لماذا يجب على الغرب أن يواصل الضغط من أجل الديموقراطية التونسية

يبدو أن هناك صراعَ نفوذٍ خفياً بين الغرب وبعض الدول الخليجية على تونس، والذي يتمثّل في تقديم الدعم للرئيس قيس سعيّد أو الضغط عليه لإعادة الديموقراطية إلى البلاد.

نجلاء بودن: مهمة ضخمة لإعادة التوازن المالي إلى البلاد

شاران غريوال*

كانت الدول الغربية خجولة نسبياً في استجابتها وردّها على انتزاع الرئيس التونسي قيس سعيّد لجميع السلطات. على النقيض من تعليقها السريع للمساعدات للسودان بعد الانقلاب الأخير، مارست الدول الغربية ضغوطاً كلامية فقط للتأثير في تونس. جزءٌ من التردّد كان سببه الخوف مما قد يحدث إذا ضغط الغرب على سعيّد بقوة أكبر وأكثر شدّة- حيث قد يلجأ ردّاً على ذلك إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للحصول على المساعدة الخارجية. المعنى الضمني هو أن الغرب لا ينبغي أن يدفع بقوة من أجل الحوار والديموقراطية، خوفاً من خسارة تونس لصالح بعض الدول الخليجية.

لكن هذا منطق خاطئ. نظراً إلى حجم محنتها، من المرجح أن تحتاج تونس إلى المساعدة الغربية حتى لو تلقّت مساعدات خليجية. في ضوء ذلك، لا ينبغي للغرب أن يخفّف ضغطه على سعيّد لاستعادة الديموقراطية وإجراء حوار شامل، بل يجب عليه تصعيده. علاوة على ذلك، ينبغي على الغرب أن يدفع دول الخليج مباشرة للتخلّي عن الشروط السامة التي قد ترتبط بمساعدتها، مثل حلّ بعض الأحزاب السياسية.

بين الغرب والخليج؟

بعد ثلاثة أشهر من استيلائه على جميع السلطات في البلاد، حوّل سعيّد انتباهه أخيراً إلى الشاغل الأكبر للتونسيين: الإقتصاد المُتعثّر. التحدّي المباشر هو العثور على 3.5 مليارات دولار اللازمة لتغطية أجور القطاع العام وتسديد الديون لهذا العام. في الشهر الفائت، حذّر محافظ البنك المركزي، مروان عباسي، من “نقصٍ حاد في الموارد المالية الخارجية” للقيام بذلك.

من الصعب رؤية أي طريقة يُمكن لتونس أن تجمع بها هذا المبلغ بدون دعمٍ خارجي. لن يتحسّن قطاع السياحة في أي وقتٍ قريب بسبب الوباء. وكان سعيّد اقترح في البداية مصالحة أخرى مع رجالِ أعمالٍ مُشتَبَه بهم بالفساد، يمكنهم من خلالها تجنّب الملاحقة القضائية من خلال تمويل مشاريع في المناطق الداخلية التونسية المهملة، لكن لم يتحّقق شيء بعد في هذا المجال. سارت محاكمات المسؤولين المُتَّهَمين بالفساد ببطء، ولا تُقدّم حلاً سريعاً لأزمة السيولة في تونس. واقترح سعيّد أخيراً اتخاذ إجراءات صارمة ضد التهرّب الضريبي وخفض الإنفاق، لكن من غير المرجح أن يكون أيٌّ منهما كافياً لحل الأزمة.

هناك مصدران رئيسان للتمويل الأجنبي لتونس، وكلاهما يأتي بشروطٍ ضمنية أو صريحة. الأول، الذي اتبعته معظم الحكومات التونسية، قبل ثورة 2011 وبعدها، كان قروضاً من صندوق النقد الدولي. وفقاً ل”رويترز”، من المرجح أن تتطلّب مثل هذه القروض “خطة إصلاحات لمعالجة الدعم وتصحيح فاتورة أجور القطاع العام المرتفعة والشركات الحكومية الخاسرة”. من الناحية العملية، غالباً ما نظر صندوق النقد الدولي في الاتجاه الآخر على مدى السنين العشر الماضية، واستمر في منح تونس قروضاً على الرغم من عدم إحراز تقدّم على هذه الجبهات. من غير المرجح أن يتغيّر ذلك، نظراً إلى حجم الأزمة التونسية. لكن ما يبدو أنه أضيف إلى شروط صندوق النقد الدولي، مرّة أخرى وفقاً ل”رويترز”، هو أن سعيّد يجب أن يُحدّد “خارطة طريق سياسية تشمل حواراً سياسياً واجتماعياً واسعاً”. وبالمثل، تضغط الحكومات الغربية على سعيّد لإجراء حوارٍ واستعادة الديموقراطية.

المصدر المُحتَمَل الآخر للمساعدات الخارجية يأتي من دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كانت كلاهما من المؤيدين الصريحين لانتزاع سعيّد للسلطة وقد أرسلتا إمدادات طبية كبيرة لمعالجة أزمة كوفيد-19 في تونس. لكن مليارات الدولارات من المساعدات، التي لم تكن على قدم المساواة لما قدمته هاتان الدولتان الخليجيتان لعبد الفتاح السيسي في مصر بعد انقلابه في العام 2013، من المرجح أن تتطلّب من سعيّد اتخاذ نوعٍ من الإجراءات ضد الأحزاب السياسية في تونس، لا سيما الإسلاميين.

يجب أن أشير إلى أن حلّ الأحزاب السياسية ليس خارج نطاق الاحتمالات: فقد دعا عددٌ غير ضئيل من أنصار سعيّد علناً إلى حلّ “حزب النهضة”، وكان سعيّد نفسه يضغط على السلطات لإيجاد مخالفات في انتخابات 2019 قد تبرّر حلّه. يُحاكم عدد من أعضاء البرلمان من “تحالف الكرامة” (من بين أحزاب أخرى) أمام محاكم عسكرية بتهمة إهانة الرئيس و/ أو قوات الأمن. عند رؤية الكتابات على وسائل التواصل الإجتماعي، يبدو أن بعض كبار قادة “حزب النهضة” بدأ يستعد أخيراً، تحسّباً، لقيادة حزبٍ جديد إذا تم حلّ “حزب النهضة”.

في هذه المرحلة، يبدو أن تونس تُغازل كلاً من الخليج وصندوق النقد الدولي. عند تعيينها في الشهر الماضي، ألمحت رئيسة الوزراء نجلاء بودن إلى حزمة إصلاحات جديدة، قائلة إن “أولوية حكومتها هي تحقيق التوازن في المالية العامة والمضي قدماً في الإصلاحات الاقتصادية اللازمة”. كما غيّر سعيّد موقفه في الشهر الفائت وأعلن عن نيّته إجراء حوار وطني – رُغم أنه لم يُحدّد متى ومع مَن. تشير هذه التحرّكات إلى محاولة تلبية شروط صندوق النقد الدولي، في الوقت الذي استأنفت تونس الآن المحادثات التقنية معه. ومع ذلك، كشف مسؤولون تونسيون في الشهر الماضي أيضاً أنهم في “مناقشات متقدّمة جداً مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات لملء خزائن الدولة”.

منطق خاطئ

قد يكون من المُغري النظر إلى هذا الخيار باعتباره مفترق طرق: أن تختار تونس أحد أمرين، إما المساعدة من الغرب أو من الخليج، وأن هذا الخيار سيضع تونس على أحد مسارين: إما استعادة الديموقراطية أو ترسيخ الاستبداد. من خلال هذا المنطق، قد يكون أضمن سياسياً أن لا يضغط الغرب بشدة من أجل الديموقراطية خوفاً من أن يدفع سعيّد لاختيار الخليج. إن توقيت الكشف عن أن تونس كانت تتفاوض مع دول الخليج، التي جاءت مباشرة بعد شرط صندوق النقد الدولي لإجراء حوار، بدا مقصوداً تقريباً، كخدعة لحمل صندوق النقد الدولي على تخفيف شروطه.

لكن هذا الرأي لا يبدو دقيقاً جداً. الغرب والخليج ليسا بالضرورة مصادر بديلة للتمويل. لقد تلقّى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي 12 مليار دولار من التمويل الخليجي في أعقاب انقلابه في العام 2013، ومع ذلك ظلّ يتودّد إلى صندوق النقد الدولي إلى أن تلقى قرضاً بحلول العام 2016. في تونس أيضاً، من غير المرجح أن يتمكّن الخليج من حلّ المشاكل الاقتصادية للبلاد على المدى الطويل، لذا حتى لو حدث إصلاح في عجز الموازنة هذا العام، فإن تونس ستعود في النهاية إلى صندوق النقد الدولي. مع تعثّر الخليج في دعم القوى المعادية للثورة في مصر وليبيا والسودان، قد تأتي هذه العودة عاجلاً وليس آجلاً. مع العلم بذلك، على الغرب أن يضاعف ضغوطه من أجل الديموقراطية والحوار، لا التخلّي عنها.

علاوة على ذلك، سيكون من الأفضل للغرب الضغط على الخليج للتخلّي عن شروطه الشائنة المتمثّلة في حل بعض الأحزاب السياسية. لن يؤدي ذلك إلى تنشيط الديموقراطية ولن يؤدي إلى الاستقرار في تونس. في أفضل الأحوال، سيؤدي حلّ الأحزاب إلى إعادة تجميعها في أحزابٍ أحدث وأضعف، مما ينتج عنه مشهد سياسي أكثر انقساماً. في أسوأ الأحوال، ستدفع المؤيدين للتخلي عن الانتخابات، والتحوّل بدلاً من ذلك إلى وسائل أكثر عنفاً لتحقيق أهدافهم السياسية. باختصار، مع الاعتراف بأن تونس من المرجح أن تسعى إلى الحصول على مساعدات الخليج، يجب على الغرب أن يبذل جهوداً متضافرة لمقاومة النفوذ السياسي الذي يأمل الخليج في اكتسابه من خلالها.

  • شاران غريوال هو زميل غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز. وهو أيضاً أستاذ مساعد في شؤون الحكم في كلية ويليام وماري. تتناول أبحاثه الديموقراطية، والدراسات الأمنية، والإسلام السياسي في العالم العربي، وبخاصة في مصر وتونس. يمكن متابعته عبر تويتر على: @sh_grewal. الآراء الواردة في هذا المقال تمثل الكاتب.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى