المجدلية حين تُرجَم مرتين!
بقلم جوزف قرداحي
منعت اللجنة الإدارية للحركة الثقافية في إنطلياس (لبنان) برئاسة الأب جوزف ابي رعد ندوة كانت ستُعقَد في مركزها حول كتاب: “ماريكا المجدلية” للإعلامي والاديب اللبناني إيلي صليبي، على خلفية أن الكتاب يحمل مضموناً كَنَسيّاً ويسيء الى رمز من رموز الإنجيل المقدّس مريم المجدلية، المرأة التائبة التي لجأت الى يسوع المسيح وآمنت به وأصبحت من أتباعه بعدما تخلّت عن كل مُغريات الجسد وشهواته، وأمجاد اﻷرض الفانية، لتربح المجد السماوي.
مريم المجدلية على جدلية شخصيتها الواردة في الأناجيل الأربعة، والخلط بينها وبين المرأة الزانية التي أمسكها غلاة الدين اليهودي بالجرم المشهود، وجاؤوا بها الى المعلّم ليوقعوه في تجربة رجمها حسب شريعة موسى، فأوقعهم في فخ شرورهم حين قال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر.
هذا الإلتباس بشخصية المجدلية المُبهَمة في الإنجيل، جعل منها إمرأة زانية في الكثير من الروايات التي حيكت حولها، وفي روايات أخرى جعلت منها إمرأة تحترف البغاء في بيت دعارة سرية.
غير أن شخصية المجدلية الحقيقية المُثبَتة في الإنجيل، هي شخصية إمرأة تنتمي الى عائلة ثرية من قرية إسمها المجدل، أحبت المسيح وعشقته فسخّرت ثروتها لدعم رسالته، وتخلّت عن كل أمجاد عائلتها لتلتحق بمجموعته التبشيرية. وهي بالتالي شقيقة أليعازر الذي أقامه يسوع من الموت وأيضاً شقيقة مرتا المُنشَغلة بأمور كثيرة.
مريم المجدلية التي أحبت يسوع كثيراً، ودلقت قارورة الطيب على قدميه ونشفتهما بشعرها، لم تكن إطلاقاً تعمل في الدعارة كما يتراءى للبعض، ولم تكن بالتالي هي المرأة الزانية التي أرادوا رجمها، بل هي تلك المرأة التي أحبت يسوع كثيراً فقال لها: “طوبى لكِ ﻷنكِ أحببت كثيراً، يُغفَر لكِ كثيراً”، الأمر الذي ترجمه بعض مُفسِّري الإنجيل تفسيراً مُغايراً للحقيقة، وهو تفسير يفضح نظرة رجال الدين السلبية الى الحب، حيث جعلوا منه شيطاناً رجيماً وألقوا القبض عليه وحكموه بالسجن المؤبد. فربطوا الحب بالجنس، والجنس بالشهوة، والشهوة بالخطيئة.
من هنا نفهم قرار الأب جوزف ابي رعد بمنع الندوة حول كتاب الزميل إيلي صليبي، وهو قرار يرجم المجدلية مرتين، مرة حين فهم مفسّرو الأناجيل حبها للمسيح فهماً خاطئاً، فربطوا هذا الحب العظيم بالشهوات الدنيئة وجعلوا منها إمرأة مُنحرفة تتوب الى المسيح، ومرة ثانية، حين ربط الإعلامي الكبير إسم المجدلية بإسم عاهرة شارع المتنبي ماريكا إسبيريدون، التائبة عن عمر يناهز السبعين عاماً، والمُكرِّسة ثروتها التي جنتها من التجارة بأجساد ضحايا البغاء، اللواتي أوقعهن الفقر والجوع والحظ السيّىء في شبكتها، للكنيسة.
بعيداً من محتوى كتاب إيلي صليبي، الذي لا شك بأنه رواية أدبية راقية جداً، وإن حمل عنواناً إستفزازياً بإمتياز “ماريكا المجدلية”، يتبادر السؤال بإلحاح، هل بات دور الكنيسة اليوم ينحصر في مراقبة الأقلام الأدبية والأعمال الفنية لمصادرة وقمع كل فكر يتناول أيّاً من “مُحرّماتها؟ وهل أصبح المركز الكاثوليكي للإعلام هيئة كَنَسية لممارسة دور مطاوعة هيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر”؟ وهل أصبحت ندوة حول كتاب، مهما تجاوز الخطوط الحمر، أكثر إستفزازاً من مشاهد قطع رؤوس الجثث المحترقة العارية التي تتحفنا بها محطات التلفزيون يومياً، وتنتهك كل الحُرُمات والمُحرَّمات؟!