البيئة تنتصر على التكسير الهيدروليكي في أوروبا

حاولت أوروبا البدء بثورة طاقة خاصة في مجال الصخر الزيتي، ولكن يبدو أن الجيولوجيا الصعبة، والحكومات الخرقاء، ومتظاهرو البيئة قد خنقوها في المهد، الأمر الذي يعثّر محاولات القارة في الوصول إلى الإستقلال في مجال الطاقة كما كان الحال في أميركا.

رئيس حكومة بريطانيا ديفيد كاميرون: عوّل كثيراً على الصخر الزيتي
رئيس حكومة بريطانيا ديفيد كاميرون: عوّل كثيراً على الصخر الزيتي

لندن – هيكل مهدي

قبل عام، بدا أن إندفاع روسيا العسكري بإتجاه أوكرانيا حرّك أوروبا وجعل تركيزها ينصبّ على مخاطر الإعتماد على موسكو بالنسبة إلى إمدادات القارة بالطاقة، الأمر الذي دفع ببلدان عبر القارة العجوز إلى القفز إلى عربة الغاز الصخري سعياً إلى نسخ نجاح الولايات المتحدة في هذا المجال، والتحرّك نحو إيجاد القدرة على إنتاج كل إحتياجاتها من الطاقة من أراضيها.
ولكن الآن، بعد سلسلة من خيبات الأمل التي مُنيت بها معظم الدول الأوروبية، يبدو أن أحلام الصخر الزيتي في أوروبا تبخّرت وستيقى أحلاماً لن تتحوّل إلى حقيقة. وهذا الأمر يجعل من غير المرجّح بشكل متزايد أن تكون أوروبا قادرة على جني نوع من الفوائد التي ترتكز على الغاز التي أنعشت وجدّدت شباب قطاعات الإقتصاد الأميركي، وقلّلت بشكل كبير إعتماد الولايات المتحدة على الطاقة الأجنبية. وهذا أيضاً سوف تكون له إنعكاسات على القدرة التنافسية الإقتصادية في أوروبا وأمن الطاقة في الوقت الذي يؤدّي الإقتصاد الراكد و”زمجرة” روسيا إلى قلق القادة الأوروبيين.
وجاءت أحدث ضربة بالنسبة إلى آمال أوروبا وثورة الطاقة الخاصة لديها في أواخر الشهر الفائت، عندما إنسحبت شركة النفط العملاقة الأميركية “شيفرون” من متابعة أعمالها في بولندا، البلد الذي بدا أن الجيولوجيا والسياسة فيه واعدتان لتكرار تجربة الولايات المتحدة. وكانت شركات طاقة دولية أخرى، مثل توتال، قفزت من العربة في العام الماضي. كما أن هناك شركات طاقة تقاعست وتعثّرت جراء تكاليف الحفر العالية والنتائج المخيّبة للآمال لجهودها الإستكشافية في وقت مبكر. وقد أُصيبت بالإحباط بسبب التحول الضريبي والقوانين التنظيمية في وارسو.
وقد ضربت الصخر الزيتي أيضاً رياح معاكسة أخرى في الآونة الأخيرة عندما ضاعفت حكومة بلغاريا حظر التنقيب عن الصخر الزيتي. وقال رئيس الوزراء الجديد بويكو بوريسوف أن الصخر الزيتي الأخضر من شأنه أن يكون “إنتحاراً سياسياً”. ومن جهتها تحاول رومانيا، اللاعبة الكبيرة المحتملة في حقل الصخر الزيتي، التباطؤ بسبب المعارضة الشعبية، كما حظّرت إسكتلندا هذه الممارسة، وإقترح المشرّعون البريطانيون وقف التكسير في مملكتهم لأسباب بيئية. في العام الفائت، تخلّت شركات أجنبية مثل شركة “شيفرون” أيضاً عن أمكنة واعدة بما في ذلك أوكرانيا وليتوانيا لتركيز إستثماراتها في البلدان التي تتمتع بإتجاه صعودي واضح.
“يمكن القول من دون تردد بأن عملية الصخر الزيتي إنتهت وماتت، وقد كانت دائماً ميتة بطريقة ما”، قال غريغور بيتال، خبير الغاز الصخري في معهد “سوبيسكي”، وهو مؤسسة بحثية بولندية. وأضاف بأن مجموعة من الشركات تعثّرت، والمنظمون الرسميون متعجرفون، والجيولوجيا صعبة، وكثير من الأحيان تضافر الرأي العام المعادي لعرقلة ثورة التكسير الخاصة في أوروبا.
الواقع أن أوروبا ليست وحدها تتعثّر. فبلدان أخرى مثل الصين والأرجنتين لديهما أيضاً إحتياطات ضخمة من الغاز الصخري، ولكنهما تناضلان لحشد مزيج بعيد المنال من الحكم الرشيد، وشركات طاقة ذكية، وحقوق التعدين المملوكة للقطاع الخاص التي قد أطلقت العنان لإزدهار الصخر الزيتي في الولايات المتحدة.
لقد منحت تقنيات الحفر الجديدة مثل التكسير الهيدروليكي، أو التكسير، الولايات المتحدة القدرة في السنوات الأخيرة للإستفادة من كميات ضخمة من النفط والغاز المُحاصَرة في تشكيلات الصخر الزيتي الذي وضع الولايات المتحدة على المسار لتصبح دولة مصدّرة للطاقة، الأمر الذي أدّى إلى إنخفاض أسعار الطاقة، وكانت حقنة من الإنعاش حاسمة في ذراع بعض الصناعات التي تحتاج إلى الوقود الرخيص والمواد الخام.
على الورق، يمكن لأوروبا أن تفعل الشيء نفسه. إن ودائع الصخر الزيتي الواعدة تنام في أراضي القارة، من شمال إنكلترا وعبر فرنسا ووسط أوروبا، إلى البلدان الشرقية مثل بولندا وأوكرانيا. وتقول إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن لدى تلك الدول مجتمعة نحو 600 تريليون قدم مكعبة من إحتياطات الغاز الصخري القابل للإستخراج من الناحية الفنية – تقريباً تساوي إحتياطات الولايات المتحدة، وبما يكفي لتوفير إستهلاك أوروبا من الغاز الطبيعي لأكثر من 30 عاماً.
تلك الثروات المدوَّنة على الورق دوّخت رؤوس بعض القادة الأوروبيين، من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى رئيس الوزراء البولندي السابق دونالد تاسك، اللذين سعيا في السنوات الأخيرة إلى تعزيز التكسير. الآخرون، وبخاصة في فرنسا وألمانيا، ولكن أيضاً في وسط وشرق أوروبا، إما حظّروا ممارسته صراحة أو عملوا على إبطاء تطوره، إلى حد كبير بسبب المخاوف البيئية والمعارضة الشعبية.
ولكن كما يُظهر رحيل “شيفرون” من بولندا، حتى صغار شركات الصخر الزيتي في أوروبا قد تخلّت عن الحلم. لقد حاولت شركات دولية في حقل الطاقة وفشلت في الحصول على الذهب الصخري في سلسلة من آبار إستكشافية هناك، في الوقت الذي كانت الحكومة البولندية تعكّر أجواء العمل بالنسبة إلى وضع نهج واضح لتنظيم قطاع الطاقة والضرائب المفروضة عليه. وقد أفادت “شيفرون” أن “الفرص في بولندا لم تعد تنافس بشكل إيجابي” خيارات التنقيب الأخرى الموجودة في محفظة الشركة.
“من الواضح أن هناك جمعاً بين الجيولوجيا غير المواتية والحكم السيئ أيضاً”، قال تيم بويرسما، وهو خبير في الغاز الأوروبي في معهد “بروكينغز”. وبالنظر إلى فضاء الآمال الكبيرة بالنسبة إلى الصخر الزيتي في أوروبا، ف”إنها ضربة كبيرة. الأماكن الثلاثة الأكثر وعداً – بولندا وأوكرانيا وفرنسا – كلها صارت خارج الصورة لمجموعة متنوعة من الأسباب”.
إن الحكومات من لندن إلى وارسو بالغت بالتأكيد بالنسبة إلى قدرتها على تكرار، على الأقل جزء من، تجربة الولايات المتحدة، وبيع الرؤية للإستقلال في مجال الطاقة والإقتصاد الأسرع نمواً. في العام الفائت وصف كاميرون الصخر الزيتي بأنه “فرصة هائلة” على بريطانيا الإستفادة منها. ومن جهته أكد تاسك على الدور الذي يمكن أن تؤديه الإحتياطات البولندية في إنهاء إبتزاز الطاقة الروسية. ولكن تلك الوعود فاقت بشكل كبير التطورات الفعلية على الأرض، حيث لم تتمكن الشركات هناك من الوصول قريباً من تكرار النمو السريع لإستخراج الغاز الصخري الذي حوّل ولايتي تكساس وداكوتا الشمالية في أميركا.
“المشكلة في المملكة المتحدة هي أن الحكومة بالغت في هذا”، قال هوارد روجرز، خبير الغاز في معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة. “من دون عالم حقيقي من المعلومات حول كمية حجم الغاز تحت الأرض، وما هو حجم الكمية الذي يمكن إستخراجه، جميع الخطط البريطانية هي “فطيرة في الفضاء””، يضيف.
وكانت ديناميكية مماثلة قيد العمل في المنحى الآخر من القارة في بولندا. كانت التقديرات الأولية لموارد الغاز الصخري في البلاد مضخَّمة إلى حد كبير، ما أدّى بالحكومات المتعاقبة البولندية إلى تقديم وعود من كل الأنواع قبل أن تبوء هذه الوعود بالفشل من خلال سلسلة من آبار الغاز الجافة.
“وبسبب هذه الآمال الكبيرة، كانت هناك خيبات أمل كبيرة في الوقت الراهن”، قال توماس دابوروسكي، الخبير في الصخر الزيتي في مركز أبحاث الدراسات الشرقية في بولندا.
للتأكيد، هناك الكثير من الأماكن التي تهتف وتصفق للرياح المعاكسة للصخر الزيتي. مشرّعون رئيسيّون في المملكة المتحدة قلقون من الآثار البيئية لهذه الممارسة في بلد مليء بالقرى الصغيرة المكتظّة بالسكان، وهم يحاولون تلبية أهداف طموحة لتغيّر المناخ. تعيش إسكتلندا من عائدات النفط والغاز، ولكن التكسير محظور فيها. فرنسا وألمانيا تعارضان هذه الممارسة منذ أمد بعيد. بلغاريا تعاملت مع التكسير، قبل أن تعكس مسارها فجأة – وعلى الرغم من الإعتماد الساحق على روسيا، فإن الحكومة الجديدة في بلغاريا عازمة على الحفاظ على حظر التكسير.
روسيا نفسها، التي تزوّد حوالي ثلث الغاز الطبيعي في أوروبا، قضت سنوات في تشويه صورة التكسير في محاولة لإزالة المنافسين المحتملين. في العام الفائت، قال الأمين العام السابق للحلف الأطلسي أنديرس فوغ راسموسن أن روسيا ساعدت في تنظيم مقاومة أوروبية ضد التنقيب عن الغاز الصخري. من جهتها فقد أرّخت وسائل الاعلام الروسية الإبتهاج بالإحباط الأوروبي الأخير بالنسبة إلى التكسير.
في بعض النواحي، إن تنمية الموارد الصخرية الزيتية في أوروبا، يمكن القول، بأنها أقل حيوية مما بدا عليه الوضع قبل بضع سنوات. ذلك لأن بلداناً عدة في جميع أنحاء القارة بدأت تنويع خيارات الطاقة لديها، حتى من دون إستغلال الموارد الخاصة بها. إن إزدهار الولايات المتحدة الهيدروكربوني يعني أن هناك الكثير من الغاز الطبيعي الذي يمكن إستيراده بواسطة ناقلات. بولندا وليتوانيا، على سبيل المثال، قد إستخدمتا أخيراً بناء محطات لإستيراد الغاز للحصول على بديل من الغاز الروسي. كما أن الإتصالات عبر خط أنابيب بين الدول الأوروبية جعل الأمر أيضاً أسهل لنقل امدادات الغاز في ما بينها، وتهدئة المخاوف بالنسبة إلى الطاقة لدى البلدان الضعيفة، لا سيما تلك الموجودة في الشرق.
ولكن هناك سبباً آخر يجعل التكسير يكافح للإقلاع وهو — على الرغم من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وإستمرارها بممارسة تكتيكات الذراع القوية مع صادراتها من الطاقة – أن العديد من البلدان الأوروبية لا تزال أكثر قلقاً على تغيّر المناخ من قلقها بشأن أمن الطاقة.
من ناحية أخرى، تأمل بروكسل في بناء “إتحاد للطاقة” الذي يمكنه أخيراً أن يدير تحقيق الأهداف التي تبدو متناقضة بجعل إمدادات الطاقة صديقة للبيئة، وأرخص، وأكثر أمناً. وتضع ألمانيا رهاناً هائلاً على الطاقة النظيفة. وتجلس فرنسا فوق إحتياطات وفيرة، ولكنها مع ذلك لن تنظر إلى التكسير. حتى في المملكة المتحدة، فقد حذّر النواب من مختلف ألوان الطيف السياسي في الشهر الفائت أن الغاز الصخري لا يزال وقوداً أحفورياً، وأن عقوداً من الإعتماد على طاقة الأمس سوف تنال من قدرة بريطانيا على خفض إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري بشكل كبير.
” من المؤكد أن صنّاع القرار في بروكسل والحكومة الاسكتلندية متشبثون بهذه الرؤية بالنسبة إلى مستقبل الطاقة المتجددة، حيث يمكننا التخلص من الوقود الأحفوري”، قال روجرز. مضيفاً: “إن أكثر غُلاتِهم لا يريدون أن يروا تنمية الغاز الصخري لأن ذلك قد يصرف الإنتباه والتركيز على مصادر الطاقة المتجددة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى