دولُ الخليج تُعَلِّقُ آمالَها في مجالِ الطاقةِ المُتجدّدة على الصين
ستستمر الصين في لعبِ دورٍ محوري بالنسبة إلى اعتماد منطقة الخليج على مصادر الطاقة المتجدّدة للاستخدام المحلّي، مع تزايد هيمنة بكين على سلاسل توريد الطاقة الشمسية والتصنيع الذي يُعزّز دورها كشريكٍ مهم لدول مجلس التعاون الخليجي.
جوناثان فينتون-هارفي*
في السنواتِ الأخيرة، بَذَلَت الدولُ الأعضاءُ في مجلس التعاون الخليجي جهودًا للإنتقال وللتحوّل نحو إنتاج الطاقات المتجددة، جُزئيًا لدَعمِ التحوّلات الخضراء الخاصة بها في معالجة تغيّر المناخ، ولكن أيضًا للتحضير لانخفاضِ الطلب على الوقود الأحفوري في اقتصادٍ عالمي منزوع الكربون. ولتعزيز هذه الأهداف، تحوَّلَت إلى الصين كشريكٍ رئيس. ولكن في حين أثبتت الشراكة مع بكين أنها مثمرة من حيث الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، فقد خفّفت أيضًا بشكلٍ متناقض الضغط الذي تشعر به الدول الخليجية للتخلّي عن الهيدروكربونات، التي طالما كانت العمود الفقري لاقتصاداتها.
خمسٌ من دول مجلس التعاون الخليجي الست حدّدت بالفعل أهدافًا صفرية صافية استجابةً للضغوط المتزايدة للتصدّي لتغيّر المناخ. وقد التزمت دولة الإمارات العربية المتحدة بتحقيق صافي صفر بحلول العام 2050، في حين أن المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والكويت والبحرين قد حددت تحقيق ذلك بحلول العام 2060. ومع ذلك، فقد شدّدت قطر على تركيزٍ محدود بشكلٍ أكبر على الحدِّ من انبعاثات الكربون واستهداف قطاعات محددة، بدلًا من السعي وراء الحياد الشامل للكربون.
ومع ذلك، بصرف النظر عن هذه الطموحات الصفرية الصافية المُعلَنة، كانت هناك إشاراتٌ ملموسة محدودة إلى أنَّ دولَ الخليج مُلتزمةٌ حقًا بالحدِّ بشكلٍ كبير من اعتمادها على النفط والغاز، ما يعكس الأهمية الحالية والمستقبلية للهيدروكربونات لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. استمرت عائدات السعودية من حصتها في أرامكو بالزيادة في السنوات الأخيرة. واختارت دولة الإمارات سلطان الجابر –الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية المملوكة للدولة، أو أدنوك – لتَرَؤّس مؤتمر الأمم المتحدة “COP28” لتغيّر المناخ هذا العام، والذي ستستضيفه أبوظبي. وقد أدى ذلك إلى اتهاماتٍ بأنَّ تبنّي دول الخليج لسياساتٍ أكثر صداقة للمناخ يرقى إلى مستوى “الغسل الأخضر”، حتى أن جابر اجتذب انتقاداتٍ أخيرًا لغسله الأخضر لدخوله الخاص في ويكيبيديا.
لكي نكون واضحين، هناك فوائد تتعلّق بالسمعة لتعزيز التحوّل نحو الطاقة الخضراء، لا سيما بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، التي تُحدِّدُ أجندة التنمية الخاصة برؤية 2030 أيضًا مصادر الطاقة المتجددة كأولوية رئيسة. ومع ذلك، فإن مخاطر انخفاض الطلب العالمي على الهيدروكربونات حقيقية، ما يوفّرُ قوةَ دفعٍ كبيرة لدول الخليج لتنويع اقتصاداتها ومحافظ الطاقة لديها. وقد وضعت الإمارات والسعودية على وجه الخصوص دولتيهما في طليعة إنتاج الطاقات البديلة، وخصوصًا الهيدروجين والأمونيا.
تهدف الرياض إلى بناء أكبر مصنع هيدروجين في العالم في مدينة نيوم المستقبلية، إلى جانب مصانع أخرى أصغر في جميع أنحاء البلاد. وفي العام 2021، أعلنت الإمارات أنها ستُطوّر مصنع الظفرة بالقرب من أبوظبي، كجُزءٍ من تطلعها لأن تصبح واحدة من أكبر منتجي الهيدروجين في العالم. مثل المملكة العربية السعودية، استفادت أبوظبي من ثروتها الهيدروكربونية لتعزيزِ اعتماد الطاقات المتجددة، على سبيل المثال من خلال التمويل الجُزئي لمشروعِ الظفرة من طريق الشراكة مع أدنوك.
بدورها، سعت سلطنة عُمان أيضًا إلى الاستفادة من مواردها الكبيرة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مع تحديدِ أهدافٍ لإنتاج مليون طن من الهيدروجين سنويًا بحلول العام 2030 وما يصل إلى 8.5 ملايين طن بحلول العام 2050. وإبرازًا لطموح خطط مسقط، فإنَّ الهدف الأخير يتجاوز طلب الهيدروجين الحالي في أوروبا. في العامين الماضيين، أعلنت قطر والبحرين أيضًا عن خططٍ لتطوير محطات الهيدروجين، حتى لو ظلت الرياض وأبو ظبي في الصدارة في هذا المجال.
وفي الوقت نفسه، في محاولةٍ لتنويع اقتصاداتهما، طوّرت كلٌّ من الرياض وأبو ظبي علاقات أعمق مع بكين. هذا التحوّل نحو الصين مدفوعٌ جُزئيًا بتصميم الدولتين الخليجيتين الرائدتين على توسيع نطاق شراكاتهما حيث تنأيان عن النظام الإقليمي التقليدي الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن دول الخليج تعتبر ذلك ضروريًا بشكل متزايد، بسبب دعم الصين الحاسم في مجال الطاقة المتجددة.
تتماشى جهود الصين لجعل استراتيجيتها الاستثمارية العالمية أكثر ملاءمة للبيئة مع أهداف التنمية طويلة الأجل للرياض على وجه الخصوص. تهدف الحكومة السعودية إلى جعل مدينة نيوم خضراء بالكامل وصديقة للبيئة، وسيتطلّب المشروع 500 مليار دولار لإكماله، ما يجعل التمويل الدولي أمرًا حيويًا. سيكون استثمار الصين في نيوم أمرًا حاسمًا في كلا الأمرين: ستقوم شركة “صن غرو” (Sungrow) للطاقة النظيفة ومقرها الصين بتطوير تخزين الطاقة المتجددة لتزويد المدينة بالطاقة، وتعهدت شركة البناء (باور تشاينا” (PowerChina) ببناء أبراجها الشاهقة، والتي تهدف إلى أن تكون ميزة رئيسة لمدينة خالية من الكربون.
ليست نيوم وحدها التي تستفيد من الاستثمار الأخضر الصيني في المملكة. في العام 2021، وافقت هيئة هندسة الطاقة الصينية على بناء مشروع للطاقة الشمسية بقدرة 300 ميغاواط في رابغ، مما يجعله واحدًا من أكبر المشاريع في البلاد. الإمارات العربية المتحدة هي أيضا وجهة مهمة للاستثمار الصيني. في أيار (مايو)، وقعت الإمارات مذكرات تفاهم مع العديد من منظمات الطاقة النووية الصينية، في حين اتفقت شركة الطاقة الخضراء “NTWN” ومقرها دبي وشركة “CMEC” الشرق الأوسط الصينية على بناء مصنع هيدروجين أصغر في الإمارات العربية المتحدة، ما يؤكد شراكاتهما الوثيقة في مجال الطاقة المتجددة.
علاوة على ذلك، ستستمر الصين في لعبِ دورٍ محوري في اعتماد منطقة الخليج لمصادر الطاقة المتجددة للاستخدام المحلي، مع تزايد هيمنة بكين على سلاسل توريد الطاقة الشمسية والتصنيع الذي يعزز دورها كشريكٍ مهم في دول مجلس التعاون الخليجي. في المقابل، في حين أن الشركات الأميركية من مختلف القطاعات –بما في ذلك النفط والهندسة والأدوية والخدمات المالية والبنوك– لا تزال نشطة في المملكة العربية السعودية، فإن إعطاء الأولوية لواشنطن للاستثمار في الطاقة منخفضة الكربون في الداخل يترك مجالًا أكبر للصين للمساعدة على تحوّل طاقة الخليج.
ومع ذلك، في الوقت نفسه، عززت العلاقات العميقة مع الصين حوافز دول الخليج للحفاظ على اقتصاداتها الهيدروكربونية. على الرغم من أن روسيا أصبحت المورد الفردي الأول للنفط للصين منذ غزو أوكرانيا، إلّا أن الشرق الأوسط كمنطقة لا يزال المصدر الرئيس لواردات الصين من النفط، حيث تُعد المملكة العربية السعودية ثاني أكبر مورد لها، والعراق في المرتبة الثالثة والإمارات في المرتبة السادسة.
حتى أن الرياض أبدت استعدادها لمناقشة إجراء مبيعات النفط باليوان، مُسَلّطةً الضوء على القيمة التي تضعها الرياض في الصين كسوق ورغبتها في تعزيز تجارة النفط مع بكين بشكل أكبر. في حين أن مثل هذا الترتيب لن يؤثر على هيمنة البترودولار، حيث ستظل المعاملات القائمة على اليوان تُقاس مقابل الدولار، فإنه يوضّح مرونة الرياض في إدارة علاقاتها الاقتصادية العالمية أثناء الانتقال إلى الطاقات المتجددة.
في غضون ذلك، تواصلت المحادثات لتعميق التعاون في مجال الطاقة بين دول الخليج والصين. في 11 حزيران (يونيو)، خلال مؤتمر الأعمال العربي-الصيني العاشر في الرياض، أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أن الرياض لا ترى المشهد الجيوسياسي الحالي على أنه “لُعبةٌ محصلتها صفر” أو منافسة، وأن المملكة تنوي مواصلة تطوير شراكات عالمية مختلفة لمصلحتها الخاصة. كما أقرَّ بن سلمان طلب الصين المتزايد على النفط وأعرب عن رغبة المملكة العربية السعودية في الحصول على هذه الحصة السوقية، مع الاعتراف بإمكانية التعاون مع الصين في قطاع الطاقة المتجددة. وعلى المنوال نفسه، أبرمت قطر أخيرًا اتفاقية مدتها 27 عامًا لشحن الغاز الطبيعي المسال إلى الصين، للاستفادة من الطلب الهائل على الطاقة في هذا البلد أيضًا.
من الواضح أنَّ دولَ الخليج لا تشعر حاليًا بالحاجة الملحة إلى إبعاد نفسها عن عائدات النفط والغاز في المدى القريب. كما خففت الحرب في أوكرانيا من أيِّ ضغوطٍ ربما كانت تتعرّضُ لها، حيث سارع العديد من الدول الأوروبية لتأمين شراكات الغاز والنفط في المنطقة لتحل محل اعتمادها السابق على الغاز الروسي. إن طلب أوروبا على النفط والغاز يسلط الضوء ببساطة على الوضع المريح الذي تجد دول مجلس التعاون الخليجي نفسها فيه الآن.
ولكن من خلال تنويع مصادر دخلها واعتماد بدائل طاقة أنظف، فقد اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي مكانة مواتية للعقود المقبلة، حيث من المرجح أن يرتفع الطلب على الهيدروكربونات وينخفض، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على مصادر الطاقة المتجددة مثل الهيدروجين والأمونيا. ستلعب الصين دورًا متزايد الأهمية في هذا التحوّل، الأمر الذي سيُمكّن دول الخليج في نهاية المطاف من موازنة علاقاتها بشكل أكثر مرونة بين واشنطن وبكين.
- جوناثان فينتون-هارفي هو محلل وصحافي بريطاني يركّز عمله إلى حد كبير على شؤون مجلس التعاون الخليجي، فضلًا عن القضايا الجيوسياسية والاقتصادية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط الأوسع ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ. يمكن متابعته عبر تويتر على: @jfentonharvey
- كُتِبَ هذا المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.