هل سيُعالِج اللَقَاحُ ضد كورونا ويلات السياحة؟

تسبّب تفشّي فيروس كورونا في خسائر ضخمة لقطاع السياحة حول العالم خلال النصف الأول من العام بحسب منظمة السياحة العالمية حيث قدّرت قيمة الخسائر بـ460 مليار دولار، وهي أكبر بخمسة أضعاف من تلك التي سُجِّلت خلال الأزمة المالية في 2009. وتسبّب إغلاق الحدود والحجر الصحي في دول عدة إلى تراجع عدد السياح في العالم بمعدل 65% في النصف الأول من العام الجاري، وتعتقد المنظمة أن العودة إلى مستوى ما قبل الجائحة “على صعيد وصول السياح ستستغرق ما بين عامين وأربعة أعوام”. ولكن هل يُغيّر اللقاح الوضع؟

اللقاح: أعاد الأمل إلى القطاع السياحي ولكن…

بقلم محمد سليم

تضرّر القطاع السياحي في العالم أكثر من معظم الصناعات بسبب جائحة فيروس كورونا. ومع ذلك، فإن الأخبار التي تُفيد بإمكانية توفّر لَقَاحٍ فعّال قريباً قد أثارت الآمال في أن التعافي قد يأتي في وقتٍ أقرب مما هو مُتوَقَّع.

في 9 تشرين الثاني (نوفمبر)، أعلنت شركة الأدوية الأميركية العملاقة “بفايزر” (Pfizer) وشركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية “بيوتاك” (BioNTech) أن لقاحاً تم تطويره بشكل مشترك كان فعّالاً في منع أكثر من 90 ٪ من الأشخاص الخاضعين للإختبار من الإصابة بفيروس “كوفيد-19″، وفقاً لنتائج المرحلة الثالثة من الإختبار. بعد أسبوعين، أشارت الإختبارات الإضافية إلى أن معدل الفعالية كان في الواقع أفضل مما كان مُتَوَقَّعاً في البداية، عند 95٪.

وأعلنت الشركتان إنهما تأملان في الحصول على إذنٍ لبيع وتوزيع اللَقاح – في البداية في الولايات المتحدة – قبل نهاية الشهر. لقد توقعتا بأن يكون بمقدورهما إنتاج ما يصل إلى 50 مليون جرعة من اللَقاح قبل نهاية العام و 1.3 مليار جرعة إضافية في العام 2021.

وأعقبت ذلك في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) أنباءٌ تُفيد بأن شركة التكنولوجيا الحيوية الأميركية “موديرنا” (Moderna) قد أنتجت أيضاً لَقاحاً مُرَشَّحاً بنسبة 95٪. وفي الوقت نفسه، أظهر اختبار لَقاحٍ آخر طوّرته جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، بالتعاون مع شركة الأدوية البريطانية-السويدية “أسترازينيكا” (AstraZeneca)، فعالية بنسبة 70٪ – والتي يمكن زيادتها بنسبة تصل إلى 90٪ من طريق تعديل الجرعة.

أمَلٌ في انتعاشٍ أسرع

رفعت هذه الأخبار الآمال في التعافي السريع من التحديات المُتعلّقة بالصحة والآثار الإقتصادية للوباء. وعلى وجه الخصوص، من المتوقع أن يكون اللَقاح الفعّال نعمةً كبيرة للسياحة، التي تأثرت بشدة بإغلاق الحدود وقيود السفر وإجراءات التباعد الإجتماعي المُتعلّقة بـكوفيد-19.

على الرغم من أن الوضع قد خفّ إلى حد ما في الأسواق النامية خلال منتصف العام، إلا أن أجزاءً كثيرة من العالم تشهد الآن ارتفاعاً ثانياً في حالات الإصابة بفيروس كورونا، ما أدّى إلى مزيدٍ من القيود.

وإثباتاً لمدى التأثير في تدفقات السفر العالمية، توقّعت منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية أن ينكمش اقتصاد السياحة الدولي بنسبة 80٪ هذا العام.

كان لهذا الإنكماش تأثير كبير في تلك الأسواق الناشئة التي تستمد جزءاً كبيراً من ناتجها المحلي الإجمالي من السياحة. على سبيل المثال، شكّلت السياحة في العام الفائت 11٪ من الناتج المحلي الإجمالي في تايلاند، و9٪ في الفلبين، و8٪ في المغرب، و7٪ في تونس.

في الوقت الحالي، من المتوقع أن يستغرق الأمر سنوات عدة قبل أن تتعافى السياحة تماماً: تُقدّر شركة الإستشارات “ماكينزي” أن إيرادات السياحة العالمية لن تعود إلى مستويات العام 2019 حتى العام 2023 أو 2024.

ومع ذلك، مع وجود لقاحٍ يسمح بمزيد من الحركة والتجارة، يأمل بعض المسؤولين أن يؤدي ذلك إلى انتعاشٍ أسرع من المُتَوَقَّع في النشاط السياحي. وقد أشار البعض إلى الصين كمثال على التعافي السريع: منذ أن تمكنت البلاد من السيطرة على معدلات الإصابة، عادت الحركة الجوية إلى 90٪ من مستويات ما قبل الوباء.

في حين أن اللَقاح سيكون مفتاحاً لأي استئناف في السياحة الجماعية، تقول أيلين كليمنتي، رئيسة مجلس إدارة ورئيسة شركة “راجا ترافيل كوربوريشن” الفلبينية، إن الإجراءات الأخرى ستكون ضرورية أيضاً للتعافي.

وقالت: “أعتقد أن الأولوية الرئيسة لصناعة السياحة هي جعل الناس يسافرون مرة أخرى بأمان من خلال منح الحكومات الثقة في أن الاختبار المُنتَظِم لكوفيد-19 وتَتَبُّع الإتصال ممكنان وموثوقان قبل الحصول على برنامج لقاح”.

وأضافت: “كما نعلم جميعاً، سيستغرق برنامج اللقاح بعض الوقت ليتم طرحه في جميع أنحاء العالم، لذلك يجب أن تكون برامج قبل وبعد اللقاح مُتاحة بشكل متزامن”.

التحديات والفرص

من العوامل التي قد تُعقد أي تعافي هي الصعوبة المُحتمَلة المُرتبطة بنقل اللَقاحات بأمان.

للعمل بفعالية، يجب تخزين لقاح “بفايزر” وبيوتيك” في درجة حرارة مُنخَفضة للغاية تصل إلى 80 درجة مئوية تحت الصفر. يُمكن حفظ لقاح موديرنا في ثلاجة البراد العادية، بينما يقول باحثون من جامعة أكسفورد إن لقاحهم يمكن تخزينه في البراد.

على الرغم من أن متطلبات التخزين البارد تُشكّل تحديات خاصة في البلدان الأقل تقدّماً، إلّا أن هذه العوامل يُمكن أن توفّر أيضاً فرصاً لشركات الخدمات اللوجستية.

على سبيل المثال، تجري شركة الخدمات اللوجستية الكويتية “أجيليتي للمخازن العمومية” مناقشات مع الحكومات ومنتجي اللقاحات للمساعدة على توزيع جرعات اللقاح بمجرد توفّرها. تقول الشركة، التي لديها شبكة لوجستية تغطي 120 دولة، إن لديها قدرة تخزين تبريد كبيرة في العديد من الأسواق الناشئة.

بصرف النظر عن النقل، هناك تساؤلات حول ما إذا كانت التداعيات الإجتماعية والإقتصادية للأزمة قد تؤدي إلى مزيدٍ من التأخير في تعافي صناعة السياحة.

قال ثوران أونغ، الرئيس التنفيذي لمجموعة “داغون إنترناشيونال” في ميانمار: “حتى مع إطلاق اللقاح، سيكون الناس في المدى القصير إلى المتوسط حذرين للغاية بشأن السفر الترفيهي. أيضاً، نظراً إلى انخفاض الدخل المُتاح، لا نتوقع أن تنتعش السياحة بالسرعة نفسها كسفر رجال الأعمال”.

بالإضافة إلى القيود المالية المفروضة على الأُسَر، قد يجد بعض الشركات ذات الصلة بالسياحة صعوبة في العودة إلى العمل بعد إنفاق جزء كبير من العام 2020 إما مُغلقاً أو يعمل بشكل أقل من طاقته.

قال ثوران أونغ: “ترتبط صناعة السياحة في ميانمار بشكل خاص بالقطاع الحكومي. حتى في الوضع الافتراضي حيث كان الفيروس تحت السيطرة في المنطقة – بفضل توزيع اللقاح – لن يتعافى القطاع بدون دعم الحكومة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى