الحكومتان الليبيّتان تُشكّلان أزمةً مُستَعصِيَة

الجهود الدولية التي تقودها وتبذلها الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية فشلت حتى الآن في تحقيق أيِّ تقدّمٍ يُذكر، الأمر الذي ترك الفرصة لتدخّلات عربية وأجنبية للإستفادة السياسية، كان آخرها زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز.

خليفة حفتر: يحاول السيطرة ولكن من دون نجاح يُذكر.

لينا الخطيب*

قام وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بزيارةٍ مفاجئة إلى ليبيا في الأسبوع الماضي، حيث التقى عبد الحميد الدبيبة –رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية في طرابلس- وشخصيات سياسية أخرى (بينها الجنرال خليفة حفتر). قام بيرنز بالرحلة لمناقشة مجموعة من القضايا، بما فيها مكافحة الإرهاب وسياسة الطاقة ووجود مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية في ليبيا. لكن حلَّ الأزمة السياسية الطويلة الأمد في ليبيا لم يكن مُدرَجًا على جدول أعمال بيرنز المُعلَن خلال زيارته، ربما بسبب مدى صعوبة حلِّ هذه الأزمة.

فشلت جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حتى الآن في سد الفجوة بين “حكومة الوحدة الوطنية”، (في طرابلس)، المُعترَف بها دوليًا ومنافستها “حكومة الاستقرار الوطني”، (في سِرت)، برئاسة فتحي باشاغا. كما أن تعيين عبد الله باتيلي في أيلول (سبتمبر) كممثل خاص جديد للأمم المتحدة لم يفعل شيئًا يذكر لكسر الجمود أو استعادة الثقة المحلية في العملية السياسية التي تقودها المنظمة الدولية. بالإضافة إلى إدارة العلاقات مع “حكومة الوحدة الوطنية”، التي تريد البقاء في السلطة، يجب على باتيلي أن يجيد إدارة شد الحبل بين المُشرّعين في مجلس النواب في طبرق، الذي يدعم حكومة باشاغا، وأعضاء المجلس الأعلى للدولة، الهيئة الاستشارية التي أقرتها الأمم المتحدة والتي تم إنشاؤها في العام 2015، حول من سيوجه العملية السياسية في البلاد. كل هذه المنافسة داخل النخبة السياسية تجري على خلفية تدخل القوى الأجنبية التي تدعم الأطراف المختلفة.

بعد فترة وجيزة من تعيين باثيلي، اجتمع عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب ومقره طبرق، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في المغرب، حيث أعلنا عن إطارِ عملٍ لتشكيل حكومة وحدة جديدة. لكن بينما رحب الكثيرون بالإعلان، كان المعسكران المتنافسان يسعيان أيضًا إلى إرسال إشارة إلى باثيلي حول أهميتهما المركزية في أيِّ صفقة قد يتوسّط فيها.

وافق مجلس النواب على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في آذار (مارس) 2021، على أن يكون الدبيبة رئيسًا مؤقتًا للوزراء، في محاولة أولية لتوحيد الحكومتين بعد سنوات من القتال بين الجانبين. كان من المفترض أن تتبع ذلك انتخابات برلمانية يُنظَرُ إليها على أنها حاسمة لإنهاء الأزمة الليبية التي استمرّت عقدًا من الزمن في أيلول (ديسمبر) 2021. ولكن بعد ستة أشهر، أقرَّ مجلس النواب اقتراحًا بسحب الثقة من حكومة الدبيبة. لكن الأخير رفض التنحّي قائلًا إنه لن يتنازل عن منصبه إلّا لحكومةٍ جديدة يُشكّلها برلمان مُنتَخَب. تم تأجيل الانتخابات المقررة بسبب المواجهة، لكن مجلس النواب جادل بأن ولاية دبيبة قد انتهت رُغمَ ذلك في كانون الأول (ديسمبر) 2021. وفي شباط (فبراير) 2022، أَعلَنَ عن تشكيل “حكومة الاستقرار الوطني”، بقيادة باشاغا كرئيسٍ لها.

وفقًا لأحدث خطةٍ لتشكيلِ حكومة الوحدة التي أعلنها صالح والمشري في المغرب في تشرين الأول (أكتوبر) والتي كان من المفترض أن تكون جاهزة بحلول نهاية العام 2022، فإن منصبَي محافظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس هيئة الرقابة الإدارية – أمين المظالم المسؤول عن الإشراف على الوظائف التنفيذية للدولة – يكونان من حصة معسكر شرق ليبيا في طبرق. في غضون ذلك، ستكون مناصب رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات والنائب العام ورئيس ديوان المحاسبة – الوكالة المسؤولة عن تدقيق مالية الدولة – من حصة المعسكر الغربي في طرابلس. إنتقد الدبيبة الخطة علنًا وسعى لاحقًا إلى تعزيز وضعه من خلال توقيع اتفاقات مع تركيا بشأن التنقيب عن الهيدروكربونات في البحر الأبيض المتوسط. لكن هذه الصفقات تعرضت لانتقادات شديدة من مصر، التي كانت مؤيدة للفصيل الشرقي، لأنها تؤثّر في الاحتياطات البحرية التي تدّعي القاهرة أنها ملكٌ لها.

في غضون ذلك، سعى الجنرال خليفة حفتر، قائد القوات المسلحة المدعوم من روسيا والمتمركز في شرق البلاد، إلى استغلال هذه الانقسامات. وبينما كان من المفترض أن يدعم حكومة باشاغا، فقد أبرم صفقة مع الدبيبة الصيف الماضي لاستبدال رئيس مؤسسة النفط الوطنية الليبية ويضعها تحت سيطرة حكومة الوحدة الوطنية، مقابل تزويد طرابلس لحفتر بجزء من عائدات النفط في البلاد. لكن على الرغم من تلك الصفقة، استمر أنصار الدبيبة في معارضة حفتر، الذي لديه أيضًا طموحات لإدارة البلاد.

في أعقاب الاجتماع في المغرب بين صالح والمشري، حاول حفتر مرة أخرى تقديم نفسه على أنه الرجل القوي الذي يمكنه سد الفجوة بين الشرق والغرب، مشيرًا إلى اجتماع عقده في بنغازي في تشرين الأول (أكتوبر) 2022 مع رئيس المخابرات المصرية كدليل على شرعيته. لكن القاهرة، رغم أنها كانت ذات يوم داعمة لحفتر، تبدو الآن أكثر دعمًا لصالح.

ونتيجة لذلك، انتهى العام 2022 بدون تشكيل حكومة وطنية جديدة ولا انتخابات. وتستمر الحكومتان المتنافستان في الاعتماد على دعم الميليشيات للبقاء في السلطة، لكن لا يمتلك أيٌّ من الجانبين القوة العسكرية الكافية لإخضاع الآخر بشكل دائم. ولم يتم حتى الآن مناقشة الجدول الزمني لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي طال انتظارها. من جهتها، لا تزال الأمم المتحدة تتطلّع إلى التوسط بين الحكومتين المتنافستين، ولكن مع عدم وجود مَن يتوق إلى إجراء انتخابات قد تؤدي إلى فقدان مكانته، فإن كلا الجانبين قد استمرّا على موقفهما المُتَعنّت.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في هذا البرنامج الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحولات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى