لبنان يَستَقبِلُ عامًا جديدًا والقَديمُ على قِدَمِهِ

البروفسور بيار الخوري*

إذا جالَ القارِئُ في ذهنه على العام الذي نُوَدِّعُ مُحاوِلًا وضع جدولٍ للإيجابيات مُقابل السلبيات في العناصر التي تُحرِّكُ أوضاعنا الداخلية والعناصر المُتَحَكِّمة بأوضاعنا خارجيًّا، سيجد من دون شك أن ميزان السلبيات يطغى بدون منازع.

ثم ماذا لو قال تعالوا نبحث عن إيجابيةٍ ما كي لا تلفّنا السوداوية، فماذا عساه يقول؟

من المُتَّفقِ عليه اليوم، والمؤشّرات في نهاية هذا العام التي كنّا نقوم بمراقبتها او نراهن على تطورها مع بداية كل عام من أجل الأمل بالأفضل، كلّها في عنق الزجاجة.

استمرَّ اللبنانيون في الرهان على استحقاق الانتخابات النيابية الذي جاء لغسل الطبقة السياسية من عار ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ولكن … مع وردةٍ على ثياب المجلس الجديد اسمها نوّاب التغيير.

راهنَ اللبنانيون طويلًا على لحظة انتخابِ رئيسٍ جديدٍ للجمهورية حتى وصلنا إلى فراغٍ تَوَّجَ الفراغ في السلطة التنفيذية بكاملها.

الرهان على تمرير القوانين الإصلاحية بدا كأنّه هو الرهان على أن يُحاكِمَ المُجرِمُ نفسه، وينطق بعدالة تودي به الى حبل المشنقة.

أمّا ضالّة الشعب فقد وَجَدَتها تعاميم مصرف لبنان في تربيح الناس ٢٥% على كل دولار تُدفَع من صندوقٍ خاوٍ إلى جيوبٍ مثقوبة ويتوسّط بينهما انهيار الليرة وجنون التضخّم.

وحده العدو الصهيوني استطعنا إيجاد اتفاق مصلحة معه في ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. هلّل أعداء سوريا وأعداء السعودية للإتفاق، رُغمَ أننا لا نقبل أن ننتجَ اتفاقات مصلحة مع أيٍّ منهما. إتفاقُ مَصلحة مُعلَّق لأربع سنوات في عالمٍ بات يحسب شهرًا شهرًا.

وطالما أن الاقتصاد “فالج لا تعالج”، فقد ارتأت الحكومة أن تنجو بريشها وتُعدّل تسعير خدماتها على سعر منصّة صيرفة وترفع الدولار الرسمي والجمركي عشرة أضعاف ولو على حساب الاقتصاد.

ولأن اقتصادنا “فالج لا تعالج”، ونحن منذ بعثة إرفد لا نعلم كيف يعمل، فلا بأس بأن نعيش على اقتصاد السوق السوداء والجريمة المنظمة في ظلِّ تَحلّلٍ مُتَعَمَّد بمسؤولية الدولة.

وحدها حبوب الأعصاب والمخدّرات تُسعِفُ هذا الشعب في التعايش مع الجريمة التي يساهم في ارتكابها.

خلال الحرب استطعنا الاستمرار بفعل دواءِ أعصابٍ من نوعٍ آخر هو القراءة. وأنا لا أجد اليوم غير هذا الدواء الرخيص الثمن سلاحًا بيدنا جميعًا! وأنصحُ مَن يرغب استخدامه في ظلّ العزوف الجماعي عن القراءة بالكتب التالية:

– لعنة وطن، كريم بقرادوني، منشورات عبر الشرق.

– تفكك أوصال الدولة في لبنان 1967-1976، فريد الياس الخازن، منشورات دار النهار..

– بيت بمنازل كثيرة: الكيان اللبناني بين التصوّر والواقع، كمال الصليبي، دار نوفل.

– مقاديشو: اقتصاد بلا دولة، كريستيان ويبريسك، ورقة بحث منشورات روتلدج.

– الفساد المؤسّسي والدولة الكليبتوقراطية، ورقة عمل لصندوق النقد الدولي.

نلتقي في نهاية العام المقبل ونتكلم إذا أعطانا الله عُمرًا، وكل عام وأنتم بخير.

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي وباحث لبناني في الإقتصاد السياسي. يمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: info@pierrekhoury.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى