مصر والأردن في رادارات إيران
محمّد قوّاص*
تتحدّث معلوماتٌ من داخلِ إيران عن قنواتِ تواصلٍ مُتفاوتةِ السرعات تجري بشكلٍ غير مباشر بين إيران من جهة ومصر والأردن من جهةٍ أخرى. تُضيفُ المعلومات أن قناة بغداد ما زالت فاعلة، على منوال ما كانت عليه لرعاية الحوار السعودي-الإيراني، من أجلِ الدَفعِ بحوارٍ من النوعِ نفسه بين طهران وكلٍّ من القاهرة وعمّان.
التقى وزير خارجية مصر سامح شكري نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في 20 أيلول (سبتمبر) الجاري في نيويورك بمقر البعثة الأممية للأمم المتحدة. قال شكري، إنَّ “الحوارَ مع إيران صريحٌ وشفّاف، ويستندُ إلى الرغبة المُشتركة بطيِّ صفحةِ الماضي”. ثَمَّنَ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اللقاء واعتبره مَدخَلًا لتطبيع علاقاتٍ قُطِعَت قبل زهاءِ الأربعين سنة.
تُحاوِلُ إيران، كما الدوائر الإقليمية الوسيطة، الاستفادة من التحسّن الذي طرأ على العلاقات السعودية-الإيرانية (إثر توقيع البلدين على اتفاق بكين في 10 آذار (مارس) الماضي) والإيرانية الخليجية عامةً من أجل توفيرِ حاضنةٍ لتطبيع العلاقات الإيرانية-المصرية-الأردنية.
وقد ساهمت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني إلى السعودية (والتقى حينها في 18 آب (أغسطس) الماضي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وما صدر من مواقف وتصريحاتٍ من كلا الطرفين خلالها، إلى تبديد الضباب بشأن التأخّر في فتح سفارة السعودية وقنصليتها في إيران، وتأكيد المضي قُدُمًا في تطوير علاقاتِ البلدين في الشكلِ والمضمون.
ولئن توقّفت منابر إيران في لبنان عن استهداف السعودية وتؤكّدُ إيران ووزير خارجيتها على عدم استفزاز الرياض في انتخابات لبنان الرئاسية، فإنَّ التقدّمَ الذي شهده ملف اليمن، لا سيما تلبية وفد الحوثيين منتصف الشهر الجاري دعوة الرياض لبحث مستقبل التسوية اليمنية، يوفّر مصداقية لاتفاق بكين بالإمكان البناء عليها للدفع باتجاه تقاربٍ مصري وأردني مع إيران.
تتحدّث المعلومات عن دورٍ نشط لسلطنةِ عُمان لتفعيلِ الحوار الإيراني-المصري. وتُضيف أنَّ السلطان هيثم بن طارق آل سعيد قد تناولَ الأمرَ مع القيادة الإيرانية أثناء زيارته لطهران في أيار (مايو) الماضي والتي أتت بعد زيارةٍ قام بها قبل ذلك إلى القاهرة ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
صحيحٌ أنَّ القاهرة تحفّظت قبل سنواتٍ على الذهاب بعيدًا في الحوار مع طهران قبلَ أن تُحقّقَ المفاوضاتُ الإيرانية-السعودية نتائجَ إيجابية مُعتبرةً أنَّ “أمنَ الخليج خطٌّ أحمر وهو جُزءٌ من أمن مصر الاستراتيجي”، غير أنَّ إنجازَ اتفاق بكين الإيراني-السعودي الذي كان ضروريًا للدفع بملفِّ العلاقات المصرية-الإيرانية لم يكن كافيًا لإغلاقِ ملفات النزاع التي تسببت بالتوتر الدائم في علاقات البلدين منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979.
وكان العراق لعب دورًا أساسيًّا في تقريبِ إيران من دولِ الجوار من خلال قمّة بغداد للتعاون والشراكة والتي جرت بنسختين في العامين 2021 و 2022. وقد أطلقت مبادرة ما يُطلَقُ عليه عُرفًا اسم “دول جوار العراق” بالشراكة مع فرنسا برئاسة إيمانويل ماكرون، وضمّت إلى جانب فرنسا عددًا من الدول الإقليمية وأسّست لانفتاحٍ إقليمي عام على إيران.
وكانت وكالة “فارس” الإيرانية نقلت في 9 أيلول (سبتمبر) عن رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني قوله، إنَّ “العراق يقوم بوساطة بين إيران ودولٍ عربية عدة، ولأن هذا الموضوع سرّيٌّ تمامًا، فلن أكشفَ تفاصيل هذه الوساطة وأسماء الدول حتى يتم الحصول على النتائج”.
بالمقابل يبدو ملف علاقة إيران والأردن أكثر تعقيدًا بسبب ارتباطه بضغوطٍ ميدانية تتطلّبُ إجراءاتٍ عملية تتجاوزُ خطاب النوايا. والمسألة على علاقة بالهجمات التي يتعرّضُ لها الأردن على حدوده مع سوريا “بصورةٍ مُنتظمة” من “ميليشيات لها علاقة بإيران”، وفق تصريحاتٍ للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في تموز (يوليو) 2022. وترى عَمّان أنَّ عصابات تهريب الكبتاغون تحظى برعايةِ إيران والجماعات التابعة لها كما تتمتّع بدعمٍ ما أو غضِّ طرفٍ من قبل دمشق.
وتعتبرُ أوساطٌ أردنية أنَّ الحدودَ السورية الجنوبية هي منطقة استراتيجية مهمة بالنسبة إلى النفوذ الإيراني في سوريا، وأنَّ طهران ليست في وضعٍ يُتيحُ لها، حتى الآن، تقديم تنازلات حدودية حتى لو كان الأمرُ سيُدخِل انفراجاتٍ كبيرة في علاقة عمّان بدمشق وطهران. وتُضيفُ هذه الأوساط أنَّ بغداد سبق أن استضافت في العام 2022 في عهد رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي حوارًا مخابراتيًا إيرانيًا-أردنيًا لم تُسَلَّط عليه الأضواء، من دون أن يظهرَ أنه قد سجل اختراقًا نوعيًا على منوال ما بين إيران والسعودية.
وكانت الأشهر الماضية شهدت تقدّمًا في علاقات النظام السياسي العربي مع دمشق سواء من خلال تقدّم العلاقات الثنائية مع بعض الدول العربية أم من خلال إعادة سوريا إلى مقعدها داخل جامعة الدول العربية وحضور الرئيس السوري بشار الأسد للقمة العربية الأخيرة في جدة في 19 أيار (مايو) الماضي. ولطالما اعتُبِرَ هذا التطور مُيسِّرًا لتطبيع العلاقات العربية مع إيران أيضًا. غير أنَّ تباطؤ عملية تطبيع العلاقات العربية مع دمشق ووصف الأسد لها في 9 آب (أغسطس) الماضي بأنها “شكلية” لم يوفّر أسبابًا للدفع لتطبيعِ كلٍّ من مصر والأردن علاقاتهما مع إيران.
ومع ذلك فإن الجهودَ العُمانية إضافةً لاستمرار عمل القناة العراقية تتركّز على تعبيد الطريق لتسهيلِ سُبُل تذليلِ العقبات وتصغير الملفات التي ما زالت تَحولُ دون تحقيق تقدّمٍ وإنجاز. ويستنتج بعض المراقبين أنه كان من الخطَإِ الاعتقاد أنَّ تحسّنَ علاقاتِ إيران مع السعودية والإمارات ومحاولة طهران الترويج لأجواءٍ إيجابية مع كلِّ دول مجلس التعاون الخليجي من شأنه آليًا تسويق إمكانات إغلاق الملفات مع باقي الدول العربية، لا سيما مصر والأردن.
وفيما نجحت إيران والولايات المتحدة في إبرامِ اتفاقٍ لتبادل السجناء بما يشي بإمكانيةِ تحقيقِ تقدّمٍ أيضًا في ملف الاتفاق بشأن البرنامج النووي، فإنَّ طهران تحاول البناء على هذا التقدّم كما ذلك الذي حصل مع الرياض لفَرضِ أمرٍ واقعٍ وفاقي يقومُ على قبول الدول العربية، وخصوصًا تلك التي تتنازع معها ملفات مباشرة، بـ”الحقيقة الإيرانية” وفق ما تراه طهران. ومع ذلك فإن الملفات العالقة بين إيران ومصر والأردن ما زالت عصيّة على الوهج الذي بثّه اتفاق بكين وتُرَوِّجُ له الأجواء الإيرانية التي تؤكّدُ قرب الوصول إلى شكلٍ من أشكالِ الاتفاق مع واشنطن يُبَرِّدُ النزاعَ النووي أو يُجمّده حتى إشعارٍ آخر.
- محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @mohamadkawas
- يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره على موقع “سكاي نيوز عربية” (أبو ظبي)