجرى تدريبات مماثلة بعد توقيع الإتفاق النووي في تموز (يوليو) الماضي، يبدو أن إطلاق الصواريخ هو واحدة من الأدوات القليلة التي تركت للحرس الثوري الإيراني.
من جهته لم يعلّق روحاني حتى الآن على أحدث الإختبارات. عندما هددت الولايات المتحدة أولاً بالعقوبات في كانون الاول (ديسمبر) بسبب برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، كتب إلى وزير دفاعه وحثه على تكثيف البرنامج – خطوة إعتبرها ضرورية لاظهار أنه لم يتملكه الخوف من تهديدات أميركا.
بعيداً من إنهاء ولجم زخم روحاني في أعقاب الانتخابات، فقد أبرز عرض القوة الأخير من قبل الحرس الثوري الإيراني فقط طريقة الجمهورية الإسلامية الحرجة لتحقيق التوازن بين مصالح الفصائل الداخلية المتناحرة. كان الرئيس الايراني من دون شك يبحث على ضرورة إيجاد حل وسط عندما تحدث في 1 آذار (مارس) الجاري، بعدما أصبح واضحاً أن الإصلاحيين والمحافظين المعتدلين قد فازوا تقريباً بأكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان فيما المعارضة الرئيسية قد خسرت.
“آمل أن نتمكن جميعاً أن نتعلم درساً. عصر المواجهة قد إنتهى. إذا كان هناك بعض الذين يعتقدون أن البلاد يجب أن تكون في مواجهة مع آخرين، فإن رسالة العام 2013 لم تصلهم بعد”، قال روحاني.
الحرس الثوري، بشكل واضح، من بين أولئك الذين لم تصلهم الرسالة.
منذ تنصيبه في آب (أغسطس) 2013، كان الرئيس الإيراني هو المعيار للمواطنين الأكثر تطلعاً إلى الخارج في بلاده. لقد صمد وقاوم الهجمات المدمرة ضده خلال المفاوضات الشاقة للوصول إلى الاتفاق النووي. كانت لروحاني بداية مُشرقة مقارنة مع فترة ولاية سلفه، محمود أحمدي نجاد، الذي يتذكره الإيرانيون بأنه كان مقسّماً على الصعيد السياسي وكارثياً على الصعيد الإقتصادي. وروحاني البالغ من العمر 67 عاماً، بعد إنتهائه من “الخطوة الثانية” لإدارته بتأمين برلمان مرجّح للعمل مع الحكومة بدلاً من التحريض ضدها، فهو الآن في طريقه للإستعداد لل”الخطوة الثالثة” – إعادة إنتخابه في حزيران (يونيو) 2017.
يكمن هدف روحاني في إعطاء الإيرانيين زيادة في الوظائف والفرص الإقتصادية التي يقولون أنهم يريدونها. ويتوقع الخبراء بأن نهجه التدريجي لتأمين الإتفاق النووي والقضاء على معارضيه في البرلمان سوف يتبعهما بدفعة للإقتصاد. إن خصخصة صناعات الدولة، بدءاً من إنتاج السيارات، صناعة رئيسية في إيران قبل فرض العقوبات، من المرجح أن يكون البند التالي على جدول أعماله.
الواقع أن الإصلاح السياسي والإقتصادي الأوسع سيكون مستحيلاً طالما يقف خامنئي في الطريق. لكن المرشد الأعلى، الذي خضع لعملية جراحية في البروستاتا في العام 2014، يُشاع أنه مريض – وهناك فرصة جيدة لأن يكون خليفته متعاطفاً مع جدول روحاني الأوسع. وكان حلفاء الرئيس فازوا في الإنتخابات الأخيرة لمجلس الخبراء، وهو المسؤول عن إستبدال المرشد الأعلى في حالة وفاته.
وضعت الإنتخابات الأخيرة روحاني في موقف أكيد من أن الإتفاق النووي الأخير ليس مجرد مشاركة لمرة واحدة مع الغرب. إنه تطور من شأنه أن يضفي مصداقية جديدة لحجة الرئيس باراك أوباما بأن السياسة الإيرانية قد تتغير بشكل ملحوظ خلال مدة الإتفاق النووي التاريخي التي تدوم 10 سنين. في هذا المعنى، إن التجارب الصاروخية التي أجراها الحرس الثوري أخيراً- وكان أجرى عمليات إطلاق مماثلة بعد الإتفاق على الصفقة النووية – تبدو أنها تأكيد على عدم إرتياح الحرس أكثر منها تعبير عن ثقته. في النهاية إن الذي يبرر وجوده هو الدفاع عن الثورة بأي ثمن.
ولكن بعد 37 عاماً على تأسيسها في 1979 أظهر الناخبون أن قضية لا تصنع بلداً. لقد تعب الشعب الإيراني من الصراع، وهو يريد الإزدهار. قد تستطيع مجموعة من المستقلين في نهاية المطاف موازنة القوى في البرلمان الإيراني – إئتلاف من المحافظين المعتدلين، كثير منهم أيّد الإتفاق النووي، فاز ب103 مقاعد في المجلس التشريعي المؤلف من 290 عضواً، كما فازت قائمة الإصلاح والأمل ب95 مقعداً. (وسوف تمضي فترة قبل أن ينجلي الماكياج عن وجه البرلمان الجديد: في ظل النظام الايراني، يجب على المشرّعين الحصول على 25 في المئة من أصوات الناخبين لكي يفوزوا؛ في 69 دائرة إنتخابية حيث لم يحدث ذلك، من المقرر إجراء إنتخابات إعادة في نيسان (إبريل) المقبل).
لكن الكتلة البرلمانية الأكثر تعاطفاً مع وجهات نظر الحرس الثوري فهي أضعف من أي وقت مضى، بعدما فقدت نحو 90 مقعداً مقارنة مع الانتخابات السابقة. ولعل أفضل فرصة لها للحفاظ على نفوذها سيكون إذا حافظ علي لاريجاني، وهو محافظ مستقل من مدينة قم، على منصبه كرئيس للبرلمان. كقائد سابق في الحرس الثوري حيث شغل مناصب رئيسية في البنية الفوقية الواسعة للجمهورية الإسلامية – يمكنه أن يتباهى بأوراق إعتماد للنظام لا تشوبها شائبة. وقد فاز عشية إنتخابات الشهر الماضي بتأييد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني.
لاريجاني قد يواجه تحدياً من محمد رضا عارف، نائب الرئيس السابق في عهد الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي الذي ترأس قائمة الإصلاحيين في الإنتخابات. على الرغم من أنه سيكون منصباً مرموقاً لعارف، فقد أظهر لاريجاني خلال المناقشات بشأن الاتفاق النووي بأنه يمكنه بناء الجسور بين مختلف الفصائل. عارف، ونوابه الجدد معظمهم غير معروفين، لا يمكنه قول ذلك.
“لاريجاني لديه علاقة أفضل بكثير مع المحافظين، ومن المرجح أن يكون أكثر نجاحاً في الضغط عليهم لدعم برنامج روحاني الإقتصادي أفضل من عارف”، قال محلل إيراني مخضرم.
في الوقت عينه، لاريجاني يمكن أن يبرز وكأنه منافس روحاني الأكثر خطورة.
“أتوقع أن يكون البرلمان الجديد تحت سيطرة المعتدلين، وإذا أدارهم لاريجاني بشكل صحيح، فإنه يمكن أن يظهر كداعم للحكومة والشعب، وقد يصبح الوجه الجديد الذي يحتاج إليه المحافظون في العام 2017″، قال صديق للاريجاني، في اشارة الى الإنتخابات الرئاسية المقبلة.
على الرغم من أن ذلك التصويت ما زال بعيداً إلى حد ما، ليس هناك متنفس لروحاني. الرئيس يدرك تماماً أن الإيرانيين قد شهدوا أحلام التغيير تضمحل من قبل، خلال فترة رئاسة خاتمي من العام 1997 إلى العام 2005. وبحلول العام 2000، كان خاتمي قد أصبح قبل الأوان كبطة عرجاء – مطوَّقاً من الحرس الثوري، الذي كان هدّد ضمناً بإنقلاب في العام السابق عندما هزت إحتجاجات طلابية النظام. كما أن مجلس صيانة الدستور أيضاً أوقف إصلاحات خاتمي في مساراتها، وذلك بإستخدام قوته من طريق حق النقض ضد التشريعات حتى بعد إقرارها من قبل النواب.
مع ذلك، فقد أظهرت الإنتخابات التي جرت الشهر الماضي أن الجهود التي تبذلها المؤسسة لتهميش الإصلاحيين لها حدودها في النهاية. بعد حوالي 11 عاماً على تركه منصبه، تبيّن بأن خاتمي – الذي مُنعت الصحف من تداول أخباره وأقواله أو نشر صوره – إستخدم وسائل الإعلام الإجتماعية لحث الناخبين على مساندة قائمة الأمل والإصلاح الموالية لروحاني، وأنه لا يمكن إسكاته. وقد إعتُبر الفيديو الذي أصدره على يوتيوب، قبل خمسة أيام من يوم الاقتراع، نقطة تحوّل حيث أنه أقنع المشككين بالإدلاء بأصواتهم.
وقد أعاد روحاني الكرة لفضل ودعم الرئيس السابق بعد الإنتخابات، عندما أشار الى خاتمي ب”أخي العزيز” في تصريحات علنية نقلها مباشرة التلفزيون الرسمي، في ما يبدو تحد لحظر رسمي على ذكر إسم أو أخبار الرئيس السابق. وبعد يوم، أعلن الحرس الثوري عن تجاربه الصاروخية.
وكما أظهرت أحدث العروض الإستفزازية للحرس الثوري، فإن عمل الرئيس لتغيير حياة الإيرانيين كما يريديون قد تتعثر في بعض الأحيان. واحد من أكبر منافسيه هو رئيس السلطة القضائية آية الله صادق لاريجاني – وهو محافظ متشدد عارض إصلاحات خاتمي منذ سنوات وأصدر أقوى هجوم على اللائحة الموالية لروحاني بعد نشر نتائج الانتخابات، متهماً قادتها بالتآمر مع وسائل الاعلام الاجنبية لإقناع الرأي العام بعدم التصويت للمحافظين المتشددين لمنعهم من الوصول إلى مجلس الخبراء.
لاريجاني، الذي أعيد إنتخابه رئيساً للهيئة الرئيسية في البلاد في التصويت الأخير، يعتبره البعض من بين المتنافسين لإستبدال خامنئي. بإعتباره الرجل الذي يرئس النظام القانوني الذي ينفذ الإعدام بمئات من الناس سنوياً ويسجن الكثير غيرهم من الذين يُعتبرون من معارضي الجمهورية الإسلامية، فإن رئيس السلطة القضائية يمثل وجهاً مختلفاً جداً لإيران.
مع ذلك، هناك سبب وجيه للإعتقاد بأن روحاني سيكون أكثر مهارة في مواجهة منافسيه مما كان خاتمي في السابق. على عكس الرئيس الإصلاحي السابق، فإن الرئيس الحالي قد شغل بعض الوظائف الأمنية العليا جداً في الجمهورية الإسلامية. إن فوزه في الانتخابات الأخيرة، في أعقاب الاتفاق النووي، يساعده على الإثبات بأنه ليس وحيداً، ولكن مشغّل ومدير حكيم يتمتع بروابط عميقة داخل النخبة يمكن أن تسفر عن نتائج. لن يكون من السهل تغيير الكيفية التي تعمل بها الجمهورية الإسلامية، ولكن يعتقد كثيرون بأن روحاني هو في وضع أفضل من أيٍّ من أسلافه لكي يقوم بالمحاولة.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.