رسالة إلى المجتمع الدولي

بقلم غوردون براون*

نكتبُ للدعوة إلى اتخاذِ إجراءاتٍ عاجلةٍ للتصدّي لحالة الطوارئ التعليمية العالمية التي أثارها فيروس كورونا. مع وجود أكثر من مليار طفل خارج المدرسة بسبب الإغلاق، هناك خطرٌ حقيقي وقائم من أن أزمة الصحة العامة ستخلق جيل “كوفيد-19” الذي سيخسر التعليم وتتضرّر فرصه بشكل دائم. في حين أن الأكثر حظاً كانت لديهم إمكانية الوصول إلى البدائل، فقد حُرم أفقر أطفال وأولاد العالم من التعلّم وحُرِموا من الوصول إلى الإنترنت. ومع فقدان الوجبات المدرسية المجانية – التي كانت شريان الحياة لنحو 400 مليون فتى وفتاة – فقد ازداد الجوع.

هناك مصدرُ قلقٍ فوري ونحن نُنهي الإغلاق يتمثّل بمصير ما يُقدَّر بنحو 30 مليون طفل، وفقاً لليونسكو، قد لا يعودون إلى المدرسة أبداً. بالنسبة إلى هؤلاء، الأولاد الأقل حظاً في العالم، غالباً ما يكون التعليم هو السبيل الوحيد للهروب من الفقر – إنه طريقٌ مُعرَّضٌ لخطر الإنغلاق.

العديد من هؤلاء الأولاد هم من الفتيات المُراهقات اللواتي يُعتبَر التحاقهنّ بالمدرسة أفضل دفاعٍ لهنّ ضد الزواج بالإكراه وأفضل أمل لتوسيع الفرص. وكثيرون غيرهن هم أطفال صغار مُعرَّضون لخطر الإجبار على العمل الاستغلالي والخطير. ولأن التعليم مُرتبطٌ بالتقدّم في كل مجال تقريباً من مجالات التنمية البشرية — من بقاء الطفل إلى صحة الأم، والمساواة بين الجنسين، وخلق فرص العمل، والنمو الإقتصادي الشامل — فإن حالة الطوارئ التعليمية ستُقوِّض آفاق تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، ويُحتمل أن تؤدي إلى انتكاسة التقدّم في تحقيق المساواة بين الجنسين لسنوات. وفقاً للبنك الدولي، يُمكن أن تصل التكلفة الإقتصادية طويلة الأجل لفقدان التعليم إلى 10 تريليونات دولار. لا يُمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونسمح لهؤلاء الشباب بأن يُسرَق منهم تعليمهم وفرصة عادلة في الحياة. بدلاً من ذلك، يجب أن نُضاعف جهودنا لإدخال جميع الأطفال والأولاد إلى المدارس – بما في ذلك 260 مليوناً خارج المدرسة أصلاً، و75 مليون طفل تضرّروا من النزاعات التي طال أمدها والتهجير القسري، من بينهم 35 مليون لاجئ أو نازح داخلي.

يجب أن نُوَفِّر لهم المساعدة الشاملة التي يحتاجون إليها، وأن نُتيح للشباب بدء أو استئناف دراستهم في المدرسة، وكذلك التعليم الإضافي والعالي.

هناك تحدّ طويل الأمد. حتى قبل جائحة “كوفيد-19″، واجه العالم أزمة تربية وتعليم. يُعاني أكثر من نصف الأطفال والأولاد في البلدان النامية من “فقر التعلّم”، وحتى في سن الحادية عشرة لا يملكون سوى القليل من مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية أو تكون معدومة. ونتيجة لذلك، يترك 800 مليون من شباب اليوم التعليم من دون أيّ مؤهّلات على الإطلاق.

إذا أردنا تجنّب هذا الوضع، فإن ملايين الأطفال الذين يستعدون الآن للعودة إلى المدرسة، بعدما فقدوا أكثر من نصف عام من التعليم، يحتاجون إلى حكوماتهم للإستثمار في برامج اللحاق بالركب وتقييم التعلّم المناسب. عندما أُعيدَ فَتحُ المدارس بعد زلزال 2005 في باكستان، تعافى الحضور، لكن بعد أربع سنوات فَقَدَ الأطفال ما يعادل 1.5 سنة من الدراسة. هناك حاجة ماسة الآن إلى الموارد لإعادة الشباب إلى التعليم وتمكينهم من اللحاق بالركب. علاوة على ذلك، يجب علينا إعادة البناء بشكل أفضل: المزيد من الدعم للتعلّم والتعليم عبر الإنترنت، والتعلّم المُخَصَّص، وتدريب المعلّمين؛ التحويلات النقدية المشروطة للأسر الفقيرة؛ ومدارس أكثر أماناً تستوفي قواعد التباعد الإجتماعي.

يجب أن يُبني هذا على الجهد المجتمعي الهائل الذي تم عرضه خلال الوباء وتحالف المنظمات العالمية التي انضمت الآن إلى مبادرة “إنقاذ مستقبلنا” (Save our Future)، التي تم إطلاقها في 4 آب (أغسطس). ومع ذلك، في الوقت عينه، نحتاج إلى موارد إضافية، فتمويل التعليم في خطر على ثلاث جبهات:

  • نظراً إلى أن النمو البطيء أو السلبي يُقوِّض الإيرادات الضريبية، فستكون هناك أموالٌ أقلّ مُتاحة في كل بلدٍ تقريباً للخدمات العامة، بما فيها التعليم.
  • عند تخصيص أموال محدودة، قد يترك بعض الحكومات التعليم مُزدحماً، مُعانياً من نقص التمويل لأنها تعطي الأولوية للإنفاق على الصحة والإنتعاش الإقتصادي.
  • سوف يؤدي تكثيف الضغوط المالية في البلدان المتقدمة إلى تخفيضات في مساعدات التنمية الدولية، بما في ذلك المساعدات المُقدَّمة للتعليم، والذي فَقَدَ بالفعل أهميته لأولويات أخرى في تخصيص المساعدات الثنائية والُمتعدِّدة الأطراف.

وهناك أيضاً خطر أن يقوم المانحون متعددو الأطراف، الذين يُعانون بالفعل من نقصٍ في الإستثمار في التعليم، بإعادة تخصيص الأموال.

يُقدّر البنك الدولي الآن أنه خلال العام المقبل، يُمكن أن يقل الإنفاق العام على التعليم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بما يتراوح بين 100 و150 مليار دولار عما كان مُخطَّطاً له سابقاً، ولن تَحلّ أزمة التمويل نفسها بنفسها. على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية وجميع البلدان الإعتراف بحجم الأزمة، ودعم المبادرات لتمكين اللحاق بالركب واستئناف التقدم نحو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة. أولاً، يجب على كل دولة أن تتعهّد بحماية الإنفاق على التعليم في الخطوط الأمامية، مع إعطاء الأولوية لاحتياجات الأطفال والأولاد الأكثر حرماناً من خلال التحويلات النقدية المشروطة وغير المشروطة لتعزيز المشاركة في المدارس، حيثما أمكن ذلك.

ثانياً، يجب على المجتمع الدولي زيادة مساعداته للتعليم، مع التركيز على الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الفقراء والفتيات والفتيان في مناطق الصراع والمُعوّقين. أسرع طريقة لتحرير الموارد للتعليم تكون من خلال الإعفاء من الديون. ويتعيّن على أفقر 76 دولة أن تدفع 86 مليار دولار من تكاليف خدمة الديون على مدى العامين المقبلين. لذا، ندعو إلى تعليق هذه الديون، مع اشتراط إعادة تخصيص الأموال لخدمة الديون للتعليم والإستثمارات الأخرى ذات الأولوية للأطفال والأولاد.

ثالثاً، يجب على صندوق النقد الدولي إصدار 1.2 تريليون دولار في شكل حقوق سحب خاصة (أصوله الإحتياطية العالمية) ويجب أن يوافق أعضاؤه على توجيه هذه الموارد نحو البلدان التي هي في أمس الحاجة إليها، وإنشاء منصّة للتعافي.

ورابعاً، يتعيّن على البنك الدولي إطلاق المزيد من الدعم للبلدان منخفضة الدخل من خلال موازنة تكميلية لمؤسسة التنمية الدولية، و – على غرار المملكة المتحدة وهولندا، اللتين تعهدتا الآن بتقديم 650 مليون دولار للهيئة الجديدة ل”تسهيل التمويل الدولي للتعليم” (International Finance Facility for Education) للمساعدة على تحرير المليارات من التمويل الإضافي للتعليم في البلدان ذات الدخل المتوسط -الأدنى – دعوة ضمانات ومنح إضافية من المانحين.

هذا بالإضافة إلى تجديد الموارد على مدى العامين المقبلين للشراكة العالمية من أجل التعليم، وزيادة الإستثمار في “التعليم لا يمكن أن ينتظر” (Education Cannot Wait)، والدعم المستمر لوكالات الأمم المتحدة التي تُركّز على التعليم والأطفال (بقيادة اليونسكو واليونيسيف).

كما ندعو شركات ومؤسسات القطاع الخاص إلى إعطاء دعم التعليم العالمي أولوية أكبر حيث لا يمكن بناء التنمية البشرية المستدامة إلا على أساس التعليم الجيد. في حين أن التحديات بالغة الخطورة، فإن تأثير الأزمة في الأطفال والأولاد جعلنا أكثر تصميماً على تحقيق الطموح الوارد في الهدف الرابع من أهداف التنمية المُستدامة، وهو أن يكون جيلنا هو الجيل الأول في التاريخ الذي يلتحق فيه كل طفل بالمدرسة، وتُتاح لهم الفرصة لتطوير مهاراتهم على أكمل وجه.

لقد حان الوقت الآن لكي تتحد الحكومات الوطنية والمجتمع الدولي لمنح الأطفال والشباب الفرص التي يستحقونها والتي يحق لهم الحصول عليها.

  • غوردون براون هو رئيس الوزراء السابق ووزير المالية الأسبق في المملكة المتحدة، هو المبعوث الخاص للأمم المتحدة للتعليم العالمي ورئيس اللجنة الدولية لتمويل فرص التعليم العالمي. ويرأس أيضاً المجلس الاستشاري لمؤسسة “كاتاليست”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OfficeGSBrown
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرَّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى