ازمة لبنان المائية تُنتج سوقاً سوداء

يشهد لبنان منذ الصيف أسوأ أزمة مياه عصفت به منذ سنوات، الأمر الذي دفع السلطات إلى إطلاق حملات توعية بهدف الحفاظ على الثروة المائية المهدّدة، وترشيد الإستهلاك. هذه الحملة التي ترافقت مع تقنين في المياه فرضته السلطات على المواطنين، ساهمت في إنتشار ظاهرة “نقليات المياه” التي أصبح لا غنى عنها في معظم مناطق لبنان، وإن إنحسرت إلى حد ما أخيراً بعد بدء فصل الشتاء وما رافقه من متساقطات تبدو جيدة إلى الآن.
وتعود أسباب هذه الأزمة، وفق رئيسة قسم مراقبة وسلامة الغذاء في “جمعية حماية المستهلك” ندى عيتاني، إلى الشحّ في كمية المتساقطات الشتاء الماضي التي لم تتجاوز نصف المعدل المسجّل سابقاً، إضافة إلى “الإهتراء وغياب الصيانة” الملاحظ في شبكات التمديدات المائية. وفي الإحصاءات، لم تتجاوز كمية المتساقطات من مياه الأمطار وفق تقارير “مصلحة الأرصاد الجوية” 395 ميليمتراً حتى آذار (مارس) 2014، في حين أن الكمية المسجَّلة خلال العام الذي سبقه تجاوزت 863 ميليمتراً.
ودفع هذا الشحّ المسجَّل في كمية المتساقطات، اللبنانيين إلى تأمين بدائل تقيهم ظمأ الصيف الحار، ما ساهم في إنتشار ظاهرة “نقلات المياه” أكثر فأكثر لتطاول معظم المنازل والمناطق في لبنان.
وتشير عيتاني إلى أن هذه الظواهر “تمثّل تعدياً صارخاً على صلاحيات المؤسسات الرسمية المعنية في هذا الشأن، فالدولة ومؤسساتها المعنية كالبلديات، هي من يجب عليها تأمين مصادر مائية بديلة للمواطنين”، متسائلة حول المصادر المائية “المجهولة” لهذه “النقلات” و”لماذا لا تلجأ الدولة إلى هذه المصادر لتأمين المياه للمواطنين؟”.
تعمد “النقلات” إلى تأمين مياه الشفة إلى مختلف المناطق والبيوت في لبنان، فارضةً على المواطنين كلفة أعلى وإحتكاراً مائياً غير مسبوق. ومع إشتداد الأزمة خلال الصيف، نظراً إلى التقنين الذي فرض على القطاع المائي في لبنان نتيجة الشحّ، عمد بعض أصحاب نقليات المياه إلى رفع سعر النقلة ليصل إلى 100 ألف ليرة لبنانية (66 دولاراً) للألف ليتر، مع الإشارة إلى أن سعرها لا يتجاوز 40 ألف ليرة في الحالات الطبيعية.
وأكد مواطنون في بيروت، أن أصحاب هذه النقلات عمدوا في بعض الحالات إلى تعبئة “المياه المالحة”، من دون أن يتركوا للمواطن حق الإعتراض، متفقين على أن “تعاملهم الفوقي والإحتكاري” هو نتيجة لغياب البديل، وكثرة الطلب على هذه المصادر لتأمين المياه. والمفاجأة كانت خارج بيروت، إذ شهدت العاصمة اللبنانية والمناطق المجاورة لها إحتكاراً وإرتفاعاً في الكلفة لم تشهده مناطق لبنان الأخرى، فكلفة النقلة في صيدا وزحلة وصور، مثلاً، لم تتعدَّ 40 ألف ليرة لبنانية حتى خلال الأزمة، لتنخفض الكلفة أكثر كلما إبتعدنا عن المدن الرئيسية، إذ تبلغ كلفة النقلة 25 ألف ليرة في مناطق كالزهراني جنوب صيدا، والقرى المحيطة.
وغياب المؤسسات العامة لم يكن تاماً في بعض هذه المناطق، إذ عمدت البلديات إلى حفر آبار إرتوازية بهدف تأمين مياه الشفة لأكبر عدد من المواطنين، وبذلك ساهمت في تحرير المواطن من الكلفة الإضافية المترتبة عليه. وأكد رئيس بلدية الزرارية (جنوب صيدا)، عدنان جزيني، أن البلدية وبمبادرة خاصة، عمدت إلى حفر آبار إرتوازية وتمديد شبكة مائية تصل إلى كل المنازل الواقعة من ضمن سلطة البلدية، مشيراً إلى أنه، حتى خلال الأزمة، لم تشهد هذه المناطق أزمة مياه، ولم تكن هناك حاجة إلى “نقلات المياه” بإستثناء ما ندر.
ولكن حفر الآبار يمثل أزمة جديدة وخطراً داهماً على الثروة المائية اللبنانية، وفق رئيس جمعية “غدي” فادي غانم، الذي قال أن الأزمة المائية دفعت بعض المواطنين إلى حفر آبار إرتوازية من دون الحصول على تراخيص رسمية، ما يشكل خطراً على المياه الجوفية، مضيفاً أن “بعض مياه الصرف الصحي تدار على الآبار الجافة، ما يسبب تلوث المياه الجوفية، ويهدد الثروة المائية”.
ويشير غانم إلى أن لبنان بلد غني بالمصادر المائية، لكن سوء الإدارة الممارس من قبل السلطات الرسمية، إضافة إلى إنعدام الصيانة وإهتراء التمديدات، ساهما في خلق هذه الأزمة، وسيساهمان في إستمرارها على مدى السنوات المقبلة، مشيراً إلى أن الجمعية عاينت معظم شبكات المياه في لبنان، ليتضح أن نسبة الهدر المائي نتيجة الإهتراءات تصل إلى 40 في المئة، ما يمثل خطراً على الثروة المائية في لبنان.
وقالت عيتاني، إن غياب الرقابة لا يتمثل في إنعدام الصيانة وقدم الشبكة وإهترائها، بل يتعداه إلى التلوث الموجود في هذه الشبكة، وأكدت أن “جمعية حماية المستهلك” عاينت مياه الشرب في لبنان وفحصت عينات منها ليتضح حجم التلوث الصارخ والواضح فيها. ودعت الدولة إلى التعاون مع جمعيات المجتمع المدني للوصول إلى سياسة مائية تحمي لبنان وموارده المائية، الأمر الذي أيّده فادي غانم، مضيفاً أن “غدي” حذرت قبل أكثر من 10 سنين، من أن الحروب المقبلة هي حروب على المصادر المائية، داعياً الدولة إلى إتخاذ المبادرات للحفاظ على الثروة المائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى