إقتصاد قطر … ما زالت آفاقه واعدة

في حين أن الأرقام قد لا تكون مذهلة كما كانت سابقاً، فإن توقعات أهل الخبرة تفيد بأن آفاق الإقتصاد القطري لا تزال واعدة ومن الألمع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن مع قليل من المخاطر السلبية المباشرة.

حقل الشمال للغاز
حقل الشمال للغاز

الدوحة – سمير خيرالله

على الرغم من بعض المخاطر السلبية البعيدة نسبياً التي تغيِّم على آفاقه التي تبدو مشمسة، فإن الخبراء يتوقعون بأن يبقى أداء الإقتصاد القطري الأفضل بين إقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات القليلة المقبلة. وفقاً لوزارة التخطيط التنموي والإحصاء في الدوحة، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيصل إلى 6.3 في المئة هذا العام، بإنخفاض طفيف من 6.5 في المئة في العام 2013، قبل أن يرتفع إلى 7.8 في المئة في العام 2015.
“على الرغم من أننا لا نعتقد بأن النمو قد يكون أضعف مما تتوقع السلطات في الدوحة… فإنه حتى مع معدل ستة إلى سبعة في المئة سوف يبقى نمو إقتصاد قطر بين الأسرع في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، تلاحظ مؤسسة الأبحاث “كابيتال إيكونوميكس”. الواقع أن الإنفاق العام سوف يكون الدافع الأساسي وراء النمو، إذ أن الحكومة قد خصّصت أخيراً مبلغ 182 مليار دولار لإنفاقه على مشاريع التنمية خلال السنوات الخمس المقبلة.
من جهته يبدو بنك قطر الوطني متفائلاً هو الآخر حول آفاق النمو في البلاد. فقد توقع، مع إستمرار تنويع الإقتصاد، بأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سوف يتسارع ويزيد من نحو 6.8 في المئة في العام 2014، إلى 7.8 في المئة في العام 2016.
كما يتوقع أن يبقى النمو خارج قطاع النفط والغازفي “خانة العشرات” تغذّيه المشاريع الإستثمارية للدولة. وتشير تقديرات البنك الوطني القطري إلى أن تنفيذ المشاريع الكبرى قد خلقت حوالي 120،000 وظيفة في العام 2013 وحده. ونتيجة لذلك، فإن الهجرة والنمو السكاني في إرتفاع أيضاً. ويتوقع البنك أن يصل النمو السكاني إلى 10.1 في المئة في العام 2014 ومتوسط ستة في المئة في 2015-1916.
ويجري العمل حالياً في إنشاء مترو جديد متصل بشبكة السكك الحديدية في مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى الطرق والموانئ والجسور والمشاريع الضخمة على طول الواجهة البحرية، مثل مشروع مدينة “لوسيل” – إلى الشمال من الدوحة والذي سيتضمن مناطق تجارية وسكنية. ونتيجة لذلك، فإن النمو الإئتماني عرف توسعاً سريعاً بسبب إقراض القطاع العام.
على الرغم من أن معظم مشاريع البنية التحتية الضخمة في قطر ستُبنى بشكل مستقل عن كأس العالم التي من المقرر أن تستضيفها البلاد في العام 2022 فقد حدّدت البطولة مهلة للعديد من مشاريع البنية التحتية الكبرى. إن التحقيق في مزاعم الفساد المرتبطة بقرار الإتحاد الدولي لكرة القدم، “فيفا”، بمنحه قطر شرف إقامة البطولة الدولية، قد أثّر بشكل طفيف في التوقعات الإقتصادية بالنسبة إلى الإمارة الخليجية الصغيرة. فقد تراجعت سوق الأسهم نتيجة مخاوف من أن قطر قد لا يُسمح لها بإستضافة البطولة.
في الواقع، وفقاً لتقرير صادر عن بنك “أوف أميركا ميريل لينش”، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في قطر قد يتباطأ بنحو نصف نقطة مئوية سنوياً إذا تمّ تجريد البلاد من حقها في إستضافة كأس العالم 2022.
وقدّر الخبير الإقتصادي في بنك “أوف أميركا ميريل لينش”، جان ميشال صليبا، أن الإنفاق المباشر المتعلق بكأس العالم على الملاعب والفنادق في قطر هو صغير نسبياً، عند حوالي 16 مليار دولار، أي “7.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو 1 إلى 1.5 في المئة سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي خلال تلك الفترة”. إن العديد من مشاريع البنية التحتية الرئيسية في قطر ما زال يمضي العمل فيه قدماً بغض النظر عن كأس العالم، رغم أن خسارة البلاد للحدث وموعده النهائي في 2022 يمكن أن يؤدي إلى تأخير خط أنابيب المشاريع. والأكثر دماراً، إعتماداً على نتائج التحقيق، سيكون ضربة موجعة لسمعة قطر. وبالتالي إذا إكتشف التحقيق أنه كانت هناك أي مخالفات، فهذا يمكن أن يسيء بشكل ملحوظ إلى هدفها بان تصبح مركزاً محورياً للخدمات في المنطقة.
على الرغم من أن الإقتصاد العام لا يزال يعتمد على عائدات الغاز والنفط، فإن النمو يحرّكه الآن في المقام الأول الإقتصاد غير الهيدروكربوني، الذي شكّل تقريباً 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013. إن النمو في القطاع الهيدروكربوني قد استقر، والنمو في قطاع الغاز سيبقى متواضعاً بسبب قرار الحكومة بوقف المزيد من تطوير عمليات إستكشاف وإستخراج الغاز من حقل الشمال. ويبدو أن قرار المنع سيستمر إلى ما بعد العام 2015، كما تتوقع “وحدة الاستخبارات الإقتصادية” (Economist Intelligence Unit). وقد تباطأ النمو الهيدروكربوني في 2013 إلى 0،9 في المئة فيما التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال وصل إلى نهايته، وإنتاج للنفط إستقر.
ومع ذلك، فإن الهيدروكربونات ستبقى المصدر الرئيسي للثروة في البلاد. في معدلات الإستخراج الحالية (تنتج قطر نحو 77 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال)، فإن إحتياطات البلاد المؤكدة من الغاز تدوم 160 سنة أخرى، وفقاً لبنك قطر الوطني. وتملك قطر ثالث أكبر إحتياطات من الغاز في العالم بعد روسيا وإيران، بما يقدر 885 تريليون قدم مكعبة. لقد أصبحت البلاد أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في العام 2006، الأمر الذي جعلها أغنى دولة في العالم على أساس الناتج المحلي الإجمالي للفرد، عند حوالي 100،000 دولار، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
على الرغم من أن قطاع الهيدروكربونات قد تباطأ، يلاحظ بنك قطر الوطني أن تطورات أخرى، مثل ثلاثة مصانع للبتروكيماويات إضافية التي يتم بناؤها، ينبغي أن تساعد على زيادة طاقة التكرير. وتعتزم قطر زيادة إنتاج البتروكيماويات من 16 مليون طن سنوياً إلى 23 مليون طن سنوياً بحلول العام 2020. ومن المقرر هذا العام أن تستكمل قطر أيضاً بناء مشروع “برزان” للغاز الذي يكلف 10.3 مليارات دولار، والذي ينبغي أن يساعد على إنعاش النمو في 2014 و2015. ويهدف الحقل إلى إنتاج كمية إضافية تبلغ 1.7 مليار قدم مكعبة يومياً من الغاز من حقل الشمال.
وفي الوقت عينه، من المتوقع أن تنخفض الفوائض المالية الكبيرة في قطر مع إرتفاع الإنفاق الرأسمالي وتدنّي العائدات الهيدروكربونية وهبوط أسعار النفط. من جهته يتوقع البنك الوطني القطري فائضاً مالياً قدره 9.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2014 – 2015، وإنخفاضاً إلى 4.7 في المئة في 2016 – 2017، “تماشياً مع الزيادة في الإنفاق الرأسمالي”. وفقاً لموازنة قطر 2014/2015، من المتوقع أن يزيد الإنفاق الحكومي بنسبة 3.7 في المئة إلى 60 مليار دولار (28.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي). وأفاد البنك الوطني القطري بأنه في حين أن فاتورة الأجور قد سُجِّلت في الموازنة على أنها ستعرف إرتفاعاً، فإنه سيتم تخفيض النفقات الجارية الأخرى قليلاً. سيتم توجيه موازنة الإنفاق الرأسمالي (27.4 مليار دولار، بزيادة 12.3 في المئة عن الموازنة السابقة) لتنفيذ المشاريع الرأسمالية الكبرى.
على الرغم من الصورة المشمسة هناك بعض الغيوم تتجمّع في الأفق. “في حين أن قطر تتمتع بأفضل فرص النمو على المدى القريب في العالم الناشئ، نعتقد أن هناك مخاطر متزايدة بالنسبة إلى التوقعات المتوسطة الأجل”، تفيد “كابيتال إيكونوميكس”. وهي تشير إلى حقيقة أن النمو السريع في الطلب المحلي قد يتسبب في إرتفاع درجة حرارة الإقتصاد. ومع ذلك، في هذه المرحلة، يبقى التضخم تحت السيطرة نسبياً، ومنخفضاً بالمقاييس التاريخية عند حوالي ثلاثة في المئة في 2013. ولكن، فإن تدفق العمالة الأجنبية اللازمة لبناء مشاريع البنية التحتية الطموحة في قطر قد يعني بأن الايجارات سوف ترتفع. كما تشير “كابيتال إيكونوميكس”، إلى أن إرتفاع معدّل التضخم يؤدي إلى “تآكل دخل الأسرة” وإلى “خطر إذكاء السخط الإجتماعي”.
خطر آخر هو إذا كان هناك إنخفاض مستمر في أسعار الطاقة. “بإعتراف الجميع، إن قطر هي من بين الدول الأقدر في الخليج على مواجهة الإنخفاض في أسعار الطاقة. إن إحتياطات النقد الأجنبي والأصول التي يملكها صندوق الثروة السيادي تعادل نحو 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة تحتاج إلى سعر نفط بين 60 و65 دولاراً للبرميل لموازنة موازنتها، “تفيد “كابيتال إيكونوميكس”. ومع ذلك، إذا عرفت أسعار النفط إنخفاضاً إلى ما دون ال100 دولار للبرميل وربما الى نحو 85 دولاراً للبرميل – وهو سيناريو ممكن على مدى السنوات القليلة المقبلة – فستكون الحكومة أكثر تردداً في زيادة الإنفاق في المستويات عينها كما في السنوات الأخيرة.
والخطر الثالث الذي تحدّده “كابيتال إيكونوميكس” يكمن بين البنوك المحلية. بالنسبة إلى الجزء الأكبر تبدو آفاق المصارف القطرية إيجابية. الفائض المالي في البلاد (حسب تقديرات البنك الوطني القطري سيكون حوالي 9.6 في المئة هذا العام) ينبغي أن ينعكس في نمو الودائع السريع. وعلاوة على ذلك، لدى البنوك وسادة عازلة رأسمالية كبيرة، ونسبة القروض المتعثرة منخفضة. ومن المتوقع أن يرتفع الإقراض المصرفي مع تسارع الإنفاق العام. وسيواصل الإقراض توسّعه على خلفية تطوير البنية التحتية والنمو السكاني.
ومع ذلك، تشير “كابيتال إيكونوميكس” إلى أن “التوسع السريع في الإئتمان خلال العقد الفائت هو مصدر قلق. تاريخياً، إن بلوغ نسبة الزيادة في الإئتمان إلى الناتج المحلي الإجمالي ثلاث نقاط مئوية أو أكثر في السنة كان دليلاً ومؤشراً جيداً إلى ضغوط مالية مستقبلية. فقد إرتفعت نسبة الإئتمان إلى الناتج المحلي الإجمالي في قطر بنحو 35 نقطة مئوية منذ سبع سنوات”.
على الرغم من أن معظم هذه القروض كان لمشاريع البنية التحتية، فإن الأمل أن يؤدي ذلك إلى عوائد أكبر وأكثر من الإقراض للمستهلكين، على سبيل المثال، تمويل مشاريع تحقيق إمكاناتهم.
“نعتقد أن هناك خطراً حقيقياً يكمن في المنافسة الشديدة بين دول الخليج على تشكيل أنفسها كي تكون مراكز محورية للخدمات العالمية التي يمكن أن تؤدي إلى إفراط في الطاقة، كما حدث في دبي في الفترة التي سبقت الأزمة في 2008/2009. عندها يمكن أن تواجه الشركات المحلية صعوبة في تسديد قروضها”، تفيد “كابيتال إيكونوميكس”.
وتشير المؤسسة البحثية أيضاً إلى أن الإقراض المصرفي يتركز في عدد قليل من المشاريع الكبيرة. وإذا فشلت هذه الأخيرة، فإن ذلك سيؤدي عندها إلى إرتفاع القروض المتعثرة. ومع ذلك فإن إحتمال حدوث أزمة في القطاع المصرفي في قطر ضئيل للغاية، في حين أن الحكومة سوف تكون قادرة بسهولة على إنقاذ البنوك.
عموماً، يبدو بأن الإقتصاد القطري ما زال واعداً وسيواصل تفوقه، وإن كان ربما بوتيرة أقل إمتيازاً مما كان الأمر عليه في السنوات الأخيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى