هل يُمكِن أن تكون رئاسة لبنان في مُتناول قائد الجيش جوزيف عون؟
مايكل يونغ*
لبنان بلا رئيس منذ نهاية تشرين الأول (أكتوبر)، عندما انتهت ولاية ميشال عون. منذ ذلك الحين، فشلت القوى السياسية في البلاد في التوصل إلى إجماعٍ على خليفة. وهذا الأمر ضروري، ذلك أن البرلمان في لبنان هو الذي ينتخب رؤساء الجمهورية، وما نتجَ عن انتخابات أيار (مايو) هو مجلس نواب بدون أغلبية.
بشكلٍ عام، هناك تحالفان برلمانيان رئيسان. أحدهما بقيادة “حزب الله”، ويضمّ “التيار الوطني الحر”، بزعامة جبران باسيل، صهر الرئيس السابق، وكتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري. التحالف الآخر، الذي يميل إلى معارضة “حزب الله”، على الرُغم من استثناءات ملحوظة، يشمل حزب “القوات اللبنانية” بشكل أساسي، وحزب “الكتائب”، والكتلة التي يقودها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وعدد من النواب السنّة المُقرّبين من رئيس الوزراء السابق سعد الحريري. وهناك كتلة غير متبلورة من المُستقلّين تتقلّب بين الإثنين.
عَقَدَ البرلمان ما يقرب من اثنتي عشرة جلسة انتخابية منذ تشرين الأول (أكتوبر)، دون جدوى، حيث يبدو أن البحث عن خليفة لعون قد تجمّد. ومع ذلك، قد لا يكون هذا التقييم دقيقًا جدًا. يجري خلف الكواليس البحث عن رئيسٍ جديد يستطيع الحصول على توافقٍ داخل لبنان، لكنه يتمتع أيضًا بثقة المُجتمعَين الإقليمي والدولي.
وبحسب مُحلّلين وديبلوماسيين في بيروت، فإن إحدى الدول المُنخَرِطة في هذا الجهد هي قطر، التي تحاول مع فرنسا بناء دعم عربي لمرشّح. وبحسب تقارير عدة متطابقة، قال القطريون لمحاوريهم إن تفضيلهم هو انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون. وقد جاء إثبات وتأكيد الاهتمام القطري أخيرًا، عندما دُعِيَ قائد الجيش إلى الدوحة، قبل استضافة مرشح رئاسي آخر، باسيل.
بينما ناقش قائد الجيش قضايا عسكرية مع القطريين، لم يكن هناك شكٌّ في أن زيارته مُرتبطة بالرئاسة. ورحلة باسيل، بدورها، حسب مصادر مطّلعة عادةً، كانت تهدف إلى تسهيل موافقته وإقناعه برئاسة جوزيف عون، على الرغم من أن الكثير لا يزال غير واضح في هذه المرحلة.
الواقع أن دور قطر بالكاد يكون مصادفة. في العام 2008، كان للقطريين دورٌ فعّال في التفاوض على حلٍّ وسط بين الفصائل السياسية اللبنانية بعد الاشتباكات المُسَلَّحة في بيروت وحولها. في ذلك الوقت، كانت هذه التسوية المعروفة باسم اتفاق الدوحة، تنطوي على تمهيد الطريق لانتخاب قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان كرئيسٍ للجمهورية ومنح “حزب الله” وحلفائه حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الوزراء، والذي كانوا طالبوا به.
وهذا يُفسّرُ لماذا حافظت قطر على ثقة “حزب الله”، ولماذا سيأخذ الحزب على محمل الجد أي صفقة على الرئاسة يقترحها القطريون. في الوقت نفسه، يُنظر إلى قطر على أنها أداةٌ فعّالة في إقناع السعوديين بأيِّ اتفاقٍ يتمّ التوصّل إليه في لبنان.
ودفع ذلك ديبلوماسي عربي للحديث عن دعوة جوزيف عون إلى الإمارة، نقلته صحيفة لبنانية: “هذه الدعوة، مع هذا التوقيت، بلا شك رسالة سياسية تهدف إلى القول إن ترشيح العماد عون للرئاسة يستفيد من دعم قطر، ولكن أيضًا فرنسا والولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية”.
ومع ذلك، قد تكون هذه الملاحظات سابقة للوقت قليلًا. إذا افترضنا أن مبادرة ترقية قائد الجيش جادة، وكل الدلائل تؤكد على ذلك، فهناك العديد من العراقيل التي يجب أن “تتحلحل” قبل أن يكون هناك توافقٌ في الآراء حول ترشيحه. وفي الوقت الحالي، لا شيء يشير إلى أننا وصلنا إلى تلك المرحلة بعد.
والأهم من ذلك، سيحتاج العماد عون إلى الحصول على موافقة “حزب الله”. الحزب له رأيان حول قائد الجيش. فمن ناحية، نسّقَ بشكلٍ وثيق مع الجيش على مر السنين، بشكل عام بدون وقوع حوادث. في الوقت نفسه، يتمتّع العماد عون بعلاقات جيدة مع الأميركيين والدول الغربية الأخرى، ما يجعل “حزب الله” متردّدًا ومضطربًا. وفي العام الماضي، كان للجيش دورٌ فعّال في منع تقدم مُسلّحين تابعين ل”حزب الله”، وحركة “أمل” المتحالفة معه، نحو المناطق المسيحية، ما أسفر عن مقتل عدد من المسلحين المهاجمين.
ومع ذلك، فإن الموافقة على العماد عون قد تجلب مزايا. “حزب الله”، من خلال أبواقه الإعلامية، طَرَحَ أخيرًا مُقايضة، اقترح فيها انتخاب رئيس جمهورية جديد قريب منه، بينما يمكن للسعوديين إختيار رئيس الوزراء. لم يأتِ هذا البالون الإختباري بأي نتيجة، لكنه أشار إلى أن الحزب قد يكون على استعداد للتنازل عن شيء ما للسعوديين وحلفائهم في لبنان، بينما كان يسعى في الماضي إلى إبعادهم عن الحياة السياسية الوطنية.
يُدرِكُ “حزب الله” أن الوضع الاقتصادي في لبنان سيتدهور أكثر إذا بقيت البلاد معزولة إقليميًا. في الوقت الذي تتواصل الاحتجاجات في إيران وتوشك حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة على تولي السلطة، قد لا يرغب “حزب الله” وحده في مواجهة عاصفة كاملة من الأزمات التي تطغى عليه، ما يجعل الانفتاح على الدول العربية أمرًا مرغوبًا فيه.
هناك خطوات أخرى سيتعيّن على قائد الجيش اتخاذها لتعزيز فرصه، بما في ذلك الانفتاح على الحزبين المسيحيين الرئيسيين –”التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”– لضمان حصوله على الشرعية المسيحية. وهذا الأمر مطلوبٌ لأنَّ الرئاسة دائمًا يتولاها مسيحي ماروني. لكن الحقيقة هي أن مستقبل العماد عون يتمحوَر بشكل رئيس على المستوى الإقليمي، بين “حزب الله” وإيران والدول العربية والغربية. ما تتفق عليه هذه الجهات في ما بينها، سيتعين على الأحزاب اللبنانية أن تتماشى معه.
- مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.