هل تَلاعَبَت إسرائيل بواشنطن لصالِحِها؟

مايكل يونغ*

مع دُخولِ الحربِ في غزة شهرها السابع، فإنَّ إحدى سماتِها الأكثر لفتًا للانتباه هي قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إخضاع إدارة جو بايدن بشكلٍ فعّالٍ لأولويّاته الخاصة. لقد أظهر نتنياهو قدرةً خارقةً على أَخذِ ما يُريدُ من الأميركيين، بل وحتّى خَلقِ أزماتٍ صغيرةٍ معهم بسبب خلافات بينهما، على افتراضِ أنَّ الولايات المتحدة ستُقدّمُ له تنازلات مُقابل مرونته.

وقد يكونُ الانتقامُ الإسرائيلي ضدّ إيران في الأسبوع الفائت مثالًا على ذلك. في البداية، بعد أن أطلقَ الإيرانيون صواريخ ومُسيّرات على إسرائيل، والتي تمَّ إسقاطُ معظمها، حثّ الرئيس بايدن نتنياهو على “أخذِ النصر” وتجنُّبِ الانتقام. وأوضحَ رئيس الوزراء الإسرائيلي أنَّ إسرائيل ستُقَرّر الأمرَ بنفسها. مع ذلك، فقد أدركَ أيضًا، بمجرّدِ أن أخبره بايدن أنه إذا ردّت إسرائيل فسيَتعَيَّن عليها القيام بذلك بمفردها من دون تدخّل الولايات المتحدة، أنَّ هامشَ مناورته محدود.

ويبدو أنَّ ما حدثَ هو أنَّ الإسرائيليين استغلّوا المخاوف الأميركية بشأنِ التصعيدِ الإقليمي لانتزاعِ تَنازُلٍ من إدارة بايدن بشأنِ هدفِ إسرائيل المُتَمَثِّلِ في غزو رفح. ووفقًا لمصادر مصرية، نقلتها صحيفة “العربي الجديد” القطرية في 18 نيسان (أبريل)، فإنَّ الإسرائيليين يزعمون أنهم حصلوا على موافقة الولايات المتحدة على دخولهم إلى رفح مقابل ردٍّ محدودٍ ضدّ إيران.

ورسمت التقارير في وسائل الإعلام الأميركية في 19 نيسان (أبريل) صورةً أكثر تعقيدًا، ونفى متحدّثٌ أميركي التوصّلَ إلى مثلِ هذا الاتفاق. وتُفيدُ التقارير أنَّ الإدارة الأميركية لا تزالُ غير مُقتَنِعة بالخطّة الإسرائيلية بشأن رفح، مما يجبر حكومة نتنياهو على تعديل تكتيكاتها العسكرية. مع ذلك، هناكَ شيءٌ واحدٌ واضح، وهو أنَّ الجانبَين يُناقِشان الآن تفاصيل الغزو.

منذُ البداية، قالت إدارة بايدن إنها ستَدرُسُ خطّةً ذات مصداقية للسيطرة على معبر رفح، وهذا ليس بالأمر الجديد. ومع ذلك، كانت هناكَ مؤشّراتٌ أميركية مُتَكرّرة على أنَّ أيًا من الخطط الإسرائيلية لم تكن واقعية، حتى عندما قال الأميركيون إنَّ على إسرائيل أن تتبنّى تكتيكًا مُختلفًا يتمثّلُ في القيامِ بعملياتِ تَوَغُّلٍ محدودة في رفح، بدون تعريض السكان للخطر.

قبل بضعة أسابيع، بدا أنَّ نتنياهو يَمتَثِلُ لهذا الطلب. وسحب معظم جنوده من غزة وبدأ عملياتٍ محدودة في رفح. ومع ذلك، بالنسبة إلى الزعيم الإسرائيلي، فإنَّ رمزيةَ الاستيلاءِ على رفح وقَتلِ كبارِ مسؤولي “حماس” هي تذكرةٌ لبقائه السياسي، وبالتالي فهو لا يزالُ مُصِرًّا على الذهاب إلى رفح. ويبدو أنه ضَمَنَ رغبةَ الولايات المتحدة في مواصلة معالجة تفاصيل مثل هذه العملية، وسط تقارير صحافية نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إنَّ الأمرَ متروكٌ للإسرائيليين ليُقَرِّروا ما يجب القيام به.

لكنَّ تراجُعَ الولايات المتحدة لا يُشَكِّلُ حالةً شاذّة. عندما هاجمت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان (أبريل)، لم تُبَلِّغ الولايات المتحدة بذلك. ربما كانت هذه محاولة من جانب الإسرائيليين لجَرِّ الأميركيين إلى حربٍ مباشرة مع إيران، والتي ستكون ضرورية لتدمير المنشآت النووية والأهداف العسكرية الإيرانية. إنَّ ادّعاءَ إسرائيل بأنها لم تتوَقَّع أن تَرُدَّ إيران كما فعلت في 14 نيسان (أبريل) يبدو مُثيرًا للضحك. لا بدَّ وأنَّ نتنياهو كانَ يعلمُ عندما أثار الأزمة أنَّ ذلكَ من شأنه أن يُجبِرَ الولايات المتحدة على إعادةِ تأكيدِ دفاعها عن إسرائيل.

في الواقع، بعد تفجير دمشق، تحوَّلَ الأميركيون فجأةً إلى وَضعِ “حماية إسرائيل”. وتمَّ نسيانُ غضبِ الولايات المتحدة من تعرّضها لكمينٍ نصبهُ الإسرائيليون، على الأقل علنًا، على الرُغمِ من أنَّ شبكة “أن بي سي نيوز” الأميركية ذكرت أنَّ بايدن أعربَ عن قلقه من أنَّ نتنياهو كانَ يُحاولُ دَفع أميركا إلى مواجهةٍ إقليمية. ومع ذلك، هَبَّ تحالفٌ من الدول الغربية للدفاع عن إسرائيل، مما عزّزَ موقف ووضع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وقد حدثَ الشيء نفسه تقريبًا مع طلبات بايدن بأن تتجنَّبَ إسرائيل وقوعَ إصابات بين المدنيين في غزة. وليس هناكَ ما يُشيرُ إلى أنَّ نتنياهو أخَذَ هذه النصيحة على مَحمَلِ الجدّ. بل على العكس، استغلَّ خلافاته مع واشنطن لتعزيزِ شعبيته في الداخل. وعندما طلب الأميركيون من إسرائيل السماح بدخولِ المساعدات الإنسانية إلى غزة، قال الإسرائيليون إنهم سيفعلون ذلك، لكنهم استمرّوا في تقييدِ دخولِ الغذاءِ إلى القطاع حتى وقت قريب.

بدلًا من إجبارِ نتنياهو على فَتحِ نقاطِ العبورِ إلى غزة لتوصيل المواد الغذائية، وتجنُّبِ المجاعة في القطاع، توصّلت الولايات المتحدة إلى خطّةٍ سخيفة لبناءِ رصيفٍ بحري للقيام بذلك، وهو مشروعٌ قد يستغرقُ أسابيعَ عدّة. لقد أدركَ نتنياهو أنَّ هناكَ هوّة واسعة بين الخطاب الأميركي والأفعال، وبالتالي فإنَّ واشنطن سوفَ تمتنِعُ عن استخدامِ نفوذها على إسرائيل، مثل تقييد مبيعات الأسلحة، لفَرضِ إرادتها.

في الواقع، وافقَ مجلس النواب الأميركي في 20 نيسان (أبريل) وتبعه مجلس الشيوخ في 23 نيسان (أبريل) على 17 مليار دولار أُخرى كمساعداتٍ عسكرية لإسرائيل. وبعد ذلك بوقتٍ قصير، فَرَضَت إدارة بايدن عقوباتٍ على وحداتٍ عسكرية إسرائيلية مُتَّهَمة بانتهاكاتِ حقوقِ الإنسان. وأدانَ نتنياهو هذه الخطوة ووصفها بأنّها “تَدَنٍّ أخلاقي”، في حين اتَّهَمَ برلماني مُقَرَّبٌ منه الولايات المتحدة بـ”مُعاداةِ السامية”. إذا ظلَّ نتنياهو مُلتَزِمًا بما هو عليه، فسوفَ يَستَمِرُّ في انتقادِ الأميركيين، مع علمه أنَّ هذا سيُكسِبهُ الدعمَ في الداخل ويُزوِّدهُ بالنفوذِ في الخلافات المستقبلية مع واشنطن.

هذا عامٌ انتخابيٌّ في الولايات المتحدة، وهناكَ دوائرُ انتخابية مهمّة في الحزب الديموقراطي قد تنقلبُ ضد بايدن إذا عارضَ إسرائيل. ومن المُرَجَّحِ أن تكونَ الانتخاباتُ مُتقارِبة، لذا فإنَّ الرئيس الأميركي لا يُريدُ التنازُلَ عن ورقةِ إسرائيل للجمهوريين. قد يأتي تفكيره بنتائج عكسية إذا كلّفه الغضب العربي الأميركي في ولاياتٍ حيوية، لكن في الوقتِ الحالي لا يرى بايدن أي مزايا سياسية في صراعٍ كبير مع نتنياهو.

داخل الولايات المتحدة، يُواصِلُ بعضُ مؤيّدي إسرائيل نشرَ الإشاعات الكاذبة القائلة بأنَّ إدارة بايدن مُؤيِّدة لإيران. سوف يُرَحِّبُ البيت الأبيض بالعودة إلى الاتفاق النووي مع طهران، ولكن إذا فشلت أشهرٌ من الدعم الضمني لحملة إسرائيل المُروِّعة في غزة في إثبات التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، فلا شيءَ آخر يفعل ذلك.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى