الحسابُ الاقتصادي لألمانيا: الإتحادُ الأوروبي يحتاجُ إلى برلين لترتيبِ بيته من الداخل

على الرُغم من أن اقتصادها تجاوزَ اقتصاد اليابان أخيرًا ليُصبح ثالث إقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين على التوالي، فإنَّ ألمانيا تُواجهُ تحدّيات صعبة يُمكنُ أن تؤثّرَ في المسارِ الاقتصادي الأوروبي إذا لم يتمّ إجراء الإصلاحات الإقتصادية اللازمة.

أنغيلا ميركل: في عهدها نما الإقتصاد الألماني 34%.

سودها ديفيد ويلب وجاكوب كيركغارد*

عندما غزت القوّات الروسية أوكرانيا قبل عامين، استعدّت ألمانيا لحسابٍ مؤلم. كان الجيش الألماني يُعاني من نقصِ التمويل وغير مُستَعِدٍّ للرَدِّ على تهديدٍ أمني بهذا الحجم. كانت البلاد تستوردُ ما يقرب من نصف الفحم والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى ثلث نفطها، من روسيا، وهو اعتمادٌ يُمكِنُ لموسكو استخدامه كسلاحٍ إذا اختارت ذلك. وقد تمتّعت برلين بالتوفير الذي تَحقّقَ جرّاء إبقاء قواتها المسلحة صغيرة وشراء الغاز الروسي الرخيص. لكن ألمانيا الآن لم تَعُد قادرة على إهمال قدرتها العسكرية، ولا يُمكِنها أن تسمح لاعتمادها على الطاقة الروسية بمنح الكرملين القدرة على تقويضِ الاقتصادِ الألماني وتقسيم أوروبا.

أحرزت برلين أخيرًا تقدُّمًا على الجبهة العسكرية. فبعدَ أيامٍ قليلة على الغزو الروسي، أعلن المستشار أولاف شولتز عن نقطةِ تحوّلٍ لمواجهة التحدّيات الجيوسياسية الجديدة التي تواجهها ألمانيا. وقد يكون تنفيذ هذه السياسة لم يتم بشكلٍ مثالي ــأدّى الروتين البيروقراطي والتأخير في اتخاذ القرار إلى إبطاء تنفيذهاــ لكنَّ الجهودَ المبذولة لزيادة موازنة الدفاع الألمانية وتحديث المؤسّسة العسكرية في البلاد جاريةٌ على قدم وساق. وبتخصيص الحكومة مبلغ خاص قدره 100 مليار يورو، تسير ألمانيا على الطريق الصحيح لتحقيقِ هدفِ الإنفاقِ الدفاعي لحلف شمال الأطلسي وهو 2% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد تعهّدَ شولتس بالحفاظ على مستوى الإنفاق هذا على المدى الطويل، واقترح وزير دفاعه زيادة الموازنة بشكلٍ أكبر. لقد قطعت ألمانيا شوطًا طويلًا من عَرضِها التافه بإرسال خوذاتٍ إلى أوكرانيا في بداية الحرب، واليوم تأتي المساعدة العسكرية التي تُقدّمها البلاد لكييف في المرتبة الثانية بعد المساعدة التي تقدّمها الولايات المتحدة.

لكن عندما يتعلّقُ الأمرُ بالاقتصاد الألماني، فإنَّ الاتجاهات الأخيرة تُثيرُ القلق أكثر. كان فقدان الغاز الروسي الرخيص سببًا في تقويضِ النموذج الصناعي الألماني. على الرُغمِ من أنَّ الارتفاعَ الأوّلي في أسعار الطاقة بعد غزو العام 2022 قد تراجع، فمن غير المُتَوَقَّع أن تعودَ التكاليف إلى مستوياتِ ما قبل الحرب في أيِّ وقت قريب. في العام 2023، انكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.3 في المئة. وتوقّعَ نائب المستشار ووزير الاقتصاد روبرت هابيك، الذي حذّرَ من “المياه الصعبة” المُقبلة، أن يصلَ نمو البلاد في العام 2024 إلى 0.2% فقط. وعلى الرغم من أنَّ الضغوط َالجديدة مسؤولةٌ عن الانكماش الأخير، فإنَّ المشاكلَ الاقتصادية التي تواجهها ألمانيا أعمق من ذلك. على مدار العقد الفائت، تجنَّبَت برلين القيام باستثماراتٍ وإصلاحاتٍ مهمّة لجَذبِ العمّال المهرة والتكيُّفِ مع عالمٍ يَعتَمِدُ على البيانات. وكثيرًا ما أصرّت برلين على أنَّ ما هو جَيِّدٌ في السياسة المالية المُقيّدة لألمانيا هو أيضًا صحيحٌ بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي ــ وهي العقلية السائدة التي، من خلال الحدّ من الاستثمار العام في العديد من الدول الأعضاء، منعت الاقتصادات الأوروبية من التكيُّف مع الظروف الجديدة.

قد لا تتوافَقُ مصالحُ ألمانيا ومصالح الاتحاد الأوروبي بشكلٍ كامل، ولكنَّ أوروبا تحتاج إلى ألمانيا لكي تُصبِحَ قوّةً اقتصادية. ألمانيا هي الآن ثالث أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مُساهِم في موازنة الاتحاد الأوروبي. ورُغمَ أنَّ مقاييس الصحّة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ميزان الحساب الجاري، والإنتاجية، وإحصاءات الديون، لا تدعو إلى الإنذار، إلّا أنَّ هذه الصورة قد تتغيّر إذا ضعف الاقتصاد الألماني. وقد تفقد أوروبا قدرتها على الاستجابة للأزمات، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا أو رئاسة دوتالد ترامب الثانية (إذا حدثت) في الولايات المتحدة، وتعزيز برامج السياسة الطموحة، مثل توسيع صناعة الدفاع الأوروبية أو تسريع التحوّلات الخضراء والرقمية. ومن الممكن أن يتدهورَ نفوذ الاتحاد الأوروبي المُتضائل أصلًا على الساحة العالمية بشكلٍ أكبر.

وعلى هذا فإنَّ ألمانيا تحتاجُ إلى أجندةِ نموٍّ جديدة. ويتعيّنُ عليها أن توجِّهَ موارد البلاد نحو الصناعات الخضراء التي من شأنها التعجيل بعمليةِ إزالةِ الكربون والتكنولوجيات الناشئة التي ستُشَكّل مستقبل الاقتصاد العالمي. ويتعيّنُ على برلين أن تحشدَ الإرادة السياسية لدعم سياسات الهجرة التي تدعم النمو الاقتصادي. ويتعيّنُ عليها أن تفعل كلَّ هذا بالتنسيق الوثيق مع بروكسل. وإذا نجحت جهود التنشيط، فإنَّ الاقتصادَ الألماني القوي قادرٌ على تعزيز القدرة التنافسية الأوروبية وإعداد الاتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات المقبلة.

من ازدهارٍ إلى كساد

كانت ألمانيا مُزدَهرةً طوال معظم العقد الفائت. في عهد المستشارة أنغيلا ميركل، التي شغلت منصبها من العام 2005 إلى العام 2021، نما اقتصاد البلاد بنسبة 34 في المئة. وقد أعطت الصادرات المرتفعة وعائدات الضرائب غير المُتَوَقَّعة الاقتصاد الألماني ما يكفي من الحماية حتى أنه تمكّنَ من تجاوز الوباء سالمًا نسبيًا.

لكنَّ أوقاتَ الازدهار لم تَدُم. اليوم، بالإضافة إلى أسعار الطاقة المرتفعة، تتسبّب المنافسة الصينية في قطاع السيارات والسياسة الصناعية الأميركية الحازمة في إحداثِ ضررٍ اقتصادي. إنَّ الإعانات والحوافز المُدرَجة في قانون خفض التضخم الأميركي لعام 2022 تغري الشركات الألمانية لنقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة. على سبيل المثال، تفكر شركة صناعة السيارات الفاخرة “بورشه” في بناءِ مصنعٍ جديدٍ للبطاريات عبر المحيط الأطلسي وليس في ولاية “بادن فورتمبيرغ”، الولاية الألمانية التي تأسّست فيها الشركة. ومع انتقال مكوّنات الإنتاج إلى خارج ألمانيا، تُصبِحُ سلاسل التوريد مُجَزّأة وتتشتّتُ المعارف والمهارات المهمّة. البيئات المتكاملة هي محرّكات الابتكار؛ وبدونها، يمكن أن تفقد ألمانيا هذه الميزة الرئيسة.

إنَّ نقلَ الأعمال إلى الخارج ليس مصدر القلق الاقتصادي الوحيد لبرلين. الصناعاتُ كثيفة الاستهلاك للطاقة، بما فيها قطاعا الكيماويات والصلب، خفّضت إنتاجها مع ارتفاع أسعار الطاقة، ما أثارَ المخاوفَ من أنَّ ألمانيا قد تفقد السيطرة على سلاسل التوريد الصناعية الشاملة. ونظّمَ عمّال السكك الحديدية والمطارات إضرابات متكرّرة للمطالبة بأجورٍ أعلى وسط أزمة تكلفة المعيشة. وكان انقطاع وسائل النقل، ناهيك عن الصافرات الصاخبة وأصوات الجرارات التي أيقظت سكان برلين بينما كان المزارعون يحتجّون على تخفيضات الدعم المُخَطَّط لها، سببًا في كآبة المزاج الكئيب أصلًا في البلاد.

كانت نقاطُ الضعفِ في الاقتصاد الألماني واضحةً قبلَ وقتٍ طويل من تولّي القيادة الحالية السلطة في أواخر العام 2021. فقد قررت البلاد التخلّصَ التدريجي من الطاقة النووية في العام 2002، وقامت بتسريع جدولها الزمني بعد كارثة فوكوشيما النووية في العام 2011، لكنَّ التحوّلَ إلى مصادرِ الطاقة المُتجدّدة لملء الفجوة ما زال يسير ببطء. كما إنَّ تعهّدَ ميركل بتبنّي التكنولوجيات الرقمية لم يُتَرجَم قط إلى عملٍ ملموس. عندما تولّى شولتز وشركاؤه في الائتلاف مناصبهم، قدّموا أجندةً طموحةً لتسريعِ التحوّلِ الأخضر، والاستثمار في التعليم، والدخول في التحوّل الرقمي. لكن روسيا غزت أوكرانيا بعد بضعة أشهر فقط. منذ ذلك الحين، أظهرت برلين زعامتها من حيث مساهماتها المالية والعسكرية في أوكرانيا، لكنَّ الأزمة أدّت أيضًا إلى تحويل انتباه برلين بعيدًا من معالجة نقاط الضعف الهيكلية في الاقتصاد.

يزيدُ كبحُ الديون الدستوري من تعقيد قدرة برلين على استعادة اللياقة الاقتصادية للبلاد. بموجب القانون، فإنَّ اقتراضَ الحكومة الفيدرالية مُحَدَّدٌ بمبلغٍ يُعادلُ 0.35% من الناتجِ المحلي الإجمالي للبلاد. ويهدفُ هذا الإجراء إلى ضمان الاستقرار، ولكنه أصبح عائقًا أمام أنواع الاستثمار التي تحتاج إليها ألمانيا لتحويل اقتصادها. هناكَ حاجةٌ ماسة إلى الإصلاح، ولكن من غير المُرَجّحِ أن يحدث ذلك قبل أن تجري ألمانيا الانتخابات الفيدرالية في العام المقبل. وفي الوقت نفسه، تستطيع برلين التركيز على معالجة نقص العمالة، وتحسين التعاون مع شركاء الاتحاد الأوروبي، وتبسيط العمليات البيروقراطية.

تتشكّل

نجحت ألمانيا في تحويل اقتصادها من قبل، وبوسعها أن تفعل ذلك مرّةً أخرى. بعد فترةٍ من الركود الاقتصادي في أواخر التسعينيات الفائتة، قدّمَ المستشار غيرهارد شرودر ــوهو ديموقراطي اشتراكي مثل شولتزــ أجندة 2010، وهي عبارة عن مجموعةٍ من الإصلاحات العمالية التي يصعب قبولها. وفي عهد خليفة شرودر، ميركل، أتت الإصلاحات بثمارها، ومكّنت القوة الاقتصادية المتنامية التي تتمتع بها ألمانيا من العمل كدائنِ الملاذ الأخير لأوروبا خلال أزمة اليورو. ولعبت ألمانيا دورًا كبيرًا في عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي خلال هذه الفترة، حيث استخدمت ميركل ثقل البلاد الاقتصادي لتوجيه سياسات بروكسل بشأن تدابير التقشّف، وخصوصية البيانات، والهجرة.

إنَّ الجهودَ التي بذلتها ميركل لممارسة النفوذ في بروكسل لخدمة المصالح الألمانية لم تكسبها أصدقاء دائمًا. لا يزال الاتحاد الأوروبي يواجه العواقب: إنَّ قرار ألمانيا بفطام نفسها عن الطاقة النووية واستخدام الغاز الطبيعي كجسرٍ للطاقة المتجدّدة لم يترك ألمانيا فحسب، بل معظم أوروبا، عرضةً للتهديدات الروسية بإغلاق خطوط أنابيب الغاز في العام 2022. والآن، مع إرتفاع أسعار الوقود الأحفوري بشكلٍ ملحوظ أكثر من أسعاره في الولايات المتحدة، وتسعير الكربون المفروض من الاتحاد الأوروبي الذي يضعُ ضغوطًا على اقتصادات القارة العجوز، يتعيّن على أوروبا أن تُكمِلَ تحوّلها الأخضر في أسرعِ وقتٍ مُمكن. لكن الحكومة الألمانية الحالية لا تزال تتبع نمطًا قديمًا. على الرُغم من أنَّ برلين تُدافِعُ بفخرٍ عن هدف أوروبا المُتمثّل في خفض صافي الانبعاثات إلى الصفر، فقد حاولت عمليًا منع تصنيف الاتحاد الأوروبي للطاقة النووية كمصدرٍ للطاقة صديق للمناخ، وتخفيف الحظر الذي وافق عليه البرلمان الأوروبي على محركات الاحتراق الداخلي في محاولة لحماية صناعة السيارات الألمانية، وعارضت توجيهات الاتحاد الأوروبي التي تُلزم الشركات الكبرى بإجراء تقارير العناية الواجبة حول الأضرار البيئية لسلاسل التوريد الخاصة بها. تواجه الحكومة الألمانية تحدّيًا شعبويًا يمينيًا في الداخل، لذا فإنَّ تفضيلها للحد من الاضطراب الاقتصادي ليس مُفاجئًا تمامًا. لكن اتخاذ القرار غير المُنتَظِم في برلين يؤدّي إلى حالةٍ من عدم اليقين بالنسبة إلى البيئة التنظيمية للاتحاد الأوروبي، ما يُعرّضُ للخطر خطط الإتحاد الطويلة الأجل للتحوّل الأخضر.

لا يزال بوسع ألمانيا أن تلعبَ دورًا مُثمِرًا في بروكسل. ويمكنها تحديد الصناعات التي ستساعد الاقتصاد الأوروبي على إزالة الكربون واتخاذ الخطوات اللازمة لزيادة إنتاج الطاقة المتجدّدة في أسرع وقت ممكن، بما في ذلك من طريق تسهيل عملية الحصول على التصاريح الألمانية لخطوط نقل الشبكة الجديدة وإنتاج الألواح الشمسية وطاقة الرياح. ولن يؤدّي هذا الجهد إلى تخفيف تكاليف الطاقة المرتفعة في أوروبا فحسب، بل إنه سيترك ألمانيا والاتحاد الأوروبي في وضعٍ جيد للتنافس مع إنتاج الطاقة النظيفة في أماكن مثل الصين والولايات المتحدة.

بالإضافة إلى السعي إلى الطاقة الخضراء، ينبغي لألمانيا ــجنبًا إلى جنب مع بقية أوروباــ أن تعملَ على بناءِ قدراتها في مجال التكنولوجيا الحيوية، والحَوسَبة الكمومية، وغير ذلك من المجالات الناشئة. ولا تزال القطاعات التقليدية، مثل المواد الكيميائية والسيارات، تُهَيمِنُ على الصناعة الألمانية. وكانت الشركات الألمانية بطيئة في تبنّي التقنيات الرقمية، كما إنَّ الحساسية تجاه خصوصية البيانات تجعل من الصعب على الباحثين الألمان تحقيق اختراقات في الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي.

لكن بفضل ثروتها من المواهب الهندسية، تتمتّع ألمانيا بالقدرة على أن تكون في طليعة التكنولوجيات الناشئة. ويتعيّن عليها، جنبًا إلى جنب مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أن تعملَ على تجميع رأس المال والأبحاث والموارد البشرية لإنشاء الجيل المقبل من الشركات. وبدلًا من دَعمِ كلِّ دولةٍ ل”بطلها” في مجال الذكاء الاصطناعي ــكما تفعل ألمانيا وفرنسا الآن مع شركتَي “ألِف ألفا” (Aleph Alpha) و”ميسترال إي آي” (Mistral AI)، على التوالي ــ ينبغي لبرلين أن تشجّعَ العواصم الأوروبية على النظر في مشاريع مشتركة يمكنها تكرار نجاح شركة تصنيع الطائرات إيرباص، التي تمَّ تطويرها كجهد تعاوني بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة. لا يمكن ضمان وجود وحيد القرن القائم على الذكاء الاصطناعي في عموم أوروبا، ولكن المزيد من العمل مع الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجلبَ فوائد أخرى. يمكن لألمانيا، بفضلِ معرفتها الصناعية الواسعة، أن تُساعدَ الشركات الأوروبية على استخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة الكفاءة. ويُمكِنُ لبروكسل أن تستفيدَ من ميزتها الرائدة في تنظيم الذكاء الاصطناعي، مما يضمن أن نهجها القائم على القيم (الذي شكّلته ألمانيا جُزئيًا) يسمح بالقدر الكافي من المرونة والتكيُّف لتشجيع تطوير شركاتٍ أوروبية جديدة.

ستحتاج ألمانيا إلى توسيع قوّتها العاملة الماهرة إذا أرادت الاستفادة الكاملة من التكنولوجيات الجديدة. ومع ذلك، فإنَّ سكان البلاد، مثلهم مثل معظم سكان أوروبا، يتقدّمون في السن. الإجابة الواضحة عن هذه المشكلة الديموغرافية هي الهجرة، لكن صعود الشعبوية اليمينية في جميع أنحاء القارة يجعل من الصعب على صنّاع السياسات الدفاع عن السُبُلِ القانونية لهجرة العمالة الماهرة. ويتعيّن على برلين، جنبًا إلى جنب مع زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أن يؤكّدوا على الحجّة الاقتصادية لجذب العاملين المهرة في مجال المعرفة من دولٍ مثل مصر والهند. وقد أظهرت سلسلة من المظاهرات الحاشدة التي نُظِّمَت في نهاية الأسبوع في مختلف أنحاء ألمانيا، والتي أدانت اليمين المتطرّف ودعت إلى التسامح، أنَّ مثل هذا التغيير في الزخم السياسي أمرٌ مُمكن.

ونظرًا لأنَّ نقاط القوة الاقتصادية التقليدية التي تتمتع بها ألمانيا تكمن في الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة والتي تعتمد على الوقود الأحفوري، فإنَّ التحوّلَ المقبل سوف يتطلّب استثماراتٍ عامة وخاصة ضخمة. في الوقت الحالي، تعمل القواعد المالية الصارمة والانقسامات داخل الحكومة الائتلافية في برلين على عرقلةِ الإصلاح على النطاق الذي تحتاج إليه ألمانيا. ولكن في الوقت الحالي هناك خطوات يمكن لألمانيا أن تتخذها لجعل اقتصادها ــواقتصاد أوروباــ أكثر قدرة على المنافسة. من خلال تعزيز التحوّل الأخضر، وجذب المهاجرين المهرة، وإزالة نقاط البيروقراطية المُعَثِّرة، تستطيع ألمانيا أن تظلَّ رائدةً عالمية في التصنيع والتجارة  كماً للسوق الأوروبية المُوَحَّدة في العقود المقبلة.

  • سودها ديفيد ويلب هي المديرة الإقليمية وزميلة أولى في صندوق مارشال الألماني التابع للولايات المتحدة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @SudhaDavidWilp
  • جاكوب كيركغارد هو زميل أول في صندوق مارشال الألماني التابع للولايات المتحدة وزميل أول في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي. يمكن متابعته عبر تويتر على: @jfkirkegaard
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى