كأنَّهُ فرانكو

راشد فايد*

التفت الديكتاتور الإسباني الجنرال فرانشِسكو فرانكو، وهو على فراش الموت، إلى طبيبه سائلًا عن سبب الضجيج الذي يتناهى إلى سمعه من باحة قصره، فأجابه أن الحشد جاء ليودّعه، فكان سؤال فرانكو: “… وإلى أين هم ذاهبون؟”.

وفرانكو، لمن يجهله، هو جنرال وديكتاتور إسباني كان أحد قادة انقلاب سنة 1936 للإطاحة بالجمهورية الإسبانية الثانية التي أدّت إلى الحرب الأهلية الإسبانية. وبعد ذلك حكم إسبانيا حكما ديكتاتوريًا بدءًا من 1939 إلى 1975، مُلَقِّبًا نفسه بالكوديو أو الزعيم.

ذكّرني بهذه الواقعة الشهيرة، مغادرة جنرالنا الأشهر مقر الرئاسة، وما قام به، أو تحدث فيه، قبيل توجهه إلى الرابية، وفيها بيته الجديد، ذو الـ 6 ملايين دولار (سبحان العاطي،على قول جدّتي) وبدا في الحالين، كما حصان عنترة بن شداد في معلّقته الشهيرة بأنه “مُكِرٍّ مفرِّ، مٌقبل مدبرٍ معاً”، إذ حيّر الناس في أقواله وأفعاله، وظنوا أنه يخلط بين خروجه من بعبدا اليوم، وبين دخوله قصرها قبل 6 سنوات، فوعدهم اليوم بما كان عليه أن يُحقّقه أمس، وتعهّد صهره “الداماد” بأن الحرب على الفساد ستبدأ اليوم بعدما ترك عمه السلطة، كأنما يعلن بذلك استقالته من تحالف له مع الفاسدين، لم يبرّئه الناس منه يومًا. وإلّا لماذا سيحاربهم وهو ليس في الحكم، ولم يحاربهم يوم كان في السلطة؟ والذين “ما خلّونا” بالأمس وهو في موقع القوة الشرعية، لِمَ “سيخلّونه” وهو في المعارضة.

العنوان الفعلي لليوم الأخير من زمن “العهد القوي” المزعوم، وفي اعتداء واضح على الدستور، هو زرع بذور الفتنة لتنبت في ظل فراغ مطلق في السلطة التنفيذية، وفق وهْم صاحبه، وتقلباته، كما حاله تجاه القضاء، وقد أوهنه، والأزمة المالية، وقد مدد لحاكم المصرف المركزي قبل أن ينقلب عليه ويلعنه، وهدد انتظام عمل السلطة بتعيينات لم تنفذ، وأهدر ما سمّاه حقوق المسيحيين، بتحويلها حقوقًا مزعومة للعونيين.

ثالثة الأثافي، على قول الأدب العربي، أنه، في يومه الأخير رئيسًا، وقّع مرسوم قبول استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تُعتَبَرُ مُستقيلة، حُكمًا، منذ إعلان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، أي قبل نحو 5 أشهر، وجرت العادة الدستورية أن يرفق مرسوم قبول استقالة الحكومة، بمرسوم تكليف مرشح لتشكيل بديل، وآخر بتعيين وزراء الحكومة الجديدة لتجنب الفراغ في السلطة التنفيذية.

ما فعله رئيس الجمهورية السابق هو سعي إلى إدخال البلاد في الفراغ الدستوري، مع ان اليمين الذي أقسمه، كما كل منتَخَب  لرئاسة الجمهورية أساسه التعهّد بالحفاظ على الدستور. لكن، وبفضل الرئيس الـ 13، لا يعود عندنا، دستوريًا، لا رئيس للجمهورية ولا حكومة، اي لا سلطة تنفيذية، وفي ذلك إخلال واضح بالدستور.

ما حصل انتهاك له وللعرف الدستوري معًا، والرئيس الذي وعد اللبنانيين بجهنّم، وأدخلَ البلاد في الفراغ الدستوري وفي الفوضى، فتح عليهم نافذة “ومن بعدي الطوفان”، مُصدِّقًا قول مثل صيني “لا تترك الحياة من دون أن تترك أثرًا، فإن لم يكن ايجابيًا، فليكن سلبيًا. المهم أن تترك أثرًا”. وهو لم يقصر في النكد السياسي، حتى اللحظة الأخيرة من عهده، وفي ربع الساعة الأخير منه.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى