محمد بن سلمان صارَ شخصًا لا يُمكِنُ المَساس به في السعودية و… أميركا!

مرسوم تعيين الأمير محمد بن سلمان رئيسًا للوزراء هو استثناءٌ في النظام الأساسي للمملكة العربية السعودية، الذي تنصّ مادته 56 على أن الملك هو رئيس وزراء المملكة. فلماذا صدر هذا المرسوم في هذا الوقت بالذات؟

الأمير خالد بن سلمان: صار وزيرًا للدفاع ولكن هل يمكنه أن يصبح وليًّا للعهد عند تسلم الأمير محمد العرش؟

لينا الخطيب*

أصدرَ العاهلُ السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الأسبوع الفائت، ثلاثة أوامر ملكية لتعديلٍ وزاري. من بين الثلاثة، كان أبرزها الأوّل، الذي عَيَّنَ بموجبه نجله ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، رئيسًا للوزراء. على الرُغم من أن المَنصِبَ رمزيٌّ، إلّا أنه يُعزّزُ السيطرة الفعلية لولي العهد على المملكة العربية السعودية.

الواقع أن مرسوم تعيين الأمير محمد بن سلمان رئيسًا للوزراء هو استثناءٌ في النظام الأساسي للمملكة العربية السعودية، الذي تنصُّ مادته 56 على أن الملك هو رئيس وزراء المملكة. وفقًا للدستور، يتمتع الملك سلمان بسلطة تفويض هذه الصلاحيات، لكن توقيت التعديل أثار بعض الدهشة بسبب الأسئلة الأخيرة التي أُثيرت بشأن المكانة التي يتمتّع بها الأمير محمد بن سلمان بموجب القانون الأميركي.

لقد برزت هذه الأسئلة في إطارِ دعوى مدنية رفعتها على الأمير محمد بن سلمان خطيبة جمال خاشقجي، الصحافي السعودي المُعارض الذي كان يُقيمُ في الولايات المتحدة وقُتل في القنصلية السعودية في إسطنبول قبل أربعة أعوام. وكان تقريرٌ استخباراتي أميركي حدّدَ في شباط (فبراير) 2021 أن بن سلمان كان مسؤولًا عن مقتل خاشقجي. وخلص التقرير، الذي رُفِعَت السرية عنه في العام الماضي، إلى أنه وافق شخصيًا على عملية القبض على الصحافي أو قتله.

أعطى قاضٍ في محكمة محلية أميركية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حتى 3 تشرين الأول (أكتوبر) لإبداء رأيها حول ما إذا كان الأمير محمد بن سلمان، بصفته ولي العهد السعودي، سيكون محميًّا بموجب قانون أميركي يمنح الحصانة السيادية لرؤساء الدول والحكومات وكذلك وزراء الخارجية. ويبدو أن المقصود من تعيين الأمير محمد بن سلمان رئيسًا للوزراء قبل هذا الموعد النهائي كان لضمان حصانة سيادية له بغض النظر عن استجابة إدارة بايدن، كما جادل محاموه في المحكمة يوم أمس. وقد طلبت وزارة العدل الأميركية تمديدًا لمدة 45 يومًا لإصدار رد “في ضوء هذه الظروف المُتَغَيِّرة”.

كمرشّحٍ رئاسي في العام 2020، قال جو بايدن إنه سيجعل من السعودية “دولة منبوذة”، ويرجع ذلك جُزئيًا إلى مقتل خاشقجي. وبعد فترة وجيزة من تنصيب بايدن كرئيس للولايات المتحدة، أعلنت إدارته أنها ستُعيد ضبط علاقتها مع الرياض. لكن واشنطن لم تتابع أبدًا تهديداتها بمحاسبة بن سلمان حسب تقييمها بأنه وقّعَ شخصيًا على مقتل خاشقجي. ومما زاد الطين بلة، أن بايدن زار المملكة العربية السعودية في تموز (يوليو)، وهي خطوة ندّد بها العديد من المراقبين المحليين والأجانب، خصوصًا أنه لم ينتزع أيّ تنازلات من ولي العهد السعودي بشأن سجل حقوق الإنسان في السعودية خلال الرحلة. وبدلًا من ذلك، هيمنت على الزيارة مطالب واشنطن للرياض بزيادة إنتاج النفط للمساعدة على خفض أسعار الوقود المحلية الأميركية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

سيكون اكتساب الحصانة السيادية الخطوة الأخيرة لمحمد بن سلمان لتفادي اتخاذ إجراءات قانونية ضده في قاعة محكمة أميركية. كما أن توليه رئاسة الوزراء يُعزّزُ مركزية سلطته في المملكة العربية السعودية. بعد اختياره وليًا للعهد في العام 2017، تحرّك بن سلمان سريعًا لتوسيع صلاحيات الديوان الملكي، والذي يشرف عليه بسبب اعتلال صحة والده، ما يمنحه مزيدًا من السيطرة على الحرس الوطني ووزارة الداخلية والقوات المسلحة. منذ العام 2015، كان أيضًا رئيسًا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة العربية السعودية، والذي يمتلك، أكثر من مجلس الوزراء، رأيًا في صنع السياسات الاقتصادية والمحلية في المملكة، بما في ذلك المهمة الحاسمة المتمثلة في تقديم رؤية محمد بن سلمان التي تم الترويج لها كثيرًا والمعروفة ب”رؤية 2030”.

في مقال رأي نشره في صحيفة واشنطن بوست قبيل زيارته للسعودية في تموز (يوليو)، كتب بايدن أن “الحريات الأساسية دائمًا على جدول الأعمال” كلما سافر إلى الخارج. لكن على الرغم من هذا الادعاء، تُواصِل السعودية اتباع نهجٍ مُتشدّد بشأن الحريات المدنية والحريات السياسية. في العام 2017، بعد أشهر قليلة من تعيينه وليًا للعهد، انخرط بن سلمان في حملة تطهير واسعة النطاق، ظاهريًا كجُزءٍ من حملة لمكافحة الفساد. تم القبض على العديد من السعوديين البارزين، بمن فيهم أفراد من العائلة المالكة، وصادرت السلطات أصولهم بعد اتهامهم إما بالفساد أو الانخراط في ما وصفه النظام بأنشطة مزعزعة للاستقرار. هذه الأنواع من انتهاكات حقوق الإنسان ما زالت مستمرة. في آب (أغسطس)، بعد شهر واحد من زيارة بايدن، حكمت محكمة سعودية على سلمى الشهاب، طالبة في جامعة ليدز في المملكة المتحدة، بالسجن 34 عامًا بعد اتهامها بمتابعة وإعادة تغريد المعارضين السياسيين على تويتر.

أثار تعيين محمد بن سلمان رئيسًا للوزراء في السعودية تكهنات حول من سيتم تسميته وليًا للعهد بمجرد توليه العرش في نهاية المطاف، كما هو بات مؤكدًا تقريبًا. في أحد المراسيم الملكية الثلاثة للملك سلمان، تم تعيين الأمير خالد، شقيق محمد بن سلمان، السفير السابق لدى الولايات المتحدة ونائب وزير الدفاع، وزيرًا جديدًا للدفاع، وهو المنصب الذي شغله محمد بن سلمان منذ العام 2015.

لكن لا يمكن لخالد أن يصبح وليًا للعهد، حيث أن تعديل العام 2017 للقانون الأساسي الذي جعل محمد بن سلمان ولي العهد قد غير ترتيب الخلافة من الوضع الأفقي، أي الأخ إلى الأخ، إلى الوضع العمودي، أي الأب إلى ابنه. الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق الذي كان من المتوقع على نطاق واسع أن يخلف الملك سلمان قبل إصدار هذا التعديل، يخضع للإقامة الجبرية منذ العام 2017. كل الأنظار الآن مُنصَبّة على الديوان الملكي السعودي لمعرفة ما سيأتي بعد توطيد الأمير محمد بن سلمان سلطته. وكيف سيؤثر ذلك في السياستين الداخلية والخارجية.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحولات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى