لعبة العرش والسلطة في المملكة العربية السعودية
الإنتقال السَلِس للقيادة في المملكة العربية السعودية هو أمر إستثنائي في موسم العنف الدموي المنتشر في الشرق الأوسط. في اليمن المجاور، غيّر إنقلاب الحوثيين الشيعة السياسة المحلية ويهدّد بتحويل قبيح جداً بسرعة كبيرة. في العراق، ضغطت واشنطن والرياض وطهران على إنتقال السلطة عندما فشل نظام نور المالكي في إحتواء وهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”. حتى مصر قد إنحرفت وتغيّرت، من حسني مبارك إلى محمد مرسي إلى عبد الفتاح السيسي، وبدّلت ثلاثة رؤساء في 4 سنوات.
ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية، البلد الذي يُنتِج نقاشات لا تنتهي حول الخلافة في القيادة أجرت للمرة السادسة في تاريخها إنتقالاً سلمياً إلى الملك السابع في المملكة. إن الصراع الحقيقي الوحيد على السلطة في التاريخ السعودي الحديث وقع قبل نصف قرن، عندما إنتزع الملك فيصل الحكم من أخيه الملك سعود. حتى تلك المرحلة الإنتقالية لم تُسفر عن أي شيء قريب من مستوى العنف والفوضى المنتشرين حالياً.
الرياض – راغب الشيباني
في فترة لا تصل إلى أسبوعين في الحكم، إنتقل العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز بسرعة إلى ترسيخ سلطته. وبإقدامه على ذلك، فقد رفع الملف الشخصي لإثنين مما يُسمّى الجيل الثالث من أمراء العائلة المالكة، الأمير محمد بن نايف، ولي ولي العهد ووزير الداخلية، والأمير محمد بن سلمان، نجل الملك الصغير، الذي هو الآن وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي – وهمّش عدداً من أبناء عمومتهما. في أسرة حيث، على مدى عقود، توزّعت السلطة السياسية بين أعضاء عديدين، فإن مركزية السلطة تطرح علامات إستفهام. كما أنها تثير تساؤلات حول ما ستؤول إليه العلاقات السعودية – الأميركية، التي تجاوزت العديد من الأزمات المعاصرة (أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، وحرب العراق، والربيع العربي)، وكيف سوف تدار في ظل الحاكم الجديد.
حكم الأخوة غير الأشقاء
منذ عهد الملك فيصل (1964-1975)، كانت السلطة الفعّالة في المملكة العربية السعودية تُدار بواسطة مجموعة من الإخوة غير الأشقاء الذين دعموا فيصل في صراعه على السلطة ضد أخيه الأكبر، الملك سعود (1953-1964). وقد أعطى “فريق فيصل” البلاد ملوكها منذ: خالد (1975-1982)، فهد (1982-2005)، عبدالله (2005-2015)، والآن سلمان. وقد تحكّم هذا الفريق أيضاً بمناصب مهمة، مثل وزارة الدفاع، في ظل الأمير سلطان، ووزارة الداخلية، في ظل الأمير نايف. (مات الرجلان قبل أن تسنح لهما الفرصة الوصول إلى العرش). الملك، بطبيعة الحال، كان الأول بين إخوة غير أشقاء متساوين، ومع ذلك فقد بقيت لدى بقية أعضاء المجموعة قوة هائلة من خلال سيطرتها على المناصب البيروقراطية المهمة، ومن خلال عملية غير شفّافة تماماً لصنع القرار والتي كانت فعّالة في نهاية المطاف.
ولكن “فريق فيصل” قد إنتهى. فسلمان هو آخر أعضائه. ولي عهده، مقرن، كان أصغر من أن يكون عضواً متورّطاً في المكائد السياسية التي جلبت الفريق إلى السلطة في ستينات القرن الفائت. مع مرور وإنتهاء جيل، واجه سلمان بالتالي فرصة لإعادة هيكلة عملية صنع القرار في بلاده. وبدلاً من إعادة إنشاء النظام القديم في صنع القرار الجماعي وبثّ روحه بين الجيل المقبل من الأمراء البارزين، فقد ركّز السلطة، في المراسيم الملكية في 29 كانون الثاني (يناير) الفائت، في أيدي إثنين فقط من أعضاء ذلك الجيل.
واحد من الرجال الأقوياء الجدد لم يكن مفاجأة. الأمير محمد بن نايف، (55 عاماً)، كان وزيراً للداخلية (في الجوهر، قائد الشرطة والأمن الداخلي في البلاد) منذ وفاة والده، في العام 2012. وقبل ذلك، كان نائباً للوزير مسؤولاً عن إستراتيجية البلاد لمكافحة الإرهاب في منتصف العقد الفائت. وقد حصل على سمعة طيبة كمدير فاعل وإستراتيجي فعّال، ولكن أيضاً كمعارض للمعارضة السياسية. وقاد حملة على النشطاء السياسيين من الاسلاميين وذوات الميول الليبرالية منذ “الربيع العربي”. وأصبح الرجل الأساس لتقاسم المعلومات الإستخباراتية حول الإرهاب مع أميركا، والذي يُنظَر إليه بإحترام كبير في واشنطن.
وبالتالي لم يمثّل الأمر صدمة عندما إختار الملك سلمان الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، معزّزاً بذلك وضعه ودافعاً إلى إعتباره المرشح الأوفر حظاً ليكون أول ملك من أبناء جيله. وعلى الرغم من أن هذا الموقع لا يشكّل ضمانة للعرش –يمكن لسلمان عزله من منصبه، كما يمكن لمقرن أن يفعل الأمر عينه، عندما وإذا أصبح ملكاً- فقد جعله الوريث المفترض بعد مقرن. وإذا سارت الأمور وفقاً للنمط والمخطط، فإن إرتقاء محمد بن نايف إلى االعرش الملكي يحلّ المشكلة الشائكة لكيفية تمرير القيادة إلى الجيل المقبل. وقد سمّى الملك أيضاً محمد بن نايف رئيساً للجنة الشؤون السياسية والأمنية التي أنشئت حديثاً، وهي واحدة من لجنتين لتنسيق السياسات الشاملة التي وضعها سلمان لإدارة وتشغيل العملية السياسية.
الرجل القوي الثاني للحكم الجديد هو أكثر إثارة للدهشة، وفي نواحٍ كثيرة، أكثر إثارة للقلق. لقد منح سلمان نجله محمد بن سلمان حجماً هائلاً من السلطة. هذا الأمير، في ال34 من عمره، هو أصغر بكثير من إبن عمه محمد بن نايف. وخلافاً لمعظم أبناء جيله من أسرة آل سعود، فهو لم يتعلّم في الخارج. ولم تكن له أبداً وظيفة حكومية عالية. كان مدير مكتب والده عندما خدم سلمان ولياً للعهد، والآن يتولّى الأمير الشاب، الذي لم يُختبَر بعد، ثلاثة مواقع رئيسية. فهو وزير الدفاع، يرأس القوات المسلحة السعودية ويدير واحدة من أكبر الموازنات في المملكة. وهو رئيس الديوان الملكي، أي ما يعادل رئيس موظفي البيت الأبيض في الولايات المتحدة. وسيكون حارس البوابة، الذي يبت في من يرى وبقابل والده ومن لا يجب أن يراه ويقابله. وهو أيضاً رئيس اللجنة الإقتصادية والتنمية، التي سوف تنسّق السياسة الإقتصادية للمملكة.
من خلال تمكين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، فقد أبعد سلمان العديد من الأمراء الآخرين. لقد أعفت المراسيم الملكية التي صدرت في 29 كانون الثاني (يناير) الفائت، إثنين من أبناء الملك الراحل عبد الله من إمارتين مهمتين: الرياض ومكة. الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق لفترة طويلة في واشنطن، والمبعوث الدائم للنظام لتنفيذ مهمات خاصة في السياسة الخارجية، شهد مجلس الأمن القومي، الذي كان يرأسه، ينحلّ بعدما أُعفي من منصبه. والأمير بندر بن خالد، رئيس الإستخبارات العامة، حلّ مكانه الفريق خالد بن علي بن عبد الله الحميدان. أما الأمير خالد الفيصل، الإبن الأكبر للملك الراحل فيصل، فقد نُقِل من وزارة التربية والتعليم، وعاد إلى منصبه السابق أميراً لمكة. وهذه المهمة الجديدة لا تُعتبر بالضبط تخفيضاً، لكنها تُبعده من العاصمة. لقد تم تهميش أعضاء بارزين آخرين من هذا الجيل من العائلة في وقت سابق من قبل الملك الراحل عبد الله، بمن فيهم الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز، ابن الملك السابق والأمير السابق للمنطقة الشرقية (حيث النفط)، والأمير خالد بن سلطان، نائب وزير الدفاع السابق ونجل الأمير سلطان وزير الدفاع السابق، والمعروف في الغرب بصفة القائد العام للقوات السعودية في حرب الخليج.
من ناحية أخرى، فقد حافظ بعض الأمراء البارزين من هذا الجيل على مراكزهم في التغيير الكبير. الأمير متعب بن عبد الله، نجل الملك الراحل وقائد الحرس الوطني، بقي في منصبه وموقعه الذي يأتي معه في مجلس الوزراء. الأمير سعود الفيصل، الذي شغل منصب وزير الخارجية في المملكة منذ العام 1975، إحتفظ بمنصبه. (كان الأمير سعود، الذي يعاني من مشاكل صحية مستمرة، في الولايات المتحدة لإجراء عملية جراحية خلال إنتقال السلطة). والواقع أن تنظيف المنزل لم يكن بالتالي مُطلقاً من قبل سلمان، ولكن من الصعب إستخلاص أي إستنتاج آخر من تعييناته سوى أنه ركّز السلطة الحاكمة بين مجموعة معدودة من أفراد الأسرة أصغر من أي وقت مضى في التاريخ السعودي الحديث.
ونظراً إلى مدى السرية التي تلعب فيها عائلة آل سعود أوراقها عندما يتعلّق الأمر بالسياسة الداخلية الخاصة بها، فإنه من الصعب معرفة كيف تسير هذه التغييرات بالنسبة إلى الدائرة الأولى لأنصار الملك السعودي، عائلته الكبيرة. إن المرسوم الملكي الذي أعلن عن تعيين محمد بن نايف ولياً لولي العهد وافقت عليه “الغالبية” في مجلس البيعة، وهو مجلس العائلة الذي أنشأه الملك الراحل عبد الله في محاولة لإضفاء الطابع المؤسسي لمسائل الخلافة. والسؤال الذي يُطرح هنا: كم كانت وكيف جُمعت “الغالبية”؟ على الأقل لقد أثبت محمد بن نايف على أنه شخصية لها جدواها. ولكن في عائلة حيث الأقدمية والعمر لهما معنى وإحترام، حيث الأمراء في المناسبات العامة يصطفون تلقائياً حسب العمر، فمن الصعب معرفة تأثير وتداعيات قفز الأمير محمد بن سلمان، إبن ال34 عاماً، الى السلطة مُفَضَّلاً على الكثير من أبناء عمومته (وإخوته) الأكبر سناً. ولكن، عندما يبدأ الأمير محمد بن سلمان منع وصول أبناء عمومته الأكبر سناً إلى الملك، حيث سيكون ذلك من وظيفته كرئيس للديوان الملكي، فإن المراقبين قد يسمعون كلاماً أكثر.
القلق الأميركي
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن القضية الأكثر إلحاحاً خلال الفترة الإنتقالية تكمن في التعاون العسكري –العسكري. (التعاون في مجال الإستخبارات، عمود آخر في العلاقة، أداره في السنوات الأخيرة بنجاح الأمير محمد بن نايف، ولا يُتوقَّع أن يكون هناك أي تغيير). فيما أصبح وزير الدفاع، محمد بن سلمان، الآن الشخص الأساس في هذا المجال، فإن وجهات نظره بشأن مجموعة من القضايا المطروحة في العلاقات السعودية -الأميركية غير معروفة علناً. ونظراً إلى المركزية في علاقة التعاون العسكري-العسكري، فإن تعيينه يثير تساؤلات حول العملية اليومية لهذا العنصر في العلاقات الثنائية. وليس من المتوقع أن يُحدث الوزير الجديد تغييراً جذرياً في الشراكة السعودية -الأميركية التي تمتد لعقود طويلة. إن العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة هي جزء من الإجماع السياسي الذي وحّد “فريق فيصل” على مدى عقود، وكان سلمان جزءاً من ذلك الإجماع. ولكن سوف يتوقّف مدى وعمق التعاون على كيفية إدارة نجله لوزارته والعلاقة مع واشنطن.
وبالمثل، فإن الخطوط العامة للسياسة السعودية في عدد من القضايا المهمة الأخرى من غير المرجح أن تتغيّر. إن إعادة تعيين وزراء تكنوقراط مهمّين –وزير النفط علي النعيمي، وزير المالية إبراهيم العساف— هي إشارة للإستمرارية. كما أن وزير العمل عادل الفقيه، الذي أشرف على محاولة لزيادة عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص، وأزعج بعضاً من مجتمع الأعمال السعودي، بقي أيضاً في منصبه.
وحتى مع ذلك، فإن محاولة التنبؤ بتوجه السياسة الطويلة الأجل للملك السعودي الجديد هي أمر صعب. كانت الحكمة التقليدية حول عبد الله قبل توليه السلطة تفيد بأنه كان قومياً عربياً، وقبلياً، ومحافظاً إجتماعياً، ومعادياً للولايات المتحدة. ربما كان كل ذلك في قلبه، لكنه لم يحكم بهذه الطريقة ووفقاً لهذه المواصفات. لدينا القليل من الحس والشعور حول ما هي أهداف الملك سلمان على المدى الطويل، أو إذا كان لديه أي هدف. إن أولى تعييناته، مع ذلك، تُعطي مؤشرات قليلة حول ميوله في الحكم. فقد عيّن ثلاثة من أفراد عائلة آل الشيخ في حكومته الجديدة. هذه العائلة تنحدر من الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مؤسس الوهابية، والذي وقّع معه محمد بن سعود تحالفاً في العام 1744 الذي أوصل أسرة آل سعود إلى السلطة في الجزيرة العربية. لقد إستفاد أفرادٌ من هذه العائلة من النظام وإغتنوا على نطاق واسع مثل آل سعود أنفسهم، لكن لم يخبُ حماسهم تماماً لإتباع تعاليم سلفهم. لقد باتوا يمثلون الإلتزام السعودي المستمر في التفسير المحافظ والمتشدّد للإسلام الذي هو دين الدولة في المملكة. وأحد أفراد العائلة الذي فقد وظيفته كان عبد اللطيف آل الشيخ، رئيس الشرطة الدينية سيئة السمعة المعروفة ب “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، الذي كان يُعتبر إلى حد ما ليبرالياً وسعى إلى الحد من تجاوزات قواته، حيث عُيِّن مكانه عبد الرحمن السند.
علاوة على ذلك، مع إنخفاض أسعار النفط أكثر من 50 في المئة منذ منتصف العام 2014، كان الخبراء يتوقّعون أن يميل الملك سلمان بإتجاه الإنضباط المالي في أول قراراته. ويبدو أن توقعات الخبراء كانت على خطأ. لقد منح العاهل الجديد السعوديين العاملين في القطاع العام (والغالبية العظمى من السعوديين هي قوى عاملة للدولة) والمتقاعدين من وظائف الدولة، راتب شهرين كمكافأة بعد توليه العرش، الأمر الذي سيكلّف خزينة المملكة ما يقرب من 30 مليار دولار. لدى السعودية الكثير من المال في البنك حالياً، نحو 750 مليار دولار من الإحتياطات، لذلك لا تزال هناك وسادة مالية جيدة الحجم. ولكن، إذا بقيت أسعار النفط عند مستوى منخفض نسبياً لبعض الوقت، فإن الملك الذي يرغب بوضوح تأسيس سمعة للبِّر والإحسان سيكون عليه مواجهة بعض الخيارات الصعبة بشأن الإنفاق الحكومي.
العاصفة المقبلة؟
بالمعنى المباشر، جرى التحوّل والإنتقال من عبد الله إلى سلمان على نحو سلس جداً. وليس هناك أي سبب للشك في إستقرار الدولة السعودية في المستقبل القريب. فقد نجت وتجاوزت ثورات “الربيع العربي”. لديها إحتياطات مالية لدعم نظامها الرعائي لسنوات عدة. القطاعات الرئيسية من المجتمع التي قد تتجمّع نظرياً ضد النظام للضغط عليه –االوهابيون المحافظون، والأقلية الشيعية، والنخب الأكثر ليبرالية وتكنوقراطية- تخاف من بعضها البعض أكثر من معارضة النظام. لذا لا يوجد أي احتمال في المدى القريب لإنفجار سياسي جاد من الشعب.
لكن الأنظمة لا تواجه فقط تحديات من الشعب. يمكنها أن تواجه أيضاً أزمة إذا إنقسمت من الداخل. كان إنضباط أسرة آل سعود مُطلقاً تقريباً في السنوات ال 50 الماضية، ولكن في تاريخ أطول لحكمها كانت هناك مناسبات عديدة عندما أدّى تحارب الأسرة وتصارعها إلى خطر داخلي للحكم السعودي، وحتى إلى إسقاطه، في المملكة العربية. إن تركيز الملك سلمان السلطة في أيد عائلية قليلة يعرِّض العرش للخطر على المدى الطويل من رد فعل عنيف يأتي من بين العديد من أمراء الجيل الثالث في العائلة الحاكمة الذين على ما يبدو أُبعدوا من السلطة بقراراته الأخيرة. للمرة الأولى منذ عقود، يبدو المسرح ممهّداً لمعركة سياسية حقيقية داخل الأسرة الحاكمة. وسيكون الأمر إختباراً للمهارة السياسية للملك الجديد، ولولي ولي العهد، وعلى وجه الخصوص، لنجله الصغير، الذي منحه الكثير من السلطة، لتجنب هذه النتيجة الخطيرة.
التحديات الأخرى التي تواجه سلمان
الواقع أن وضع العائلة المالكة ليس التحدي الوحيد الذي يواجه الملك سلمان، فهناك تحديات أخرى أكثر عمقاً وخطورة، وهي تتراوح بين تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، إلى سوريا، إلى توسّع إيران. لكن هناك ثلاث قضايا تتطلب إهتماماً فورياً: الإنقلاب في اليمن، والسياسة النفطية المثيرة للجدل، والحاجة إلى إعادة النظر في الإصلاحات الداخلية.
تنظر الرياض تاريخياً إلى اليمن بقلق هائل. إن عدد سكان اليمن البالغ 27 مليون نسمة ينافس، إن لم يكن يتفوّق على، عدد سكان السعودية. وكانت الحدود بين البلدين سهلة الإختراق تقليدياً، وخاضت المملكة حروباً ومناوشات هناك طوال تاريخها. وتفسّر الرياض الأحداث في اليمن من خلال عدسة طائفية، لذا تنظر إلى الإنقلاب الحوثي في صنعاء بأنه مكسب مباشر لطهران. الحقيقة أن اليمن ستكون أول أزمة دولية يواجهها الملك سلمان، وينبغي أن يكون سعيداً لأن الأزمة عينها تُقلق الولايات المتحدة على نحو مماثل. والإهتمام المشترك حول الأحداث في اليمن يوفّر للقيادتين الأميركية والسعودية الفرصة للمشاركة معاً مباشرة وعلى الفور.
من ناحية ثانية، ينبغي على الملك سلمان أيضاً النظر إلى الفترة التي يجب أن تبقى فبها أسعار النفط هابطة قبل أن تقرّر المملكة خفض إنتاجها. كثيرون في البلاد، بمن فيهم الأمير الوليد بن طلال، يعتقدون بأنه يجب على المملكة القيام بالمزيد لرفع الأسعار. ومن المتوقع أن تواجه الرياض عجزاً مالياً للمرة الأولى منذ العام 2011، ومع ذلك سيستمر الإنفاق، وإنخفاض الإستثمارات. كما أنه من المعروف أن الملك الجديد يدعم موقف وزير الطاقة علي النعيمي بالنسبة إلى الأسعار المنخفضة التي تتماشى مع وجهات نظر الملك الراحل عبد الله. لكن، لا تزال هناك فترة طويلة قبل أن يكون على الملك الجديد مداهمة إستثمارات المملكة الدولية لدفع ثمن البرامج المحلية.
وأخيراً، هناك مسألة الإصلاح. كان الملك عبد الله جعل الإصلاح الداخلي أولوية في وقت مبكر من ولايته، ولكنه تراجع بعدها حتى نهاية حياته. كيف ستكون إستجابة الملك سلمان؟ لقد أعطى سبباً كافياً للإعتقاد بأنه سوف يتبع سياسات مختلفة كثيراً عن أخيه غير الشقيق قبل نهاية حياته. لكن على المرء أن يتساءل عما إذا كانت المملكة يمكنها مواجهة التحدي المترتب على تعذيب السجناء على الملأ في الأماكن العامة، وعلى سبيل المثال الجلد العلني الأخير للمدوّن على الإنترنت، جنباً إلى جنب مع إستمرار العنف الشنيع لتنظيم “الدولة الإسلامية” وإخوته وأخواته. لقد كانت مصادفة الجلد والهجمات الإرهابية ضد مكاتب “شارلي إيبدو” في فرنسا مناسبة غير مريحة ومربكة للمملكة. والسؤال هنا: هل سيستمر الملك سلمان في تهميش حرية التعبير، والنشاط المحلي، والحفاظ على تغطية التوترات الداخلية التي توجد في المملكة أم سيتبع سياسة أخرى؟
الجواب عن ذلك لن يطول…
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.