هل هناك تهديد لنظام السيسي؟

كان الرجل القوي في مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي خائفاً من إحتجاجات جديدة في مناسبة الذكرى السنوية الخامسة للثورة، لذا فقد إتخذ إجراءات صارمة في الشهر الفائت منعاً لحدوثها – ولكن يقول الخبراء بأن التهديد الحقيقي الذي يواجهه ليس من الإحتجاجات، بل من صراع داخل داعمي النظام كما يشرح التقرير التالي:

الجيش المصري: توترات بينه وبين السيسي
الجيش المصري: توترات بينه وبين السيسي

القاهرة – هدى أحمد

صادف يوم 25 كانون الثاني (يناير) الفائت الذكرى الخامسة لإحتجاجات 2011 عندما إندلعت إنتفاضة “الربيع العربي” في مصر، الأمر الذي أدّى إلى خلق قلق لدى الحكومة المصرية. لذا، خوفاً من إستخدام النشطاء لهذه المناسبة لبدء جولة جديدة من الإحتجاجات الشعبية، فإن النظام كثّف حملته على المعارضين في الاسابيع الاخيرة حيث قام بإعتقال أعضاء من المنظمات البارزة “الثورية”، ومشرفين على صفحات “فايسبوك” مناهضة للحكومة، والصحافيين الناقدين. وقد أخذ النظام أيضاً حربه إلى المساجد، مع إعلان وزير الأوقاف الإسلامية أن الإحتجاج يوم 25 كانون الثاني (يناير) “يخالف الشريعة الإسلامية، لأنه يجر المصريين إلى العنف”.
وقد قدّم الرئيس عبد الفتاح السيسي ربما أقسى تحذير حول المخاطر المُحتملة من إضطرابات مدنية جديدة. في خطاب ألقاه في كانون الأول (ديسمبر) الفائت ، إتّهم أولئك الذين “يدعون إلى ثورة جديدة” بمحاولة “تخريب هذا البلد وتدمير الشعب”.
الواقع أن السيسي على حق لكي يقلق – ولكن ليس بالضرورة من إحتمال تجدّد الإحتجاجات. في حين أن شعبيته قد تراجعت في الأشهر الاخيرة بسبب تراجع الإقتصاد المصري، يبدو من غير المرجح أن تحصل إنتفاضة شعبية أخرى. بدلاً من ذلك، فإن ضعف السيسي يأتي من مصدر مختلف تماماً – من داخل نظامه، حيث ظهرت توترات جديدة في الأشهر الأخيرة.
للتأكيد، إن قلق السيسي حول إنتفاضة جماهيرية أخرى ليس مستغرباً. فهو يعكس معرفته بالكوارث المصرية الأخيرة، وخوفه ربما يأتي من إعتقاده بأن التاريخ قد يعيد نفسه. بعد كل شيء، كان مديراً للمخابرات العسكرية المصرية عندما إستجاب المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإنتفاضة كانون الثاني (يناير) 2011 وأسقط الرئيس المصري حسني مبارك، وكان وزيراً للدفاع في مصر عندما ردّ الجيش مرة أخرى على الإحتجاجات الواسعة في حزيران (يونيو) 2013 بإطاحة أول رئيس مُنتخَب في البلاد محمد مرسي المنتمي إلى جماعة “الإخوان المسلمين”.
لقد جعله هذا القرار الأخير عدو “الإخوان المسلمين” رقم 1، الذين تعهدوا بالإنتقام لإسقاط مرسي. ولكن هذا القرار جعل السيسي أيضاً بطلاً قومياً لملايين عدة من المصريين الذين كانوا يخشون من أن يأخذ “الإخوان” مصر إلى وضع سياسي وإقتصادي سيىء، وحملوه إلى الفوز في الإنتخابات الرئاسية في أيار (مايو) 2014.
ولكن كما يعترف أقوى مؤيدي السيسي الآن، فإن فترة شهر العسل قد إنتهت.
“إذا كان دعمه عندما إنتخب 93 في المئة، فهو قد إنخفض الآن إلى 60 في المئة”، قال لي رجل أعمال مقرب من النظام في تشرين الثاني (نوفمبر).
مع تباطؤ النمو الإقتصادي، وإنخفاض إحتياطات العملة، وإرتفاع معدل التضخم، ونسبة البطالة بين الشباب لا تزال ترتفع، فإن المصريين يشعرون بالوطأة – ويشكون بشكل مسموع أكثر من أي نقطة في العامين الماضيين. في الوقت الحاضر، مع ذلك، يبدو أن هناك القليل من الحماس الشعبي لإنتفاضة أخرى. لقد جعلت تجربة السنوات الخمس الماضية كثيرين، وربما الغالبية، من المصريين ينفرون من المخاطر السياسية، وعدم وجود أي بديل واضح من السيسي يجعلهم يخشون من أن إنتفاضة أخرى قد تؤدي إلى عدم إستقرار كبير. كما أن الفوضى الشديدة التي تفوّقت وإنتشرت في دول “الربيع العربي” الأخرى أضافت إلى شعورهم الحذر. ويشير المصريون عادة إلى إنهيار الدولة في سوريا، وليبيا، واليمن، والعراق، ويقبلون بوضعهم الراهن من خلال المقارنة.
لكن توترات جديدة داخل نظام السيسي قد تخلق عدم إستقرار مستقبلاً. على الرغم من أن المحللين كثيراً ما يتحدثون عن “الدولة العميقة” في البلاد وكأنها كيان موحَّد وقادر على كل شيء، فإنها في الواقع تحالفٌ فضفاض من مراكز القوى التي تشمل أجهزة الدولة مثل الجيش والمخابرات والشرطة والقضاء – وكذلك كيانات غير رسمية مثل العشائر القوية في دلتا النيل، والقبائل في صعيد مصر، ووسائل الإعلام الخاصة، ومجتمع الأعمال. وعلى الرغم من أن لدى مراكز القوى هذه كثيراً من المصالح المتنافسة (على سبيل المثال، كانت وزارة الداخلية تتنافس مع الجيش خلال سنوات مبارك الأخيرة)، فإنها توحَّدت وراء السيسي بعد الإطاحة بمرسي لسبب رئيسي واحد: لقد رأت أن جماعة “الإخوان المسلمين” تشكل تهديداً لمصالحها الخاصة.
مع ذلك، فقد تضاءل في الأشهر الأخيرة هذا الخوف من عودة جماعة “الإخوان المسلمين”. مع عشرات الآلاف من زعمائها وعناصرها في السجن، وقيادتها في المنفى مُنقسِمة على نحو متزايد، وعدد أقل من أعضائها في مصر على إستعداد للمخاطرة للتعرض للقتل في المظاهرات، فإن المنظمة لم تعد موجودة ككيان متماسك على الأرض.
“لا نسمع الكثير عن “الإخوان” الآن”، قال لي جنرال عسكري في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت. “إنهم يخلقون بعض المشاكل … لكنهم لا يرون نتيجة لما يقومون به”، مضيفاً.
من دون تهديد “الإخوان” لتوحيد مراكز القوى الأساسية الداعمة لنظام السيسي، فإن التوترات الكامنة أخذت الآن تظهر إلى الواجهة.
إن المثال الأكثر وضوحاً في هذا المجال هو تدهور علاقات السيسي مع مجتمع الأعمال. في حين أن بعض رجال الأعمال كان متشكّكاً من السيسي عندما تولى منصبه في منتصف العام 2014، فقد أُصيب مجتمع الأعمال برعب جامع تقريباً عندما أُلقي القبض على قطب الطاقة صلاح دياب في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) بتهمة الفساد المالي وحيازة أسلحة نارية غير قانونية.
إن المشكلة، قال عدد من رجال الأعمال المصريين، لم تكن حقيقة في أن دياب قد إعتُقل – “نحن نؤيد تطبيق القانون،” قال لي أحدهم – ولكن بالطريقة التي تم بها القبض عليه. في الخامسة صباحاً، إقتحمت مجموعة مسلحة من قوات مكافحة الإرهاب غرفة نوم دياب حيث كان ينام مع زوجته، وكبّلوا يديه ويدي إبنه، ومن ثمّ سُرِّبت الصور إلى الصحافة.
“إن الحادثة تعيد ذكريات من أيام [الرئيس جمال عبد] ناصر، عندما كان رجال المخابرات يأخذون بعض الناس من منازلهم عند الفجر”، قال رجل الأعمال لي بعد فترة وجيزة من إعتقال دياب. عملياً كل رجال الأعمال الذين تحدثت إليهم أصروا على أن إعتقال دياب يتطلب الحصول على إذن مباشر من السيسي. وعلى الرغم من أنهم جميعاً توقّعوا من السيسي التواصل معهم بعد الحادثة، فإنه بدلاً من ذلك بدا وكأنه يهدد مجتمع الأعمال خلال كلمة ألقاها في بورسعيد بعد ثلاثة أسابيع. “لماذا أنتم قلقون؟ لماذا لديكم شكوك؟”، قال بشكل صارم. “إعملوا! إبنوا! إبنوا! … مماذا وممن أنتم خائفون؟”، مضيفاً.
من ناحية أخرى، لا يرى رجال الأعمال بديلاً من السيسي لأنهم يعتقدون بأن لديه حالياً اليد العليا. “الناس لا يحبوننا” قال لي أحدهم. متابعاً: “الناصرية واليسار ووسائل الإعلام – كلها مجتمعة تكره رجال الأعمال”. ولكن الواقعة قد أثارت مخاوف كبيرة في المجتمع، ويشعر المسؤولون الإقتصاديون بالقلق من ان ذلك سيدفع بالإستثمارات المحلية والأجنبية إلى الهرب إلى أيّ مكان آخر.
هناك أيضاً مؤشرات إلى توتر بين السيسي والأجهزة الأمنية. في حين أن أنشطة الأجهزة الأمنية غامضة وغير شفافة، فإنها تمارس تأثيراً كبيراً في شبكات وسائل الإعلام الخاصة في البلاد، وعلى الأرجح تسمح، إن لم تكن تشجِّع، التصاعد المفاجئ في الإنتقادات التي واجهت السيسي في الأشهر الأخيرة. في هذا السياق، في أعقاب إعتقال دياب والناشط الحقوقي حسام بهجت في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، إنتقدت الإعلامية التلفزيونية البارزة لميس الحديدي الحكومة. “إننا لسنا بحاجة إلى مؤامرة خارجية”، قالت، مشيرة إلى ميل النظام بالإعتماد على نظريات المؤامرة لتفسير فشل سياساته المختلفة. “نحن المؤامرة نفسها. نحن نتآمر ضد أنفسنا!”، مضيفة.
وبعدما حذّر السيسي المصريين ضد التظاهر في يوم 25 كانون الثاني (يناير) الفائت، إنتقد بدوره الإعلامي عمرو أديب (الذي هو أيضاً زوج الحديدي) السيسي في عبارة لا يمكن تصوّرها. “مصر لن تموت إذا تركت”، قالها على الهواء. مضيفاً: “هناك العديد من أبناء مصر الذين هم على إستعداد لخدمة البلاد”.
وهناك أيضا أدلة على مناورات ومناكفات بين أجهزة الأمن المختلفة، التي غالباً ما تتجسّد في منافسة بعضها البعض للحصول على أموال ونفوذ سياسي. بعضٌ من هذا الإحتكاك ظهر في البرلمان المُنتخَب حديثاً. على سبيل المثال، “حزب مصر المستقبل”، الذي يُنسَب فوزه في الإنتخابات الأخيرة على نطاق واسع إلى جهاز الإستخبارات الداخلية، “قطاع الأمن الوطني”، إنسحب فجأة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي من الكتلة البرلمانية المؤيدة للسيسي، التي يرأسها جنرال عسكري سابق. وعندما عاد إلى الكتلة بعد بضعة أيام، أوضح الناطق بإسمه أن الحزب ينتظر المزيد من النفوذ في المكتب السياسي للكتلة، الأمر الذي يوحي بأن البرلمان الجديد قد يوفّر مكانا للوساطة في هذه الخلافات داخل النظام.
إن التوترات بين الأجهزة الأمنية هي أكثر وضوحاً على الشبكات الفضائية المصرية، حيث تم فجأة التعرّض لأجهزة أمنية مُحدَّدة وإنتقادها بصراحة تامة. في أواخر كانون الاول (ديسمبر) الفائت، إدّعى الإعلامي توفيق عكاشة، الذي طالما روّج لنظريات المؤامرة الموالية للنظام، خلال مقابلة تلفزيونية على الهواء مع الإعلامي يوسف الحسيني، أن جهاز المخابرات العامة المصرية وقطاع الأمن الوطني إنقلبا عليه بعدما كانا يعرضان سابقاً الدعم.
“أخذا ما يريدان، وبعد ذلك أصبح عكاشة مشكلة!”، قال، وموضحاً بأن هذه الأجهزة الأمنية تقدّر معارضته المتشددة ضد جماعة “الإخوان” خلال رئاسة مرسي. “لقد كانوا يختبئون خلفي”، مؤكّداً.
في اليوم التالي، دعا الحسيني الرئيس السيسي إلى وضع حدّ لتدخل قطاع الأمن الوطني في السياسة المصرية. للتأكيد، إن تورط قطاع الأمن الوطني في السياسة المصرية ليس مستغرباً كما أنه غير جديد. ولكن حقيقة أن حكومة قمعية على خلاف ذلك تسمح فجأة بإنتقادات أجهزة أمنية مُحدَّدة تعكس شرخاً داخلياً.
ولعلّ الأبرز في هذا المجال ما أفاد به مسؤولون أجانب عن توتر بين السيسي والجيش. في حين أن الجيش قد يبدو كأنه القاعدة الطبيعية لدعم الرئيس، فإن مسؤولين يعزون التوتر إلى دائرة السيسي السياسية الضيّقة المعروفة، التي تولّد إنعدام الثقة وربما الغيرة بين كبار المسؤولين الآخرين. إن إرتفاع التحديات الإقتصادية والأمنية في مصر قد ضخّم أيضاً المخاوف العسكرية. “يقول بعض كبار الضباط [جنرالات] أن السيسي معزول ومحاط برجال لا يملكون الأجوبة والحلول”، قال أحد المسؤولين لي. متابعاً: “لقد بدأوا يطرحون أسئلة. “لماذا تحدث فيضانات في الإسكندرية؟ لماذا قُتَل السياح المكسيكيون؟ هذا أمر محرج”.
هناك أيضاً تلميحات عن إنقسامات داخل كبار الضباط، مع إظهار جنرالات رفيعي المستوى عدم الإحترام لرؤسائهم خلال لقاءات مع مسؤولين أجانب.
الواقع أنه من الصعب تقدير مدى عمق أو إلحاح هذه الإنشقاقات داخل النظام. إن الأعمال الداخلية لنظام السيسي هي بالكاد مرئية ومعروفة للمراقبين الخارجيين، وحتى بالنسبة إلى أعضاء مراكز القوى الأساسية فهم محيّرون ويختلط عليهم ما يدور في الوضع الحالي. لقد قال رجل أعمال على إتصال جيد بالنظام: “هناك بالتأكيد صراع على السلطة”. مضيفاً: “لكن من هي الجهات الفاعلة الرئيسية؟ كان هناك نظام في المكان [عهد مبارك] حيث كانت المصالح متوازنة. ثم إنهار خلال الثورة [2011]، وهو لا يزال لقمة سائغة بإنتظار من ينقض عليها”.
مع ذلك، في الوقت الحاضر، لا يتوقع أولئك الذين هم على مقربة من النظام أي هزة سياسية مهمة، أو السماح بتغيير النظام. “إذا حدث أي شيء لهذا الرجل، فإن هذا البلد سيذهب إلى المجهول”، قال تلفزيوني بارز لي في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت.
ولكن حتى إذا بقي السيسي في السلطة، وهذا هو المرجح حالياً، فإنه لن يستطيع البقاء بسهولة وسيواجه مشاكل صعبة. إذا ساءت الحالة الإقتصادية أكثر في البلاد، حذّر التلفزيوني المعروف، فإن هامش الخطأ لدى السيسي سيتقلص بشكل كبير. مؤكداً بأن “المشاكل السياسية ستبدأ بعد عام”.
ثم توقف، قبل أن يتساءل بقلق ما اذا كان يبالغ بالوسادة التي يتكىء عليها السيسي. “آمل أن تستمر طويلاً”، متمنياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى