لماذا لن يُغَيِّرَ الرئيس الإيراني الجديد أيَّ شيءٍ في الجمهورية الإسلامية؟

يبدو أن التصريحات وخصوصًا الأخيرة التي أطلقها الرئيس الإيراني المُنتَخَب مسعود بيزشكيان تُفيدُ بأنه لن يتخطى المرشد الأعلى، لذلك لن يكون هناك أيُّ جديد في الجمهورية الإسلامية.

المرشد الأعلى علي خامنئي: كل السلطات بين يديه.

محمد آية الله طبار*

في الخامس من تموز (يوليو)، فاز البرلماني مسعود بيزشكيان في الانتخابات الرئاسية المُبكِرة التي جرت في إيران. لقد كان فوزًا مُفاجِئًا. المعروف عن بيزشكيان أنه معتدلٌ نسبيًا وقد تعهّدَ بالتعامُلِ مع الغرب، وإنهاء المراقبة على الإنترنت، ووقف مضايقة شرطة الأخلاق للنساء ــ وهو البرنامجُ الذي لم تؤيده النخبة الدينية في البلاد. بدلًا من ذلك، أراد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي رئيسًا  للجمهورية على غرار سلف بيزشكيان المُتشدّد، إبراهيم رئيسي، الذي توفي في حادثِ تحطُّمِ طائرة هليكوبتر في أيار (مايو). ونتيجةً لذلك، اعتقدَ معظم الخبراء بأنَّ خامنئي سوف يُناوِرُ لضمان انتخابِ شخصٍ مُحافظ آخر. وكما كتبتُ في مجلة “فورين أفيّرز” الأميركية بعد وقتٍ قصيرٍ على تحطُّمِ المروحية، “يكادُ يكونُ من المؤكّد أنَّ رئيسَ جمهورية إيران المقبل سيكون مثل الأخير تمامًا”.

لكن على الرُغمِ من أنَّ بيزشكيان قد يحمُلُ وجهاتَ نظرٍ وآراءً مختلفة عن رئيسي، فمن الناحية العملية، قد تعملُ حكومته بشكلٍ يشبهُ إلى حدٍّ كبير حكومة سلفه. إنّ رئيس إيران الجديد، مثله كمثل الرئيس السابق، مُخلِصٌ لبُنيةِ وهيكلية الجمهورية الإسلامية وهويتها. فخلال حملته الانتخابية، لم يَعِد بإجراءِ تغييراتٍ جذرية: لقد ولّت منذُ زمنٍ طويل الأيامُ التي كان فيها المرشحون الرئاسيون الإيرانيون يقترحون رؤى سامية لتعزيز الديموقراطية، والمجتمع المدني، وحقوق الإنسان، والتقارُب مع الولايات المتحدة. بدلًا من ذلك، عمل بيزشكيان على الإثبات بأنّهُ المرشَّحُ الأكثر قدرةً على تنفيذ السياسات التي وضعها خامنئي. وتعهّدَ بالولاء، مرارًا وتكرارًا، للمرشد الأعلى. وقد رفضَ الانقسام بين الإصلاحيين والمحافظين، مشيرًا إلى أنه لا ينتمي إلى أيِّ مُعسكرٍ سياسي. وربما لهذا السبب، على الرُغم من أنَّ الانتخابات ضمّت مرشحين ذوي وجهاتِ نظرٍ وآراءٍ  مختلفة، إلّا أنَّ إقبالَ الناخبين كانَ مُنخَفِضًا تاريخيًا. شارك 40% فقط من الأشخاص في الجولة الأولى، و49% فقط شاركوا في الجولة الثانية. وعلى النقيضِ من ذلك، في انتخابات العام 1997، فاز الإصلاحي محمد خاتمي بنسبة 70% من الأصوات في انتخاباتٍ شاركَ فيها 80% من الإيرانيين المؤهَّلين للتصويت.

سيؤدّي فوز بيزشكيان إلى بعضِ التحوّلات في السياسة. فقد تتوصَّلُ حكومته، على سبيل المثال، إلى اتفاقٍ نوويٍّ متواضعٍ مع واشنطن. ويُمكنها أيضًا أن تخلقَ بعض المساحة الاجتماعية والسياسية لمواطنيها، وخصوصًا للشباب والنساء. وإذا تحققت هذه الإجراءات، فإنها ستُخفّف من مصاعب الحياة اليومية للإيرانيين وتُعزّزُ الشعورَ بالأمل والتفاؤل.

لكن على العموم، من المرجح أن يحكُمَ بيزشكيان بتنسيقٍ سلسٍ مع المرشد الأعلى، تمامًا كما فعل رئيسي. وستُحافظُ البلاد على سياساتها الإقليمية الحازمة وبرنامجها النووي. وسوف تعملُ على تعزيزِ صداقاتها مع الصين وروسيا، وسوف تستمرُّ في تحسين العلاقات مع الدول المجاورة. وسوف تضمن احتفاظ الحرس الثوري الإسلامي باستقلاله الاقتصادي والسياسي، مما يسمح له بمواصلة سلوكه الفاسد ومواصلة قمع المنشقّين. قد يكون لإيران رئيسٌ جديدٌ مُفاجئ، لكنَّ مستقبلَ إيران سيبقى يشبه ماضيها.

المجيء من الخلف

عندما أعلن بيزشكيان عن ترشُّحه للرئاسة، لم يؤخَذ ترشيحه على محملِ الجَدِّ بشكلٍ خاص. لقد استُبعِدَ، وهو جرّاحُ قلب ومحارب قديم في الحرب الإيرانية-العراقية في الثمانينيات، من الانتخابات الرئاسية لعام 2021 بسبب آرائه الإصلاحية. وتمَّ استبعاده في البداية من الانتخابات البرلمانية لعام 2024 أيضًا، لانتقاده شرطة الأخلاق عندما توفيت مهسا أميني – المرأة الإيرانية التي تبلغ من العمر 22 عامًا – في أثناء احتجازها بعد اعتقالها لعدم ارتدائها حجابها بشكلٍ صحيح. ولم تتم إعادة بيزشكيان إلى الانتخابات البرلمانية إلّا بعدَ تدخُّلِ خامنئي شخصيًا. ولم يصنع بيزشكيان اسمًا كبيرًا لنفسه بعد الفوز. وفي الانتخابات الرئاسية 2024، كان أحد المرشحين الثلاثة في قائمة الإصلاحيين. لقد أصبح حاملَ لواءِ المعسكر ليس باختياره، بل افتراضيًا، باعتباره الإصلاحي الوحيد الذي سمح له المرشد الأعلى بالمنافسة (على الأرجح في محاولة لزيادة نسبة الإقبال).

لكن مع بدء السباق الرئاسي، أثبت بيزشكيان أنه يتمتّعُ بذكاءٍ كبير. قام الرئيسان الإصلاحيان السابقان محمد خاتمي وحسن روحاني بحملةٍ قوية نيابةً عنه. واستعانَ بمحمد جواد ظريف، وزير خارجية روحاني القدير، للمساعدة على إدارة فريقه. واكتسبَ شعبيةً بين الناخبين الأكثر ليبرالية من خلال وعده بوقفِ الانحدارِ الاقتصادي في إيران والردّ على القيود الاجتماعية. لكنه قامَ أيضًا بجذب أنصار رئيسي السابقين من خلال الإشارة المستمرة إلى القرآن والنصوص الدينية الأخرى. وشدّدَ على الدور المحدود لرئيس الجمهورية كمُنفّذٍ لسياسات المرشد الأعلى. وكان تركيزه على العدالة الاجتماعية يروقُ للطبقات الفقيرة والعاملة في البلاد. وهكذا قامَ بتشكيلِ ائتلافٍ من الإصلاحيين والمحافظين المعتدلين، مما ساعده على احتلال المركز الأول في الجولة الافتتاحية للانتخابات، بنسبة 42% من الأصوات.

في جولةِ الإعادة، واجهَ بزشكيان مُتشدّدًا مُتَطرّفًا، وهو سعيد جليلي، الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذي قال: “إنَّ إرغامَ النساء على ارتداء الحجاب هو مسألةٌ تتعلّق بالأمن القومي”، ووصفَ الحجاب بأنه “العمق الاستراتيجي” للجمهورية الإسلامية. وقد قاد أنصاره من المحافظين المتشدّدين في البرلمان ما يَطلُقُ عليه خصومهم “مشروع التطهير”، الذي يهدف إلى تطهير النُخَب من الأعضاء الذين يبتعدون عن وجهات نظرهم الإيديولوجية. هذه المواقف جعلته يبدو متطرفًا حتى عند مقارنته بالقادة المحافظين الآخرين.

استفاد بيزشكيان بشكلٍ كامل من هذا الوضع. أعلن فريقه أنَّ جليلي سيُقيِّدُ الحريات الاجتماعية وسيؤدّي إلى تفاقُمِ التحدّيات التي تواجه المرأة (خصوصًا في ما يتعلق بقواعد اللباس). ولكن لكسبِ المزيد من المحافظين، اتَّهَمَ الإصلاحيون أيضًا مؤيِّدي جليلي اليمينيين المتطرّفين – “جبهة استقرار الثورة الإسلامية” القوية – بالتخطيط لتحدّي سلطة خامنئي وسلطة الحرس الثوري الإيراني. حتى أن ظريف ادّعى أن الجنرال قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني الذي اغتالته الولايات المتحدة في العام 2020، كان ينتقدُ بشدة آراء جليلي المتشدّدة لدرجة أنه قال ذات مرة إنه سيستقيل إذا أصبح جليلي رئيسًا.

نجحت هذه التكتيكات. واصل القادة الإصلاحيون الترويج لبيزشكيان. كما دعمه العديد من كبار الشخصيات المحافظة، بمن فيهم بعض المقربين من خامنئي ومستشاريه. في النهاية هَزَمَ جليلي بتسعِ نقاطٍ مئوية.

تغيير أكثر الأشياء

من المرجح أن يُطلقَ بيزشكيان، كرئيس للجمهورية، بعض السياسات الجديدة. ومن المتوقع أن يعملَ على الحدِّ من الرقابة على الإنترنت، مما يسمح للملايين من الناس الوصول إلى مواقع ال”ويب” بدون استخدام برامج باهظة الثمن لمكافحة المراقبة الصارمة. وسيُواصل مبادرات لتحسين الرعاية الصحية والحصول على التعليم للفقراء. وسوف يخلق على الأقل بيئةً أقل تقييدًا إلى حدٍّ ما للصحافة والنساء والإيرانيين العاديين – طالما أنَّ أنشطتهم لا تُشكّلُ تهديدًا للنظام. وإذا نجح في خلق بيروقراطية أكثر كفاءة، يتم إقرارها بمساعدةِ ما يُرجَّح أن تكونَ حكومة شابة أصغر سنًا وأكثر تنوّعًا، فقد يتمكّن الإصلاحيون من استعادة قواعدهم الانتخابية القديمة: الشباب والنساء والطبقة المتوسطة في إيران.

لكن ميزان القوى الحالي في طهران سيمنع بيزشكيان من إجراءِ تغييراتٍ أعمق. تسيطرُ المؤسّسة المحافظة، بقيادة خامنئي، على كافة مراكز السلطة في البلاد، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، والقضاء، ووسائل الإعلام، وقسم كبير من الاقتصاد. وحتى لو لم يكن بيزشكيان مُقَيَّدًا إلى هذا الحد، فمن غير المرجح أن يُناضِلَ من أجلِ تحوّلاتٍ شاملة. وقد لا يكون الرئيس الجديد خاضعًا لخامنئي كما كان رئيسي، لكن من غير المرجح أن يتحدّى بيزشكيان المرشد الأعلى بالقدر الذي كان يفعله خاتمي وروحاني. بالإضافة إلى التعهّدِ بالولاء الكامل لخامنئي، أمضى بيزشكيان حملته الانتخابية في التأكيد على أنَّ مهمة الحكومة المقبلة “ليست وضع خطط جديدة أو الإعلان عن سياسات جديدة”. وبحسب وكالة مهر للأنباء، ألغى بيزشكيان، في أول يوم له كرئيسٍ منتخب، مؤتمرًا صحافيًا كان مُقرَّرًا ليجتمع بدلًا من ذلك مع خامنئي. وفي أول خطاب له بعد الانتخابات، شكر المرشد الأعلى على الحفاظ على نزاهة عملية التصويت. قال بيزشكيان: “بدونه، لا أتخيل أن اسمي كان سيخرج بسهولة من صناديق [الاقتراع] هذه”.

على الصعيد المحلي، يعني هذا الولاء أنه من غير المرجح أن يتمكّنَ بيزشكيان من معالجة التحدّيات الهائلة التي تواجه الاقتصاد الإيراني. قد يُحقّقُ فريقه الاقتصادي ذو الخبرة بعض الإصلاح في النظام المالي للبلاد ويخفّض معدّل التضخّم، لكن الكيانات التي تسيطر على النظم البيئية الاقتصادية في البلاد تخضع إلى حدٍّ كبير لسيطرة المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني. ولن يتحدّى بيزشكيان هذا الأمر يضًا. ويسيطر كلا الكيانَين أيضًا على النظام البيئي الاجتماعي للبلاد، ويبدو أنهما ملتزمان بالحفاظ على الوضع الراهن. على سبيل المثال، ألقت الحكومة القبض على محسن برهاني –المحامي البارز الذي انتقد حملات القمع ضد الأشخاص الذين احتجوا على وفاة أميني– بعد يومٍ واحد فقط من انتخاب بيزشكيان.

إن احترامَ بيزشكيان للمرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني يعني أيضًا أن إيران ستحتفظ بعلاقاتٍ قوية مع ما يسمى بمحور المقاومة، وهو شبكةٌ من الجهات الفاعلة غير الحكومية المتحالفة التي تضم “حماس” و”حزب الله” والحوثيين والميليشيات الشيعية العراقية. ويشكل هذا المحور جوهرة التاج في الاستراتيجية الدفاعية للجمهورية الإسلامية، وذلك بفضل نفوذه الإقليمي وقدرته على تعطيل الممرّات الاقتصادية مثل مضيق باب المندب. وفي حين اشتبك الرؤساء الإصلاحيون السابقون مع الحرس الثوري الإيراني بسبب تعامله مع الشبكة، فإن بيزشكيان، مثل رئيسي، سوف يتعاون معه. في الواقع، لقد أرسل بالفعل عروضًا قوية للالتزام إلى منظمات المحور. وفي رسالة إلى زعيم “حزب الله” السيد حسن نصر الله، أكد بيزشكيان على دعم إيران لـ”مقاومة شعوب المنطقة ضد النظام الصهيوني غير الشرعي”، وهي مقاومةٌ “مُتجذّرة في السياسات الأساسية للجمهورية الإسلامية”. وعلى نحوٍ مماثل، وعدَ بيزشكيان، في رسالةٍ إلى زعيم “حماس” إسماعيل هنية، بأنَّ الجمهورية الإسلامية “ستواصل دعم الأمة الفلسطينية المضطهدة حتى تحقيق كل أهدافها وحقوقها”. وسوف يبني بيزشكيان أيضًا على جهود رئيسي لتحقيق المصالحة مع المملكة العربية السعودية والدول المجاورة الأخرى. وكما كتب في مقال رأي نُشر في صحيفة “العربي الجديد” القطرية، فإنَّ “الأولوية القصوى للسياسة الخارجية الإيرانية هي توسيع التعاون مع جيرانها”.

الواقعي

طوال فترة ولايته، انتقدَ الإصلاحيون سياسةَ رئيسي الخارجية “المُتَطلّعة إلى الشرق”، والتي ركّزت على بناءِ علاقاتٍ قوية مع الصين وروسيا في مواجهة الغرب. بدلًا من ذلك، دعوا إلى اتباِع نهجٍ أكثر توازُنًا. لكن خامنئي والحرس الثوري الإيراني دعما استراتيجية رئيسي، ويبدو أنهما مُصَمّمان على التأكّد من استمرارها. بعد وقتٍ قصيرٍ من وفاة رئيسي وقبل فترة قصيرة من الجولة الثانية من الانتخابات، عقد الرئيس الإيراني بالإنابة محمد مخبر اجتماعًا مُتَلفَزًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال فيه إن خامنئي يُقدّرُ العلاقات “العميقة وغير القابلة للتغيير” بين البلدين. كما أكّدَ مخبر أن علاقاتهما “لن تتغيّرَ مع تغييرِ الإدارات”. وبالمثل، التقى مخبِر الرئيس الصيني شي جين بينغ وأكد التزام طهران بتعزيز العلاقات مع بكين.

مع ذلك، قد يُحاوِلُ بيزشكيان هنا تدريجًا الانفصال بشكلٍ أكبر عن سلفه. خلال حملته الانتخابية، أظهر بيزشكيان موقفه من السياسة الخارجية من خلال الظهور على شاشة التلفزيون، جالسًا مع ظريف على يمينه ومهدي صانعي على يساره. وأكّدَ هذا الموقف الرمزي التزامه بسياسةٍ متوازنةٍ بين الشرق والغرب.  لقد درس ظريف في الولايات المتحدة وهو سفير إيران السابق لدى الأمم المتحدة، وصانعي هو سفير إيران السابق لدى روسيا. وأعلن بيزشكيان أنه بدون تخفيف العقوبات الأميركية، ستكون إيران مُقيَّدة اقتصاديًا. وسيضمُّ فريق الأمن القومي التابع له العديد من اللاعبين أنفسهم الذين تفاوضوا على خطة العمل الشاملة المشتركة. وفي مقالٍ افتتاحي آخر، نُشِرَ في صحيفة “طهران تايمز” الناطقة باللغة الإنكليزية، قدّمَ بيزشكيان عرضًا غامضًا وحذرًا لخصوم إيران، بما في ذلك واشنطن. وكتب: “سوف نُرَحِّبُ بالجهود المخلصة لتخفيف التوتُّرات وسنتبادل حسن النية مع حسن النية”. وقد ردّدَ ذلك الجملة الشهيرة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب لإيران -“حسن النية يولّد حسن النية” – خلال خطاب تنصيبه في العام 1989.

ينظرُ خامنئي إلى الانفتاح على واشنطن بعين الشك، مُعتَبرًا أنَّ المحادثات مع الولايات المتحدة لا تؤدّي إلّا إلى استعداء الصين وروسيا. لكن حلفاء الرئيس الجديد ما زالوا يعتقدون أنَّ لديهم الحرية اللازمة للنجاح. خلال الحملة، قال ظريف إنه على الرُغم من أن المرشد الأعلى يتّخذ قرارات السياسة الخارجية، إلّا أنَّ فريقَ الرئيس يمكنه التأثير في النقاش من خلال الخيارات السياسية التي يُقدِّمها – وهي نظرية يمكن أن يختبرها بيزشكيان في المحادثات مع الولايات المتحدة. ومن شأن النتائج أن تعطي المُحلِّلين فكرةً عن مدى القوة التي يتمتع بها بيزشكيان.

مع ذلك، حتى لو أعطى خامنئي لبيزيشكيان حريةً التحرّك الخارجي نسبيًا، فمن غير المرجح أن تتفاوض حكومته على اتفاقٍ نووي طموح آخر. سوف تتطلع بدلًا من ذلك إلى التوقيع على اتفاقٍ يُمكِنُ أن يُجَمّدَ التقدُّم النووي الإيراني أو يحدَّ منه تدريجًا، بما في ذلك من طريق خفض نوعية وكمية اليورانيوم الذي تُخصّبه إيران، في مقابل تخفيف العقوبات. سيكون لمثل هذه الصفقة التجارية مزايا متعدِّدة لبيزيشكيان. ونظرًا لدعم خامنئي، فإنَّ احتمالَ قيام المحافظين في إيران بتخريب هذا الاتفاق سيكون أقل احتمالًا مما كان عليه الحال في اتفاق العام 2015. وسيكون من السهل على طهران تكثيف برنامجها إذا انسحبت الولايات المتحدة مرة أخرى، كما حدث في عهد الرئيس دونالد ترامب في العام 2018.

ينبغي على واشنطن أن تبذلَ جهدًا حَسَن النية لصياغة مثل هذا الاتفاق، الذي من شأنه أن يضيفَ بعض الاستقرار إلى منطقة مضطربة. ويجب على الولايات المتحدة أيضًا الحفاظ على قنواتٍ مفتوحة مع طهران، خصوصًا إذا كان بيزشكيان يجعل التواصل أسهل. لكن لا ينبغي للمسؤولين والمعلقين الأميركيين أن يُبالِغوا في التفاؤل بشأن رئاسة بيزشكيان. ينبغي لهم أن يتجنّبوا تأطير أي مفاوضات مع الإدارة الإيرانية الجديدة باعتبارها بداية لتحقيق اختراق ديبلوماسي. ومن المؤكد أنهم ينبغي لهم أن يتجنّبوا القول بأن الولايات المتحدة تحاول تعزيز موقف المعتدلين في إيران في مواجهة النخب اليمينية المتشددة. مثل هذا الادّعاء يمكن أن يثير الخوف داخل المحافظين في إيران من أنَّ واشنطن تحاول التحريض على الثورة، مما يجعلهم أكثر رفضًا وعدوانية. بعبارةٍ أخرى، فإنه يخاطر بتمكين الجهات الفاعلة نفسها التي يريد المسؤولون الأميركيون إضعافها.

وسيكون هذا بلا جدوى أيضًا: حتى مع فوز بيزشكيان، يظل المعتدلون في البلاد ضعفاء، ويفتقرون حاليًا إلى القدرة على تحدّي المرشد الأعلى. ولهم وزنٌ ضئيل داخل مؤسساته، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني. وهم لا يحظون بدعم معظم المواطنين الإيرانيين. في السابق، كان الإصلاحيون ينظرون إلى الانتخابات كوسيلةٍ لتمكين الرؤساء المعتدلين من تحقيق التوازن مع المرشد الأعلى. لكن كما تظهر تصريحات بيزشكيان، فقد قبل أن سلطة خامنئي مطلقة حقًا. والآن، فإنهم يتطلعون ببساطة إلى بذل قصارى جهدهم ضمن القيود التي فرضها.

  • محمد آية الله طبار هو زميل في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، وأستاذ مشارك للشؤون الدولية في كلية بوش للحكم والخدمة العامة بجامعة تكساس “إي أند أم”، وزميل في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس. وهو مؤلف كتاب “فن الحكم الديني: سياسة الإسلام في إيران”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى