عمليّةُ الدوحة: أوجُهُ الفَشَل الذي لم تَعرِفهُ إسرائيل

محمّد قوّاص*

بدت خيبةٌ على وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أوّل كلمة له بعد الهجومِ على مقرِّ قيادة حركة “حماس” في الدوحة. كان للتَو قد أُبلِغَ أنَّ لا تأكيدات على نجاح عملية اغتيال وفدٍ من قيادات الحركة كان مُجتمعًا لدراسةِ مُقتَرَحٍ أميركي لعقد اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، وحتى إنهاء الحرب، في غزّة.

بدا أنَّ الخيبةَ تُعبّرُ عن إخفاقٍ لم تعرفه العمليات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في الخارج منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول (اكتوبر) 2023. فشلت إسرائيل في الدوحة، بعد أن نجحت في اغتيال القيادي اسماعيل هنية في طهران، وقبله صالح العاروري في قلب ضاحية بيروت، ناهيك من عمليات اغتيال قادة الحركة في قطاع غزّة. تفاخَرت إسرائيل بما ملكته من قدراتٍ استخباراتية لاختراقِ هياكل الأمن والعسكر لدى “حزب الله” والفتك بقادته ومقدّراته على كامل الأراضي اللبنانية. وقُيِّدَ لها أن تستخدمَ هذه القدرات لاستهداف قادة الحرس الثوري في سوريا قبل سقوط نظام الأسد واستهدافهم وقادة البلاد في قلب إيران في حرب الأيام الاثني عشر في حزيران (يونيو) الماضي.

فشلت إسرائيل، ومن غير الواضح حتى الآن عمّا إذا كانت هناك إرادة استخباراتية مُضادة أدّت إلى نجاة قادة “حماس”، أم أنَّ المُعطَيَات الاستخباراتية الإسرائيلية كانت غير دقيقة رُغمَ أنَّ الذخائر استهدفت فعلًا مقرًّا للقيادي خليل الحيّة وقتلت نجله، أم أنَّ مصادفة قدرية غير محسوبة أجهضت ما كانت إسرائيل ترمي إليه.

قبلَ يومٍ واحدٍ من عملية الدوحة، شهدت إسرائيل فشلًا أمنيًا خطيرًا إثرَ تَمَكُّنِ فلسطينيين من تنفيذ هجوم في مدينة القدس أودى بحياة 6 قتلى وسقوط جرحى إسرائيليين. وبدا أنَّ الحدث كان جللًا موجعًا صادمًا لأجهزة الأمن الإسرائيلية ولحكومة اليمين ورئيسها، أطلق وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، توعُّدًا بـ”جهنم” ضد غزّة، فيما ارتكب الجيش “مجزرة” ضد أبراج غزّة اعتبرها نتنياهو بدايةً لآتٍ أعظم. يُضاف فشل الأيام الأخيرة إلى فشلٍ استراتيجي لكلِّ الحرب التي تخوضها إسرائيل منذ حوالي العامين، على جبهاتٍ متعددة، من غزّة والضفة الغربية وصولًا إلى إيران مرورًا بلبنان واليمن وسوريا.. إلخ.

قامت عقائد تلك الحرب على أنها الضمان “الوحيد” لتوفير الأمن والاستقرار لإسرائيل والإسرائيليين، فإذا بعملية القدس كما عمليات سابقة ولاحقة تؤكّد وستؤكّد فشل إسرائيل ومقارباتها في تجاهل العامل السياسي للأزمة، الذي يتطلّب الاعتراف بأنَّ لا أمنَ لإسرائيل من دون صفقةٍ تاريخية تقومُ على تسويةٍ سياسية تُقيم دولةً للفلسطينيين.

كان وزير الخارجية الإسرائيلية، جدعون ساعر، قد أفتى قبل أيامٍ بأنَّ إقامةَ دولةٍ فلسطينية تُمثّلُ خطرًا على أمن إسرائيل. كان بذلك يحاولُ الردَّ على استعداد دول أوروبية ترتفع أعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال شهر أيلول (سبتمبر) الجاري على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. لم يجد الوزير الإسرائيلي حجّةً أكثر وجاهة في ظل حالة اللا أمان التي تعيشها إسرائيل رُغمَ عدم وجود هذه الدولة التي يعتبرها خطرًا على الأمن والطمأنينة والهدوء.

قد يكونُ فشلُ عملية الدوحة، والذي أصاب الولايات المتحدة بحرجٍ مُربِك، هو بدايةَ انعطافةٍ تضعُ حدًّا لحالة الانفلات العام الذي غضّت واشنطن النظر عنه ودعمته مع حلفائها الغربيين انتقامًا لعملية “طوفان الأقصى”. بدا أنَّ ما أشار إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في بيانِ التنصُّلِ من “الإثم”، بشأن “أن يكون الحدث مقدمة لبدء مسار سلم”، مؤشر إلى تهيُّبٍ داهم في واشنطن من غضب عواصم حليفة للولايات المتحدة في المنطقة من وصول الأمور إلى خطٍّ أحمر كانت دولة الإمارات قد حذّرت منه قبل أيام. وهذا فشلٌ إسرائيلي استراتيجي آخر.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) تَوازِيًا مع صُدورِه في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى