ماذا يجري في سوريا؟
بعدَ سنواتٍ من الهدوء النسبي، قد يكون تجدُّدُ القتال في سوريا أوَّلَ تحدٍّ رئيس للسياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة.
جيريمي هودج وحسين ناصر*
بعدَ ما يقرب من خمس سنوات على اعتبارِ الصراعِ مُجمَّدًا، كُتِبَ فصلٌ جديد وغير مسبوق خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت في الحرب الأهلية السورية التي دامت 13 عامًا. شنَّ المتمرّدون في شمال البلاد، يوم الأربعاء من ذلك الأسبوع، هجومًا برّيًا خاطفًا ضد قوات نظام الأسد وتمكّنوا، في غضون 72 ساعة، من الاستيلاء على مدينة حلب الكبرى.
وبعد يوم واحد، استولى المتمرّدون على تل رفعت، آخر معقل رئيس في شمال غرب سوريا كان تحت سيطرة مجموعة ثالثة، قوات سوريا الديموقراطية التي يهيمن عليها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة.
لا يُمكن المبالغة في أهمية وسرعة انتصار المتمرّدين في حلب. من العام 2012 إلى العام 2016، لقي آلاف الجنود من المتمرّدين وجيش النظام حتفهم في المدينة ــالتي كانت مُقسّمة آنذاك بين جيوب الحكومة والمعارضةــ في معارك ضارية من منزل إلى منزل، حيث مات المقاتلون من كلا الجانبين بأعدادٍ كبيرة من أجل الاستيلاء على شوارع فردية وتحريك خط المواجهة إلى الأمام أمتارًا قليلة في كلّ مرة.
في كانون الأول (ديسمبر) 2016، طُرِدَ المتمرّدون من حلب في أعقابِ تَدَخُّلِ روسيا إلى جانب نظام بشار الأسد، في ضربةٍ كبرى سبقت سلسلةً مُهينة من الخسائر التي تكبدتها المعارضة السورية على مدى السنوات الثماني التالية. إنَّ سقوط المدينة بأكملها بهذه السرعة في الأسبوع الماضي يُشيرُ إلى مدى تحوّلِ ميزان القوى العالمي جنبًا إلى جنب مع أولويات اللاعبين الإقليميين الرئيسيين – وخصوصًا روسيا وإيران.
وعلى النقيضِ من العام 2016، خلال التقدُّم الأوَّلي للمتمرّدين في الأسبوع الفائت، لم تتحرّك الأصول العسكرية الروسية في سوريا -وخصوصًا قوتها الجوية القوية- أو تفعل أيَّ شيءٍ تقريبًا للتدخّل لحماية القوات الحكومية، مما سمح للهجوم البري للمتمردين بالتقدّم لمسافة 20 ميلًا من دون عوائق نحو حلب من معقل المعارضة في محافظة إدلب.
لم تبدأ روسيا شنَّ الغارات الجوية إلّا في الأيام التي أعقبت الاستيلاء على حلب من أجل وقف تقَدُّمِ المتمرّدين أثناء تحرّكهم إلى الجنوب وأعمق في أراضي النظام، واقترابهم من مداخل حماه في وسط البلاد.
بالنسبة إلى كثيرين، يبدو فشل موسكو في التحرُّك بسرعة في الأيام الثلاثة الأولى من الحملة غير قابلٍ للتفسير وعرضةً للشك بالنظر إلى مدى تكرار نشر وتدخُّل القوة الجوية الروسية على مدى العام الماضي ضد أي تمرّدٍ مُنخفض المستوى لتنظيم “الدولة الإسلامية” في منطقة الصحراء الوسطى في سوريا، وهي منطقة أقل استراتيجية وتقع بعيدًا من قاعدة حميميم الجوية الروسية الكبيرة على طول الساحل السوري.
على النقيض من ذلك، تقع حلب وإدلب بجوار حميميم مباشرة -إحدى أكبر القواعد العسكرية الروسية خارج الاتحاد السوفياتي السابق- والتي اعتمدت عليها موسكو منذ العام 2018 لنقل الأسلحة وآلاف المرتزقة والجنود إلى مناطق الحرب في جميع أنحاء أفريقيا. وباعتبارها رمزًا لوجود موسكو في البلاد، كانت حميميم هدفًا بانتظام لضربات الطائرات المُسَيَّرة التي نفذها المتمردون، الذين ستُهدّد مكاسبهم السريعة على مدار الأسبوع الماضي المنشأة إلى جانب الأصول الروسية الرئيسة الأخرى في المنطقة.
إنَّ عدمَ تدخُّلِ روسيا على الفور لوقف تقدُّم المتمرّدين دفعَ الكثيرين إلى التشكيك في حسابات موسكو، بما في ذلك ما إذا كان الكرملين قد حجب قوته النارية عمدًا كوسيلةٍ للضغط على بشار الأسد لمتابعة أهداف سياسية معيّنة – وخصوصًا التقارب مع تركيا، آخرُ راعٍ لحركة التمرّد في سوريا.
منذ العام 2022، رعت روسيا جهود الوساطة بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث يأمل الأخير في التوصل إلى حلٍّ سياسي للصراع من شأنه أن يسمح لـ4.7 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا بالعودة إلى ديارهم، والطلب بدعم الأسد لمواجهة قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. بالنسبة إلى روسيا، فإنَّ الحل السياسي المُعترَف به دوليًا من شأنه أن يساعد على رفع العقوبات المفروضة على سوريا والسماح باستثمارٍ أكبر في إعادة إعمار البلاد – والتي تشير التقديرات إلى أنها ستكلف مئات عدة من مليارات الدولارات. وستكون الشركات الروسية على استعداد للاستفادة من هذا الجهد بناءً على الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مع الحكومة السورية منذ العام 2017.
إنَّ هذا من شأنه أن يُخفّف العبءَ الذي تتحمّله روسيا في توفير الدفاع عن سوريا في وقتٍ يُعتقد أن موسكو تُعاني من بعض أفدح خسائرها حتى الآن في أوكرانيا. مع ذلك، وعلى الرُغم من هذا ــوبعد محاولات عدة فاشلةــ لم يلتقَّ الأسد وأردوغان بعد أو يبدآن مفاوضات، ويرجع هذا على ما يبدو إلى الخلافات المستمرة حول وضع عشرات الآلاف من القوات التركية التي لا تزال في سوريا.
إنَّ فشلَ الأسد في التعامل مع المحادثات بحُسنِ نية دفع الكثيرين إلى الشك في أنَّ روسيا وتركيا كانتا على علمٍ مُسبَقٍ بالهجوم الذي شنّه المتمردون على حلب وسمحتا بحدوثه من أجلِ جلبِ الأسد إلى طاولة المفاوضات. ووفقًا لرويترز (نقلًا عن مصادر معارضة مرتبطة بالاستخبارات التركية)، ورد أنَّ السلطات التركية أعطت قوات المتمردين الضوءَ الأخضر لمهاجمة حلب قبل هجوم الأسبوع الماضي.
إنَّ فكرةَ أنَّ الروس أنفسهم كانوا على علم مسبق بالهجوم ليست مُستَبعدة. في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) 2024، بدأ المتمرّدون في إدلب الادِّعاءَ علنًا بأنَّ الحركة تُخطط لشنِّ حملةٍ برية للاستيلاء على حلب، ردًّا على حملةٍ مُتصاعدة من الهجمات الانتحارية بطائرات مُسَيَّرة التي نفذتها القوات الروسية وقوات النظام الأسدي والتي بدأت خلال الصيف. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، عارضت تركيا القرار، حيث نشر جيشها آلاف القوات في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون منذ العام 2020 لصد هجمات نظام الأسد. وقد أعطى هذا الوجود تركيا نفوذًا كبيرًا على المتمردين، والذي استخدمته أنقرة لفرض الاتفاقات التي تمَّ التوصّل إليها مع روسيا في أواخر العام 2017 والتي حدّت من المناطق التي يُسمح للمتمردين الانتشار فيها إلى أجزاء محددة على وجه التحديد من محافظة إدلب.
لكن على مدى الشهر الماضي، أثار عناد الأسد سلسلةً من التصريحات الغاضبة من المسؤولين الأتراك، بمن فيهم حقان فيدان -وزير الخارجية ورئيس المخابرات السابق- الذي صرّحَ في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) أنَّ “الأسد وشركاءه لا يبدو أنهم مستعدون لحلِّ مشاكل معينة” وأضاف في وقت لاحق من الشهر -قبل هجوم الأسبوع الماضي- أن “بشار الأسد لا يريد السلام في سوريا”.
كما منحت الانتخابات الأميركية الأخيرة وبداية فترة البطة العرجاء للرئيس المنتهية ولايته جو بايدن تركيا نافذةً أكثر تساهُلًا يمكن لأنقرة من خلالها خلق حقائق على الأرض من شأنها أن تُعزّزَ موقفها في أيِّ مفاوضات حول مستقبل سوريا. قبل وقت قصير من هجوم المتمردين الأسبوع الماضي، ذكرت وسائل الإعلام الإقليمية أنَّ الأسد سافر إلى موسكو لمناقشة استئناف محادثات المصالحة مع تركيا. وعندما سُئل خلال مؤتمر صحافي في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) عما إذا كان الأسد في موسكو بالفعل، لم يؤكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أو ينفي التقارير، قائلًا: “ليس لدي ما أقوله بشأن هذه القضية”.
لكنَّ القصّةَ لا تقتصرُ على روسيا وتركيا. الواقع أنَّ العاملَ الأكثر وضوحًا الذي ساهم في انتصار المتمردين كان الفراغ الذي تركه بعضُ أنصار النظام الآخرين: إيران وقوتها الوكيلة الأقوى، جماعة “حزب الله” المسلحة، والتي تضاءلت قوتها على مدى الشهرين الماضيين نتيجة لحربها ضد إسرائيل.
لقد قاد مستشارون من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني حملات ضد المتمردين السوريين منذ شباط (فبراير) 2012 على الأقل. وبعد سلسلة من المكاسب التي حققها المتمردون في تموز (يوليو) 2012، غمر “حزب الله” -إلى جانب آلاف الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني – سوريا. وعلى مدى السنوات الإحدى عشرة التالية، عملت هذه القوات كقواتِ دفاعٍ للنظام، حيث تولت مواقع قيادية على طول خطوط المواجهة في جميع أنحاء البلاد.
وأخيرًا، بدأت قوات “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني الانسحاب من سوريا بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، عندما صعّدت إسرائيل من غاراتها الجوية ضد قادة المجموعتين بالتزامن مع حربها ضد “حماس” في قطاع غزة. وقد دفع مقتل إسرائيل للعديد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا -رازي موسوي ومحمد رضا زاهدي في 25 كانون الأول (ديسمبر) 2023، و1 نيسان (أبريل) 2024 على التوالي- إيران إلى سحب مئات القوات من البلاد والحد من وجود الحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” على الخطوط الأمامية.
وبعد إطلاق إسرائيل هجومها على لبنان في أيلول (سبتمبر)، أعاد آلاف من مقاتلي “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية والأفغانية المدعومة من إيران الانتشار مرة أخرى، مُبتعدين من خطوط المواجهة الرئيسة في سوريا لتعزيز طرق تهريب الأسلحة على طول الحدود السورية-اللبنانية. وبالإضافة إلى خسارة القوى البشرية المدعومة من إيران، أُجبِرَت قوات من الفرقة 25 النخبوية التابعة لنظام الأسد في أيار (مايو) 2024 على إعادة الانتشار بعيدًا من خط المواجهة للمتمردين، وهذه المرة نحو الصحراء الوسطى في سوريا لقمع تمرد تنظيم “الدولة الإسلامية” المتنامي الذي ظهر في المنطقة هذا العام.
وبدون دعم هذه القوى الرئيسة، وجدت وحدات الجيش السوري التي بقيت على خط المواجهة نفسها عاجزة إلى حد كبير عن الدفاع عن نفسها ضد تقدم المتمردين في الأسبوع الماضي، بقيادة هيئة تحرير الشام، وهي فصيل سابق من تنظيم “القاعدة” يسيطر على محافظة إدلب ومقاتلوها هم من بين الأكثر تدريبًا وأفضل تجهيزًا في البلاد.
حتى تلك الوحدات القليلة المدعومة من الحرس الثوري الإيراني التي بقيت بدت وكأنها لا تُقدّمُ مقاومةً تُذكر. في 28 تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد مقتل قائد من الحرس الثوري الإيراني العميد كيومرث بورهاشمي (المعروف بالحاج هاشم) في اشتباكات مع المتمردين في حلب، لجأ مئاتٌ عدة من المقاتلين الإيرانيين إلى مبنى الأكاديمية العسكرية في المدينة، حيث ما زالوا حتى كتابة هذه السطور، رافضين الاستسلام.
وبعد الاستيلاء على حلب، واصلت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها تقدمها نحو الجنوب والشرق والشمال، واستعادت السيطرة على كل الأراضي التي خسرتها لصالح نظام الأسد منذ العام 2018 تقريبًا، واستولت على مناطق جديدة، بما فيها بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين، اللتين كانتا لفترة طويلة بمثابة أقوى معاقل المشاعر المؤيدة للنظام في الريف بالقرب من حلب.
في 30 تشرين الثاني (نوفمبر)، أطلق “الجيش الوطني السوري”، وهو تحالفٌ متمرّد آخر مقره في الريف شمال حلب، حملته الخاصة للاستيلاء على معقل قوات سوريا الديموقراطية الكردية في تل رفعت، والارتباط بهيئة تحرير الشام أثناء القتال لإنشاء منطقة متجاورة يسيطر عليها المتمردون تغطي تقريبًا كل محافظتي إدلب وحلب.
حتى 2 كانون الأول (ديسمبر)، تقدم المتمردون جنوبًا للوصول إلى مدخل حماه، مع استمرار الاشتباكات حول جبل زين العابدين في الريف الشمالي للمدينة. وفي جميع أنحاء البلاد، نفّذَ المتعاطفون مع المتمردين في البلدات المحيطة بمدينة حمص الكبرى والأجزاء الريفية من جنوب سوريا أيضًا هجمات متفرّقة ضد قوات النظام.
كان العديد من هؤلاء المهاجمين من المتمردين السابقين الذين استسلموا لقوات النظام السوري من العام 2016 إلى العام 2018 في سلسلة من اتفاقيات “المصالحة” التي سمحت لهؤلاء الاحتفاظ بأسلحتهم مقابل تعهدات بالولاء للأسد وحكومته.
على الرُغم من ذلك، استمر العديد من المتمردين المتصالحين في المشاركة في تمرّد منخفض المستوى ضد قوات الأسد، وبخاصة في محافظة درعا الجنوبية، حيث خاض المتمردون السابقون في آذار (مارس) 2020 وتموز (يوليو) 2021 معارك استمرت شهورًا ضد قوات النظام أسفرت عن مقتل العشرات.
في كلتا الحالتين، لم يُهزَم مُتمرّدو درعا إلّا بعد تدخُّل القوات الخاصة السورية، والتي كانت في الحالة الأخيرة مدعومة أيضًا بالقوة الجوية الروسية. إذا استمرت قوات هيئة تحرير الشام-الجيش الوطني السوري في مسيرتها عبر سوريا، فقد يفتح المتمردون المتصالحون في درعا وأماكن أخرى جبهة ثانية، مما يخفف الضغط على القوات السابقة ويفرض انهيارًا آخر على طول خطوط المواجهة للنظام.
إنَّ الهجوم الذي شنه المتمردون السوريون على حلب من شأنه أن يخلق صداعًا كبيرًا لإدارة ترامب المقبلة، وخصوصًا في ما يتعلق بدعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديموقراطية الكردية، التي هُزمت قواتها يوم الأحد وطُردت من تل رفعت بعد احتلال المدينة والبلدات المحيطة بها منذ العام 2016.
ومع ذلك، فإنَّ الاستيلاءَ على تل رفعت يُمثّلُ مجرّد بداية لطموحات تركيا الأكبر في سوريا، والتي تشمل طرد قوات سوريا الديموقراطية من جميع المناطق التي تسيطر عليها المجموعة.
في العام 2018، خلال فترة ولايته الأولى، أبدى ترامب رغبته في سحب القوات الأميركية من سوريا، وفعل ذلك في وقت لاحق من العام 2019 في أعقاب هجوم مشترك بين تركيا والجيش الوطني السوري على قوات سوريا الديموقراطية، والذي أجبر الأخيرة على التخلي عن السيطرة على مدن رئيسة على طول الحدود السورية-التركية. والآن، في أعقاب المكاسب الأخيرة التي حققتها هيئة تحرير الشام والميليشيات المتمردة التابعة للجيش الوطني السوري، ستتعرّض قوات سوريا الديموقراطية والولايات المتحدة لضغوط أكبر من أنقرة للانسحاب من سوريا.
من المرجح أن يؤدي مثل هذا الانسحاب إلى عودة ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” مرة أخرى، حيث أفاد الخبير في الشؤون السورية تشارلز ليستر أنَّ معدل هجمات “داعش” في جميع أنحاء البلاد تضاعف ثلاث مرات منذ العام 2023. وقد أصبح ظهور المجموعة الإسلامية المتطرفة ممكنًا إلى حدٍّ كبير بسبب الفراغ الناجم عن انسحاب القوات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني وانسحاب آلاف عدة من المرتزقة والقوات الروسية بعد غزو موسكو لأوكرانيا ومحاولة تمرّد مجموعة فاغنر في “روستوف أون دون” في تموز (يونيو) 2023.
كانت قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة حاسمة في وقف تدفق هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية”. وإذا أُجبرت المجموعة على مواجهة قوة متمردة ناشئة مدعومة بالقوة الجوية التركية، فقد تزداد هذه الاتجاهات سوءًا.
مع ذلك، إذا شنت تركيا أو هيئة تحرير الشام أو الجيش الوطني السوري هجمات متجددة ضد مناطق أخرى تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية -وبخاصة حول مدينة منبج- فإنَّ القوات الأميركية إما أن تُجبَر على مواجهة قوة متمردة أقوى وأكثر تمكينًا مدعومة بالقوة الجوية التركية أو الانسحاب.
سوف يتعرّضُ ترامب لضغوطٍ كبيرة في واشنطن لتجنُّب الخيار الأخير، الذي من شأنه أن يدعو الجهات الفاعلة الثلاثة إلى شنّ هجمات جديدة على أراضي قوات سوريا الديموقراطية، على غرار الحملة التركية-الجيش الوطني السوري في العام 2019 واستيلاء هيئة تحرير الشام على حلب خلال عطلة نهاية الأسبوع. كما إنَّ أراضي قوات سوريا الديموقراطية -التي تمتد إلى عمق الصحراء في شرق سوريا- مجاورة أيضًا لمناطق يتواجد فيها حشدٌ كبير من القوات الإيرانية، والتي قد تستغل أيضًا الانسحاب الأميركي للاستيلاء على أراض جديدة لنفسها.
قد تكون هذه المعضلة بمثابة التحدّي الأول للسياسة الخارجية لولاية ترامب الثانية، مع وقوع الرئيس بين الجناح الانعزالي في حزبه والأصوات الأكثر تشدُّدًا التي جعلت معارضة إيران والجماعات الإرهابية -بما فيها تنظيم “الدولة الإسلامية”- ركيزة أساسية للسياسة الخارجية للبيت الأبيض.
- جيريمي هودج هو زميل باحث في برنامج الأمن المستقبلي لأميركا الجديدة ومبادرة الأمن المستقبلي في جامعة ولاية أريزونا.
- حسين ناصر هو باحث أول في شؤون سوريا في مركز زوميا لدراسة المساحات غير التابعة للدولة.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.