البحرين: توقعات إقتصادية قاتمة
يواجه الإقتصاد البحريني تحديات عدة نتيجة للإضطرابات السياسية وتداعياتها المستمرة على البلاد وإنخفاض أسعار النفط الحاد الأمر الذي سيؤدي إلى عجز كبير في الموازنة العامة ولجم الإنفاق لتنفيذ الكثير من المشاريع في البلاد.
المنامة – باسم رحّال
في 9 شباط (فبراير) الفائت، خفّضت وكالة تصنيف الإئتمان الدولية “ستاندرد آند بورز” توقعاتها بالنسبة إلى الإقتصاد البحريني، معيدةً السبب إلى إتساع عجزه المالي. ولم يكن ذلك مفاجأة. وكالة تصنيف أخرى، “فيتش”، فعلت الشيء عينه في كانون الاول (ديسمبر) عندما راجعت نظرتها المستقبلية للبحرين إلى سلبية.
التحديّات التي تواجه البحرين متنوّعة. لديها أصغر إقتصاد في مجلس التعاون الخليجي، والإنخفاض الحاد في أسعار النفط منذ الصيف الفائت سلّط الضوء على نقاط ضعفه.
يتمتّع البلد بموارد مالية محدودة نسبياً، مع إحتياطي يُقدَّر ب16 مليار دولار، وعرف بإستمرار عجزاً في الموازنة في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من أن إحتياطاته الهيدروكربونية وإنتاجه النفطي هما أصغر وأقل بكثير من جيرانه، كانت الحكومة لا تزال تعتمد على النفط لما يقرب من 87 في المئة من إيراداتها في العام الماضي.
خلال الفترة الحالية من إنخفاض أسعار النفط، من المتوقع أن تكون إيرادات الحكومة أقل بكثير. ويُفيد البنك الأميركي “سيتي غروب”، على أساس متوسط سعر النفط 63 دولاراً للبرميل هذا العام، أنه يتوقع أن تنخفض إيرادات الحكومة البحرينية من 7.6 مليارات دولار في 2014 إلى 5.4 مليارات دولار هذا العام، بنسبة إنخفاض قدرها 29 في المئة.
من جهته يقول بنيامين يونغ، المحلل في “ستاندرد أند بورز”، أن إنخفاض الإيرادات سيؤدي إلى إنخفاض في إستهلاك القطاع العام. ويتوقع أيضاً أن الشركات المحلية ستعرف إنخفاضاً في أرباحها هذا العام، والذي بدوره من المرجح أن يُترجَم إلى إنخفاض نمو الإئتمان، وانخفاض النشاط في القطاع المالي، وإنخفاض إنفاق القطاع الخاص.
“نعتقد أن آفاق الإقتصاد البحريني قد ضعفت، ويمكن أن تستمر في ضعفها نتيجة لبيئة إنخفاض أسعار النفط”، يقول يونغ. مضيفاً: “سجّل الإقتصاد البحريني نمواً قوياً خلال السنوات الأربع الماضية، والذي هو إنعكاس للتنويع النسبي للإقتصاد مقارنة مع نظرائه في المنطقة. ونحن نعتقد أن النمو سينخفض بشكل كبير في العام 2015”.
كيف سيتأثر الإقتصاد سوف يعتمد إلى حد كبير على كيفية أداء أسعار النفط على مدار هذا العام، وبالتالي ما يحدث في مالية الحكومة. ولكن يبدو أن الحكومة ستكون مضطرة الى الغرق في مزيد من العجز هذا العام، حتى مع بعض التخفيضات المتوقعة في الإنفاق. وتقدر “ستاندرد أند بورز” أن العجز الحكومي العام سوف يتسع إلى ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015، مقارنة مع 2.1 في المئة في العام 2013 و 3.3 في المئة في العام الفائت.
ومما ساعد الحكومة إلى حد ما كانت المنح والمساعدات المالية من دول مجلس التعاون الخليجي الغنية، التي تعهدت في العام 2011، دفع 10 مليارات دولار على مدى السنين العشر التالية للمساعدة في معالجة إنفاق المملكة على إحتياجاتها. إن هذا المال يأتي تدريجاً إلى الخزينة، بمعدل 1 مليار دولار سنوياً، ويجري توجيهه نحو مشاريع البنية التحتية مثل المساكن والمدارس والطرق.
وحتى مع ذلك، من المتوقع أن تعمد الحكومة إلى خفض خطط الإنفاق هذا العام لمنع زيادة العجز بشكل كبير جداً. وفي إنتظار نشر موازنة هذا العام، تقول “ستاندرد أند بورز” بأنها تتوقّع بأن تنخفض مستويات الإنفاق الرأسمالي من متوسط قدره نحو ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات القليلة الماضية إلى إثنين في المئة هذا العام. ويقول “سيتي غروب” أنه يتوقع أن يكون الإنفاق العام 11 في المئة أقل هذا العام من سابقه، إنخفاضاً إلى 8.1 مليارات دولار من 9.1 مليارات دولار في العام 2014.
“ليس هناك شك في أن الموازنة المقبلة سوف تضطر إلى مواجهة المناخ الإقتصادي الحالي، على الرغم من أنني لا أريد التكهن في وقت مبكر عن التدابير المُمكنة”، يقول يارمو كوتيلين، كبير الإقتصاديين في مجلس التنمية الإقتصادية التابع للدولة. ويضيف أن “هناك أيضاً إعترافاً بالحاجة إلى مواصلة الجهود الجارية لتعزيز كفاءة القطاع العام وترشيد الإنفاق. إن التأثير الكلي من أي تخفيضات في الموازنة سوف يعتمد كلياً على أين تم تخفيض الإنفاق ومقداره. ومن الواضح أن هناك وسيلة لترشيد الإنفاق الحكومي التي لديها تأثير أقل نسبياً في الإقتصاد الكلي”.
البحرين هي، بطبيعة الحال، ليست الدولة الوحيدة التي تكافح مع بيئة أسعار نفط منخفضة. تشير تقديرات “معهد التمويل الدولي” في واشنطن أن دولاً مثل العراق والجزائر وإيران وسلطنة عمان بحاجة إلى أن يُباع النفط فوق 100 دولار للبرميل لتحقيق التوازن في دفاتر المحاسبة- المعروفة بأسعار تعادل النفط. وحتى دول مثل أبوظبي والمملكة العربية السعودية فهما تواجهان عجزاً في الموازنة هذا العام. ولكن ذلك لن يكون عزاءً لصانعي السياسة في المنامة.
“إن دول مجلس التعاون الخليجي الست تشهد تغييراً عميقاً جداً عندما يتعلق الأمر بهيكلية إقتصاداتها”، يقول جين كينينمونت، نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس” للأبحاث في لندن. “إن الإلحاح والجدول الزمني لهذه التحديات الإقتصادية يختلفان من بلد إلى آخر. والأكثر وضوحاً هو في سلطنة عمان والبحرين، الأقل غنى بالنفط في دول الخليج. ولم يكن من قبيل المصادفة أن هاتين الدولتين شهدتا إضطرابات في وقت الإنتفاضات العربية”.
كما هو الحال مع دول الخليج الأخرى، فمن المحتمل أن تبتعد السلطات في البحرين من أي تخفيضات كبيرة في أجور القطاع العام، نظراً إلى خطر إندلاع المزيد من الإضطرابات في الجزيرة.
لا شك بأن الإضطرابات السياسية كان لها تأثير في الإقتصاد، حيث كانت من الأسباب التي جعلت البحرين مكانا أقل جاذبية للشركات العالمية للقيام بأعمال تجارية. في هذه الأيام، يميل المديرون التنفيذيون إلى تفضيل أبو ظبي، الدوحة أو دبي.
كانت البحرين سابقاً مركزاً إقليمياً للبنوك، وما زال القطاع المالي يُعتبَر ثاني أكبر جزء في الإقتصاد، وهو يمثّل نحو 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً للتقرير السنوي الأخير لمجلس التنمية الإقتصادية. ومع ذلك هناك عدد أقل من البنوك وشركات التأمين العاملة في البحرين اليوم مما كان عليه الوضع في العام 2009. ووفقاً لبعض التقديرات، فقد تقلّص النظام المصرفي البحريني حوالي 25% خلال السنوات القليلة الماضية.
من جهة أخرى، لا يزال نظام التنظيم المالي في البحرين يُعتبر جيِّداً والنظام المصرفي في البلاد أيضاً مرسملاً جيداً، والذي من الناحية النظرية يوفّر أساسا متيناً لعودة الإنتعاش والنهضة. وقد تكهّن بعض المديرين التنفيذيين في المنطقة بأن البحرين يمكن أن تعيد بناء نفسها كبديل منخفض التكلفة من دبي، ولكن من المرجح أن يجد المسؤولون أن ذلك أمر صعب التحقيق.
“نحن نعتقد أن هناك زخماً متزايداً وراء هيمنة دبي في مجال التمويل الإقليمي، والذي كان جزءاً من السبب وراء إنخفاض أصول النظام المصرفي في البحرين إلى نحو 25 في المئة منذ العام 2008″، يقول يونغ. مضيفاً: “نحن نعتقد أن المستوى العالي فعلياً للمنافسة في مجال الخدمات المالية – محلياً وإقليمياً – سوف يحدّ من نطاق النمو لدى بنوك التجزئة و”الأوفشور” في البحرين”.
مناطق أخرى من الإقتصاد البحريني هي أيضاً تحت الضغط. تُظهر بيانات عن قطاع الفنادق من الشركة الإستشارية “إي واي” (EY) أن معدلات الإشغال كانت أقل من 50 في المئة في العام 2013 ومعظم العام 2014، مقارنة مع نسبة أعلى بكثير من 70 في المئة في دبي وأبو ظبي. وهذا يمكن أن يوحي بأن البحرين تكافح لجذب رجال الأعمال والمسافرين.
ويدعم هذا الانطباع مزيد من البيانات التي جمعها مجلس السفر والسياحة العالمي الذي يفيد بأن صناعة السياحة قد ساهمت مباشرة فقط ب1.3 مليار دولار في إقتصاد البحرين في العام 2013، كما في اليمن وأقل بكثير من مستوى دول الخليج الأخرى.
ومع ذلك، فإن الإقتصاد لا يزال ينمو على الأقل، حتى لو كان يبدو أنه يتباطأ. وتوقّع صندوق النقد الدولي أن يتوسّع الناتج المحلي الإجمالي في البحرين بنسبة 3.3 في المئة هذا العام و3.1 في المئة في العام المقبل. ويضع آخرون أرقاماً أقل قليلاً. “ستاندرد أند بورز”، على سبيل المثال، تشير إلى أن النمو سيبلغ في المتوسط إاثنين في المئة بين 2015 و2018، في حين أن “كابيتال إيكونوميكس”، ومقرها لندن، وضعت الرقم عند إثنين في المئة لهذا العام و 1.5 في المئة للعام المقبل.
والذي قاد النمو هو الإقتصاد غير النفطي، الذي سيتوسّع بنسبة 3.5 في المئة هذا العام والعام المقبل، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي. وهناك عنصر إيجابي آخر يتمثل في حقيقة أن التضخم هو أيضاً تحت السيطرة تماماً، مع إرتفاع الأسعار بنحو 2.5 في المئة سنوياً.
يبدو “كوتيلين” أكثر تفاؤلاً بشأن آفاق النمو في البلاد من معظم المراقبين. “كلٌّ من محرّكات النمو الهيكلية والدورية في الإقتصاد غير النفطي هي قوية ومرنة، ولا تتأثر كثيراً بالتغيرات في أسعار النفط،” كما يقول. مضيفاً: “نحن نخطط للنمو غير النفطي بنحو 4.5 في المئة في العام 2015، ونتوقع إستمرار هذا الزخم في المديين المتوسط والطويل”.
ليس كل الخبراء لديه مثل هذه النظرة المُشمسة والمتفائلة، ولكن حتى لو كانت تكافح، فإن البحرين تتمتع على الأقل بالراحة لعلمها ومعرفتها أن جيرانها الأكثر ثراء من المرجح أن يستمروا في تقديم المساعدة.
“البحرين قد تكون تكافح، ولكننا نعتقد أن جيرانها الأكبر في الخليج سيتدخلون لتوفير التمويل إذا كانت هناك حاجة”، قال جيسون توفاي، خبير الشرق الأوسط الإقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس”، في مذكرة بحثية نشرت في كانون الثاني (يناير) الفائت.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.