مُؤسِّسٌ بعدَ المُؤسِّسِ

راشد فايد*

تسترعي الجولات الخارجية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إنتباه المتابع، توقيتًا ومضمونًا. ولعلّ  أبرزها في 2018 حين زار الولايات المتحدة الأميركية، فإسبانيا وفرنسا، ومثلها الجولة الأخيرة قبل أيام وشملت مصر والأردن وتركيا، في ما يشبه حياكة شبكة أمان إقليمية، ستُبلورها القمّة المزمع انعقادها في جدة في 15 و16 تموز/ يوليو المقبل، وتضم، إلى البلد المضيف، دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر والأردن والعراق، ورئيس الولايات المتحدة الأميركيةجو بايدن.

يُغلّفُ هذا النمط من الجولات إنقلابًا هادئًا على حالٍ من اللاود، في الحد الأدنى، في العلاقات الثنائية بين بعض الدول، وفي ذلك ما يُثقلُ مسؤولية الرياض، ويُعزِّزُ أهمية القمة المقبلة في رسم مشهد المنطقة، بينما تستعر الحرب الروسية على أوكرانيا، وتُلقي بظلالِ أزمةٍ غذائية على العالم.

تُتيحُ الجولة والقمة القول إن الهدف الأبعد لهما هو إنشاء طوق سنّي يواجه عدوانية طهران في المنطقة والذي لم تخفه يومًا، منذ دخول الخمينية إليها على أنقاض الشاهنشاهية، ولا ينسى أحدٌ ما انطوى عليه شعار تصدير الثورة، وإنشاء “فيلق القدس” الذي كان تحرير فلسطين شعارًا تُرجِمَ، منذ أكثر من 40 عامًا، عدوانًا على استقرار المنطقة، والعالم. لذا، فإن لم يكن هذا الطوق المزعوم مطروحًا على النقاش، فإنه يجب أن يكون.

قد تكون القمة المقبلة “قمّة تأسيسية” للعلاقات العربية الأميركية، وقد تُذكِّرُ بما عُرف بـ”قمة البارجة الأميركية كوينسي” التي عُقِدَت في 14 شباط/فبراير 1945، في البحيرات المرة في مصر، وكانت من أكبر التطوّرات والأحداث في تاريخ المنطقة. ما جرى في القمة لم يُعرَف إلّا بعد عقدها بـ 10 سنين عندما اصدر الكولونيل ويليام إدي، الذي تولّى الترجمة، كُتَيِّبًا بعنوان “عندما التقى روزفلت بابن سعود” وهو حتى اليوم المرجع الأساس لهذا اللقاء. كانت قضية فلسطين هي أكبر قضية مُشتَعِلة في المنطقة العربية مع تدفّق الهجرة اليهودية وقرب انتهاء الانتداب البريطاني، والجدل الواسع حول مستقبل فلسطين.  وقد رفض الملك المؤسّس القبول بحلٍّ لأزمة اليهود الهاربين من النازية على حساب فلسطين وأهلها، واتّخذَ الموقف نفسه من اقتراح روزفلت نقل اليهود إلى ليبيا، إلى أن قدّمَ الرئيس الأميركي للملك عبدالعزيز التعهّد التاريخي الشهير بأنه لن يفعل أي شيء ولن يُقدِمَ على أيِّ خطوة لمساعدة اليهود ضد العرب، ولن يُقدِمَ على أيِّ خطوةٍ عدائية ضد العرب. وتعهّدَ بأن حكومته لن تُدخِلَ أيّ تغيير على سياستها في قضية فلسطين من دون التشاور المُسبَق مع العرب. هذا التعهّد وثَّقه روزفلت بعد ذلك كتابةً في الخطاب الشهير الذي بعث به إلى الملك عبدالعزيز في 15 نيسان/ إبريل من العام نفسه. وشاءت الأقدار ان يتوفى روزفلت بعد ذلك بأسبوع. وتولى الحكم في أميركا بعده هاري ترومان الذي نسف هذا التعهّد.

هذا الموقف التاريخي المشهود لزعيم عربي كبير هو الملك عبدالعزيز يستحق أن يُستعاد، بجدوى أكبر، يدعمه إطار تعاون عربي جدّي يؤسّسُ ثانية لشراكةٍ استراتيجية مُتنوِّعة تحمي المنطقة.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى