الشراكةُ الهَشَّة بين إيران وروسيا
قد تتقارَبُ إيران وروسيا في السنوات المقبلة، لكنَّ التعاونَ الأكبر ليس مضمونًا. فعلى الرغم من كل ما يتمتع به التحالف الروسي-الإيراني من مزايا، فإنه يحتوي على تناقُضاتٍ مُتأصّلة، وانعدامِ ثقةٍ مُتبادَل، ومصالح مُتنافسة من شأنها أن تُقوِّضَ متانته.
ماريا سنيغوفايا وجون ألترمان*
منذ بداية غزوها أوكرانيا، كانت روسيا على علاقةٍ وثيقة بالجمهورية الإسلامية. فقد قدمت الأولى لإيران الدعمَ العسكري والغطاءَ الديبلوماسي والمعلومات الاستخباراتية. وفي المقابل، زوّدت طهران موسكو بأسلحةٍ خاصة بها وروَّجت لادِّعاءات الكرملين. ففي تموز (يوليو) 2022، على سبيل المثال، وصف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي حلف شمال الأطلسي بأنه “مخلوقٌ خطير” وزَعَمَ أنه لو لم تتخذ روسيا زمام المبادرة، لكان الغرب قد تسبّب في الحرب في أوكرانيا على أيِّ حال.
بالنسبة إلى المراقبين وخبراء شؤؤن الدولتين، فإنَّ هذه الشراكة لا ينبغي أن تكونَ مفاجئة. الدولتان هما من بين أشدِّ خصومِ الغرب عنادًا. منذ ثورة إيران في العام 1979، كان قادتُها مُعادين بشدة لأميركا، مُدَّعين أنهم هدفٌ دائم لمؤامراتها لعزل وتقويض حكومة الجمهورية الإسلامية. ومن ناحية أخرى، زَعَمَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنَّ الحربَ مع أوكرانيا هي في واقعِ الأمر هي حربٌ مع حلف شمال الأطلسي الجشع الذي يسعى إلى تدمير روسيا. البلدان منبوذان دوليًا، وخاضعان لعقوباتٍ قاسية، ويحتاجان إلى شركاء أينما وُجِدوا. وكلاهما يحكمه زعماءٌ استبداديون شخصيون بدعمٍ من نُخبةٍ أوليغارشية معزولة إلى حدٍّ كبيرٍ عن الرقابة.
لكن على الرُغمِ من أوجُهِ التشابُه بين البلدين، فإنَّ شراكتهما قد تكون أكثر هشاشةً مما تبدو عليه للوهلة الأولى. فإيران وروسيا تشتركان في عدوٍّ مُشترَك ونظامِ حُكمٍ مشترك. مع ذلك، لديهما تاريخٌ طويلٌ من الصراع، وهو صراعٌ لم يختفِ تمامًا. إقتصاديًا، هما دولتان نفطيتان تتنافسان على الأسواق نفسها. سياسيًا، تتنافسان حول مَن ينبغي أن يكون القوة الأساسية في القوقاز وآسيا الوسطى. ولديهما نهجان مختلفان في التعامل مع الشرق الأوسط أيضًا. الواقع أنهما لا تشتركان في أيِّ أجندةٍ دولية مُتماسِكة، باستثناء تقويض الهيمنة الغربية. وحتى عندما يتعلق الأمر بواشنطن، فإنَّ لديهما خلافات استراتيجية. ففي الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، سعت روسيا إلى مساعدة دونالد ترامب. ووفقًا لوزارة العدل الأميركية، في غضون ذلك، خططت إيران لاغتياله.
في الواقع، تستطيع واشنطن وشركاؤها استغلال هذه الخلافات لدقِّ إسفينٍ في العلاقات بين موسكو وطهران. ولا يتطلّبُ الأمرُ التقرُّبَ من أيٍّ من الحكومتين. بل إنَّ الغربَ قادرٌ على إشعالِ تحريضٍ اقتصادي بين البلدين ضد بعضهما من خلال سياسات الطاقة التي تؤدّي إلى خفض أسعار النفط. ويتعيّن على الغرب هنا أن يعملَ على تذكيرِ كلًّا منهما بأنَّ لديه رؤى سياسية متنافسة في أغلب أنحاء العالم، كما عليه أن يجعل من الصعب على موسكو وطهران التعاون في الأماكن التي ترغبان في التعاون فيها، وإلّا فإنَّ إيران وروسيا قد تتغلبان على خلافاتهما وتؤسّسان شراكةً دائمة. والنتيجة ستكونُ عالمًا أكثر اضطرابًا وعُنفًا.
مصادر السلوك الإيراني-الروسي
تَرجَعُ مشاكل روسيا مع الغرب إلى بداية حقبة ما بعد الحرب الباردة. عندما انهارَ الاتحاد السوفياتي في العام 1991، أدخل الإصلاحيون الروس الموالون للغرب تغييراتٍ ثورية تهدُفُ إلى تحريرِ الاقتصاد بسرعة. لكن بدلًا من إنتاج نموٍّ واسع النطاق، تحوّلت التسعينيات الفائتة إلى عقدٍ مؤلم بالنسبة إلى معظم المجتمع حيث انخفضَ نصيبُ الفردِ الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي في روسيا بنسبة 42٪ من العام 1990 إلى العام 1998. وارتفعَ معدّلُ الفقر بين السكان إلى مستوى قياسي بلغ 35٪. وزادت معدلات الوفيات وانخفض متوسّط العمر المُتَوَقَّع. وأصبح الروس يشعرون بالحنين العميق إلى الاتحاد السوفياتي والاستياء من الولايات المتحدة. وقد نشرَ العديدُ منهم نظريات المؤامرة التي تقول إنَّ الغربَ خطّطَ لتفكيك الاتحاد السوفياتي وأنه بعد انهياره، كان يحجب المساعدات الاقتصادية اللازمة ويستغلُّ ضعفَ روسيا. في النهاية، قاموا بدعمِ بوتين، الذي وعد باستعادة الاستقرار وسعى إلى إحياء قوة موسكو.
أما إيران فمشاكلها مع الغرب لها تاريخٌ طويل أيضًا. فقد دعمت الولايات المتحدة الانقلاب الذي وقع في العام 1953 والذي أطاحَ رئيس الوزراء الإيراني المنتخب محمد مصدق ومَكّنَ الشاه محمد رضا بهلوي، الموالي للغرب، من العودة إلى السلطة. وأطلقَ الشاه حملةَ تحديثٍ اقتصادي أطلق عليها اسم “الثورة البيضاء” في أوائل ستينيات القرن العشرين، ووعد بأنها ستوفّرُ للإيرانيين نموًّا قويًا وتنميةً صناعية. لكن العديد من الفوائد ذهبت إلى الطبقات العليا والمتوسّطة. وشهد الملايين من الإيرانيين الفقراء في المناطق الريفية انهيار شبكات الأمان الخاصة بهم. وأصبحت البلاد ككل مُشَوَّشة ومضطربة، الأمر الذي خلق الأجواء التي ساعدت على إشعال ثورة العام 1979 وإيصال النظام الإسلامي المتشدد في إيران إلى السلطة. تتشارك إيران وروسيا في عدم الثقة الواضحة العميقة الجذور في النظام الغربي (والإصلاحات المدعومة من الغرب). ولكن أوجه التشابه بينهما لا تتوقّف عند هذا الحد. فبُنيةُ النظام في كلٍّ من البلدين مُتشابهة إلى حد كبير، حيث تتميز بالديكتاتوريين الشخصيين، والاقتصادات التي تقودها الدولة، وأجهزة الاستخبارات القوية. في روسيا، هذا الزعيم هو بوتين. ولكلٍّ منهما اقتصادٌ هجين، حيث تخضع الصناعات الكبرى مثل الطاقة والخدمات المصرفية لسيطرة مشددة من قِبَل ضباط الأمن ومُلّاكٍ من القطاع الخاص الذين يُسمح لهم بإدارة الأعمال على مستويات أدنى. ومن جانب إيران، فإن خامنئي وشبكاته يديرون البلاد منذ أكثر من ثلاثين عامًا. والشركات الرئيسة في إيران إما مملوكة للدولة أو تديرها الدولة، وهي عادة تحت سيطرة كبار المسؤولين الأمنيين المُرتَبطين بالمؤسّسة الدينية. وفي كلا البلدين، يشتري النظام دعم الطبقة العاملة من خلال الإعانات والمدفوعات السخية. كما يشتري دعم العديد من العمال من الطبقة المتوسّطة من خلال توظيفهم في الشركات التي تديرها الدولة.
وقد أصدرت واشنطن، التي تُدركُ جيدًا كيف يتم هيكلة هذه الأنظمة، عقوبات واسعة النطاق تهدف إلى جعل هذه الأنظمة غير مستدامة. ولكن من عجيب المفارقات أن تجربة إيران تُشيرُ إلى أنَّ العقوبات تساعد على تعزيزها من خلال جعل الأمر صعبًا على أيِّ شخص يريد تطوير قوة اقتصادية خارج النخب. فقد أصبح الإيرانيون العاديون أكثر اعتمادًا على الدولة في الحصول على الموارد. وتتجنّب النخب بدورها القيود الاقتصادية من خلال جلب الثروة من خلال شبكات التهريب. ولعلَّ هذا هو السبب وراء محاولة الكرملين محاكاة التجربة الإيرانية. فقد استعارت موسكو ممارسة إيران المتمثّلة في استخدامِ شركاتٍ وهمية ونقل النفط من سفينة إلى سفينة في المياه الدولية. في تموز (يوليو) 2024، أدخلت وزارة التعليم في موسكو دراسة الاقتصاد الإيراني في المدارس الثانوية الروسية مع استعداد البلاد لعقودٍ مُحتملة من العقوبات.
شركاءٌ في الجريمة
إن الشراكة العسكرية بين خامنئي وبوتين تسبق الغزو الروسي الأخير لأوكرانيا. فقد أقام الطرفان علاقاتٍ عسكرية في العام 2015، عندما بدأت روسيا تدخّلها في سوريا لدعم نظام بشار الأسد. ومنحت طهران، التي كانت تُقدّمُ أصلًا الدعم لدمشق، روسيا حق الوصول إلى قاعدة عسكرية داخل إيران يمكنها من خلالها شنّ غارات جوية. كما أنشأت الدولتان لجنة عسكرية مشتركة لتسهيل المشاركة رفيعة المستوى بين جنرالاتهما، وتدريب الأفراد، وشراء الأسلحة.
ولكن منذ العام 2022، رفعت موسكو وطهران تعاونهما الدفاعي إلى مستوى جديد تمامًا. فإيران تُزوّد روسيا الآن بطائرات مقاتلة مُسَيَّرة، وصواريخ باليستية، وقذائف مدفعية، وذخائر أسلحة صغيرة، وصواريخ مُضادة للدبابات، وقنابل هاون، وقنابل انزلاقية. كما ساعدت إيران روسيا على بناء مصنعٍ للطائرات المُسَيَّرة في منطقة تتارستان الروسية. في المقابل، وافقت روسيا على إرسال طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر هجومية وطائرات تدريب نفاثة وأنظمة رادار إلى طهران. كما شاركت في تعزيز القدرات السيبرانية والاستخباراتية للجمهورية الإسلامية.
إنَّ التعاون بين إيران وروسيا لا يقتصر على الأمور العسكرية التقليدية فحسب، بل على أيِّ شيء ممكن يسعى إلى ضرب مصالح الغرب. فقد تقاسم الكرملين معلومات وتكنولوجيا سرية لمساعدة طهران على تطوير برنامجها النووي. واستغلت روسيا مقعدها في مجلس الأمن الدولي لحماية إيران من المساءلة عن أفعالها المزعزعة للاستقرار وانتهاكاتها للقانون الدولي. كما تقاسمت موسكو المعلومات الاستخباراتية وزوّدت الجماعات المدعومة من إيران، بما فيها “حماس” و”حزب الله” والحوثيين، بالأسلحة. ويتبادل البلدان المشورة حول كيفية سحق الاحتجاجات وتقويض جهود تنظيم المعارضة ومراقبة مواطنيهما. بل إن روسيا زودت إيران بتكنولوجيا مراقبة متقدّمة.
ويتزايد التعاون الاقتصادي أيضًا بين البلدين. في العام 2023، وقّعت طهران اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا وقبلت دعوة للانضمام إلى مجموعة “بريكس”. وعزّزت روسيا صادراتها من الحبوب إلى إيران. وأنشأت الدولتان آلية للتحويل بين البنوك حتى تتمكّنا من التجارة مباشرة بالروبل والريال، وتجنُّب العقوبات الغربية التي قد تمنعهما من استخدام اليورو أو الدولار أو الليرة الاسترلينية. كما ناقشا إنشاء ما يُسمّيانه ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب ــ وهو طريق بري وسكك حديدية وبحري يربط بين الهند وإيران وروسيا.
صديقان غريبان
قد تتقاربُ إيران وروسيا في السنوات المقبلة، لكنَّ التعاوُنَ الأكبر ليس مضمونًا. فعلى الرغم من كل ما يتمتّع به التحالف الروسي-الإيراني من مزايا، فإنه يحتوي على تناقُضاتٍ متأصّلة، وانعدامِ ثقةٍ مُتبادَل، ومصالح متنافسة من شأنها أن تُقوِّضَ متانته.
ومن أكبر العقبات هو التاريخ المشترك بين إيران وروسيا. قضت الدولتان، المُرتبطتان جغرافيا ببحر قزوين، قرونًا كإمبراطوريتَين مُتنافِستَين. وقد احتلت القوات السوفياتية جُزءًا من إيران أثناء الحرب العالمية الثانية، وأصبحت إيران بعدها جُزءًا مهمًا من المعسكر الغربي أثناء معظم فترة الحرب الباردة. وتغيّرَ هذا بالطبع بعد ثورة 1979، لكنَّ القيادة الدينية الجديدة في إيران لم تكن مُهتمة كثيرًا بالتحالف مع الاتحاد السوفياتي العلماني. وكان آية الله روح الله الخميني، أول مرشد أعلى للجمهورية الإسلامية، يكره واشنطن التي وصفها ب”الشيطان الأكبر”. لكنه لم يكن يُحب موسكو أيضًا، التي وصفها بأنها “الشيطان الأصغر”.
بمجرّدِ انتهاءِ الحرب الباردة، توصّلت الدولتان إلى تسوياتٍ مُحرِجة في بعض الأحيان في مجال ما بعد الاتحاد السوفياتي. فقد أدارت إيران كتفها الباردة للمسلمين الشيشان الذين قاتلوا من أجل الاستقلال عن روسيا في أوائل التسعينيات، على الرُغم من مطالبة الدستور الإيراني بـ “الالتزام الأخوي بجميع المسلمين والدعم الدؤوب للمُضطَهدين”. ونظرت الدولتان إلى بعضهما البعض بحذر عندما اندلعت مناوشات بين أرمينيا وأذربيجان في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي بعض النواحي، تتنافسان اليوم. فمنذ حرب ناغورنو كاراباخ الثانية، في العام 2020، تُحاول موسكو مساعدة باكو على إنشاء ممرٍّ يربط أذربيجان بتركيا. وفي الوقت نفسه، حاولت طهران إيقافها، خوفًا من أن يؤدّي الممر إلى قطع وصولها المباشر إلى أرمينيا وتقليص نفوذها الإقليمي.
ولا تتفق إيران وروسيا في الشرق الأوسط أيضًا. على سبيل المثال، إيران وإسرائيل خصمان مُعلَنان. لكن روسيا لديها علاقة عمل قوية مع إسرائيل. صحيح أنه منذ بدأت الحرب في غزة في العام الماضي، كان بوتين ينتقد إسرائيل، حتى أنه دعا وفدًا من “حماس” إلى روسيا. كما شقّت الأسلحة الروسية طريقها إلى العديد من خصوم إسرائيل الإقليميين. ولكن أكثر من مليون إسرائيلي أصلهم روسي ويتحدثون الروسية، مما يوفر لموسكو موطئ قدم في إسرائيل وسببًا لإعطاء الأولوية لأمن إسرائيل. بدورها، كانت الدولة العبرية حريصة على المصالح الروسية في سوريا. كما سعت روسيا إلى إقامة علاقات أوثق مع الدول العربية في الشرق الأوسط في محاولةٍ للاستفادة من رأس مال منطقة الخليج ونقل رأس المال الروسي الخاضع للعقوبات من خلال المؤسسات المصرفية الخليجية. وبطبيعة الحال، تجعل هذه الاحتياجات روسيا أكثر حساسية للعديد من شكاوى العالم العربي بشأن السلوك الإيراني.
لا تختلف إيران وروسيا في المصالح الجيوسياسية فحسب. فعلى الرغم من كلِّ حديثهما عن تشكيلِ شراكاتٍ تجارية، فإنَّ الدولتين تُهيمن عليهما في نهاية المطاف صناعات الهيدروكربون الخاصة بهما. ولأن العقوبات الغربية تَحُدُّ من قدرتهما على البيع للعالم أجمع، فإنهما مضطرتان إلى بيع النفط في حفنةٍ من الأسواق نفسها. وقد تشتد المنافسة قريبًا: فأكبر هذه الأسواق، الصين، تشهد تباطؤًا اقتصاديًا قد يُقوّضُ الطلب على الطاقة.
وأخيرًا، على مستوى أكثر جوهرية، تتمتّع إيران وروسيا بثقافاتٍ استراتيجية مختلفة. فعلى مدى جُزءٍ كبيرٍ من القرن العشرين، قادت موسكو واحدة من قوَّتين عُظميين عالميتين، ولا تزال تتمتع بشعورٍ تاريخي بالاستثنائية. ورُغمَ أنَّ الإيرانيين يُعزّزون تطلعاتهم إلى الهيمنة، فإنَّ هذه التطلُّعات إقليمية إلى حدٍّ كبير. وأكثر من أحلام الهيمنة، فإنَّ قادةَ إيران مدفوعون بالاستياء. فمنذ قرون، يشعر الإيرانيون بأنهم مُستَغَلُّون من قبلِ دولٍ أكثر قوة – بما فيها روسيا. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تعاونت موسكو مع العقوبات الغربية للضغط على إيران لكَبح برنامجها النووي.
العلاقات التي تُفرّق
في الوقت الحالي، تميلُ الغريزة في واشنطن إلى وَضعِ إيران وروسيا في سلّةٍ واحدة، ومعاملتهما باعتبارهما محورًا مُستدامًا يُهدّدُ المصالح الأميركية. ولكن نظرًا للاختلافات العديدة بين البلدين، فيتعيّن على المسؤولين الأميركيين أن يعاملوهما على حقيقتهما: شركاء مصلحة. وهذا يعني أنَّ واشنطن، بدلًا من وضعهما في سلّةٍ واحدة، لا بُدَّ أن تبحث بصبر عن السُبُلِ الكفيلة بإبعادهما عن بعضهما البعض.
تستطيع الولايات المتحدة أن تبدأ التعامُلَ بذكاءٍ مع العقوبات. إن الأنظمة الديكتاتورية الشخصية أكثر حساسية من الأنظمة الديكتاتورية الأخرى بالنسبة إلى خسارة الإيرادات الخارجية الناجمة عن العقوبات. وهي تعتمد على الرعاية الشخصية بدلًا من المؤسّسات الرسمية، وتتطلّبُ تدفُّقًا مستمرًّا من الإيرادات، والتي يمكن استهدافها بسهولة. وفي إيران وروسيا، تأتي هذه الإيرادات بشكلٍ ساحق من صادرات الوقود الأحفوري.
لكن إدارة جو بايدن أعطت الأولوية لاستقرار أسواق الطاقة على الضغط الكامل على إيران وروسيا، لذلك تمكّنت الدولتان من الحفاظ على الإنتاج. ولكن في عالمٍ يغمره الآن فائضُ الطاقة، تستطيع الولايات المتحدة أن تكون أكثر عدوانية في خفض دخلهما من الهيدروكربونات. وإذا كثّفت واشنطن فرض العقوبات، فإن هذا من شأنه أن يزيدَ من علاوة المخاطر التي ستطلبها الصين لشراء نفطها، وبالتالي تقليص عائدات إيران وروسيا. ومن شأن فرض سقف الأسعار الذي فرضته الولايات المتحدة ودول مجموعة السبع الأخرى على النفط الروسي في العام 2022 أن يفعل الشيء نفسه، كما هو الحال مع أيِّ جهود أميركية أخرى لدفع أسعار النفط إلى الانخفاض.
وعلى نحوٍ مماثل، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تُسلّطَ الضوء على الطرق الأخرى التي تتعارَض بها مصالح البلدين. على سبيل المثال، ينبغي للحملات الإعلامية المُستَهدِفة أن تكشفَ عن الكيفية التي تدعم بها روسيا أولويات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الشرق الأوسط على حساب أولويات إيران. ويتعيّن على الغرب أيضًا أن يُسلّطَ الضوء على العلاقات الدائمة بين روسيا وإسرائيل. وفي بعض الحالات، يستطيع الغرب أن يستغلَّ هذه الحقائق من خلال رفع السرية عن المعلومات التي تكشفُ عن هذه التوترات.
لا يعني أيٌّ من هذا أنَّ مجموعة السياسات الغربية الحالية فاشلة. إن الولايات المتحدة وشركاءها على حق في تقويض قدرة إيران على الوصول إلى السلع والتكنولوجيا الحيوية، والتي تُعيدُ طهران تصديرها بعد ذلك إلى روسيا. وينبغي للولايات المتحدة وشركائها تطوير استراتيجية أفضل وأكثر شمولًا لمنع الدعم الروسي لوكلاء إيران. لكن التعامل مع البلدين كوحدةٍ واحدة لا يكفي للحد من قوتهما المشتركة. يجب على واشنطن أن تُحرّضهما ضد بعضهما البعض بأفضل ما يمكنها. لقرون، كانت علاقتهما متوتّرة، ولسبب وجيه. يجب أن تكون استراتيجية الولايات المتحدة هي المساعدة على زيادة هذه التوترات، وليس تجاوزها.
- ماريا سنيغوفايا هي زميلة بارزة في برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وأستاذة مساعدة في كلية إدموند والش للخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون. وهي مؤلفة كتاب “عندما يتحرك اليسار إلى اليمين: تراجع اليسار وصعود اليمين الشعبوي في أوروبا ما بعد الشيوعية”.
- جون ألترمان هو نائب الرئيس الأول، ورئيس كرسي زبيغنيو بريجنسكي للأمن العالمي والاستراتيجية الجغرافية، ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
- يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورِن أفِّيرز” الأميركية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.