البنك الدولي: إنهيار قطاع الكهرباء في لبنان سببه طائفي

حدّد التقرير الأخير للبنك الدولي بعنوان “الحد من الفقر والمساواة في الرفاهيّة”، المعوّقات والقيود الأساسية التي تحول دون تحقيق زيادة في معدلات النمو في لبنان، وكان البارز فيه الفقرات المتعلقة بقطاع الكهرباء، التي وضعت الإصبع على الجرح النازف قبل أعوام عدة. إذ فاحت من التقرير رائحة الطائفية كأحد اسباب إنهيار قطاع الكهرباء، وهي رائحة كريهة تزكم الأنوف تفوق رائحة النفايات التي تملأ شوارعنا هذه الايام. فقد عزا التقرير رداءة نوعية الخدمة المقدمة في قطاع الكهرباء إلى الفساد وسوء الإدارة، والنظام الطائفي حيث تعمل كوادر الهياكل الأساسية الداعمة تحت حماية زعماء طوائفها، معتبراً أن السبب الأهم لإنهيار الكهرباء هو الانقسامات السياسية والطائفية التي تحول دون تحقيق الإصلاحات التي ما زالت موضوعة على الطاولة لأكثر من 30 سنة. وقد أدى ذلك إلى إستمرار المؤسسة في أدائها الضعيف.
وإعتبر التقرير أن إنقطاع الكهرباء هو المثال الصارخ لقطاع ضعيف الأداء، يؤثر سلباً على وضع الإقتصاد الكلي والنمو الإقتصادي، بدليل أن التحويلات المالية إلى مؤسسة الكهرباء، تسبّب بنحو 40 في المئة من الدين العام للبلاد. وفيما إعتبر أن الكهرباء هي المعوّق المقيّد الرئيسي أمام قدرة لبنان التنافسية وسهولة ممارسة الأعمال التجارية فيه. وإستند الى مؤشر القدرة التنافسية العالمي في المنتدى الإقتصادي العالمي للعام 2014/2015، الذي أشار الى أن لبنان يحتل مرتبة ثاني أسوأ بلد في العالم حيال نوعية إمداد الكهرباء. وعلى نحو مماثل، تشير 55,1 في المئة من الشركات اللبنانية إلى الكهرباء بإعتبارها عائقاً رئيسياً أمام عملياتها التجارية وقدرتها التنافسية، وذلك وفقاً للدراسة الإستقصائية للمشاريع التي أجراها البنك الدولي في 2013/2014.
تبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 143,1 في المئة، ويمكن أن يُعزى نحو 40 في المئة من إجمالي الدين العام إلى مؤسسة الكهرباء، علماً انه قد تكون نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 87,8 في المئة بدل 143,1 في المئة، لو لم تحقق المؤسسة خسائر جمّة.
ووفق التقرير، بلغ متوسط التحويلات إلى مؤسسة الكهرباء 2,3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي من 1992 حتى 2013. ومع ذلك، إرتفعت هذه التكاليف بإطراد مع مرور الوقت. ونتيجة لذلك، وصل متوسط التحويلات إلى المؤسسة الى ما يوازي 4,4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة، خلال الفترة الممتدة بين 2006 و2013، بما يمثل 55 في المئة من العجز المالي في البلاد.
وفي إشارته الى المعوّقات التي واجهت مقدّمي الخدمات، لفت التقرير الى أنه عندما حاولت مؤسسة الكهرباء في العام 2012 الإستعانة بمصادر خارجية من أجل خدمات التوزيع بالتجزئة إلى مقدمي الخدمات الخاصة، إصطدمت بمقاومة قوية، بل عنيفة، في بعض الأحيان من القوى العاملة المنقسمة فئوياً. وتالياً، شكّلت الانقسامات داخل هذه القوى نتيجةً مباشرةً للنهج الطائفي اللبناني المتّبع في الحكم والوظائف العامة، وسلّطت الضوء على القيود في عملية صنع القرار لإدارة رشيدة ضمن نظام طائفي.
وتطرق الى الكلفة التي يتكبدها اللبنانيون من جراء الاستعانة بالمولّدات الكهربائية، إذ قدر “انفاقهم على خدمات المولدات الخاصة نحو مليار وسبعمئة مليون دولار (أو 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي).
لقد عمّق فشل قطاع الكهرباء عدم المساواة في البلاد (البنك الدولي، 2009). إذ ينشأ الحرمان والتفاوت من أسباب مختلفة: يجري دعم المستهلكين الذين لا يدفعون فواتير الكهرباء، على نحو متساو مع المكلّفين بالضرائب وزبائن المؤسسة الذين يدفعون فواتيرهم، ويتكبّد المستهلكون الذين يعانون من إنقطاع الكهرباء كلفة عالية للبدائل (على سبيل المثال، مولّد كهربائي خاص للأغنياء، والشموع للمستهلكين الأقل يسراً)، كذلك فان تقنين الكهرباء مجحف للغاية ويعمل لمصلحة الأغنياء. فالمناطق الفقيرة تنقطع فيها الكهرباء من 12 إلى 13 ساعة في اليوم، بينما تخضع المناطق الغنية مثل بيروت إلى 3 ساعات فقط من إنقطاع الكهرباء في اليوم. وعلى رغم هذا المعوّق الرئيسي في الحياة اليومية والمعيشية، تفضّل الحكومة بذل جهودها لتحقيق تعادل الفوائد التي تتلقاها كل طائفة، بدل تقديم خدمات تقوم على الحاجات أو تصبّ في مصلحة الفقراء. لقد تم تحديد 7 مواقع إنتاج للطاقة الحرارية في مطلع التسعينات لقطاع الكهرباء، ليس بسبب مقتضيات الطلب، ولكن لأن كل طائفة أو مجتمع يصرّ على وجود محطة للطاقة خاصة به”.
وبرأي واضعي التقرير، ان الخسائر المالية التي تواجهها مؤسسة الكهرباء ومصادرها وكيفية التصدي لها معروفة منذ فترة طويلة، وقد أشار اليها البنك الدولي في العام 1983، ولكنّ صانعي القرار لم يتناولوها حتى الآن على رغم مضيّ ثلاثة عقود. وقد بدأت الخسائر المالية لمؤسسة الكهرباء بالتزايد في العام 1981 بسبب “سرقة الكهرباء من المؤسسة من خلال التوصيلات غير المشروعة وعدم فوترة بعض المستهلكين، بما يعني أنه مع خسائر خط الكهرباء العادي بنحو 12 في المئة، كان نحو 54 في المئة من الطاقة التي تولّدها وتشتريها مؤسسة الكهرباء تُفوتر إلى المستهلكين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى