عُمان تنوِّع قدراتها التحويلية مع تزايد قدراتها الهيدروكربونية

تعمل سلطنة عُمان بإطراد على خلق صناعة مصب تحويلية ذات مستوى عالمي يصاحبها تزايد قدراتها في قطاع النفط والغاز، الأمر الذي يعتبره الخبراء واعداً إقتصادياً رغم العجز المالي الذي تواجهه البلاد.

شركة النفط العُمانية للمصافي والصناعات البترولية (أوربك): على طريق الخصخصة
شركة النفط العُمانية للمصافي والصناعات البترولية (أوربك): على طريق الخصخصة

مسقط – باسم رحال

يوقف منتجو النفط عبر مجلس التعاون الخليجي المشاريع فيما إنخفاض أسعار النفط يقوّض المبرّرات الإقتصادية لتوسيع وتطوير قطاع الهيدروكربونات. حتى قطر الغنية بالسيولة فقد شعرت برياح البرد الإقتصادية عندما أعلنت أخيراً عن تأخير مشروعين للبتروكيماويات يكلفان مليارات الدولارات أو ربما وضعهما على الرف، حيث تبلغ قيمتهما معاً 13 مليار دولار. مع ذلك، فإن سلطنة عُمان ماضية قدماً في حملة وخطط مصب طموحة كانت منذ فترة طويلة في التخطيط، وتهدف إلى تقديم قيمة مضافة كاملة للسلطنة والتي ينبغي لقطاع النفط والغاز لديها أن يقدّمها.
الواقع أن الصناعات التحويلية هي مركزية لأجندة التنويع الإقتصادي في البلاد. “تركّز عُمان إلى درجة كبيرة على تطوير قطاعاتها التحويلية الصناعية، والبتروكيماويات، والأسمدة التي هي بعض المجالات المُستهدَفة للتوسع والنمو في المستقبل”، يقول جوستين دارجين، أخصائي الطاقة في منطقة الخليج الذي ينصح كبريات الشركات النفطية العالمية والوطنية بشأن قضايا إستراتيجية إستثمارية.
وكان التقدم في العام الفائت سريعاً مع إرتفاع إنتاج التكرير والبتروكيماويات بشكل كبير. إن إجمالي الناتج من المكرّر الرئيسي، شركة النفط العمانية للمصافي والصناعات البترولية (أوربك)، كشف عن وجود زيادة 4 في المئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2015، مقارنة بالفترة عينها من العام الذي سبقه، مرتفعاً إلى 56.76 مليون برميل مقابل 54.56 مليون برميل في العام 2014.
يبدو المسؤولون في “أوربك” واثقين من أن مشاريع توسيع المصب الطموحة تسير على الطريق الصحيح. تبلغ قدرة المصفاتين اللتين تملكهما “أوربك” معاً 222،000 برميل يومياً، ولكن تدعو الخطط الجديدة إلى زيادات كبيرة من أجل خلق الفرصة المناسبة لكي تتمتّع السلطنة بالإستفادة الكاملة من إرتفاع مستويات إنتاج النفط في البلاد، والتي خرقت في الصيف الفائت حاجز المليون برميل في اليوم. ومن المرجح أن تشهد مساهمة “أوربك” في الإقتصاد العُماني بلوغ حوالي ثمانية إلى تسعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2018 (إرتفاعاً من نحو ستة في المئة حالياً) عندما يتم الانتهاء من ثلاثة مشاريع واسعة النطاق.
إن مشروع تحسين مصفاة صحار هو مشروع “اوربك” المحوري، وسوف يزيد طاقة المصفاة من مستواها الحالي البالغ 116,400 برميل يومياً إلى 198،000 برميل في اليوم. وهناك مصفاة لمجالات جديدة منفصلة قرب الدقم – وهي مشروع مشترك بين شركة الصناعات البترولية الدولية المملوكة للدولة في أبو ظبي وشركة النفط العُمانية – وسوف تكون لها قدرة 230،000 برميل في اليوم، وستجلس جنباً إلى جنب مع منشأة لتخزين 200 مليون برميل من النفط. وقد تمّ تصميم هذا المشروع – مثل مصفاة الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة – بهدف الإستفادة من الموقع الإستراتيجي خارج مضيق هرمز.
تستعد “أوربك” لإنفاق مبالغ كبيرة في بناء مشاريع المصب المترابطة، مع مبلغ يقدره العارفون ب8 مليارات دولار. واحد من أكبر هذه المخططات هو مجمع لوى للصناعات البلاستيكية الذي تقدر كلفته ب5.4 مليارات دولار، الذي يضم مصنع “بوليمرات” (polymers) في منطقة صحار الصناعية، ومصنع لإستخراج سوائل الغاز الطبيعي في فهود، ومصنع التكسير بالبخار، وخط أنابيب طوله 300 كيلومتر من فهود إلى صحار. وقد قامت “أوربك” بإرساء حزم الهندسة والتوريد والبناء البالغة كلفتها حوالي 5.4 مليار دولار الى عدد من المقاولين حيث أرست حزمة الهندسة والتوريد والبناء 1 والخاصة بوحدة التكسير بالبخار والمرافق الخاصة بها الى شركة “سي بي أند آي” الهولندية وشركة “سي تي سي آي” التايوانية. كما أرست حزمة الهندسة والتوريد والبناء 2 والخاصة بوحدات إنتاج المنتجات البلاستيكية الى شركة “تيكنيموت” الإيطالية. وأرست حزمة الهندسة والتوريد والبناء 3 والخاصة بمحطة إستخراج سوائل الغاز الطبيعي الى شركة “جي أس إي أند سي” الكورية وشركة “ميتسوي” اليابانية. وأخيراً تم إرساء حزمة الهندسة والتوريد والبناء 4 والمتعلقة بخط أنابيب نقل سوائل الغاز الطبيعي الى شركة “بونج لويد المحدودة” الهندية.
ومن المتوقع أن ينطلق هذا المشروع العملاق قريباً بعدما وزِّعت المناقصات على الفائزين بها. وسيكون التكسير، مثل مخططات الخليج المتعددة للمواد الأولية البتروكيماوية الأخرى، مصدراً لأنواع مختلفة من الوقود، بما في ذلك غاز البترول السائل والغاز الجاف من مصفاة ومصنع العطريات في صحار، جنباً إلى جنب مع مكثفات الغاز الطبيعي المُسال في عُمان. وكان هذا أول مشروع كبير الذي يحصل على توزيع الغاز الحكومي الرسمي في ما يقرب من 10 سنين.
وستكون قدرة مجمع البلاستيك 880،000 طن سنوياً من “بولي إيثيلين” العالي الكثافة و”بولي إيثيلين” الخطي المنخفض الكثافة، جنباً إلى جنب مع 300,000 طن سنوياً من مادة “بولي بروبيلين”، و90،000 طن سنوياً من أثير الميثيل بوتيل الثلاثي، و41،000 طن سنوياً من غاز البوتان، و111،000 طن سنويا من البنزين.
من جهتهم كان المقرضون مشغولين في وضع مقترحات التمويل قبيل إنتهاء العروض المالية في كانون الأول (ديسمبر) 2015. ولم تمنع شائعات تصاعد التكاليف المحيطة بالمشروع البنوك ومؤسسات التمويل الدولية من المشاركة في عملية التمويل لأن المشروع يقوم على أساس قاعدة تجارية سليمة. وقد وقعت شركة النفط العُمانية للمصافي والصناعات البترولية (أوربك) في 21 كانون الثاني (يناير) الفائت أكثر من 15 إتفاقية لتنفيذ وتشغيل وتمويل مشروع مجمع لوى للصناعات البلاستيكية، بقيمة إجمالية تبلغ 6.4 مليارات دولار منها نسبة تمويل عالية من كبرى المؤسسات المالية الدولية تصل الى 3.8 مليارات دولار مما يعكس الثقة والقوة في الإقتصاد العُماني.
وأوضح درويش بن إسماعيل البلوشي، الوزير المسؤول عن الشؤون المالية: “لقد ساهمت المؤسسات المالية الدولية بنسبة 60 في المئة من إجمالي التكلفة الاجمالية و20 في المئة كانت قروضاً من بنوك محلية، وهي تؤكد تلك الثقة التي تعتز بها السلطنة حيث يُعتبَر المشروع من المشاريع الإقتصادية والإستثمارية المهمة التي سوف تحقق قيمة مُضافة للإقتصاد العُماني خصوصاً وأن المشروع سيقوم بتصدير الجزء الأكبر من منتجاته”.
وأضاف: “تُقَدَّم القروض والتمويل للمشروع بناء على ضمانة المشروع الذاتية وليست هناك ضمانات من الحكومة”، معرباً عن أمله في أن “تشهد السلطنة في المستقبل قيام مشاريع مشابهة تحقق قيمة مضافة للإقتصاد الوطني وتوفّر فرص عمل للشباب العُماني”.
وكانت الأشهر الأخيرة شهدت إرتفاعاً في نشاط المصب في سلطنة عُمان. في آب (أغسطس) 2015، دعت هيئة المنطقة الإقتصادية الخاصة في الدقم إلى تقديم عطاءات لبناء البنية التحتية الداعمة لخط أنابيب لتوصيل ممر خدمات مصفاة الدقم الذي يربط المصفاة إلى الرصيف السائل.
بطبيعة الحال، لم تكن كل الامور سهلة. فقد أطلقت “أوربك” في العام الفائت إجراءات قانونية ضد شركة “سامسونغ” للهندسة الكورية الجنوبية بسبب “عدم الوفاء بإلتزاماتها” بموجب المناقصة التي جرت لمشروع تحسين مصفاة صحار. وبدورها رفعت “سامسونغ” شكوى تحكيم دولي في 20 تموز (يوليو) ضد “أوربك” بسبب سوء تعامل الشركة العُمانية مع الشركة الكورية في سعيها لترقية وتطوير المصفاة، زاعمةً بأنها أُختيرت كمقدمة أفضل عرض، قبل سحبه في حين حُجِبت ودائع العارض ولم تُرَدّ إليها. سيتم معرفة نتائج هذه القضية من طريق المركز الدولي لتسوية نزاعات الإستثمار.
وتتواصل المشاريع الأخرى من دون تأخير. خطط تدعو لبناء مصنع للأمونيا في الميناء الجنوبي لصلالة، بدعم من شركة صلالة للميثانول، وهو مشروع مشترك بين شركة النفط العُمانية المملوكة للدولة وشركة تكامل للإستثمار. وتهدف الخطة إلى بناء مصنع للأمونيا بقدرة 1000 طن يومياً في المنطقة الحرة في صلالة، مع مرافق تخزين ومرافق تحميل التصدير ومرافق إضافية. ومن المتوقع أن تكون قد قُدِّمت العروض لمشروع يستخدم المواد الأولية للغاز من مصنع الميثانول المجاور.
إن شركة النفط العُمانية هي أيضاً شريكة مع تكامل للإستثمار في شركة “أومبيت”، التي تستعد لبناء مصنع حمض التريفثاليك النقي مع قدرة إنتاج 500,000 طن سنوياً من “بولي إيثلين تيريفثاليت”، بإستخدام ترخيص تكنولوجي من “بريتيش بتروليوم” (بي بي). كما أن شركة النفط العُمانية تنشط في الخارج أيضاً، حيث تقوم ببناء وحدة “بروبانول” في مصنع إنتاج في “باي سيتي”، في ولاية تكساس الأميركية، من طريق وحدة “أوكسيا” (Oxea) التابعة لها. ومن المقرر أن يبدأ تشغيلها في أواخر العام 2017.
الأسمدة هي حقل مصب آخر تركّز عليه عُمان، مع الشركة الهندية – العُمانية للأسمدة “أوميفكو” (Omifco)، وهي مشروع مشترك بين شركة النفط العُمانية وشركتين تعاونيتين هنديتين، تنتج نحو مليوني طن سنوياً من اليوريا في مصنع في مدينة صور (العُمانية) للصادرات إلى الهند، حيث عقدت إتفاقات طويلة الأجل في المكان.
تخطط “أوميفكو” “Omifco” لمضاعفة طاقتها الإنتاجية مع مخطط إزالة الإختناقات. كما أن قطاراً ثالثاً هو أيضاً قيد المناقشة، على الرغم من أنه سيتعين ضمان رسالة رسمية لتخصيص الغاز من الحكومة. في نهاية المطاف تهدف الخطة إلى زيادة قدرة اليوريا إلى أكثر من ثلاثة ملايين طن في السنة.
“أوميفكو” هي واحدة من أول لاعبي المصب في الخليج التي شعرت بأثر إصلاح الأسعار، بعدما بدأت الحكومة في العام 2012 زيادة تدريجية في أسعار المواد الخام من الغاز من 0.77 لكل مليون وحدة بريطانية حرارية مرتفعةً إلى 3 دولارات لكل مليون وحدة في العام الفائت. وعلى الرغم من هذه الزيادة في تكاليف المواد الخام، فإن المشروع لا يزال سائراً في مساره بفضل الإتفاقات الطويلة الأمد في المكان المعقودة مع السوق الهندية.
في الوقت عينه، تسعى “أوربك” إلى تخفيف مستوى ملكية الدولة، مع وضع الخصخصة على جدول أعمالها في هذا العام. لقد حصلت الشركة على موافقة وزارة المالية في كانون الثاني (يناير) 2015، وتخطط لتخصيص 15 إلى 20 في المئة من أسهم الشركة لبيعها للجمهور من طريق الإكتتاب العام الأولي الذي يمكن أن يحدث خلال هذا العام، على الرغم من أنه يمكنه أيضاً أن يتأخر. إن هدفها الأول هو الحصول على توسيع خططها وتشغيلها، وإثبات جدارتها التجارية الكاملة للمستثمرين. مع أرباح بلغت 215 مليون دولار في النصف الأول من العام 2015، فإن الكثيرين من العُمانيين يعتقدون بأن شركة المصب المملوكة للدولة ستكون هدفاً جذاباً للمستثمرين – وتبشر ببرنامج توسّع طويل الأمد من شأنه أن يساعد السلطنة على تطوير تكرير بمستوى عالمي ووجود بتروكيماويات حيث تصاحبهما قدرات نفط وغاز متنامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى