الحَربُ المُحتَمَلة مع إسرائيل تُجبِرُ زعماء لبنان على إظهارِ الوِحدة

مايكل يونغ*

في 24 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، نُشِرت تغريدةٌ فردية على موقع X، “تويتر” سابقًا. هذه التغريدة كانت ليُمنى الجميِّل، كريمة بشير الجميل، الزعيم الراحل ل”القوات اللبنانية” ذات الغالبية المسيحية والرئيس اللبناني المُنتَخب لفترة وجيزة في العام 1982 قبل اغتياله، أبدت فيها تصالُحًا مُفاجئًا.

كتبت الجميّل في إشارة إلى الصراع في غزة: “لسنا مع إقحامِ لبنان بحربٍ لا دخلَ له فيها… لسنا مع وحدةِ الساحات واحتكارِ قرار الحرب والسلم… ولكن، إذا فُرِضَت الحربُ علينا، سوف نقف إلى جانب كلّ “لبناني” مهما كانت طائفته أو رأيه أو انتماؤه. لا لون لوطنيتنا ولا حدود بين قرانا ومدننا على ال10452 كلم2″.

إنَّ ذكرَ الجميِّل لاستراتيجية “وحدة الساحات” كان إشارةً إلى تحالف “حزب الله” مع الجماعات المختلفة في ما يسمى ب”محور المقاومة”، التي من المحتمل أن تواجه إسرائيل بهجمات متزامنة على الجبهات اللبنانية وغزة والسورية وربما الضفة الغربية في حالة نشوب صراع.

لقد انتقدَ العديدُ من الأحزاب والسياسيين في الطائفة المسيحية المارونية في لبنان، التي تنتمي إليها الجميّل، بشدّة جهود “حزب الله” لربط مصير لبنان بمصير حركتَي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيتين، مُحذّرين من أنَّ هذا قد يقود البلاد نحو الدمار في أيِّ حربٍ مستقبلية مع إسرائيل. وكان المسيحيون هم الأعداء الرئيسيين للحركة الوطنية الفلسطينية في لبنان بين العامين 1975 و1982، وقد حملوا السلاح ضدها في خطوةٍ ساهمت في دفع البلاد إلى حربٍ أهلية.

بالنظر إلى هذا الإرث، لماذا كانت الجميّل حريصةً على تأكيد رسالة الوحدة مع “حزب الله”، على الرغم من أنها أشارت بشكلٍ وثيق إلى “احتكار الحزب لقرارات الحرب والسلام”، الأمر الذي أدى إلى تهميش الدولة اللبنانية بالكامل؟ لم تكن أسبابها واضحة، لكنها عكست ميلًا أكثر عمومية في المجتمع لتجنّب الصدام المباشر مع “حزب الله” بشأن احتمال امتداد حرب غزة إلى لبنان.

والأكثر إثارةً للدهشة هو موقف زعيم “القوات اللبنانية” الحالي، سمير جعجع، الذي كان ينتقدُ بشكلٍ حاد “حزب الله”. لقد كانت هناك نقطة قبل بضعة أشهر عندما كان جعجع يُدلي بتصريحات شبه يومية ضد الحزب، لكنها صارت خفيفة وأقل حدّة بشكلٍ ملحوظ بعد هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر). الاستثناء كانت مقابلته مع صحيفة “لوريان لو جور” الناطقة بالفرنسية في الأسبوع الماضي.

في المقابلة، بدا جعجع الذي يتّسم بالقوة عادةً مُحبَطًا، قائلًا إنه ليس هناك الكثير الذي يمكن للمعارضة أن تفعله لمنع لبنان من الانزلاق إلى الصراع في غزة إذا قرر “حزب الله” الدخول فيه. وكان جعجع ينتقد بشكلٍ خاص منافسه المسيحي الرئيس، جبران باسيل، الذي كان يجتمع مع القوى السياسية اللبنانية من أجل “حماية لبنان” و”تعزيز الوحدة الوطنية”، كما قال باسيل. ووصف جعجع باسيل بأنه شخصٌ “لا يتمتّع بالمصداقية ولا بأيِّ مبادرة واضحة”.

في حين أن مبادرة باسيل تفتقر بالفعل إلى الوضوح، إلّا أنها تعكس مرة أخرى رغبة شخصيةٍ مسيحية بارزة في العمل كمصالح وطني في ظل حرب محتملة. لماذا هذا الإلحاح بين السياسيين المسيحيين الذين، مهما كانت علاقاتهم مع “حزب الله”، يشتركون في وجهة النظر القائلة بأنَّ لبنان لا ينبغي أن يكون جُزءًا من مخطط “وحدة الساحات”؟

يبدو أن الهدف الأساسي من ذلك هو تجنّب تكرار ما حدث في العام 2006. في ذلك الوقت، واجه “حزب الله” بعد خروجه من الحرب مع إسرائيل مزاجًا لا يمكن التنبؤ به في مجتمعه الشيعي. لقد تم تدمير القرى الشيعية في الجنوب، وكذلك أحياء كبيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت، مقر “حزب الله”. ومن أجل امتصاص السخط، أعاد “حزب الله” توجيه الغضب الشيعي ضد الحكومة ومنافسيه السياسيين المحليين، الذين ينتمي العديد منهم إلى طوائف مختلفة.

خلال الفترة ما بين أواخر العام 2006 وأيار (مايو) 2008، ركّزَ “حزب الله” على تأمين الثلث المعطل في حكومة فؤاد السنيورة – أي ثلث الوزراء زائد واحد. وكان هذا ليسمح له بالسيطرة على أجندة الحكومة التي يهيمن عليها منافسوه، وعرقلة التشريعات التي يعارضها “حزب الله”، ويسمح للحزب عَكسَ ما تمَّ تحقيقه بعد انسحاب سوريا من لبنان في العام 2005، والذي اعتبره “حزب الله” نكسة استراتيجية.

أدّى رفض أغلبية تحالف قوى “14 آذار/مارس” الانضمام إلى ذلك إلى اعتصام المعارضة بقيادة “حزب الله”، الأمر الذي أدى إلى تفاقم التوترات الطائفية. وفي نهاية المطاف، أدى قرار الحكومة في العام 2008 بمنع “حزب الله” من توسيع شبكة اتصالاته الخاصة إلى صراع مسلح قصير وعنيف، ما أشار إلى العودة إلى سنوات الحرب الأهلية، قبل أن يفرض مؤتمر برعاية قطر حلًا وسطًا أدى إلى تهدئة جميع الأطراف.

وفي حالة نشوبِ حرب جديدة وتدمير لبنان، لا تريد أي قوة سياسية في البلاد مُعارِضة ل”حزب الله” أن يؤدي ذلك إلى تجدد الاشتباكات الطائفية. وإذا تم إضعاف “حزب الله” فهذا أفضل، ولكن لا أحد من منتقديه يريد أن يُتَّهَمَ بعدم الولاء، لكي لا يعطي عذرًا للحزب لإعادة توجيه الاستياء الشيعي ضدهم وبعيدًا منه.

في هذا السياق، كانت تغريدة يُمنى الجميل ذات صلة بشكلٍ خاص، إذ أن “حزب الله” كان يُهاجم ويُدين منذ فترة طويلة بشير الجميل باعتباره زعيمًا متحالفًا مع إسرائيل. إن رفضها ضمنيًا لمثل هذا الاتهام من خلال الإشارة إلى أنَّ مجتمعها سيقف مع “حزب الله” ضد إسرائيل كان أمرًا مهمًا، على الرغم من أنه ليس لديها أي منصب سياسي.

لقد أظهر صراع العام 2006 للعديد من اللبنانيين أن آثار الحرب غالبًا ما تكون أكثر خطورة من الحرب نفسها. إن إدراك بعض القادة المسيحيين -بالإضافة إلى السياسيين غير المسيحيين، مثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط- لهذا الأمر، ويمكنهم اتخاذ مواقف تتعارض مع غرائزهم الطبيعية، هو علامة بالتأكيد على إحساسهم بالمصلحة الذاتية، ولكن أيضًا على النضج في مجتمعٍ لبناني مُنقَسِم.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى