هل تخرجُ المواجهة البحرية بين إسرائيل وإيران عن السيطرة؟

أسامة الشريف*

منذ العام 2019، إنخرطت إسرائيل وإيران في مواجهة بحرية سرية في أعالي البحار ألحقت أضراراً بالناقلات التجارية التابعة للبلدين، لكنها لم تُعطّلها. لجأت طهران إلى هذا التكتيك رداً على الضربات الإسرائيلية المزعومة، بما فيها الهجمات الإلكترونية، على منشآتها النووية ومحطات الطاقة الكهربائية، والأخطر من ذلك اغتيال عالم نووي إيراني بارز في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت.

ويُلقى باللوم أيضاً على إسرائيل بالنسبة إلى الضربات الجوية شبه الأسبوعية على أهداف عسكرية إيرانية، بما فيها مستودعات الأسلحة في سوريا. واستهدفت إسرائيل أيضاً الميليشيات الموالية لإيران في العراق، وفقاً لمصادر استخباراتية مختلفة. وقد اعترف الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني هذا الأسبوع بأن إسرائيل كانت وراء سرقة الأرشيف النووي الإيراني في العام 2019. وكان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد كشف في وقت سابق من هذا العام أن عملاء تجسّس إسرائيليين قد اخترقوا وكالات المخابرات الإيرانية.

تم التسامح مع الهجمات البحرية السرية من الجانبين حتى حادثة يوم الخميس الفائت عندما هاجمت طائراتٌ مُسَيَّرة ناقلةً تجارية إسرائيلية قُبالة سواحل عُمان مما أسفر عن مقتل شخصين، بريطاني وروماني. وسارعت إسرائيل في توجيه أصابع الاتهام إلى إيران ودعت المجتمع الدولي إلى التحرّك. ودفع جهدها الديبلوماسي الولايات المتحدة المُترَدّدة وبريطانيا الغاضبة لإدانة الهجوم. رفضت إيران رفضاً قاطعاً الاتهامات كما رفضت قبول اللوم.

الردّ الإسرائيلي المُبالَغ فيه قد تكون له علاقة بصرف الانتباه عن الفضيحة التي تورّطت فيها شركة الإنترنت الإسرائيلية “أن أس أو” (NSO)، التي باعت “برنامج بيغاسوس” (Project Pegasus)، الذي يحوي برمجيات تجسّس لاختراق الهواتف المحمولة، لدولٍ أجنبية قامت بالتجسّس على سياسيين ونشطاء وصحافيين وغيرهم. ووعد مسؤولون إسرائيليون كبار، بمَن فيهم رئيس الوزراء نفتالي بينيت، بالرد وسيأتي ردٌّ إسرائيلي على الهجوم بالتأكيد قريباً.

تُريدُ الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون أن “يختفي” هذا الحادث الأخير عاجلاً وليس آجلاً. لقد واجهت جهودهم لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني العديد من العقبات، ومع استبدالِ روحاني بالمتشدّد إبراهيم رئيسي، تتجه الأنظار هذا الشهر إلى الخطوة التالية لطهران. قبل الهجوم على السفينة الإسرائيلية مباشرة، أرسلت واشنطن إشارة إيجابية إلى الرئيس الإيراني الجديد بأنها تأمل في علاقة طبيعية مع إيران.

لا يُمكن أن يكون توقيت حرب الظل البحرية الأخيرة أسوأ بالنسبة إلى جميع الأطراف المعنية. سيُحاول الرئيس رئيسي بكل طاقته إخضاع الاحتجاجات الشعبية المُناهضة للنظام في جميع أنحاء البلاد والتي خرجت عن السيطرة. زاد النقص الحاد في المياه في عدد من المحافظات من غضب الناس من تدهور الأوضاع المعيشية. من جهتها، تتعافى إسرائيل للتو من حربٍ غير حاسمة مع “حماس” في غزة والحكومة الائتلافية الجديدة تسير على جليدٍ رقيق. بالنسبة إلى الولايات المتحدة والأوروبيين، أصبح الشرق الأوسط اليوم مُتقلّباً للغاية ولا يمكن التعامل معه. لبنان على شفا الانهيار، والحرب في اليمن مُحتدمة، وليبيا لا تزال غير مستقرة، والآن تونس تمرّ بأزمة دستورية.

الردّ الإسرائيلي على الهجوم البحري، الذي وعد القادة الإسرائيليون بأنه سيأتي، يمكن أن يجعل الأمور أسوأ لجميع الأطراف. تحاول الولايات المتحدة قياس تداعيات انسحابها من أفغانستان حيث سيطرت طالبان على المزيد من الأراضي بينما يشعر الأوروبيون بالقلق من زيادة التوتر بين واشنطن من جهة وبكين وموسكو من جهة أخرى. من شبه المؤكد أن أي هجوم إسرائيلي مُتعَمَّد على إيران سيُعقّد المحادثات الحسّاسة، التي تم تعليقها الآن، في فيينا بشأن الاتفاق النووي.

لكن إسرائيل تحثُّ حلفاءها على الردّ الدولي على الهجوم الإيراني المزعوم. وبقدر ما تقف الولايات المتحدة وبريطانيا وآخرون إلى جانب إسرائيل، فإن أي تحرّك فعلي لردع إيران في هذه المرحلة قد يأتي بنتائج عكسية. من المرجح أن يكون ردّ فعل رئيسي أكثر عدوانية من سلفه وقد يستهدف الردّ الإيراني القوات الأميركية في العراق في مرحلة حسّاسة لرئيس الوزراء العراقي الذي عاد لتوّه من واشنطن بعد أن دفع الرئيس جو بايدن إلى الالتزام بانسحاب أميركي غامض من البلاد.

على أيِّ حال، كلّ هذا يتوقّف على شدّة الانتقام الإسرائيلي. إذا اختارت إسرائيل شنّ هجوم إلكتروني على المنشآت النووية الإيرانية الحيوية، فسيتعيّن على طهران الردّ. ستؤدي ضربة إسرائيلية على ناقلة إيرانية في أعالي البحار إلى تكثيف الحرب البحرية المستمرة منذ سنوات. يُمكن لردٍّ إيراني أكثر جدية أن يؤثر في الملاحة البحرية في مضيق هرمز. في جميع الحالات، سيكون هذا اختباراً كبيراً لبينيت والرئيس الإيراني الجديد. يكاد يكون من المؤكد أن الولايات المتحدة ستُمارس بعض الضغط على إسرائيل حتى لا تُثير أزمة دولية.

ليس هناك شك في أن إيران تريد إبرام اتفاقٍ في فيينا من شأنه أن يرفع العقوبات ويمنح الاقتصاد الإيراني شريان الحياة الذي تشتدّ الحاجة إليه. بالمقابل تُعارض إسرائيل منح إيران أي رفع للحظر، وستظهر الأيام القليلة المقبلة مدى عزمها على إخراج أي صفقة جديدة عن مسارها.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى