تأثير رفع الحظر عن تصدير النفط الأميركي على السعودية
بقلم الدكتور عبد الله ناصر الدين*
شكّل قرار الكونغرس الأخير برفع الحظر عن تصدير النفط الأميركي حدثاً أُضيف إلى الأحداث الكثيرة المُتشابكة والتي ترمي بثقلها على أسواق النفط و تجعل من تحليل الأسباب والأبعاد والنتائج مهمة شائكة تكثر فيها التكهنات والفرضيات لا سيما الجيوسياسية منها. نسعى هنا إلى تسليط بعض الضوء على نتائج هذا القرار وبالتحديد تلك النتائج المرتبطة بالأثار التي قد يخلّفها على الإقتصاد السعودي. فإلى أين يتجه إقتصاد المملكة في ظل التغيّر الحاصل في أسواق النفط؟ هل أن إحتياطات المملكة كافية لمواجهة هذه التغيّرات؟ وما هي أهمية لجم الإنفاق وبالتالي ما هي مخاطره؟
عندما صدر قرار حظر تصدير النفط في الولايات المتحدة في العام ١٩٧٥ كانت دول منظمة “أوبك” تنتج ما يزيد عن ٥٢٪ من الإنتاج العالمي بينما حصتها اليوم لا تتعدى ال٤٢٪. في العقود الأربعة الماضية تغيَّرت خارطة إنتاج النفط في العالم، وإزدادت حصة الدول المنتجة من خارج المنظمة، و منها الولايات المتحدة، والتي إستطاعت أن ترفع إنتاجها إلى ما يقارب ال١٠ ملايين برميل في اليوم وتقليص وارداتها من ٦٠٪ في العام ٢٠٠٥ إلى أقل من ٤٠٪ من حاجتها اليوم بفضل تكنولوجيا إستخراج النفط الصخري. من هذا المنطلق، ورغم أن أميركا بعيدة من الإكتفاء الذاتي من إنتاج النفط، إلا أن أي حصار نفطي عليها اليوم كالذي فرضه العرب عليها في العام ١٩٧٣ لن يجدي نفعاً. فالولايات المتحدة تستورد اليوم أقل من مليوني برميل فقط من الدول العربية. أمام هذا المشهد الجديد رفعت واشنطن الحظر عن تصدير النفط، وهو قرارٌ يجعلها لاعباً نفطياً من الطراز الأول في الأسواق العالمية وله تداعيات كبيرة جداً على مستقبل إقتصاد المملكة العربية السعودية وذلك بسبب دخول منافس جديد في الأسواق (في 1/1/2016 إتجهت أول ناقلة نفط إلى إيطاليا)، وهو منافس طالما كان أكبر مستورد للنفط في العالم، الأمر الذي يغيِّر من ديناميكية هيكلية السوق أي التحوّل من إقتصاد القلة الإحتكاري إلى إقتصاد القلة الذي يبدي أهمية أقل للسعر مقابل التركيز على كمية الإنتاج. هذا التحوّل نلحظه بوضوح عندما نرى قرار الرياض مجاراة أي زيادة إنتاج من خارج منظمة “أوبك” وفي تصريحات مسؤولين سعوديين ولا سيما التصريح الأخير لوزير النفط السعودي علي النعيمي بأن “للمملكة قدرات إنتاجية أكبر و تستطيع زيادة إنتاجها”.
هذه التحوّلات تجعل الوضع الإقتصادي في المملكة على مدى العشر سنين المقبلة أمام تحديات هيكلية صعبة للغاية. ويمكن تلخيص تلك النتائج بثلاث محاور رئيسية: في المحور الأول، سينعكس إستمرار المملكة في السياسة النفطية الحالية إلى بقاء الأسعار على مستويات منخفضة ما سيكون له تأثيرات مباشرة على حال المواطن السعودي في دولة الرفاهية مع تراجع الدعم الحكومي للعديد من السلع إضافة إلى تسهيلات أخرى كالسكن و الطبابة و التربية. في المحور الثاني يمكن وضع النتائج المرتبطة بمالية الدولة والتي أعلنت اخيراً عن عجز في الموازنة وصل إلى ٩٨ مليار دولار والأعلى في تاريخ البلاد. هذا العجز يعكس بوضوح المخاطر المالية التي قد تعصف بإقتصاد المملكة إذا بقيت الأسعار على مستوياتها المنخفضة مما يستدعي من المملكة إتخاذ قرارات حازمة ومريرة لطالما تجنّبتها. هذه القرارات تتطلب تعديلات بنيوية على إنفاقها. ولعل القرار الأخير بالرفع النسبي للدعم عن المشتقات النفطية (والذي أدى إلى إنخفاضه ٤٠٪) يشكّل قراراً صائباً وإن أتى متأخراً، وإن إستُكمل بقرارات مماثلة على الماء و الكهرباء، فقد يأتي بتوفير كبير على الموازنة. وبناءً عليه تلحظ موازنة العام ٢٠١٦ التي أُقرَّت أخيراً إنخفاضاً في العجز بنسبة ١١% مقارنةً بالعام ٢٠١٥ كما يتوقع أن ينخفض العجز إلى ١٠٫٨٪ من الناتج المحلي من ١٦٪ في العام المنصرم. في المحور الثالث، إن التراجع الإقتصادي في المملكة ستكون له أبعاد جيوسياسية عارمة. لا يعني ذلك إنكفاء الرياض بل ربما المزيد من الإنخراط في أزمات المنطقة للحد من تراجعها الإقتصادي في المدى البعيد و تأثيرها في العالم العربي والذي إعتمد على الدعم المالي. و من هنا نلحظ أن الإنفاق العسكري حصل على الحصة الأكبر من موازنة العام ٢٠١٦ ( ٢١٣ مليار ريال أي ما يوازي ٥٨ مليار دولار). هذا القلق يفسّر إستماتة دول المنطقة و منها المملكة في التدخل في الصراعات الإقليمية.
إن قرار الكونغرس سيضع المملكة أمام المزيد من الضغوط للحفاظ على حصتها في الأسواق. وإن لم تتغيَّر المعطيات بشكلٍ كبير، ومن المستبعد أن تتغيّر، ستشهد إحتياطات المملكة المزيد من التراجع، علماً أن هذه الإحتياطات تراجعت من ٧٣٢ مليار دولار إلى ٦٢٣ مليار في العام ٢٠١٥، و قد لا تكفي المملكة لأكثر من خمس سنوات لسد العجز و إن إنخفضت بوتيرة أبطأ. مع تراجع هذه الإحتياطات ستحتاج البلاد إلى إتخاذ المزيد من القرارات الصعبة كفرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة والإبتعاد أكثر عن النموذج الإقتصادي الذي حلّ في المملكة لعقود طويلة. هذه الخطوات و إن صلحت إقتصادياً إلا أنها تضع إستقرار البلاد أمام تحدٍ صعب يُنذر بالمزيد من عدم الإستقرار والتخبط وإنفراط الدول في المنطقة.
لقد أتي قرار الكونغرس الأخير في توقيت تبدو فيه دول المنطقة، ومنها المملكة العربية السعودية، ومصر، وإيران، وتركيا ومعها روسيا، منهمكة ومُنهَكة إقتصادياً. أمام هذا المشهد، وبعد أربعين عاماً على إستعمال العرب سلاح النفط ضدها، ها هي الولايات المتحدة تنزع هذا السلاح من أيدي العرب الذين فاجأهم “الربيع العربي” وأدخلهم في دوامة يحاولون الخروج منها منذ أكثر من 4 سنوات.
• خبير إقتصادي، أستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية