عرفان نظام الدين يتذكر نزار قباني في كتاب

صدر عن دار الساقي أخيراً الطبعة الثانية من كتاب “آخر كلمات نزار” الذي كتبه الكاتب والصحافي المعروف عرفان نظام الدين، بعدما كانت طبعته الأولى صدرت في العام 1999.

لندن – هيكل شريف

الذين يعرفون الكاتب والصحافي عرفان نظام الدين لم يفاجَأوا بما كشفه عن حياة الشاعر الكبير نزار قباني في طبعة كتابه الثانية “آخر ذكريات نزار”، الصادر عن “دار الساقي”، ذلك أنه عرفه عن كثب وعايشه في مراحل حياته المختلفة وخصوصاً في لندن، حيث كان يعيش “شاعر المرأة”، ولا سيما في الفترة التي صارت فيها تجربته الحياتية والشعرية في قمة عطائها.
إيماناً منه بأن بين حياة الشاعر وشعره أخبار وأسرار، ولا يتكامل حضوره في نفوس محبيه إلا إذا ألمّوا بالكثير مما في مرايا هذه الحياة من صور، يعيدنا نظام الدين في طبعة كتابه الثانية إلى عالم نزار قباني ليرينا حقيقته، ويرسم صورة بانورامية للشاعر السوري العربي.
كتب الكاتب مقدمة خاصة بالطبعة الثانية يتناول فيها التغيرات الكبرى التي طرأت على عالمنا العربي منذ رحيل قباني في نيسان (ابريل) 1998 حتى اللحظة، فيخاطبه مستوحياً الكلام من مطلع قصيدة له: “ماذا أقول له لو جاء يسألني؟”. راح الكاتب يُجيب عن أسئلة عن أشخاص وأشياء تهمّ الشاعر، لكنها كانت في مجملها قاسية وجارحة. أخبره عن تقاتل العرب وجرح الشام ورحيل إبنته الكبرى هدباء وتوأم روحه وشقيقه صباح وأصدقاء له مثل غازي القصيبي ومحمود درويش وعبدالله الجفري الذي سبق أن أهدى نزار كتاباً بعنوان “آخر سيوف الأمويين الذهبية”. ومما جاء في المقدمة: “نعم يا صديقي نزار: ماذا أقول لك؟ وكيف أفسّر لك حقيقة ما جرى، منذ رحيلك، لأمة العرب التي أحببتها وبادلتك الحبّ والوفاء؟ وكيف سأصف لك شلالات الدم التي تنزف من جسدها بدلاً من شلالات الحبّ والجمال التي تغنيت بها في قصائدك، أنت الذي شكوت مرّات ومرّات من أنك متعب بعروبتك وتساءلت: أشكو العروبة أم أشكو لكِ العربا؟”… أم أخبرك عن شامك حبيبتك، بل حبيبتنا جميعاً، التي تبكي اليوم دماً وتشرب من سعير العنف والقصف والقتل والتدمير، بعدما كنا نفتخر بها مدينة للسلام والمحبة والتعايش والسكينة المقدسة…”.
ولكن من بين التفاصيل المفرحة تهيئة صديقتهما المشتركة الكاتبة غادة السمان لكتاب جديد يتضمن رسائل نزار، هي التي عرفته وصادقته وكانت لها صلة قرابة مع الشاعر الراحل. وقدّمت السمان شهادة عن الكتاب بعنوان “عرفان كشف عن وجه حميم للشاعر”، ومما جاء فيها: “في هذا الكتاب لا نلتقي فقط نزار قباني الذي رحل قبل أكثر من عقد ونصف العقد، بل وأيضا الإعلامي عرفان نظام الدين. ونُبحر هذه المرة مع عطائه في فنّ “رواية السيرة الذاتية” في قالب التكريم”…
كما يروي الكاتب قصة كتابه التي تعرّف بجهده خير تعريف، ومما قال فيها: “كنا مجموعة من الأصدقاء نتحدث عن الشاعر الراحل الكبير الأستاذ نزار قباني وحب الجماهير العربية له والأثر الخالد الذي تركه للأجيال في الشعر والأدب والجماليات والأسلوب والتعامل الإنساني والأخلاق والتمسّك بالقيم والصراحة والموضوعية وفن الحوار، السؤال الذي حيّرنا جميعاً هو: كيف يمكن ان نكرّم هذا الإنسان الرائع ونحيي ذكراه ونحافظ على تراثه، ولا سيما أن الذكرى السنوية الأولى لوفاته 30 أبريل 1998 صارت قاب قوسين وأدنى منا، وكان الحوار في مطلع العام الجديد 1999. والتفت إليّ الأصدقاء وكأنهم قرروا اصطيادي، وقالوا لي بعد ان اتفقوا من قبل على رأي واحد: لماذا لا تكتب أنت عن نزار، الوجه الآخر، وخصوصاً أنك كنت قريباً منه، ولا سيما في الآونة الأخيرة وخلال فترة مرضه.
قلت، إن الكتابة عن أخي الكبير وشاعر العصر تشرفني، بل أنا كتبت عشرات المقالات عن جوانب مختلفة من إبداعاته ونبع عطائه الذي لم ينقطع إلا بعد ان تمكن منه المرض بعد ان صمد شاعرنا الراحل سنوات طويلة في صراع مرير معه إلى أن صرعه في ذلك اليوم الحزين الذي بكت فيه العصافير والأشجار والجماهير العربية من المحيط إلى الخليج وفي ديار المهاجر والاغتراب.
وأضفت: إن عندي أفكاراً تتصارع في رأسي وفكري وذكرياتي تصبّ كلها في مشروع كتاب واحد يرسم صورة بانورامية لنزار قباني من خلال معرفتي به وما سمعته وما رأيته، وفي ضوء تجربتي المتواضعة مظللة بمحلتي واحترامي له واعجابي بشعره وأسلوبه وأخلاقياته، فقد كان لي بمثابة الأب الروحي العطوف والأخ الحنون والصديق الوفيّ والحكيم الناصح والموجّه بأدب ودماثة خلق وموضوعية وصدق، وفكرت في أن يكون عنوان الكتاب آخر أيام نزار أو ذكريات مع نزار قباني أو شاعر العصر، الوجه الآخر… أو… آخر كلمات نزار قباني – ذكريات مع شاعر العصر… وقبل أن أكمل، هتف الأصدقاء: هذا هو العنوان: آخر كلمات نزار قباني… “فاعقلها وتوكل”، واعتزل الناس لتفرغ ما في جعبتك من ذكريات وتسجّل ما شهدت وما سمعت منه… وعنه بأمانة وصدق وتفصيل”.
يحتوي الكتاب على صور جمعت بين الكاتب والشاعر الراحل في منزله اللندني في “سلون ستريت”، ورسائل متبادلة بينهما تكشف عن الوجه الآخر لشاعر المرأة والحبّ والحرية نزار قباني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى