الإشتباكاتُ التي وَقَعَت في مخيم عين الحلوة للاجئين في لبنان كانَ لها بُعدٌ إقليمي

لا تزال خطة إيران و”حزب الله” لتعزيز قوة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وإضعاف “فتح” قيد التنفيذ، ولكن من المتوقع أن تتحرّك إلى مستوى أعلى وسرعة أكثر في المستقبل القريب.

السيد حسن نصر الله يستقبل الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد نخالة ونائبه الدكتور محمد الهندي.

مايكل يونغ*

في أوائل آب (أغسطس)، اندلعَ قتالٌ عنيف في مخيم عين الحلوة، وهو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بعد أن اغتالت جماعاتٌ إسلامية مسؤولًا أمنيًا بارزًا في حركة “فتح”، أبو أشرف العرموشي. وفي حين ربط البعض ذلك بالتوترات الطويلة الأمد بين “فتح”، الفصيل الفلسطيني الرئيس، والجماعات الإسلامية المتطرفة، فإنَّ الرسالةَ ربما كانت مُختلفة.

بالنسبة إلى العديد من المحلّلين في لبنان، يرتبط ما يحدث في المخيمات الفلسطينية بالديناميكيات الإقليمية، ولا سيما جهود إيران للتحوّط ضد توسيع نطاق التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل. في الآونة الأخيرة، كان هناك حديثٌ عن اختراقٍ مُحتَمَل في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، لا سيما مقالٌ في صحيفة “وول ستريت جورنال” يشير إلى أنه تمَّ الاتفاق على “الخطوط العريضة للصفقة”. ورُغمَ أن وزارة الخارجية الأميركية قلّلت من أهمية ما نشرته الصحيفة، إلّا أنَّ ذلك لا يمكن أن يُطمئنَ إيران.

بالنسبة إلى طهران، يُمثّلُ تحالف الدول العربية مع إسرائيل تهديدًا استراتيجيًا في منطقة قضى الإيرانيون فيها سنوات في بناء نفوذهم في دولٍ مثل العراق واليمن ولبنان وسوريا. ومن الواضح أن إيران تنظرُ إلى سيطرتها على الورقة الفلسطينية باعتبارها حجر الزاوية في الجهود الرامية إلى رعايةِ تحالفِ القوى المُعارِضة للتقارب العربي-الإسرائيلي. وقد لعب لبنان دورًا مركزيًا في هذا السياق.

لا يعني ذلك أن اتصالات إيران مع الفلسطينيين جديدة. في أوائل الثمانينيات الفائتة، أقامت إيران علاقاتٍ مع الإسلاميين الفلسطينيين في عين الحلوة، وهو نمطٌ مُوَثَّقٌ في كتاب “الجهاد اليومي” (Everyday Jihad) للكاتب الفرنسي بيرنار روجييه. وكان الإيرانيون أيضًا وراء ما يُعرَف ب”هيئة علماء المسلمين”، وهي مجموعة من رجال الدين السنّة اللبنانيين والفلسطينيين أسّسها سفير إيران في بيروت في العام 1982. وقد سعت هذه الهيئة إلى نشر، ما وصفه روجييه، بـ”الرؤية الثورية” للإسلام، بما يتماشى مع رؤية النظام الإيراني.

في حين تراجع النفوذ الإيراني إلى حدٍّ ما في أوائل التسعينيات، مع صعود النفوذ السلفي في الشبكات الإسلامية الفلسطينية الموالية لإيران سابقًا، فإن طهران و”حزب الله” لديهما اليوم علاقات وثيقة مع حركة “حماس” وتنظيم “الجهاد الإسلامي” في عين الحلوة. وقد انتقل قادةٌ بارزون من كلا المجموعتين إلى لبنان، كما كتب زميلي في “كارنيغي” مهنّد الحاج علي، الذي تابع عن كثب التطورات على الجبهة الفلسطينية.

وفي وقت سابق من هذا العام، حدّدَ الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، استراتيجيةً جديدة وصفها بـ “توحيد الجبهات” ضد إسرائيل. وما كان يعنيه هو أن قادة “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” سوف ينسّقون تحركاتهم على سلسلة من الجبهات، من غزة، عبر لبنان، إلى جنوب سوريا (وربما الضفة الغربية).

في أوائل نيسان (إبريل)، ومرة أخرى في تموز (يوليو)، أطلقت مجموعةٌ مجهولةٌ الصواريخ على إسرائيل من جنوب لبنان. وجاءت الطلقة الأولى في أعقابِ الهجمات الإسرائيلية ضد المصلّين في المسجد الأقصى، في حين جاءت الثانية بعد العملية العسكرية الإسرائيلية الكبرى في جنين.

يبدو أن المخطط الإيراني و”حزب الله” يتقدّم على مستويين.

ويظهر أن الهجمات من لبنان مُصمَّمة لفَرضِ عقيدةِ ردعٍ جديدة مع إسرائيل، حيث يقول “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” للإسرائيليين إن المنظمات الثلاث ستواجه بردِّ فعلٍ مُتعدد الأوجه وغير قابل للتنبؤ على الأعمال العسكرية الإسرائيلية في المستقبل، وذلك من جميع أنحاء حدود البلاد. وقد وضع “حزب الله” بالفعل في هذا المزيج إمكانية نشر مقاتلين شيعة عراقيين موالين لإيران في لبنان، في صراعٍ نهائي.

وعلى المستوى الثاني، يحاول “حزب الله” تقويض مكانة حركة “فتح” داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وينبغي فهم التوترات في عين الحلوة في ضوء ذلك. ويرى زميلي الحاج علي أن “فتح” تخسر على جميع الجبهات، حيث كتب أخيرًا في مدوّنة “ديوان” التابعة لبرنامج كارنيغي للشرق الأوسط: “ما قد يظهر على المستوى الإقليمي هو معسكرٌ عربي يقوّض “فتح” من خلال التطبيع مع إسرائيل… ومعسكر موالٍ لإيران الذي يدعم أعداء “فتح””.

هناك مخاطر مؤكدة هنا بالنسبة إلى “حزب الله”، ليس أقلها أن القاعدة الشيعية للحزب لا ترغب في رؤية جنوب لبنان يدفع ثمن القضية الفلسطينية مرة أخرى، كما حدث بين أواخر الستينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الفائت. كما إنَّ لبنان لا يتمتع بوضعٍ اقتصادي يسمح له باستيعاب الدمار الهائل الناجم عن القصف الإسرائيلي الذي قد يتسبب فيه الصراع حتمًا.

لكن مصالح اللبنانيين ثانوية بالنسبة إلى كلٍّ من “حزب الله” ورعاته في طهران. ولا بدَّ أنَّ الإيرانيين اعتبروا مصالحتهم مع المملكة العربية السعودية في شهر آذار (مارس) الماضي بمثابة الإشارة الحقيقية الأولى إلى الاعتراف العربي بمصالح إيران في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لم تتحسّن العلاقات منذ ذلك الحين بالسرعة التي توقّعها البعض، وقد نُظِرَ على نطاقٍ واسعٍ إلى الاجتماع الأخير بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبد اللهيان على أنه محاولة لضخِّ زخمٍ جديد في عملية التقارب.

إنَّ تحسّنَ العلاقة لا يعني نهاية السياسة. سوف يستمر الجانبان في محاولةِ تجميعِ وسائل النفوذ الإقليمي للحفاظ على قوّتهما. ومن شأن السيطرة التدريجية على الملف الفلسطيني أن تُمثّلَ مكسبًا إيرانيًا كبيرًا، خصوصًا إذا أصبحت المنطقة أكثر استقطابًا بشأن تحسن التعاملات العربية-الإسرائيلية في المستقبل.

ويلعب “حزب الله” دورًا مركزيًا في هذه الرقصة الإقليمية المُعقَّدة، من خلال دعم “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في مسعاهما إلى تقليص نفوذ “فتح” داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان. ويأتي هذا في وقتٍ حيث الروح المعنوية في حركة “فتح” مُنخفضة للغاية، ويبدو أن قيادة المنظمة المُسِنّة أصبحت بعيدة بشكلٍ مُتزايد من الرأي العام الفلسطيني.

لا تزال خطة إيران و”حزب الله” قيد التنفيذ، ولكن من المتوقع أن تتحرّك إلى مستوى أعلى وسرعة أكثر في المستقبل القريب.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى