الكويت: الساعة تَدُقُّ لإعادةِ ضَبطِ المَسارِ الاقتصادي وإعادةِ السلطةِ التشريعية

جيرالد فيرستين*

اتَّخَذَ أميرُ الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في الأول من حزيران (يونيو)، خطوته التالية في الحُكم بدونِ وجودِ برلمان، عندما عيَّنَ الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليًّا للعهد. يتمتع الشيخ صباح البالغ من العمر 71 عامًا بسجلٍ طويل من الخدمة العامة في الكويت، بما في ذلك توليه منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية.

يأتي تعيين الشيخ صباح بعد أقل من شهر على اتخاذ الشيخ مشعل خطوة حَلِّ مجلس الأمة في البلاد بعد أسابيع فقط من الجولة الأخيرة من الانتخابات البرلمانية. ورُغمَ أن توقيتَ الإعلان عن تعليقِ أجزاءٍ من الدستور وحَلِّ البرلمان فاجأ معظم المراقبين، إلّا أنَّ قرارَ الأمير لم يكن مُفاجِئًا. وبينما حاول سلف الشيخ مشعل، الشيخ نوّاف، تهدئة المجلس التشريعي، لم يكن من المتوقع أن يحذو الشيخ مشعل حذوه. في الواقع، في خطاباته منذ أن أصبح أميرًا، أبدى الشيخ مشعل عزمه على اتخاذِ موقفٍ أكثر تشدُّدًا من خلال دعوةِ البرلمان إلى التوافق وإعطاء الأولوية لمصالح الأمة.

ربما كان تعيين ولي العهد أحد العوامل الذي عجّل بقرار الشيخ مشعل. على وجه الخصوص، كانت هناك مخاوف من أنَّ البرلمان قد يتّخذُ خطواتٍ لمحاولة منعه من تسميةِ وليِّ عهدٍ جديد أو المطالبة بتنازلاتٍ مقابل الموافقة على خليفته المُختار. وفي إعلانه عن حلّ الهيئة التشريعية، أشار الأمير على وجه التحديد إلى “البعض، للأسف، [الذين] تدخلوا في صميم صلاحيات الأمير وتدخلوا في اختياره لولي العهد”.

على الرُغمِ من التركيز على عناصر التوتر التنفيذي-التشريعي، فإنَّ قرارَ حَلِّ البرلمان يذهبُ إلى قضايا أعمق تتعلّقُ بصنع السياسات وقدرة الكويت على مواكبة جيرانها الخليجيين في ما يتعلق بالتنويع الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. على السطح، يبدو الاقتصادُ الكويتي مَوضِعَ حَسَد. الدينار الكويتي هو العملة الأعلى قيمةً في العالم، ويتمُّ إدراج الكويت بشكلٍ روتيني بين أغنى 25 دولة من حيث الناتج القومي الإجمالي للفرد، وفقًا للبنك الدولي. مع ذلك، فإنَّ التوقّعات المستقبلية تبدو صعبة. لقد حذّر تقرير “توقعات الفقر الكُلّي” الصادر عن البنك الدولي من تباطؤ الاقتصاد الكويتي في العام 2023، بعدَ أداءٍ قوي في العام 2022. ونصح التقرير بأن “التوقّعات الاقتصادية للكويت لا تزال غير مؤكّدة، وتُخَيِّمُ عليها التوتّرات الجيوسياسية، والتباطؤ في الاقتصادات الكبرى، وتقلُّبات أسعار النفط، والجمود السياسي بشأن الإصلاحات، مع احتمالِ حدوثِ تحوُّلٍ سياسي من تغيير الحكومة مما يوفّر آفاقًا جديدة للإصلاح”.

في عرضه لحزمته من الإصلاحات الاقتصادية والمالية أمام مجلس الأمة في كانون الثاني (يناير) الفائت، أعلن رئيس الوزراء الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح أنَّ الكويت لم تَعُد قادرة على “الحفاظ على دولةِ الرفاهية التي تَعتمدُ فقط على الثروة الطبيعية المُستَنفَدة”. وتسعى خطة الحكومة لرؤية 2035 إلى إجراءِ إصلاحاتٍ اقتصادية وتنويعِ الاقتصاد والتحوُّلِ إلى مركزٍ مالي وتجاري وزيادة جاذبية المستثمرين الأجانب في قطاعاتٍ تشمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة المُتجدِّدة والكهرباء والمياه والسياحة والرعاية الصحية والتعليم.

مع ذلك، ردّدَ صندوق النقد الدولي، في مذكرة موظفيه الصادرة في أيار (مايو) 2024، نتائج تقرير “توقعات الفقر الكُلّي” للبنك الدولي، مُحذِّرًا من أنَّ “التقدُّمَ في الإصلاحات المالية والهيكلية قد تعثّر وتمت إعاقته بسبب الجمود السياسي بين الحكومة والبرلمان. ومن الممكن أن يؤدي استمرار التأخير في الإصلاحات المالية والهيكلية بسبب الجمود السياسي إلى ظهور سياسة مالية مُسايِرة للدورة الاقتصادية وتقويض ثقة المستثمرين، مع إعاقةِ التقدم نحو تنويع الاقتصاد وتعزيز قدرته التنافسية. وينبغي إقرار قانون الدين العام الجديد على وجه السرعة لضمان التمويل المالي المُنَظَّم مع تعزيز تنمية سوق الدين المحلية”.

في إعلانه في أوائل أيار (مايو) بشأن حل البرلمان وتعليق بعض أحكام الدستور، ألمح الشيخ مشعل إلى الجمود البرلماني، مؤكِّدًا أنَّ “الكويت مرّت بأوقاتٍ عصيبة في الآونة الأخيرة… مما لا يترك مجالًا للتردّد أو التأخير في اتخاذ القرار الصعب. قرارُ إنقاذ البلاد وتأمين مصالحها العليا”. ومن المرجح أن يوافق الشعب على قرار الأمير، على الرُغمِ من بعض التذمُّر، بسبب الإحباط المشترك بشأن الافتقار إلى صُنعِ سياساتٍ فعّالة. لكن من خلال تحديدِ إطارٍ زمني لا يزيد عن أربع سنوات قبل إعادة البرلمان، فإنَّ الساعة تدقُّ بالنسبة إلى الشيخ مشعل البالغ من العمر 83 عامًا وولي عهده الشيخ صباح، البالغ من العمر 71 عامًا، لإثباتِ أن إصلاحاتهما المُقتَرحة يمكن بالفعل أن تكون فعّالة، وتضع الكويت على قدم المساواة مع أقرانها في الخليج. في نهاية تلك الفترة، من المرجح أن الشعب الكويتي، الذي يُقدّر تقاليده المُتمثّلة في مؤسّساتٍ ديموقراطية أكثر قوة من جيرانه، سوف يُطالبُ بعودة مجلس الأمة المُنتَخَب.

  • السفير (متقاعد) جيرالد فيرستين هو زميل بارز في الديبلوماسية الأميركية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن ومدير برنامج شؤون شبه الجزيرة العربية التابع له.
  • كُتِبَ المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى