لبنان لديه أملٌ واحد فقط للنجاة من الإنهيار التام: صندوق النقد الدولي

بقلم مايكل يونغ*

من الصعب أن تكون متفائلاً في لبنان اليوم، لكننا في لحظة حرجة جديدة ثمينة في تاريخ البلد. بعد عقود من عيشها على النظام الريعي، تُدرك القوى السياسية الفاسدة في البلاد الآن أنها قتلت الوحش الذي كان يُطعِمُها. لقد “انتهت اللعبة”. قدرتها على إعادة ما كان لديها من قبل لا تتعدّى الصفر.

إذا تجرّأ المرء على التفاؤل، فسيكون من نوع التفاؤل بأن لبنان ليس لديه بديلٌ اليوم سوى إعادة بناء كلّ شيء من الصفر. حتى الوعد بخيرات النفط والغاز تلقّى ضربة كبيرة أخيراً، مما منع الطريق الوحيد للأوليغارشية للخروج من مأزقها المالي. هذه الفترة الحرجة تخلق انفتاحاً جزئياً للمجتمع اللبناني لتشكيل مصيره الخاص ضد الفاعلين السياسيين الذين أفقروه.

هناك طريقان مفتوحان للبنان اليوم. هناك طريق الذهاب إلى صندوق النقد الدولي وقبول خطة الإصلاح التي تسمح للمؤسسة المالية الدولية بمنح الأموال إلى لبنان. أو، باستثناء ذلك، هناك طريق الإفلاس وانهيار الدولة والفوضى، وربما المجاعة والهجرة الجماعية.

ببساطة لا يوجد طريقٌ ثالث. بالتأكيد، ليس لدى السياسيين أو الأحزاب السياسية القيادية رغبة صادقة في تبنّي الإصلاح. لكنهم لا يستطيعون تحمّل انهيار الدولة، الذي من شأنه أن يُقوّض هيمنتهم وكل ما حاربوا من أجل الحفاظ عليه منذ بدء الإحتجاجات العامة في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت.

إن خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي هي المفتاح الوحيد المُتاح لفتح المساعدات الخارجية الأوسع للبنان – وبالتحديد من البنك الدولي والدول التي تعهّدت بتقديم أموال في مؤتمر “سيدر” في العام 2018. وبدون هذه الأموال، لن يتمكّن لبنان من إطعام نفسه في غضون بضعة أشهر، ولن يكون قادراً على استيراد الوقود أو الأدوية.

لقد ذهب النظام الريعي الذي أبقى لبنان طافياً. كانت البلاد قادرة على الحفاظ على عجزها الدائم بفضل التحويلات المالية من اللبنانيين في الخارج، بما في ذلك دول الخليج. ولأسباب متنوعة، بدأت هذه بالإنخفاض في العقد الماضي. إن حقيقةَ أن معظم المودعين سيفقدون بالتأكيد حصة كبيرة من أموالهم في المصارف من خلال خطة الإنقاذ المالي، تعني أن رغبة اللبنانيين في إرسال الأموال إلى الوطن قد تبخّرت، وسوف يستمر هذا المزاج والمنحى إلى حين.

ولا يمكن للدولة أن تأمل في جذب رأس المال إلى نظامها المصرفي كما فعلت في السابق. سيبقى انعدام الثقة في لبنان وتوجّهه السياسي عائقَين أمام مساعدة الدول العربية، فالوضع الإقتصادي العالمي المتردّي وانعدام الثقة في النظام اللبناني يعني أنه من غير المُحتمل أن يأتي الدعم الأجنبي. لقد انتهى النظام القديم، والخروج الوحيد هو من خلال منظمة صندوق النقد الدولي، التي ستُراقب عن كثب ما تفعله الحكومة في برنامجها الإصلاحي، ربما على أساس شهري.

لجعل الأمور أسوأ بالنسبة إلى “أوليغارشية” لبنان، فإن تماسكها الداخلي بدأ يتداعى وسط اتهامات متنافسة بالفساد. الآن، يُصوّر السياسيون الكاذبون أنفسهم على أنهم من نماذج الإستقامة. إنهم يتوقّعون ردّ فعل شعبي عنيفاً على انتشار الفقر، وسنوات من النضال الإقتصادي والمعاناة الإجتماعية، والأطفال الذين سيدفعون ثمناً باهظاً في تعليمهم، وفقدان المكانة الاجتماعية واحترام الذات، والبؤس الشامل الذي يصاحب التفكّك الاقتصادي.

لن يُغيّر صندوق النقد الدولي كل ذلك، لكن من الضروري أن يكون لدى لبنان أمل ولو كان ضئيلاً للقيام بذلك. لقد استوعب الفاعلون السياسيون هذا في النهاية.

إن “حزب الله”، حتى لو كان أكثر استعداداً من غيره للبقاء والصمود في الزلزال الاقتصادي، فهو يحتاج إلى دولة يُحيط بها نفسه. وإلّا لما عمل بجدية لتشكيل حكومة جديدة في وقت سابق من هذا العام. لا شك أنه قد شعر أن دولةً لبنانية مُمزَّقة بالدمار الإقتصادي والإنشقاق ستجعل أي هجوم إسرائيلي أكثر احتمالاً وتدميراً. ولن تكون قيمة الحزب بالنسبة إلى إيران بالقدر عينه من الأهمية إذا كان كل ما يُسيطر عليه يتمثّل بدولة فاشلة.

حليف “حزب الله”، نبيه بري، رئيس مجلس النواب، هو أكثر عرضة للخطر. إن مؤيديه موظفون في الخدمة المدنية بشكل رئيس، حيث تم تخفيض الرواتب بسبب انخفاض قيمة الليرة اللبنانية. إن عدم قدرة بري على مساعدة أتباعه اليوم، وسمعته السيئة، يُفسّران سبب حرصه الشديد على التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

سعد الحريري، رئيس الوزراء السابق، لديه إطار العقلية عينها. يعتبر نفسه محاوراً طبيعياً مع المجتمع الدولي والدول العربية في الشؤون المالية والاقتصادية. ما لم يكن لبنان لديه صفقة مع صندوق النقد الدولي، فلن يكون للحريري دورٌ يلعبه إذا عاد إلى منصبه.

وأخيراً، جبران باسيل، رئيس “التيار الوطني الحر”، يحتاج هو الأخر إلى اتفاق. فهو يتوق إلى الرئاسة التي يشغلها الآن والد زوجته، العماد ميشال عون. ولكن ما قيمة كونك رئيساً إذا فشل لبنان في الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وتحوّل إلى بلد منهار سيىء السمعة اقتصادياً على قدم المساواة مع فنزويلا – فقط من دون عائدات النفط؟

النظرة العامة المُنتشرة هي أن الطبقة السياسية في لبنان غير قادرة على الإصلاح، وبالتالي قبولها لخطة صندوق النقد الدولي أمرٌ مستحيل. الجزء الأول من الجملة صحيح في الغالب. لكن الفاعلين السياسيين في لبنان يُركّزون أيضاً على بقائهم، ما يعني أن النصف الثاني من الجملة لا يُمكن أن يكون صحيحاً.

هناك طريقان مفتوحان للبنان اليوم، أحدهما يؤدي إلى الإصلاح، والآخر نحو الدمار. ستطحن الأحزاب السياسية أسنانها وتُخطط لإخراج أكبر قدر ممكن من صندوق النقد الدولي، ولكن سيتعيّن عليها قبول اتفاق واسع النطاق في النهاية. لقد حاصر السياسيون اللبنانيون أنفسهم وعلقوا وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، في بيروت.
  • كُتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى