في مصر … حاميها حراميها؟

يشكل الفساد آفة كبيرة وخطيرة في بلدان العالم الثالث، ومصر ليست إستثناء. وقد أمل الكثيرون منذ قدوم العسكر إلى الحكم بأن يقوم الرئيس عبد الفتاح السيسي بخطوات جدية لمكافحة هذا الخطر الذي يهدد مسيرة الدولة وإقتصادها.. فهل إستطاع أن يفعل شيئاً في هذا المجال؟

الرئيس المخلوع حسني مبارك: الفساد إستشرى بقوة في أيامه
الرئيس المخلوع حسني مبارك: الفساد إستشرى بقوة في أيامه

القاهرة – هدى أحمد

الزمان: 9 كانون الأول (ديسمبر) 2014؛
المكان: مقر إحدى أقوى هيئات مكافحة الفساد في القاهرة، هيئة الرقابة الإدارية؛
جمع رئيس الوزراء إبراهيم محلب المسؤولين في الدولة لتدشين إستراتيجية مصر الوطنية لمكافحة الفساد على مدى السنوات الأربع المقبلة. كان التوقيت واعداً ومبشِّراً؛ لقد كان اليوم الدولي لمكافحة الفساد.
إلتقى المسؤولون في قاعة كبيرة بيضاء مليئة بكراسٍ زرقاء فاتحة. كان وزير الداخلية محمد إبراهيم (الذي أُقيل بعدها من منصبه) هناك، جنباً إلى جنب مع رئيس هيئة مكافحة الفساد اللواء محمد عمرو هيبة (الذي توفي في أواخر الشهر الفائت)، ومستشار وزير العدل عزت خميس، وخالد سعيد، رئيس الأمانة الفنية للهيئة التي تُعرَف الآن بإسم اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد.
كان الطقس في ذلك اليوم جيداً حيث تسلل بعضٌ من أشعة الشمس عبر النوافذ إلى جدران القاعة البيضاء مما ولّد جوّاً تفاؤلياً بين الحضور. لقد شكل الإجتماع مناسبة لكي يتفاخر محلب بنجاح الرئيس عبد الفتاح السيسي في مكافحة الفساد في البلاد ورفع مصر 20 مرتبة على أحدث مؤشر للفساد العالمي السنوي الذي يصدر عن منظمة الشفافية الدولية — من المرتبة 114 إلى المرتبة 94 بين أكثر من 170 بلداً. وعلى ما يبدو، كان للأمر شأن عائلي أيضاً. أحد أبناء السيسي، مصطفى، هو ضابط في هيئة مكافحة الفساد وواحد من طاقم تنظيف الكسب غير المشروع. في نيسان (إبريل) الفائت، زعم أنه ساعد جهاز أمن الدولة على رفع قضية ضد سبعة متعاقدين مع الحكومة ومسؤولين في الدولة الذين إتُّهِموا بطلب ودفع رشاوى بلغت 170 ألف دولار للهيئة التنفيذية لمياه الشرب والصرف الصحي في محافظة البحر الأحمر.
ولكن التحقيق الذي قمنا به على مدى عام كامل والذي إعتمد على وثائق مُسَرَّبة وحسابات ومعلومات داخلية كَشَف عن عدد كبير من الممارسات الفاسدة والفشل الذريع للحد من الفساد من قبل هذه الجماعات ذاتها التي تزعم أنها تكافحه. منذ البداية، خبّأ مسؤولون مصريون 9.4 مليارات دولار على الأقل من أموال الدولة في آلاف الحسابات غير المُدقَّقة في البنك المركزي المصري، وكذلك في البنوك التجارية المملوكة للدولة، وأنفقوها في نهاية السنة المالية 2012- 2013. وتُعرَف هذه الحسابات ب”الصناديق الخاصة”، حيث يتم تشغيل العديد منها من قبل هيئات رسمية مثل وزارة الداخلية وهيئة مكافحة الفساد.
منذ أن أطاح الجيش المصري الرئيس السابق محمد مرسي في العام 2013 وتسلّم السلطة في الوقت الذي إنتهت السنة المالية في ذلك العام، يزعم بعض المتابعين بأن جزءاً من المساعدات الخليجية التي تدفقت إلى البلاد قد وُضِع في حسابات صندوق خاص يديره الجيش. الواقع أنه في وقت سابق من هذا العام، بثت قناة “مكملين” في إسطنبول سلسلة من تسجيلات صوتية مُسَرَّبة للرئيس السيسي ومدير مكتبه اللواء عباس كامل على ما يبدو تناقش تحريك 30 مليار دولار من المساعدات الخليجية إلى حسابات يديرها الجيش. كما أن محادثات مسجّلة مُسرَّبة أخرى بين كامل والسيسي وبعض الشخصيات الخليجية كشفت عن خطط للحصول على مساعدات من بعض دول الخليج على أن يتم تحويلها إلى أرقام مختلفة خاصة بمسؤولين في الجيش من خلال حسابات مصرفية تديرها حركة “تمرد” الناشطة، التي ساعدت على قيادة الإحتجاجات ضد مرسي في حزيران (يونيو) 2013.
من ناحية أخرى، يبدو أن حسابات الصناديق الخاصة هذه أيضاً كانت ترتبط برئيس هيئة مكافحة الفساد في عهد الرئيس حسني مبارك، اللواء محمد فريد التهامي، وهو الرجل الذي يعتبره كثيرون بأنه “ملهم” ومرشد السيسي. (إلتقى الرجلان أولاً عندما كان التهامي مدير وحدة الإستطلاع في مديرية الإستخبارات في الجيش). خلال السنة المالية 2010 -2011، بلغت حسابات هذه الصناديق الخاصة حوالي 900 مليون دولار، وبعضها كان يُستخدَم من قبل هيئة مكافحة الفساد، على الرغم من أنه ليس واضحاً كم كان حجم المال المُستخدَم. وكان ذلك أيضاً في العام الذي أطيح خلاله حسني مبارك. لذا بعد فترة وجيزة على تسلمه السلطة، أقال الرئيس محمد مرسي اللواء التهامي من هيئة مكافحة الفساد على أثر مزاعم عامة أعلنها محقق مقرّب من جماعة “الإخوان المسلمين” بأن التهامي أزال ودمّر أدلة إتهام لحماية أفراد نظام مبارك. وقد وُجِّهت إلى التهامي تهمٌ جنائية مثل إخفاء الأدلة التي تورّط رجال أعمال مرتبطين بكبار الضباط في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذين كانوا يقومون ببيع الوقود المدعوم بشكل غير قانوني وإستخدام أموال موازنة هيئة مكافحة الفساد لشراء الهدايا لرئيس المجلس العسكري في حينه، المشير محمد حسين طنطاوي. ولكن عندما تولى السيسي السلطة، إختفت القضية في ظروف غامضة وعُيِّن التهامي (تقاعد أخيراً) مديراً مسؤولاً لقيادة هيئة المخابرات العامة التابعة للجيش، أو المخابرات، التي ترفع تقاريرها مباشرة إلى مكتب رئيس الجمهورية.
ولكن، ما هو السبب في أن الكسب غير المشروع لا يزال منتشراً جداً، على الرغم من وجود عدد كبير من وكالات حكومية معيّنة لمحاربته؟
الجواب هو أن هذه الوكالات ليست مسؤولة أمام أي شخص ولا تتعرّض للمساءلة من أحد. في الوقت الراهن، تُشرف على إستراتيجية مكافحة الفساد في مصر تلك الهيئات التي تمثّلت في إجتماع كانون الأول (ديسمبر)، جنباً إلى جنب مع مجموعة من الآخرين بما في ذلك المخابرات، على أساس تنفيذ سلسلة من المعايير، وهي عملية بدأت في العام الماضي، ومن المتوقع أن تنتهي بحلول العام 2018. وتشمل هذه المعايير تدابير تدل ظاهرياُ على نوايا حسنة مثل “إنشاء محاكم خاصة لمعالجة قضايا الفساد خلال 2015 – 2016″، و”تمرير قانون مجتمع مدني جديد”، و”خلق وسائل مسؤولة لتبادل المعلومات بين المجتمع المدني وأعضاء السلك البيروقراطي وهيئات مكافحة الفساد” (بطريقة “لا تضرّ الأمن القومي”).
ومن المتوقع أن يُقاس التقدّم بمؤشرات أداء عدة. والأكثر شيوعاً بينها هي صياغة “تقارير” غامضة، “مع إحاطة وعلم” هيئة التنسيق الوطنية لمكافحة الفساد. وليس من الواضح ما هو الجسم الرسمي الذي سيقوم بصياغة التقارير أو ما إذا كانت المهمة ستقع تحت إشراف لجنة التنسيق الوطنية، وهي الهيئة الرئيسية المُكلّفة بتنفيذ ورصد هذه الإستراتيجية الجديدة لمكافحة الفساد.
وتضم لجنة التنسيق الوطني ممثلين عن عدد من الهيئات المشكوك فيها، مثل وزارات لم يتم إصلاحها وجماعات مكافحة الفساد المصرية مثل هيئة مكافحة الفساد، ووحدة مكافحة غسل الأموال، والنيابة العامة، ووزارة الداخلية، والمخابرات، ووزارة العدل. والعديد من هذه الهيئات إما أنه قد تورّط في أعمال فساد، أو جرى التحقيق عن نشاطه من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو هيئة رسمية للتدقيق ومكافحة الفساد برئاسة هشام جنينة، وهو بالتالي، من بين اللاعبين الأكثر إهتماماً في تعطيل وتدمير هيئة مكافحة الفساد. (تتمتع وزارة الداخلية بسمعة سيئة جراء سلسلة من إنتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك مجزرة رابعة العدوية ضد أنصار جماعة “الإخوان المسلمين” بعد الإنقلاب العسكري المناهض للاسلاميين في مصر، والتي زعم بعضهم أن المخابرات المصرية في عهد التهامي قد ساعدت في تخطيطها وتنظيمها). ويزعم بعض المعارضين بأنه من الممكن أن هذه الجماعات الفاسدة بدأت تحويل لجنة التنسيق الوطنية إلى مكان لإجراء الصفقات السرية.
ونتيجة لذلك، نظراً إلى أن كلاً من الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة مكافحة الفساد ممثلان في لجنة التنسيق الوطنية، فإن تحقيقات الجهاز المركزي للمحاسبات وضعته على خلاف وتوتر مع عدد من الهيئات الأخرى. على وجه الخصوص، خلال العام الفائت، هاجم جنينة بعض المسؤولين في وزارة الداخلية، متهماً علناً مسؤولين فيها بشفط أموال الدولة وتحويلها إلى حسابات مصرفية خاصة. وقد أشار أيضاً بأصابع الإتهام إلى أفراد من النيابة العامة وهيئة مكافحة الفساد لتورطهم في شراء أراضي الدولة بأسعار مقيَّمة بأقل من قيمتها، والعمل بنشاط على تخريب قضاياه لمحاربة الفساد من طريق المماطلة بتقديم الملفات التي ينبغي على هيئة مكافحة الفساد إرسالها إلى المحاكم. وقد إستهدف جنينة أيضاً أعضاء بارزين في السلطة القضائية. وشمل إستهدافه وزير العدل المعيَّن حديثاً أحمد الزند ورفاقه الذين إنتقدوه بشدة وردوا بقسوة على جنينة—حيث رفعوا دعوى ضده يطالبون فيها بعزله ل”إهانته” أعضاء في السلطة القضائية. ويتم النظر في القضية من قبل مكتب المدعي العام، الذي هو مقرَّب من الشرطة والجيش والقضاء برئاسة الزند. ويبدو من المرجح بشكل متزايد أن يعمد القضاء إلى منع وعرقلة أي جهود قضائية أمام النيابة العامة يتقدّم بها جنينة.
قد يبدو أن جنينة هو سمكة وحيدة في مياه تنتشر فيها التماسيح، لكنه محمي بشكل جزئي من خلال دعمه المطلق للسيسي وللنظام العسكري الحالي في مصر. في ظهوره الإعلامي الوحيد، إدّعى جنينة أن السيسي قد منحه شخصياً الضوء الأخضر للقضاء على الفساد في مؤسسات الدولة بما فيها وزارة الداخلية. وقد زعم في كثير من الأحيان أن كلاً من الجيش المصري ومكتب الرئاسة خاليان من الفساد، وأن المؤسستين لم تخفيا أي معلومات عن فريقه الذي دقق في حساباتهما ولم يجد أي شيء لديهما.
حتى الآن، ما زال ولاء جنينة يؤتي ثماره. في الشهر الفائت، حكم القضاء على مضيف تلفزيون بارز بالسجن مدة ستة أشهر لتهم من بينها إهانة جنينة على الهواء وإتهامه بأنه عضو في جماعة “الإخوان المسلمين” المحظورة الآن. ثم في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، قدم جنينة مذكرة إلى كل من محلب والسيسي يتهم فيها الشرطة بالسطو على غرفة كان فريقه يستخدمها في أثناء تحقيقه بقضايا تخص وزارة الداخلية. وقيل أن رجال الشرطة قد سرقوا سجلات التحقيق وأجهزة الكومبيوتر المحمولة. ومع ذلك، يعمل جنينة الآن مع وزارة الداخلية في هيئة التنسيق الوطنية لمكافحة الفساد.
إن دعم السيسي والقوات المسلحة لجنينة هو علامة واحدة فقط على مهمة تسلل محتملة مقبلة، وهي أن قوات الاستخبارات والأمن في مصر يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في الفساد. بعد كل شيء، ظهر سيناريو مماثل في الجزائر. قبل الحرب الأهلية الدامية في تلك البلاد في تسعينات القرن الفائت، ركّزت أجهزة مخابراتها، مديرية الإستخبارات والأمن الجزائرية، بشكل كبير على المسائل الأمنية ومكافحة الإرهاب. بعد ذلك، تمّ منحها السلطات للتحقيق في الفساد الداخلي في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الوزارات والشركات المملوكة للدولة، حيث أصبحت متشابكة بشكل وثيق مع شبكة المقرّرين الرئيسيين في الجزائر، وسماسرة السلطة وصناع القرار في الحكم.
منذ الحرب الأهلية الجزائرية، قاد مديرية الإستخبارات والأمن ضابط متدرّب على أيدي المخابرات العسكرية السوفياتية ال”كي جي بي” الجنرال محمد مدين المعروف ب”توفيق” الذي يُعتقَد الآن أنه شارك في الصراع على السلطة ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. منذ ذلك الحين وضع مدين عينه تقريباً على كل عمليات الدولة، وغالباً ما إستخدم تسريب أدلة للإبتزاز، وعلناً للإذلال، أو القضاء على منافسيه – العديد من وسائل الإعلام المصرية، الذي تربط بعضه علاقات وثيقة مع العسكر، قد فعل الأمر عينه. إن “مؤسسات الدولة هي المعارضة الأقوى والأكثر خطورة على السيسي”، كتب إبراهيم عيسى في صحيفة “المقال” في الشهر الفائت، وهو إعلامي معروف بإرتباطه الوثيق بالقوات المسلحة.
إن تفاصيل إستراتيجية مكافحة الفساد التي صدرت أخيراً في 32 صفحة هي بحد ذاتها مُربكة وغامضة بشكل كبير. فهي لا تحدّد أو ترسم الدور أو التأثير اللذين يجب على كل عضو من أعضاء اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد أن يضطلع بهما. كما أن الصفحات الست الأخيرة، التي تحدّد تلك المعايير لمكافحة الفساد والتي تفيد بأن الشرطة والمخابرات المصرية سيكون لهما دور الإشراف، وتحديد الإطار الزمني الذي سيتم فيه التنفيذ، مفقودة وغائبة بشكل واضح من إصدار المعايير بالترجمة الإنكليزية البالغ عدد صفحاته 20، ومن إصدار المعايير بالترجمة الفرنسية البالغ عدد صفحاته 23 واللذين وزّعتهما اللجنة. وتشمل هذه الإصدارات إنشاء هيكل “مُعدّل” لأجور البيروقراطيين، وسنّ قوانين حماية وحرية تداول المعلومات، وتعديل قوانين المناقصات والمزايدات.
الواقع يبدو أن واضعي الإستراتيجية قد إستبعدوا هذه المعايير لتجنب المساءلة. على الرغم من أن الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في مصر تحاول خلق مكان ومساحة للمجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والجهات الفاعلة الأخرى للمشاركة في مراقبة الفساد وتنفيذ معايير الإستراتيجية، لكن هذه المراقبة تم تحييدها إلى حد كبير أو جُرِّدت من القدرة على العمل بحرية. على سبيل المثال، مشروع القانون، الذي سُرِّب في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، يسعى إلى تجريم نشر أي معلومات تتعلق بالجيش التي تُعتبَر “بطبيعتها من الأسرار التي تتعلق بالأمن القومي”. وعلى الرغم من أن القانون لم يصدر بعد، فقد كانت له تداعيات سلبية. إن المحادثات التي تسرّبت بين السيسي ومدير مكتبه اللواء كامل في وقت سابق من هذا العام لم يُعلَن عنها أساساً في الصحافة المصرية المحلية.
على الرغم من أن قلةً تجرّأت على الإعلان عن هذه التسريبات، فسرعان ما بدأت الشرطة إتخاذ إجراءات صارمة ضد وسائل الاعلام، مستهدفةً أولئك الصحافيين الذين أظهروا ضبط النفس وعدم كتابة تقارير عن الجيش. بدلاً من ذلك، نشر هؤلاء الكتاب قصصاً عن وزارة الداخلية. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، إستدعت الشرطة عدداً من الصحافيين من صحيفة “المصري اليوم” الخاصة والأخرى الموالية للنظام صحيفة “الدستور”، وأحالتهم إلى نيابة أمن الدولة بعدما نشرت المطبوعتان تقارير حول مزاعم فساد داخل وزارة الداخلية. ومن المفارقات المثيرة، فقد إدّعت “الدستور” أن وزارة الداخلية نفسها قد أوصت بالصحافي المسؤول عن صفحة الجريمة في الصحيفة الذي كتب قصة الفساد المثيرة للجدل. مع ذلك، لم يبقَ أحد قيد التوقيف، وفي الشهر الفائت قالت الوزارة أنها تخلّت عن إتهاماتها القانونية ضد “المصري اليوم” كجزء من “جهودها لتعزيز علاقتها مع مختلف الأطراف في الوطن ووسائل الإعلام المختلفة”.
وقد صدر مشروع قانون آخر بعد فترة وجيزة على تبوؤ السيسي لأعلى منصب في البلاد، يمنح الحكومة السلطة لإغلاق، وتجميد الأصول، ومنع التمويل، ومصادرة الممتلكات، ورفض مجالس إدارة أيّ من المنظمات غير الحكومية، وتجريدها من أي قدرة على فرض معايير وضعتها مصر لنفسها في إستراتيجية مكافحة الفساد. يبدو الأمر الآن إلى حد كبير مشابهاً لما كان سائداً خلال حكم مبارك، لقد تعلم السيسي من الأخير كيفية تعزيز سلطته. ولكن إستراتيجية السيسي مختلفة تماماً: في خضم التنافس الشديد بين القوات المسلحة ووزارة الداخلية، حبّذ مبارك الشرطة بسبب خوفه من حدوث إنقلاب عسكري محتمل، وإستخدمها في كثير من الأحيان للتجسس والحد من صلاحيات الجيش. إلى حد ما، سعى مبارك إلى كبح جماح نفوذ الشخصيات العسكرية الراسخة، كما كان فعل بوتفليقة في الجزائر في أواخر العام 2013 مع منافسه مدين (بسحب مهمة الإشراف على وحدات مكافحة الفساد من مديرية الإستخبارات والأمن العسكرية وتسليمها إلى أحد الموالين للرئيس الجزائري في وزارة الدفاع الجزائرية). لكن السيسي يميل أكثر نحو الجيش والإستخبارات العسكرية وفي الوقت عينه يحكم سيطرته على الأجهزة الأمنية غير العسكرية.
الواقع أن إجراءات السيسي تذكّر بقصة علي بابا، الذي غرّر ب40 لصاً وجرّدهم من ذهبهم، من خلال تعلمه كلمة السر لكهف ثرواتهم، “إفتح يا سمسم!”؛ في هذه الحالة، إن الكلمة المفتاح في مصر اليوم هي “مكافحة الفساد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى