إيران لن تُخَفِّفَ قبضَتَها على لبنان في أيِّ وقتٍ قريب، ما قد يؤدّي إلى نتائج عَكسِية
لا تزال إيران تتمتّعُ بقاعدةِ دعمٍ بين السكان الشيعة في لبنان، ولكن يتعيّن عليها أن تنتظرَ أنه إذا أعطت الأولوية لنهجها العسكري المُتمثّل في “محور المقاومة”، والذي كان كارثيًا، فقد تخسر كلَّ شيء في البلاد.
مايكل يونغ*
في الأسبوع الفائت، سَلّمت السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون اقتراحًا لوقفِ إطلاقِ النار إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، المحاور اللبناني الرئيس المفَوَّض من “حزب الله”، لإنهاءِ القتال الدائر في البلاد. بعدَ يومٍ واحد، وصل المبعوث الإيراني الخاص علي لاريجاني إلى بيروت لمُناقشةِ الرَدِّ اللبناني على مسودّةِ اقتراحِ وَقفِ إطلاق النار. وقد كَشَفَ هذا التسلسُل في الأحداث عن الكثير.
منذُ أن قضت إسرائيل على غالبية القيادات السياسية والعسكرية ل”حزب الله”، أصبحت إيران تلعبُ دورًا مباشرًا في صنع القرار في المجموعة. ربما كانَ من غير المُعتاد رؤية رئيس مجلس النواب اللبناني يستعرضُ اقتراحَ وقف إطلاق النار المُوَجَّه إلى لبنان مع مسؤولٍ أجنبي، لكنَّ الحربَ في لبنان أصبحت الآن في الواقع صراعًا بين إسرائيل وإيران، حيث يعمل اللبنانيون كوقودٍ للمدافع والصواريخ الإيرانية.
مهما حدث، فمنَ المؤكّد أنَّ موقفَ إيران في لبنان سيتعرَّضُ لضغوطٍ مُتزايدة في الأشهر المقبلة. إنَّ غالبية الطوائف في البلاد ترغبُ في نزعِ سلاحِ “حزب الله” ودَمجِ أسلحته في الدولة. وقد أدّى هذا إلى عزل الحزب في الداخل في حين يستمرُّ في مواجهةِ هجومٍ إسرائيلي كبير، ومن المرجّح أن يتصاعَدَ الوضع إذا لم يتم التوصُّلُ إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في وقتٍ قريب.
ولكن، إيران ليس لديها حافزٌ كبير لقبول الاقتراح الأميركي الذي تمَّ تمريره إلى اللبنانيين، ويَرجَعُ هذا إلى حَدٍّ كبير إلى إنشاءِ لجنة، يُزعَمُ أنها سيترأسها جنرال أميركي، لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. وتدعو الخطة، التي ناقشها المبعوث الأميركي آموس هوكستين مع رئيس مجلس النواب اللبناني يوم الثلاثاء الفائت في بيروت، إلى انسحابِ “حزب الله” إلى ما بعد نهر الليطاني، ولكنها تؤكّدُ أيضًا على قرارات الأمم المتحدة السابقة التي تتطلّبُ نزعَ سلاح جميع الميليشيات في لبنان، بما في ذلك سلاح “حزب الله”.
لقد تمَّ إعدادُ خطّة وقف إطلاق النار الأميركية مع الإسرائيليين، ووصفها البعضُ بأنها عَرضٌ إمّا أن يُقبَل كما هو أو يُرفَض. وأيُّ رفضٍ لبناني لشروطها من شأنه أن يسمح لإسرائيل بتوسيع عملياتها لسحق “حزب الله” عسكريًا. وقد أشار الإسرائيليون مرارًا وتكرارًا إلى أنَّ هذا الأخير هو الخيار المُفَضَّل لديهم.
ما هي الخيارات المُتاحة لإيران في ضوءِ هذا؟ من المُعتَقَد على نطاقٍ واسع في لبنان أنَّ إيران عيّنَت الشيخ نعيم قاسم أمينًا عامًا ل”حزب الله” خلفًا للسيد حسن نصر الله، وأنَّ سيطرتها عليه تكاد تكونُ كاملة. وهناكَ شائعات تقول إنَّ الأمين العام الجديد نُقِلَ إلى طهران حتى لا تتمكّن إسرائيل من اغتياله كما فعلت مع نصر الله وخليفته المُتوقَّع هاشم صفي الدين. وفي إشارةٍ إلى المزاج السائد في بيروت، أبدى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أسفه في مقابلةٍ أُجرِيت معه في الأسبوع الفائت على حقيقةٍ مفادها أنه مع مقتل نصر الله “لم يَعُد هناك محاورٌ محلّي” في “حزب الله”. وبدلًا من ذلك، كان من الأفضل في هذه الحالة “التعامل مع الجمهورية الإسلامية”. وقد يعود هذا التصوُّر ليُطارِد المسؤولين في طهران.
لا يُريدُ الإيرانيون أن يخسروا ورقتهم اللبنانية في “محور المقاومة”، ولذلك فهم يُشَجِّعون “حزب الله” على مواصلة القتال ضدّ الإسرائيليين، على أمل أن يسمحَ بعضُ النجاحُ المجموعة لإيران بالدخول في محادثاتٍ بشأنِ وَقفِ إطلاق النار، من خلال “حزب الله”، من موقعٍ أكثر مُلاءَمة. وبعيدًا من ذلك، يجب على الإيرانيين أيضًا أن يتوقَّعوا مفاوضاتٍ مباشرة في نهاية المطاف مع الإدارة الأميركية المقبلة تحت قيادة الرئيس المُنتَخَب دونالد ترامب، ومرة أخرى، لا يريدون الدخول في مثل هذه المفاوضات مع حليفهم الإقليمي الرئيس ضعيفًا عسكريًا.
وهذا يشيرُ إلى أنه في الوقت الحالي، سيستمرُّ “حزب الله” والمجتمع الشيعي في لبنان في دَفعِ ثمنٍ باهظٍ بسبب حسابات إيران. ويأتي هذا في سياقٍ قد يتحوَّلُ فيه المَدُّ ضدّ “حزب الله”. ومع عزل جنوب لبنان عن بقيّةِ البلاد وتحت المراقبة المستمرة من الطائرات المُسَيَّرة الإسرائيلية، ستجد المجموعة الشيعية صعوبةً مُتزايدة في إعادةِ إمدادِ قوّاتها هناك بالصواريخ.
ومع استمرار الحرب، قد يزداد التفوُّق الإسرائيلي الكبير على الأرض، حيث تُفيدُ التقارير بأنَّ أكثر من 50 ألف جندي مُتمركزون في منطقة الحدود. ولا توجد هذه القوة هناك فقط لدخول القرى الحدودية وتفجير أنفاق “حزب الله”؛ بل إنها موجودة من أجل هجومٍ أكبر بكثير، وهو ما قد يُخطّطُ له الإسرائيليون عندما يتمُّ استنزافُ “حزب الله” بشكلٍ أكبر واستنفاد إمداداته من الأسلحة.
إذا كانَ الأمرُ كذلك، فإنَّ قرارَ إيران بالإصرار على “حزب الله” بمتابعة القتال بدلًا من إعادة تقييم استراتيجيتها في “محور المقاومة” بالكامل، قد يكون انتحاريًا لحلفائها اللبنانيين. فقد لا يؤدّي هذا القرار إلى المزيد من الدمار للمناطق الشيعية وإضعاف “حزب الله” بشكلٍ حاسمٍ فحسب، بل قد يؤدّي أيضًا إلى تنفيرِ مجتمعٍ يدفعُ أصلًا ثمنًا باهظًا للصراع.
وقد تُوَسِّعُ إسرائيل أيضًا عملياتها في سوريا لمحاولةِ قطع إمدادات الأسلحة ل”حزب الله” من إيران. وبالفعل، تصاعدت عمليات القصف في الأيام الأخيرة، مُستَهدِفةً منطقة القصير الحدودية والأفراد الذين يبدو أنهم متورِّطون في شبكة الإمدادات المُتَمَركِزة في دمشق. وفي ظل التقارير التي تفيد بأنَّ الإسرائيليين يقومون ببناءِ طريقٍ في المنطقة المنزوعة السلاح في مرتفعات الجولان، فمن المحتمل أنهم يستعدّون لتصعيدٍ لتحييد “حزب الله” والقوات الإيرانية على الجانب الذي تسيطر عليه سوريا من القنيطرة.
وفي ظلِّ هذه الظروف، ومع دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، قد يجد الإيرانيون قريبًا أنَّ خياراتهم ضاقت بشكلٍ كبير. إنَّ السماحَ للصراعِ بالاستمرار على أملِ تحسُّن الأمور يُشَكّلُ استراتيجيةً محفوفةً بالمخاطر، وخصوصًا إذا انتهت الأمور إلى شلِّ قدرة “حزب الله” واحتلالِ جُزءٍ كبيرٍ من جنوب لبنان.
لا تزال إيران تتمتّعُ بقاعدةِ دعمٍ بين السكان الشيعة في لبنان، ولكن يتعيّن عليها أن تقبلَ أنه إذا أعطت الأولوية لنهجها العسكري المُتمثّل في “محور المقاومة”، والذي كان كارثيًا، فقد تخسر كل شيء في البلاد. لقد تمَّ تشريدُ المجتمع الشيعي بشكلٍ عميق، والسماح لطهران بتفاقُمِ هذا الوضع لمجرَّدِ إنقاذِ نفسها سيكونُ خيارًا ساخرًا وخبيثًا من شأنه أن يُقَوِّضَ نفوذها الإقليمي بشكلٍ دائم.
- مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.