إلى أينَ تأخذُ حربُ الجنرالَين السودان؟
يبدو الصراع في السودان بأنه مُتعَدّدُ الأبعاد، ويمكنه أن يُولّدَ عدم استقرارٍ ينتشرُ إلى المنطقة الأوسع.
مُهنّد الحاج علي وعلي علي*
منذ 15 نيسان (إبريل)، خلّفَ القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في جميع أنحاء السودان، وخصوصًا في العاصمة الخرطوم، أكثر من 450 قتيلًا وأكثر من 4000 جريح. اندلع القتالُ بعد أشهرٍ من التوترات بين قائدَي كلتا القوّتين، الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية، وهو أيضًا رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، وهو نائب رئيس المجلس.
الواقع أنّ الصراعَ على السلطة يبدو مُتعدّدُ الأبعاد. لقد تمَّ تشكيل مجلس السيادة الانتقالي بقيادة الجيش في أعقاب انقلاب نيسان (إبريل) 2019 على الرئيس السوداني السابق عمر البشير. حكم البشير السودان لمدة ثلاثة عقود وأقام تحالفًا بين كبار الضباط العسكريين والإسلاميين، ومالَ الميزان نحو العسكر في سنواته الأخيرة في السلطة. في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، أطاح البرهان وحميدتي حكومةً مدنية بقيادة الخبير الاقتصادي للأمم المتحدة عبد الله حمدوك. تحت ضغطٍ خارجي، أعادا حمدوك بعد ذلك بوقت قصير، على الرغم من أنه بقي في منصبه فقط حتى كانون الثاني (يناير) 2022، وسط توترات مع الجيش واحتجاجات الشوارع المتزايدة.
كانت المنافسة بين البرهان وحميدتي واضحة منذ بداية دورهما في حقبة ما بعد البشير. ينتمي البرهان إلى مؤسّسة عسكرية رسمية، ينحدر معظم قادتها المرئيين من وسط السودان –الولاية الشمالية والخرطوم– بينما يقود حميدتي ميليشيا هامشية تأسست قبل عقدين فقط لمحاربة التمرد في منطقة دارفور المُتخلّفة. وكانت التوترات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع هي السبب الرئيس للانقلاب الفاشل ضد حمدوك.
ومع ذلك، حافظ الجنرالان على تحالفهما لدرء المطالب المتزايدة لحركة الاحتجاج بعد الإطاحة الأوّلية بحمدوك. كان أحد المطالب المبكرة للمفاوضين من المعارضة، ممثلين بقوى الحرية والتغيير التي يقودها مدنيون، هو دمج قوات الدعم السريع مع الجيش، وهو ما كان سيعني نهاية نفوذ حميدتي في البلاد. في الواقع، نصت الاتفاقية الإطارية في كانون الأول (ديسمبر) 2022، والتي تمَّ التفاوضُ عليها لبدء الانتقال إلى الحكم المدني، على أن قوات الدعم السريع ستُدمج في الجيش. ومع ذلك، اختلف الطرفان حول الإطار الزمني لهذا الاندماج. من جهتها سعت القوات المسلحة السودانية إلى فترة انتقالية مدتها سنتان، في حين أرادت قوات الدعم السريع فترة انتقالية أطول تمتد لعقد من الزمان. وزاد هذا الأمر من المشاعر السيئة بين الطرفين.
جانبٌ آخر من جوانب الصراع الحالي يتعلّق بدور الإسلاميين. أعرب أعضاء قوى الحرية والتغيير عن مخاوفهم بشأن عودة الإسلاميين إلى السلطة، الأمر الذي لا يبدو مُنفَصِلًا تمامًا عن الواقع. قبل شهرٍ من اندلاع العنف، ظهرت تقارير عن إسلاميين يحملون السلاح بمساعدة الجيش. وأخيرًا أُفرِجَ عن قيادات النظام السابق من سجن كوبر بالخرطوم. لم يتّضح بعد مَن أطلقَ سراحهم، حيث تتهم قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية بعضهما البعض بالقيام بذلك. ولكن، فإن أحدَ الذين تم إطلاق سراحه هو أحمد هارون، أحد كبار مساعدي البشير، وهو زعيمٌ في الحركة الإسلامية، ومطلوبٌ أيضًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وقد سجّل رسالة صوتية مؤيدة للقوات المسلحة السودانية قام بتوزيعها على نطاق واسع، الأمر الذي زاد المخاوف من عودة الإسلاميين.
ينبع البُعدُ الثالث للصراع بين البرهان وحميدتي من خلفيتهما. ينحدر حميدتي من منطقة دارفور المُهَمَّشة في غرب البلاد، بينما ينحدر البرهان من الشمال، من بلدة قندتو، وهو الجزء من السودان الذي سيطر على السياسة لعقود. على الرغم من أن قوات الدعم السريع، التي كانت تُعرف سابقًا باسم ميليشيا الجنجويد، قد أُنشئت للمساعدة على قمع الجماعات المتمردة في دارفور، إلّا أنها جَنّدت مقاتليها من القبائل التي تشارك دارفور تاريخًا من التهميش.
إنَّ سعي حميدتي إلى السلطة في العاصمة هو تحوّلٌ كبير في الوضع الراهن منذ قرن من الزمان. سوف يعتمد نفوذه على البرهان في النهاية على قدرة قواته في التغلب على القوة النارية المتفوّقة للقوات المسلحة السودانية في بيئة حضرية. إنَّ الوضعَ الإنساني المتدهور والضغط الدولي يبدوان راهنًا في مصلحته، فكلما طالت مدة بقائه في الخرطوم، زاد احتمال حصوله على نفوذ على طاولة المفاوضات. من ناحية أخرى، إذا طردته القوات المسلحة السودانية خارج العاصمة، يمكن لحميدتي تعبئة القبائل العربية في دارفور وخارجها، مما قد يهدّد وحدة السودان.
كما إنَّ القتالَ يعمل ضد الحركة الاحتجاجية السودانية النشطة، التي قادها في البداية تجمّع المهنيين السودانيين، ثم لجان المقاومة السودانية. أجبرت الاحتجاجات مجلس السيادة الانتقالي على قبولِ ترتيبٍ انتقالي بعد الانقلاب على حمدوك. ومع ذلك، بسبب القتال في الخرطوم اليوم، من المرجح أن تفقد حركة الاحتجاج الضعيفة أصلًا المزيد من الزخم وكذلك القدرة على سَنِّ الإصلاحات. في الواقع، قد تشهد أي تسوية مستقبلية اتفاقًا لتقاسم السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ورفاقهما المدنيين.
يمكن أن تُحدّدَ هذه النتيجة المشهد السياسي في السودان، في ضوء نزوح أعداد كبيرة من المدنيين. علاوةً على ذلك، يمكن أن يخلق الصراع المستمر حالة من عدم اليقين في ما يتعلق بالعمليات المختلفة لإنهاء التمردات المسلحة في جميع أنحاء البلاد. كانت هذه أيضًا جُزءًا من اتفاقية الإطار. الآن وقد تغير الوضع بالكامل في البلاد، ليس من الواضح ما إذا كانت عمليات السلام هذه ستُنفّذ في نهاية المطاف. من المرجح أن تفشل، مثل جميع الاتفاقات الانتقالية السابقة.
أخيرًا وليس آخرًا، هناك بُعدٌ إقليمي للصراع. تدعم مصر الجيش السوداني، بينما يُزعَمُ أن قوات الدعم السريع تتلقّى دعمًا من عدد من الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، وقائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، ومجموعة فاغنر الروسية. أكبر مصدر تمويل لقوات الدعم السريع هو تعدين الذهب، ما سمح لها بالنمو بشكل هائل على حساب التنمية الإقتصادية للبلاد التي تشتد الحاجة إليها. قبل الانقلاب في العام 2021، كانت الحكومة المدنية تُعاني من ضائقة مالية ومُحاصَرة من قبل الجيش الذي يسيطر على حصة كبيرة من الاقتصاد وقوات الدعم السريع التي جاء تمويلها من أحد أكثر موارد البلاد ربحًا. بغض النظر عن تصريحاتهما على عكس ذلك، يشترك البرهان وحميدتي في مصلحة وهي أن تكون المعارضة المدنية ضعيفة.
ومع ذلك، إذا واصل الرجلان مواجهتهما العسكرية، فقد تتراخى قبضتهما على السلطة، ويمكن للجهات الفاعلة العسكرية الأخرى –سواء الجماعات المتمردة الحالية من المحافظات أو جماعات جديدة– تصعيد العنف، ما يؤدي إلى نزوحٍ أكبر للسكان المدنيين. قبل النزاع الحالي، كان السودان يضم بالفعل 1.1 مليون لاجئ و2.5 مليوني نازح داخليًا. القتال، الذي تسبب بالفعل في موجة نزوح كبيرة من الخرطوم وترك 60 في المئة من المراكز الصحية في العاصمة خارج الخدمة، يمكن أن يؤدي بسرعة إلى أزمة إنسانية كبيرة ذات تداعيات إقليمية.
يجب أن يأخذَ أيُّ تدخّل سياسي دولي في الاعتبار الحاجة إلى إعادة التوازن إلى المشهد السياسي في السودان. وهذا يعني تنفيذ انتقال أكثر شمولًا، انتقالٌ من شأنه تمكين وتوسيع التمثيل المدني كوسيلةٍ للمضي قدمًا. إن الضغطَ على اللاعبين الإقليميين للمشاركة بشكل بَنّاء في العملية من شأنه أن يساعد أيضًا على تمهيد الطريق لسلام أكثر ديمومة. قد يعني البديل استمرار عدم الاستقرار في السودان، والذي يمكن أن ينتشر بعد ذلك إلى جيران البلاد.
- مهند حاج علي هو مدير الاتصالات وزميل كبير في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط. يمكن متابعته عبر تويتر على: @MohanadHageAli
- علي علي هو أستاذ يُدرّس الشريعة الإسلامية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.