تَصَرُّفات إيلون ماسك على الإنترنت تُهدِّدُ مُستَقبَلَ مَنَصَّة “إكس”، “تويتر” سابقًا

التحدّيات التي يواجهها الملياردير الأميركي إيلون ماسك، الذي كان ذات يوم مَوضِعَ إعجابٍ عالمي تقريبًا، تتزايد. فقد أصبح بطلًا لليمين المتطرِّف، وشريرًا في نظر الكثير من بقية العالم.

شركة “إكس”: هل تصمد؟

فريدا غيتيس*

عندما تعرَّضَ مبنى الكونغرس الأميركي للهجوم في 6 كانون الثاني (يناير) 2021، أوقفت منصّات التواصُلِ الاجتماعي الرئيسة حسابات الرئيس السابق دونالد ترامب، ما أدّى إلى إسكات “مُكَبِّرِ الصوت” الذي اعتقد الكثيرون أنه لم يَكُن يدفعُ إلى العُنفِ فحسب، بل أصبح تهديدًا نشطًا للديموقراطية الأميركية.

لكن ماذا يَحدُث عندما يكونُ مالك منصّة تواصلٍ اجتماعي كُبرى هو مَن يُحَرِّضُ على العُنفِ السياسي؟ ماذا يَحدُثُ عندما تَرفُضُ المنصّة إسكاتَ أولئك الذين يسكبون البنزين على فتيلِ الظُلمِ والكراهية الجاف ويشعلون النار فيه؟ ماذا يَحدُث عندما تقتنعُ البلدان والمستثمرون في المراكز المالية العالمية الكبرى ليس فقط بأنَّ المنصّة تُشكّلُ تهديدًا، بل ويجب إيقاف مالكها؟

هذا السؤال صار مُلحًّا الآن، إذ أصبح من الواضح بشكلٍ مُتزايد أن إيلون ماسك، مالك موقع “إكس” (X)، المعروف سابقًا ب”تويتر”، يستخدِمُ “إكس” بطُرُقٍ تُثيرُ الاضطرابات، حيث يهدفُ إلى تعزيز آرائه الاجتماعية والسياسية والجيوسياسية الشخصية – وهي الآراء التي تبدو في الأشهر الأخيرة مُتوافِقة بشكلٍ مُتزايدٍ مع التطرُّفِ اليميني.

لقد وضعت التطوّرات الأخيرة ماسك في مرمى النيران -ما جعل “X” اسمًا مُناسبًا بشكلٍ غير مُتَوَقَّع- من قبل المسؤولين الحكوميين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أولئك في الاتحاد الأوروبي والبرازيل وأوستراليا والمملكة المتحدة.

وبسبب زيادة الضغوط على ماسك، أدّت تصرّفاته إلى دفع شؤون “إكس” المالية إلى دوّامةٍ هبوطية، ما أثقل كاهل المؤسّسات المالية التي أقرضته مليارات الدولارات مقابل شرائه المُبالَغ في سعره ل”تويتر”. تقول صحيفة وول ستريت جورنال إنَّ الصفقة “تحوَّلت إلى أسوَإِ صفقةِ اندماج وتمويل للبنوك منذ الأزمة المالية 2008-2009”.

ربما يكونُ الأمرُ الأكثر إزعاجًا بالنسبة إلى ماسك هو أنَّ شؤونه المالية ليست مُحَصَّنة. فثروته مُرتَبِطة بأصولٍ غير سائلة، معظمها في الشركات التي أسّسها مثل “سبايس إكس” (SpaceX) و”نيورالينك” (Neuralink). فقط شركة “تيسلا” (Tesla) يتم تداولها على البورصة، حيث كان ماسك يميل إلى استخدام الشركة كمصدرٍ للأموال في الماضي. ومع ارتباط “إكس” بشكلٍ مُتزايد بالسياسة السامة والمُثيرة للفتنة، فإنَّ مساهمي “تيسلا” يشعرون بالقلق بشأن الكيفية التي قد تؤثّرُ بها الفوضى في “إكس” على استثماراتهم في شركة السيارات الكهربائية.

ليس هناك من جديد في كيفية لعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا شريرًا في العنف السياسي. لقد تعرّضت منصّات مثل “فايسبوك” لانتقاداتٍ لاذعة في سريلانكا والعراق وأماكن أخرى لا حصر لها. لكنَّ وَضعَ ماسك مُختلف.

المشكلة الرئيسة الآن، كما قال جوناثان فريدلاند من صحيفة الغارديان، ليست وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام. بل إنها منصة “إكس”. وليست إكس” فقط. بل إنها ماسك نفسه.

لقد أثارت قضيةٌ أخيرة غضبَ المسؤولين والمواطنين في جميع أنحاء المملكة المتحدة وأدّت إلى هجرةٍ جماعية من “إكس” إلى منافستها “ثرادز” (Threads). في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر في مدينة “ساوثبورت”، على الساحل الشمالي الغربي لإنكلترا، تمَّ إلقاءُ اللوم زورًا على مُهاجِرٍ مسلم في هجومٍ مروِّع بالسكين على الأطفال، ما أثارَ أعمالَ شغبٍ مُناهِضة للمهاجرين، حيث هاجمت الغوغاء المساجد والفنادق التي تؤوي المهاجرين – لقد كان أسوأ أعمال عنف شهدتها المملكة المتحدة منذ سنوات عديدة.

تحوّلَ الكثير من التركيز إلى موقع “إكس”، الذي رحّبَ بعودة المُتَطرّفين الأكثر شهرة في بريطانيا وأصبح ملاذًا لنظريات المؤامرة والمعلومات المُضَلِّلة.

لكنَّ الأمرَ لم يقتصر على مُستخدمي المنصّة اليوميين. لقد أضاف ماسك الطين بلة على النار المُستعرة من خلال تغريداته التحريضية المتعددة لمتابعيه البالغ عددهم ما يقرب من 200 مليون – أكثر بكثير من سكان معظم البلدان. كتب ماسك أنَّ “الحرب الأهلية حتمية” في بريطانيا ونشرَ أخبارًا كاذبة مفادها أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يُخطّطُ لإقامة “معسكرات اعتقال” في جزر فوكلاند لمُثيري الشغب المُناهِضين للهجرة. وردَّ ستارمر مُحذِّرًا “وسائل التواصل الاجتماعي وأولئك الذين يديرونها” من أنَّ إثارة العنف تُعتَبَرُ جريمة.

لكن هناك آراء أخرى أكثر مباشرة. فقد اقترح بروس دايزلي، رئيس “تويتر” السابق لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، أنه إذا استمرَّ ماسك في التحريض على الاعتقال، فيتعيّن على المسؤولين “الحصول على مذكرة اعتقال”. كما قال فريدلاند من صحيفة الغارديان إنّ ماسك يستحق المحاكمة.

في المملكة المتحدة، ينظرُ قطاعٌ كبيرٌ من الناس إلى ماسك باعتباره عدوًا عامًا، ويُشكّلُ خطرًا على الحكومة.

ويُشارك الاتحاد الأوروبي هذا الرأي. فعندما كان ماسك على وشك إجراء مقابلة مع ترامب، المرشَّح للرئاسة الأميركية عن الحزب الجمهوري الذي يدعمه الآن بقوة، حذّره مفوَّض الاتحاد الأوروبي تييري بريتون من “خطر تضخيم المحتوى الضار المُحتَمل”.

من المؤكّد أنّ التوترات مع الاتحاد الأوروبي سترتفع على عدد من الجبهات. على سبيل المثال، أدت أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة التي طوّرتها شركة “إكس” إلى انفجار الصور المُزَيّفة، ما أدى إلى تعزيز قدرة الموقع على بث معلومات مُضَلّلة والتحريض في بيئة حيث تكون الضمانات واعتدال المحتوى غائبة عمليًا.

كما تعرّضَ ماسك لتدقيقٍ حاد في أماكن أخرى. في البرازيل، أمرَ قاضي المحكمة العليا بالتحقيق في تصرفاته في ما يتّصِل باتهامات عرقلة العدالة، والترويج لأخبار كاذبة، والتحريض على الجريمة. وأغلق ماسك للتو مكتب “إكس” في البرازيل.

على الجانب الآخر من العالم، دخل المسؤولون الأوستراليون في خلافٍ مع الملياردير الأميركي في أعقاب الهجمات العنيفة التي روَّجَ لها على منصّته.

مع تزايد الضغوط السياسية على جبهاتٍ مُتعدّدة، تتزايد الصعوبات المالية التي يواجهها ماسك أيضًا. فهل يتمتّع أغنى رجل على وجه الأرض بالوسادة المالية اللازمة لتحمُّل هذه الصعوبات؟

لا يعتقد الجميع أنه يتمتّعُ بها.

بعد أن قال للمُعلنين في تشرين الثاني (نوفمبر) “إذهبوا إلى الجحيم”، انهارت الإيرادات في “إكس” بنسبة 84%، وفقًا لمجلة “فورتشُن”، التي أشارت إلى أنَّ “لا أحد يعرف إلى متى يمكن أن تبقى “إكس””، وتَذكُر أنَّ ماسك اعترف في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بأنَّ الشركة قد تواجه الإفلاس.

قد لا يهتم ماسك إذا كانت “إكس” تجني المال أم لا. إن الموقع يمنحه “مُكَبِّرَ صوت” لا يُقدَّر بثمن وقوة كبرى تأتي معه. لكن لسداد الفائدة على 13 مليار دولار اقترضها لشراء “تويتر” والحفاظ على المنصّة الفاشلة طافية، فإنَّ ثروته المقدرة بنحو 235 مليار دولار قد تتعرَّض لضغوطٍ كبيرة.

وتساءل أحد المموِّلين عن المدة التي سيكون ماسك على استعداد لتمويل المليار أو الملياري دولار المطلوبة كل عام لإبقاء مشروع “إكس”على قيد الحياة.

إنَّ التحدّيات التي يواجهها الملياردير الأميركي الذي كان ذات يوم موضع إعجاب عالمي تقريبًا تتزايد. فقد أصبح ماسك بطلًا لليمين المتطرِّف، وشريرًا في نظر الكثير من بقية العالم. والقوى التي تصطفُّ ضده ــإنهيار ثروات “إكس” المالية وقاعدة مستخدميها، والقضايا القانونية المتزايدة في مختلف أنحاء العالم، والاشمئزاز الذي يثيره في بعض القطاعات ــ سوف تمارس ضغوطًا هائلة ومتزايدة في الأشهر المقبلة، وتختبر قوة ترسانته المالية والدعائية.

ويبقى السؤال، هل يمكن إيقاف ماسك الخطير؟

  • فريدا غيتيس هي كاتبة عمود بارزة في الشؤون الدولية ومساهمة في شبكة “سي إن إن” وصحيفة “واشنطن بوست”. يمكن متابعتها عبر منصَتَي (X) و”Threads على: @fridaghitis.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى